من تاريخ كنيستنا
- 144 -


الكنيسة القبطية في القرن التاسع عشر
البابا بطرس الجاولي
البطريرك التاسع بعد المائـة
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري
(1809 - 1852م)
- 8 -

 «وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 18)

(تكملة الرسالة البابوية) كتاب البابا بطرس الجاولي إلى الملك الإثيوبي كيكار(1):

+ هذه هي أمانتنا (إيماننا) بالإسكندرية من أبينا مرقس الإنجيلي إلى يومنا هذا. وليس لنا تعليم ولا أمانة غيرها. وأرسلنا لكم عدة أدراج (جمع ”دَرْج“ أي رسالة مخطوطة على ورقة كبيرة ملفوفة) بها، ولم نَعْلَم إنْ كانت تصلكم أم لا، أو تصل والمترجمون يُغيِّرون‍ها. وكذلك الجوابات التي تحضر من عندكم لنا لم نعرف لها قاعدة ولا نصّاً معتدلاً، ونحن غير عارفين إنْ كانت لَخْبَطة جواباتكم من المُترجمين أو من عدم معرفة اللغة. فقد عرَّفناكم السبب الذي صار به الشكُّ لكم. ولأجل كمال بَرْهَنة كلامنا المتقدِّم شرحه، واصِلٌ لكم دَرْج مجموع بالاختصار من كلام آبائنا الرسل والآباء الذين بعدهم.

عند وصوله عندكم تُترجمونه من اللغة العربية إلى اللغة الحبشية، وتُطلِعون عليه عامة الجيوش والعلماء بطرفكم، كما هو بعِلْمِنا أنَّ فيهم أُناساً ذوي فَهْم وعِلْم بالكُتب المقدَّسة، عتيقة وحديثة، وكُتب الآباء. ويكون ذلك بحضور أخينا الحبيب المُكرَّم المطران أنبا كيرلس (هو كيرلس الثالث المطران السادس بعد المائة من مطارنة الحبشة) بعد صُلْحِكم معه صُلْحاً شافياً، وتأخذون منه الحِلَّ والبركة كقبولنا عندكم لأنه رجلٌ صالح، قديس، وذو فَهْم وعِلْم بالكُتب المقدَّسة. وتُطيلون روحكم، ويكون عندكم التأنِّي في ترجمة الدَّرْج وجواباتنا الواصلة لكم حتى تفهموا ذلك جيداً. إذا كان يصير عندكم وعند العموم الاقتناع بهذا الدَّرج، فإنَّ الله تعالى يهديكم إلى ما يُرضيه ويُجنِّبكم عما يُغْضِبُه، ويكون لكم عوناً ومُعيناً وحافظاً أميناً. وإن كان لم يَصِرْ عندكم الاقتناع بذلك، فميِّزوا اثنين أو ثلاثة من طرفكم ذوي فَهْم وعِلْم بالكُتب المقدَّسة، وأَرسِلُوهم ليحضروا طرفنا، فنتكلَّم معهم شفاهياً بالفم حتى يقتنعوا بحضور صورة الأمانة (الإيمان)، وما يصير بيننا وبينهم من القَوْل وما ينتهي به الكلام، يصل لكم به كتاب تفهمون به كلَّ شيء منه تفصيلاً.

والله تعالى يُثبِّتكم، ويُساعدكم، ويُدبِّر أموركم.

وسلام الرب يحلُّ عليكم، والبركة تشملكم.

تحريراً في 24 طوبة سنة 1531ش(2)

رسالة ثانية إلى مطران الحبشة الأنبا كيرلس الثالث:

أُرسِلَت في نفس التاريخ بالنصِّ الآتي:

+ حَضَر لنا جواب من أخينا ”كيكار“ سلطان الحَبَش، يُعرِّفنا فيه عن المُتمسِّكين به في اعتقادهم في المسْحَة وغيرها، وأنكم حَرَمتموهم بسبب ذلك، ويطلب مطراناً عِوَضكُم (أي بدلاً عنكم) يقول باعتقاده. فأرسلنا له رَدَّ الجواب ودَرج الأمانة بما فيه الكفاية عن رَدِّه من اعتقاده (في) حُكْم الدَّرج الذي أرسلناه لكم سابقاً، وعرَّفناه في الجواب أن يَصْطَلح معكم ومع كل القائمين في هواه. وبعد الصُّلْح الشافي، يُترجمون دَرج الأمانة (الإيمان) من اللغة العربية إلى اللغة الحبشية، ويقرأونه عليكم، ويفهمون مضمونه. فإن كان يُقنعُهم ذلك، فالله يُبارِك؛ وإن لم يُقنعهم، فلْيُرسِلوا جماعة من طرفهم ليأخذوا الأمانة (الإيمان) منَّا مُشافهة.

وأما أنتم، يا أخانا، فيحتاج الحال أن تُحاللوهم ولا تقسو عليهم بشيء، لا هُم ولا غيرهم؛ لأن الناحية التي أنت تُقيم فيها تشكو منكم بسبب الحَرْم والسَّفَه والشتيمة والضرب.

وكامل الذي أخبرناكم به في جواب الوزير، يحتاج الحال (حينئذ)، يا أخانا، أن تُحالل الجميع، ولا يخرج من فِيك (من فمك) حَرْمٌ(3) إلى أحد، بل بالبركة والدعاء الصالح، وأن تُهذِّب أخلاقك معهم، وتُطوِّل روحكم عليهم في كامل الأمور، لأن الكلام في أمور الديانة والأمانة لا يكون بالعَتْرَسَة (أي بالغَطْرسة) والفظاظة والحروم؛ بل يكون بالمُلاطفة والسياسة، لأن أبانا القديس كيرلس (البابا كيرلس الكبير في القرن الرابع) لَمَّا تحرَّف (أي انحرف) أهل المشرق في أمانتهم (أي إيمانهم) بسبب لُغتهم وعدم فصاحتهم في المنطق ودُرْبَة (أي التدرُّب في الحوار) اللسان، لما عرف أبونا القديس أنَّ انحرافهم هو بعدم المعرفة، مال معهم في رأيهم وعرَّفهم أنَّ أمانتهم (إيمانهم) على الصحيح. فلما ركنوا إليه (أي اطمأنوا إليه وأَبدَوا التفاهُم معه) وزال نفورهم منه، صار أبونـا القديس يجذب‍هم إليه قليلاً قليلاً، إلى أن عرَّفهم غَلَطَهم (أي خطأهم)، فاعترفوا له بالشُّكر: إنه قد صار خلاصهم على يده. كذلك أنتم، يا أبانا، كان يجب عليكم أن تصنعوا مثل ذلك. والمظنون، يا أخانا، أنك تمشي على مُوجب جوابنا هذا أحسن من الكلام الذي يصلنا كثيراً.

والله تعالى يُعينك، ويُساعدك، ويُدبِّر أمورك، ويجعل خلاصهم على يدك، ويكون سَعْيُك وكلامك مُرْضيين لديه، ويجعل منك ربنا العمارة والثمرة. (انتهت رسالة البابا)(4).

خطاب ثالث من البابا بطرس الجاولي إلى ”خرماتش أسيفادس“ وزير أرض الحبشة:

وقد أرسل البابا بطرس الجاولي خطاباً إلى وزير أرض الحبشة، ونصه كالآتي:

+ إنه في أَبْرَك وقت، وأَشرف ساعة، حضر لنا جوابكم: واحدٌ صُحْبة”محمد الجبرت“، والثاني صُحْبة ”ولدنا يعقوب القبطي“. وقرأناهما وفهمنا ما فيهما، وصار عندنا فرح زيادة، وقدَّمنا التمجيد والشُّكر لله الذي أعطاكم وَلَد ”سلاسي“، نسأله تعالى أن يكون لكم عوناً ومُعيناً.

وأَرسلتَ أيضاً ما تُعرِّفنا به أن نُرسل لكم جانباً من ماء ن‍هر الأردن، فهي واصلة إليكم صُحْبة ”محمد الجبرت“. وأيضاً أرسلتَ تُعرِّفنا أنَّ الواصل إليكم ”أبونا دميان“ يُعرِّفكم عمَّا جَرَى مع أبينا المطران. والحال، يا ولدنا، أنَّ القس دميان المذكور حَصَلَ له لُطْفٌ من الله تعالى في بندر السويس، وغاب عَقْلُه. ولما حضر عندنا وقابَلَنا، ما عَرَفنا منه كلاماً جملةً (أي لم نعرف أو نفهم أي كلمة منه). فسألنا ”محمد الجبرت“ وقلنا له: ”أيُّ شيء جَرَى من المطران؟“. وقد عرَّفنا أن المطران طيِّب في جميعه (أي في كلِّ شيء)، غير أنَّ عنده حرارة دينية (أي حماس وغيرة دينية) فقط. فكان المناسب منكم أن تُخبرونا عمَّا جَرَى منه تفصيلاً، لكي نردَّ له الجواب بما فيه الكفاية. ولكن ما صار مُبارَكاً، ونحن قد أرسلنا له جواباً بالتقريط (أي بالتأكيد) عليه أن يكون وإيَّاكم حالة واحدة (أي قلباً واحداً). لأنه، يا وَلَدنا، وَصَلَنا جواب من السلطان يُعرِّفنا بأن نعمل (أي نرسم) له مطراناً على رأيه واعتقاده. فأرسلتُ له جواباً ودَرْجاً بالأمانة (بالإيمان) التي لنا. وأمَّا إرسالُه لنا بأن نعمل (نرسم) له مطراناً على رأيه، فهذا غير مُمكن وبخلاف العادة من قديم الزمان وإلى الآن. فإن كـان، يا ولدنا، حصل من أخينا المطران شيء حادث، فأَرْسِلوا أَعْلِمُونا بما حصل تفصيلاً، ونحن عند حضور جوابكم لنا بما يصير، نُرسل نُخاطبه.

وأمَّا أنتم، يا ولدنا، فلا يكن في بالكم شئ. وهذا شيء من قديم الزمان، ولم يُغيِّر أحد القوانين السابقة عمَّا سَلَفَ. والله يكون بالعون. (انتهى خطاب البابا)(5). (يتبع)

(1) المنشور في عدد ديسمبر 2016، ص 26-27.
(2) عن: ”تاريخ كيرلس الرابع“، ص 50-53؛ عن: ”سلسلة تاريخ البابوات بطاركة الكرسي المرقسي“، كامل صالح نخلة، الحلقة الخامسة، ص 146-147.
(3) لاحِظ، أيها القارئ، هذا التحريم باللجوء إلى الحَرْم، هذه الآفة التي قَسَمَت الكنيسة في مجمع خلقيدونية (451م)، والتي تُشتِّت رعية المسيح. ولا يصحُّ الحَرْم إلاَّ بمجمع كنسي. وممنوع أن يكون بفم شخص واحد، ولو كان هو البطريرك أو الأسقف؛ بل بمجمع من الآباء المطارنة والأساقفة، أو بمجمع من كهنة الإيبارشية، على أن يكون المطلوب حرمانه حاضراً، وإلاَّ يسقط الحرمان ويَبطُل بُطلاناً قاطعاً.
(4) عن: ”تاريخ كيرلس الرابع“، ص 53-54؛ عن نفس المرجع السابق ، ص 148-149.
(5) عن: ”تاريخ كيرلس الرابع“، ص 65-66؛ عن نفس المرجع السابق ، ص 149-150.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis