قصة
ميلادية


أجمل ليلة عيد ميلاد
زجاج نافذة الكنيسة المكسور

مع قدوم عيد الميلاد وبعد أيامٍ قليلة، كان يجب أن أكون مُبتهجة، لكنني هذه المرَّة لم أكُن كذلك.

وكنتُ خـلال نصف الوقت في الوظيفة التي كنتُ أُمارسها خـلال السنة الأولى، في مـزاجٍ كئيب. فقد كنتُ مسئولة نظافة في كنيستي. وكنتُ أكره أيـام السبت بسبب استيقاظي مُبكِّـراً في صباح ذلك اليوم، بينما يكـون أصدقائي نياماً! احتقرتُ القميص الرمـادي الباهـت الذي كنتُ أرتديه، والذي كـان اسمي مكتوبـاً عليه، أثناء استقبالي الداخلين إلى الكنيسة.

الأهم من ذلك كله، أنني كرهتُ العمل، فقد كـان عَفْويّاً وفوضويّاً. ويبـدو أنَّ الناس كانـوا يُنادونني دائماً للقيام بأشياء لا يُريـدون هم القيام بها، مثل: ”جوين، اكْنِسي هذه القمامة“! ”جوين، ضَعْي هذا بعيداً“!

ومـا زاد الأمور سوءاً، أنـه في يوم السبت هذا، اضطررتُ إلى تنظيف غرفة، كانت ثُلَّة من الأطفال الصغار قـد قضوا فيها الليل كله. فقـد أقامت الكنيسة حفلة طوال الليل لعدَّة أطفال مـن العائلات المُحتاجة في كنيستنا. وكانوا قد غادروا المكان قبل نحو ساعة، تاركين وراءهم فوضى عارمة لكي أُنظِّفها أنا!

وعندما كنستُ الغرفة ومسحتُها، شعرتُ بريحٍ باردة قادمـة مـن الرُّواق. فقمتُ بوضع أدوات التنظيف التي كنتُ أستخدمهـا جـانباً، وتتبَّعـتُ النسيم البارد الآتي مـن أحد الأبواب الخارجية. فوجدتُ نافـذةً قـد كُسِر زجاجها، وقـد تناثرت شظايا الزجاج على الأرضية المشمَّع.

وحالما تنهَّدتُ غاضبة مُتمنِّية وظيفة أخـرى أقـوم بها غير هـذه الوظيفـة، تقـدَّم الشخص المسئول عـن حفلة الليلة الماضية، ونظـر إليَّ، وهزَّ رأسه قائلاً:

- ”أحـد الأطفال هـو الذي فعل ذلك. لقـد كَسَرَ زجاج النافذة حتى يتمكَّن من فَتْح الباب, أنا آسف حقّاً“.

وبينما أَخَذَ صوته يتلاشَى، كنتُ أنـا أُفكِّر في كلامه:

- ”إنه تصرُّف غير مسئول، كيف يبلغ عـدم الاحترام لممتلكات الكنيسة هذا الحد“!

ومع تصاعُد غضبي بداخلي، وجدتُ صندوقاً من الورق المُقَوَّى، بَدَأتُ أضع فيه شظايا الزجاج المُتناثرة التي كنتُ ألتقطها بحَذَرٍ. وبينما كنتُ أفعل هذا، رأيتُ يـداً صغيرة تتسلَّل مـن خلال النافذة المكسورة. وعندما نظرتُ عن كَثَبٍ، رأيتُ رأساً وكتفَيْن لصبيٍّ مُمتلئ يبلغ من العمر حوالي 8 أو 9 سنوات، كـانت تعبيرات وجهـه تحمل تحدِّياً.

فصرختُ فيه: ”مهلاً! تعالَ هنا“. ولسببٍ ما، وعلى الرغم من مظهره الذي يُعبِّر عن التحدِّي، أطاع الأَمر!

فقلتُ له:

- ”هـل أنت الذي قُمتَ بكَسْر زجاج هـذه النافذة؟ أنـا لا أُريد أن أُحقِّق معك، أليس كذلك؟ ولكـن، مـا الذي دفعك لفعل هـذا العمل غير اللائق؟“.

أجاب:

- ”إنَّ أُمِّي كانت قادمة إلى الكنيسة بصُحبتي. لكنها - لسببٍ ما - لم تأتِ، وأنا أُريد العودة إلى البيت“.

- ”ألم يُعلِّمك أحـدٌ أبـداً أن لا تكسر زجاج النافذة عندما تريد الدخول؟ بـل ينبغي أن تقرع الباب حتى يأتي شخصٌ ما ليفتح لك الباب“.

أجاب:

- ”لقد طرقتُ الباب عدَّة مرَّاتٍ، ولم يفتح لي أحدٌ، والجو في الخارج بارد جدّاً“.

- ”هـذا ليس عُذراً. فقد كان كَسْرك لزجاج النافذة خطأً“!

وبعـد الانتهاء مـن توبيخي للصبي، أمسكتُ صندوق الكرتون الذي جمعتُ فيه شظايا الزجاج، وخرجتُ من الغرفة، تاركةً الصبي واقفاً وحده.

وعندمـا بادرتُ بالعودة إلى غرفة الحارس، بَدَأتُ أُفكِّـر فيما حدث للتوِّ. وفكَّرتُ في الصبي الصغير ذي الوجه المُتحدِّي. ثم فكَّرتُ في الرياح العاصفة التي اجتاحت النافذة المكسورة، وتأمَّلتُ في السُّترة الرقيقة التي كان يرتديها ذلك الصبي، وأحسستُ بمدى القنوط الذي أصابه ما جعله يفعل ما فعله ليقي نفسه من البرد! إنه اليأس بما يكفي ليُخاطر بجرح نفسه للدخول مـن خلال النافـذة المُحطَّمة اتقاءً من البرد.

وعنذئـذٍ فكَّـرتُ في المُحتاجين والمُعوزين والعائـلات المستورة التي أَرْسَلتْ أبناءهـا إلى الكنيسة للصلاة في هذا البرد القارس.

ولذلك قمتُ في الحال مُتَّجهةً إلى حيث كـان الصبي الصغير، وأَخذتُه إلى بيتي، وأَشْرَكتُه مع أُسرتي في مائدة طعام ليلة عيد الميلاد.

وكـم فرحتُ، وفَرِحَتْ معي أُسرتي بليلة عيد الميلاد هذه!

وكم كـانت سعادتنـا التي طَغَت علينا جميعاً غامرة جداً، ما لم نسعد بـه قط في أيِّ ليلة عيد ميلاد سابقة!

(+( (

+ «اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا بِـلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَداً للهِ بِـلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ» (في 2: 15،14).

+ «لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلاً» (يو 7: 24).

+ «لاَ تَحْكُمُـوا فِي شَيْءٍ قَبْـلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِـيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَـا الظَّـلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ» (1كو 4: 5).

+ «الْحَقَّ أَقُـولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْـوَتِي هـؤُلاَءِ الأَصَاغِـرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (مت 25: 40).

+ «اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ» (رو 15: 7).

+ «مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ» (رو 12: 13).

+ «لِتَثْبُتِ الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ. لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَـاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَـةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ» (عب 13: 2،1).

+ «كُونُوا مُضِيفِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِلاَ دَمْدَمَةٍ. لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضاً، كَوُكَـلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ» (1بط 4: 10،9).

+ «وَلِهذَا عَيْنِهِ - وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ – قَدِّمُـوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي الصَّبْرِ تَقْـوَى، وَفِي التَّقْوَى مَـوَدَّةً أَخَوِيَّـةً، وَفِي الْمَـوَدَّةِ الأَخَوِيَّـةِ مَحَبَّةً. لأَنَّ هـذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّـرُكُـمْ لاَ مُتَكَـاسِلِـينَ وَلاَ غَـيْرَ مُثْمِرِيـنَ لِمَعْرِفَـةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لأَنَّ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ هـذِهِ، هُـوَ أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَـدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَـاهُ السَّالِفَةِ» (2بط 1: 5-9).

**************************************************************************************************
دير القديس أنبا مقار صدر حديثاً الكُتُب التالية:
تاريخ الكنيسة القبطية
(الجزء الثالث)
من القرن الحادي عشر إلى القرن السابع عشر
إعداد الراهب باسيليوس المقاري
320 صفحة (من القَطْع الكبير)
وبمناسبة عيد الميلاد المجيد، صدر كُتيب:
معجزة الميلاد البتولي ومعجزة خلاصنا
للأب متى المسكين
16 صفحة (من القَطْع المتوسط)

**************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis