من تاريخ كنيستنا
من تاريخ كنيستنا
- 145 -


الكنيسة القبطية في القرن التاسع عشر
البابا بطرس الجاولي
البطريرك التاسع بعد المائـة
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري
(1809 - 1852م)
- 9 -


«وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 18)

تكملة ما نُشِرَ في عدد يناير 2017، ص 33:

+ وبالنسبة للدَّرْج الذي يُشير إليه البابا بطرس الجاولي في خطاباته لملك الحبشة (إثيوبيا) ومطرانها في شهر هاتـور سنة 1539ش، وكذلك بعث بـه أيضاً إلى وزيـر أرض الحبشة ”سينادس“، أي قبل كتابة تلك الجوابات (الخطابات) الثلاثة بسنتين؛ فهو يتضمَّن اعتقاد الكنيسة، فعبثاً كان يحاول الإقناع.

+ أمَّا الأنبا كيرلس الثالث مطران الحبشة لمَّا دخل إلى ”غندار“، وقال إن يسوع المسيح هو ابـن الله بـالاتحاد، قـام عليه كهنـة ”غندار“ وكسروا ”الكاتدرا“ أي الكرسي والصليب. فهرب إلى ”تيفري“، وأقـام في ”عدوي“، ومـات بيد ”سبغيدس“. وكانت رسامة هذا المطران بيد البابا بطرس الجاولي نفسه في يـوم الأحد عيد العذراء الموافـق 16 مِسْرى سنة 1532ش (21 أغسطس سنة 1816م) حسب مـا وُجِدَ في كتاب الميرون. ولكـن يـوم الأحـد يوافـق 20 مسـرى أي 25 أغسطس، ولعـل الصـواب أنَّ رسامة المطران كـانت 6 مسرى الموافق 11 أغسطس ليقع في يوم الأحد(1).

رسامة خليفة للمطران كيرلس الثالث:

+ وقد أقام البابا بطرس خليفةً للأنبا كيرلس الثالث المطران المتنيِّح، وهو الأنبا سلامة في سنة 1841م، وكان يُدعَى سابقاً ”أندراوس“. وكان تلميذاً بالمدرسة الإنجليزية بالقاهرة. وقد جاء عنه في دائرة المعارف البستانية (جزء 6، ص 680، تحت اسم ”حبشة“) هكذا: ”وكان القوم يـؤمِّلون دخـول مـذهب الإصلاح الإنجليزي بواسطته. ومِمَّا قوَّى أَمَلهم، استيلاء أحد الأُمراء كان يميل إليهم، على الحبشة، وكان اسم ذلك الأمـير "ثيئـودوروس". ولكـن لمَّا استتبَّ لـه الحُكْم وراقَتْ له الأيـام تمامـاً، نفى المُرسلين وألقاهم في السجن“.

استمرار المُشاحنات حول العقيدة:

وبعد رسامـة الأنبا سـلامة مطرانـاً على الحبشة، استمرَّت المُشادَّة بشأن صحة العقيدة التي تسلَّمتها الكنيسة القبطية منذ العهد الرسولي إلى يومنا هذا. وظل النزاع قائماً إلى أن انتدب البابا بطرس السابع (الجاولي) القمص داود رئيس دير القديس أنبا أنطونيوس لحَسْم هذا الإشكال. فكان النجاح رائده، وفاز بما كان يتمنَّى، بعد أن دام النزاع قائماً حوالي الثلاثين سنة.

ولكـن لم يقتنـع الأحباش بخطئهم، إلى أن انتهت المشكلة على يـد هـذا المُصلِِح العظيم القمص داود الأنطوني(2).

رسالة من الأنبا سلامة الثالث

إلى الأرخن الكبير المعلِّم باخوم:

وقد أرسل مطران الحبشة الجديد الأنبا سلامة الثالث رسالة إلى الأرخن الكبير المعلِّم باخوم بالقلاية البطريركية بمصر، يُحذِّره فيها هو ومَن معه من محاولات الأحباش الذين يحضرون إلى مصر للاكتساب بالطُّرق المختلفة الدنيوية ربحاً غير مشروع أو غيره، وأن لا يقبلوهم في الديار المصرية ما لم يكونوا حاملين إذناً منه شخصياً. وهذا نص الرسالة:

(الله رجائي وملجأي) بسم الله الرؤوف الرحيم
المجد لله في العُلا Ihc

+ صَدَرَت هذه البركة الكاملة والنعمة الشاملة إلى ذات الابن المُبارك الدَّيِّن الأرثوذكسي الشمَّاس المُكرَّم والأرخن المُبجَّل ولدنا الحبيب ”المعلِّم باخوم“ الشيخ العفي اللبيب، العلاَّمة الفضيل، وحيد عصره النبيل... بارَك الله عليه وأَسْعَدَهُ، وبالسرور مَتَّعَهُ. ولا بَرَحَتْ مساعيه ثابتة في فِعل الصلاح ومناهج الأبرار، والصحة لبَدَنه فراشاً ولحافاً، ونفسه ناجحة في أفعال البرِّ في كلِّ حين أضعافاً، ورَفَعَ مجدَه، وشيَّده بالسعود إلى يوم الخلود بقوَّة ربِّ الجنود، والسيدة البِكْر أُم النور ذات الفضيل والجُود، وجميع جيوش العلويين وكل الأولياء الصِّدِّيقين، آمين.

أما بعد إهداء البركات الإلهية والأَدْعية الأبويَّة والتحيَّات القلبية، نتوسَّل إلى الإله الرحوم، مُتضرِّعين كي يمنحك الصحة الجسدية، ودوام الأيام الهنيَّة ومغفرة كل خطية، وخلاص النفس، لتحظى بالسعادة الأبدية.

ثم الذي نُبديه لبُنوَّتك، أيها الولد الحبيب والشيخ النجيب، أنه كان سابقاً قد حضر لنا خطابٌ منكم حاوياً سلامتكم، وقد أرسلنا لكم رَدَّه مع بعض الحَبَش الحاضرين إلى الديار المصرية. فلم يَرِد لنا عن ذلك إخبارية، مع أننا نحن في كلِّ حين نستخبر عنكم الأخبار آناً فآنٍاً، فلا تقطعوا عنَّا جواباتكم السريعة، الحاوية ألفاظكم العذبة المنيفة. فإنني وإنْ كنتُ على بُعْدٍ منكم بالجسد، فروحي مأسورة عندكم ماءً، ونار حُبِّي لا تُضرَم إلاَّ بزندكم. فدايماً راسلونا بأخبار سلامتكم التي تُسَرُّ ب‍ها القلوب والخواطر، وتقرِّبُها الألباب والنواظر. ونسأله تعالى أن يُبارِك عليكم، ويُحْسِن إليكم، ويُعطيكم سعادة الدَّارَيْن، ويُديمكم إدامة النِّيرَيْن، ويُخلِّصكم من سائر المِحَن والبلايا، ويدفَع عنكم كلَّ الرزايا، ويُسْمِعُكم في ذلك اليوم العتيد الصوتَ الحلو اللذيذ القائل: «تعالوا، رِثوا المُلْك المُعدَّ لكم منذ إنشاء العالم». فليكُن لنا ذلك جميعاً بصلوات العذراء والقدِّيسين وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وكل الطوبانيين. وتكونوا مُحَالَلين، مُبارَكين، وبالأعمال الصالحة فائزين، وبحمايته محْميِّين محروسين في كل حين، آمين، آمين.

وعليكم منَّا البركة ثانياً وثالثاً، ومزيد السلام ألفاً وألفاً مع محبة وأُلْفَة. ومنَّا السلام الروحاني على جميع ما يحويه من‍زلكم الشريف، كل واحد وواحد باسمه، وبالأكثر على أولادكم المُبارَكين. والله تعالى يتحفَّظهم، ويُنمِّيهم، ويُقِرُّ ب‍هم أعينكم، ولا يحرمهم منكم. وأيضاً نُخبركم أنكم من الآن وصاعداً تُخبرون أولادنا المسيحيين أن‍هم لا يقبلون أحداً من الحَبَش إلاَّ بتذاكر منَّا، لأن فيهم كثيرين مُخالفين لأمانتنا (لإيماننا)، ويحضرون لاكتساب الرِّبح الدنياوي، فلا تقبلوهم إلاَّ بتذاكرنا. والله يحفظكم، وسلام الرب يحلُّ عليكم، والنعمة والبركة تشملكم. والشُّكر لله دائماً سرمدياً، آمين(3).

(انتهت الرسالة)

تكليف القمص داود الأنطوني بتسوية مشكلة دير السلطان بالقدس:

فقد كلَّف البابا بطرس الجاولي القمص داود الأنطوني رئيس دير القديس أنبا أنطونيوس، وهو الموفَد من قداسة البابا بطرس الجاولي إلى الحبشة (إثيوبيا)، بتسوية مشكلة دير السلطان بالقدس، والذي كان الن‍زاع في هذه المشكلة ما زال قائماً بين الكنيسة القبطية والأحباش (الإثيوبيين). وقد أرسل البابا بطرس إلى القمص داود الأنطوني بالرسالة التالية:

+ البركة الكاملة والنعمة الشاملة إلى ذات ولدنا الحبيب الكاهن المؤتَمَن القمص داود رئيس دير أبينا القديس العظيم أنبا أنطونيوس كوكب البريَّة، بارَك الله عليه بأفضل البركات الروحانية، وجزيل الخيرات السمائية، والنِّعَم الإلهية.

+ تَعْلَمْ أنَّ سابق تاريخه أرسلنا لكم ولحضرة أبينا المطران أنبا سلامة مطران الحبشة (إثيوبيا) ثلاثة جوابات نسخة واحدة، اثنين من علي ”سنار“، والثالث من علي ”مصوَّع“، مضمون‍هم أنه الآن بعد توجُّهكم بمدَّة كم (عدَّة أيام)، وَرَدَتْ جوابات من القُدْس الشريف: أحدها من جناب أخينا المطران داود مطران طائفة الأرمن بالقدس ووكيل دير مار يعقوب بذاك الطَّرَف، والثاني من أولادنا الكهنة المُقيمين هناك المندوبين من طرفنا؛ يُخبروننا فيها بخصوص قضية مفتاح كنيسة الملاك (أي الكنيسة الكائنة في دير السلطان)، الذي أَخَذَه الحَبَش (الإثيوبيين). وأرسلنا نُعرِّفكم ونُعرِّف أخانا المطران عن ذلك: بأنه صار إعمال الدعوى المذكورة على يد سعادة مُتصرِّف (والي) مدينة القدس، وحضرة القاضي بالمدينة، بذاك الطَّرَف، وأعيان مدينة القدس من كل طائفة، ومَن لَزَم هناك، بحضور تُرجمان قنصل دولة الإنجليز بالقدس، وواحد حبشي (إثيوبي) اسمه ”ميخائيل“ وكيل عن الحَبَش (الإثيوبيين)، وحضروا معه. وبحضور حضرة المطران المُشار إليه، وأولادنا الكهنة المُقيمين هناك من طرفنا. وصار ما صار. وأخيراً، أُخِذَ مفتاح الكنيسة المُتقدِّم ذِكْره من الحَبَش (من الإثيوبيين)، واستلمه أولادنا الكهنة كما كان مثل الأول، بأمر سعادة المُتصرِّف وحضرة القاضي.

+ وقد استخرجنا عنها إعلامات شرعية، وصار عرض تلك القضية إلى الأستانة (عاصمة الخلافة الإسلامية العثمانية بتركيا) لأجل إخراج فرمان سُلطاني عن ذلك لتقويتهم لأجل عدم القيل والقال في الأواخر. إلاَّ أنه، يا ولدنا، تمَّ صَرْف خسائر كبيرة في ذلك: مبلغ خمسين ألف قرش بمائة كيس، فبلغ مقدارها ألْفَين وخمسمائة فرانسة. والسبب في ذلك هم الحَبَش (الإثيوبيون)، وذلك صار من أخينا المطران المُبْدي ذِكْره، ومن أولادنا الكهنة، بغير عِلْمنا. ولا خاطبونا عن ذلك قبل الشروع في أعمال هذه القضية. ولكن لعلَّه خير، خصوصاً - يا ولدنا – أنًَّ الحَبَش (الإثيوبيين) الذين يحضرون من بلادهم إلى القدس وخلافه من قديم الزمان، نحن حاملون ثِقَلهم في المصاريف التي تُصرف عليهم سنوياً عن كل سنة: خمسة آلاف قرش وكسور، فصار جملة الذي صُرِفَ عليهم نحو مائتي ألف قرش وكسور في مدَّتنا نحن فقط. فصار جملة الذي صُرِفَ عليهم، والذي صُرِفَ الآن في هذه القضية، مبلغ خمسمائة كيس وزيادة؛ فضلاً عـن مأكولات‍هم، ولوازم موتاهم، وكِسْوَت‍هم، وسفريات‍هم في الذهاب والإياب.

+ فيقتضي الأَمر، يا ولدنا، أنكم تُفهِّمون أولادنا ”جزدمات أويه“ (الإمبراطور) والرأس عالي وباقي أولادنا الذين أُرسِلَتْ لهم الجوابات بمعرفتكم بذلك، وتُفهِّمون‍هم جيداً عن هذا الخصوص، لأجل أن يصير:

أولاً: معلومهم بذلك المبلغ المُقدَّم ذِكْره، الذي صُرِفَ على الحَبَش (الإثيوبيين) لينظروا مُعاملتنا إيَّاهم، ولكي يتحقَّق لدى الجميع، وتبطُل بذلك الفتنة بالقول إننا لم نُعامِل أولادنا الحَبَش (الإثيوبيين) مثل أولادنا الأقباط؛ بل يَعْلَم الجميع أنه صائر منَّا الالتفات والمُعاملة للحَبَش في كل لوازمهم.

وثانياً: إيَّاك أن يُرسِلوا لنا شيئاً، وكذلك يبقى في علمهم ما عملوه وما صُرِفَ عليهم، حتى ينظروا لهم طريقـة في حـقِّ الذي يحصل منهم الأمور غير المُرضيَّة.

+ ومن الآن فصاعداً تُنبِّهون على أنَّ كل مَن يحضر لهذا الطَّرَف من أولادنا الأحباش (الإثيوبيين) لزيارة القدس الشريف وخلافه، فلا يحضر من ذاك الطَّرَف إلاَّ بورقة من حاكِمِه، ويكون عليها ختم حضرة أخينا المطران أنبا سلامة، ولذا يكون معروفاً(4). (انتهى الخطاب)

(يتبع)

(1) عـن كتـاب: ”سلسلة تاريخ البابـوات...“ = = كامل صالح نخلة، الحلقة الخامسة، ص 150،149.
(2) عن: ”تاريخ البابا كيرلس الرابع“، ص 56؛ عن: ”سلسلة تاريخ البابوات...“، كامل صالح نخلة، الحلقة الخامسة، ص 150-151.
(3) عن: ”تاريخ البابا كيرلس الرابع“، ص 65-66؛ نفس المرجع السابق ، ص 149-150.
(4) عن كتاب: ”تاريخ البابا كيرلس الرابع“، ص 59-61؛ عن: ”سلسلة تاريخ البابوات...“، كامل صالح نخلة، الحلقة الخامسة، ص 153-155.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis