مفاهيم كتابية



حضور الله

وجـود الله هـو أولى حقائـق الإيمان. ففي الإيمان بالله إقرارٌ بوجوده: «لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنـه موجود، وأنـه يُجازي الذين يطلبونه» (عب 11: 6).

ووجـود الله ليس وجـوداً سلبياً كأنـه فقط ”هناك“ أو ”فوق“ بعيداً، ولكنه حاضرٌ فاعـلٌ في كلِّ زمانٍ ومكان. وهو يقول: «السموات كرسيَّ، والأرض موطئ قدميَّ» (إش 66: 1؛ أع 7: 49). فهو يملأ الكلَّ، أو كما قال عنه القديس بولس وهو يُخاطب الأثينيين في أريوس باغوس: «الإله الذي خلق العالم وكلَّ مـا فيه... إذ هـو يُعطي الجميع حياةً ونفساً وكلَّ شيء... مع أنه عـن كلِّ واحدٍ منَّا ليس بعيداً. لأننا بـه نحيا ونتحرَّك ونوجَد» (أع 17: 24-28).

+ حضور الله والتجسُّد:

قبل تجسُّد ابن الله لم يَرَ أحدٌ الله (خر 33: 18-23؛ يـو 1: 18؛ 1تي 1: 17؛ 6: 16؛ 1يو 4: 12). وكانت إحدى علامات حضوره سماع صوته. ومكتوبٌ أنَّ الله كلَّم آدم وحواء، وقايين، ونوحاً، وأبـرام (إبـراهيم)، ويعقوب، وموسى وهـارون، ويشـوع، وجدعـون، وصموئيـل، وداود، وإيليا، وأليشع، وغيرهم من الآباء والأنبياء.

بتجسُّد ابن الله وحلوله بيننا (يو 1: 14) رأينا الله الـذي خلقنا على صورتـه مُتجسِّداً (تك 1: 27،26؛ 9: 6؛ 1كو 11: 7؛ 2كو 4: 4؛ كو 1: 15). وبه بدأ الله عهده الجديد معنا (إر 31: 31-34؛ عب 8: 8-12؛ 10: 17،16).

وبحسب الكتاب، فإنَّ حضور الرب في بعض مواقف العهد القديم كان رهيباً، مثلما جرى عندما تسلَّم موسى لوحَي الشريعة: «وكان جبل سيناء كله يُدخِّن من أجل أنَّ الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأَتون، وارتجف كل الجبل جدّاً» (خر 19: 18)، وصَاحَبَه فزع الشعب (تث 5: 5)، وارتعاب مـوسى (تث 18: 19؛ عب 12: 19-21).

على أننا ونحـن نختبر حضـور الله، بعد تجسُّده، تأتينا صُوَر لُطفه وتحنُّنه واقترابـه مـن المتألِّمين والحزانى والمساكين، وأيضاً مَن أذلَّتهم الخطية وتاهـوا في دروب العالم المُظلمة. فـلا مجال للخوف والارتعاب القديم، وإنما هناك الدَّالة ويقين الإيمان والاستجابة لمَن يُشجِّعنا على القدوم إليه فاتحاً ذراعيه: «تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين والثَّقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم» (مت 11: 29).

نعم، فإنَّ «الرب قريب» (في 4: 5)؛ بل قد دُعِيَ اسمه ”عمانوئيل“ أي ”الله معنا“ (إش 7: 14؛ مـت 1: 23). وهـو «بـيَّن محبته لنا، لأنـه ونحن بعد خُطاة، مـات المسيح لأجـلنا» (رو 5: 8).

+ حضور الله وحياتنا الروحية:

المؤمنون الحقيقيون وحدهم هم مَن يختبرون حضور الله الدائم، ويتعاملون معه كل الأيام وفي كـلِّ الأحـوال، ويلمسون تدخُّله في كـلِّ أمور حياتهم: «قريبٌ هو الرب من المنكسري القلوب، ويُخلِّص المنسحقي الروح» (مز 34: 7؛ 145: 18)، ويتدخَّل لإنقاذهم: «ملاك الرب حالٌّ حول خائفيه ويُنجِّيهم» (مز 34: 7)، والدعوة إلينا: «اطلبوا الرب ما دام يوجَد. ادعوه فهو قريبٌ» (إش 55: 6). وآخر مـا قـاله الـرب لنا قبل صعوده: «ها أنا معكم كـل الأيام، إلى انقضاء الدهر» (مت 28: 20).

والحقيقة أنَّ الوعي الدائم بحضور الله هو عماد حياتنا الروحية ونموها:

+ فحضور الله في العبادة يُجرِّدها من الآلية والشكلية وتتميمها كفرائض هي غايـة في حـدِّ ذاتها دون تغيير الباطن.

+ كما أنَّ إحساسنا القوي بحضور الله يحفظ قداستنا. فهو، من ناحيةٍ، يمنعنا من السقوط في شهوات الجسـد والخضـوع للإخـوة، فتنضبط الحـواس وتتوارى محبـة الذات؛ ومـن ناحيةٍ، يكشف ضعفاتنا ويقودنا إلى التوبة، فليست خليقة غير ظاهرة قدَّامه.

وقد كان يوسف عبداً في بيت فوطيفار، وأرادت سيِّدته مراراً أن يُخطئ معها، وكـان البيت خالياً، وكـان هـو شاباً يافعاً. وكان يمكن أن يتعلَّل بأنـه لا يجـرؤ على عصيان سيِّدة القصر، وأنـه كعبد لا يملك من أَمره شيئاً؛ بل كان يمكن أن يفيد من هذه العلاقة. ولكن كان هناك عامل أقوى من كلِّ شيء جعله يتَّخذ قراره: كان الله حاضراً دوماً في حياته، وهو الذي ألهمه أن يقول: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله؟» (تك 39: 9). بالطبع فإنَّ النتائج الأولى كانت قاسية، فقد اتُّهم كذباً بالتحرُّش بسيدته بعد أن ترك ثوبه في يدها، وانحدر أكثر من مستوى العبد إلى مستوى السجين. ولكن الرب لم يتركه يُعاني نتائج أمانته والتزامه، ورتَّب له في البداية أن يتولَّى أمور السجناء قبل أن ينتقل من السجن إلى العرش، فيتشدَّد إيمانه أكثر، ويتأكَّد ولاؤه بإلهه.

+ أيضاً فإنَّ الشعور بحضور الله يمنحنا ثباتاً أمـام مصاعب الحياة وتجاربهـا: «جعلتُ الرب أمامي في كـلِّ حين، لأنـه عـن يميني، فلا أتزعزع» (مز 16: 8؛ أع 2: 25)، وينتزع منَّا الخوف: «إذا سِرْتُ في وادي ظِـلِّ الموت، فـلا أخاف شرّاً لأنك أنت معي» (مز 23: 4)، «معه أنا في الضيق. أُنقذه وأُمجِّده» (مز 91: 15)، «إن كان الله معنا فمَن علينا» (رو 8: 31).

+ كيف نختَبِر حضور الله الدائم؟

لا يَختَبِر حضور الله على الدوام إلاَّ النفوس التي تصالحت مع الله واستقرَّت علاقتها به. فهي قد آمنت وتُمارس التوبة وتحيا الخلاص ومحبة الله والقريب. وهي تعرف الله، لأنهـا تعرف كلامـه وتحفظه، وتسلك بالروح، أمَّا قلبها فهو بيت عنيا لسُكنَى الرب. وكـل أعمالهـا الجسديـة تُمارسها لحساب الله ولمجد اسمه. فالشعور بحضور الله هنا هـو مـن حقائق الحياة التي لا تغيب. وينمو هذا التوجُّه كلما نشطت مُمارسة وسائط النعمة: الصلاة، واللَّهج في كلمـة الله والتأمُّـل فيهـا، والصـوم، والتوبـة، والتناول، والخدمة، والقراءات الكتابية والروحيـة، والاجتماعات الكنسية، وخلوات الصلاة والتأمُّل، والجلوس إلى الأتقياء والمُختبرين.

وأمامنا مثال داود الراعي والنبي والملك الذي شهد الله عنه وقال: «وجدتُ داود بن يسَّى رجُلاً حسـب قـلبي» (أع 13: 22)، والـذي تكشف مزاميره عـن نفسٍ مُتصادقة مـع الله وتشعر بحضوره واحتوائه لها في كـلِّ مراحل الحياة؛ بل تراه في كـلِّ جوانب الطبيعة من حوله، وهي المزامـير التي تتغنَّى بها الكنيسـة ويلهج بها المؤمنون في صلواتهم:

«السموات تُحدِّث بمجد الله، والفَلَك يُخبر بعمل يديه» (مز 19: 1)؛ «الرب راعيَّ فلا يُعوزني شيء» (مز 23: 1)؛ «الرب نوري وخلاصي مِمَّن أخاف. الرب حصن حياتي مِمَّن أرتعب... إن نَزَلَ عليَّ جيش لـن يخاف قلبي. إن قامت عليَّ حرب ففي هذا أنا مُطمئن... إن أبي وأُمي قد تركاني، والرب يضُمُّني» (مز 27: 10،3،1).

+ في البداية قد يقتصر اختبارنا لحضور الله على وقت العبادة: أي خلال الصلاة في البيت والكنيسة، وعنـد قراءة الكلمة، وأيـام الصوم، وأثناء الخدمة بأنواعها. ثم بالنموِّ في النعمة يمتدُّ إحساسنا القوي بحضرة الله في كلِّ الأوقات: في أماكن حياتنا اليومية، في البيت والعمل والطريق وخلال أحداث كل يوم.

+ من الاختبارات المُفيدة أن نستحضر، في كل مواقف حياتنا، ممارسات المسيح أيام تجسُّده على أرضنا. فعندما نُصلِّي يسندنا مشهده وهو يقضي الليل كله في الصلاة (لو 6: 12)؛ وكلما قرأنا الكتاب أو حضرنا اجتماعاً لدراسته، نسأله أن يأتي إلينا ويُلهمنا كما كان يقرأ الكتاب في مجمع الناصرة (لو 4: 16)، أو وهو يُفسِّر الكتاب لتلاميذه (لو 24: 27، 44-46)؛ وكلما وقفنا في الهيكل للتناول نراه يملأ المكان، يُناولنا كما ناوَلَ تلاميذه ليلة آلامه (مت 26: 26-28؛ مر 14: 22-24؛ لو 22: 20،19).

وعندما نأكل أو نصنع وليمة، نذكره وهـو يأكـل مـع العشَّارين والخطاة في بيت لاوي، ونـراه على رأس الضيوف (مت 9: 11؛ مر 2: 16؛ لـو 5: 30)(1). ونحـن نسـير في الطريق، نـراه يمشي معنا كما رافَـقَ تلميذَي عمواس (لو 24: 15). وفي نزهتنا في الحدائق، نراه معنا كما كان يسير في الحقول (يو 4: 35). وإن كُنَّا في رحلة في البحر، نراه معنا في السفينة كما كان مع تلاميذه (مت 8: 23؛ 9: 1؛ 13: 2 ضمن شواهد كثيرة). وللحِرَفيين منَّا أن يفتخروا أنَّ الرب بارَكَ كـل الأعمال اليدويـة الصغيرة، فهو في وسطهم كما كان يُساعد يوسف النجَّار (مت 13: 55؛ مر 6: 3).

+ نحن لا نحتاج أن يَظهَر لنا الرب عياناً لكي نُدرك حضوره، وهو طوَّب «الذين آمنوا ولم يَرَوا» (يو 20: 21). فنحن نؤمن أنه حاضرٌ بـالروح، خاصةً عندمـا نجتمع باسمه: «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثـة بـاسمي، فهناك أكون في وسطهم» (مت 18: 20). ومـع هذا فنحـن يمكن أن نلتقيه في أيِّ إنسانٍ غريب، أو عابـر سبيل، أو رفيق طريق أو سَفَر يحتاج إلى معونتنا أو يمدُّ لنا يد المساعدة. فقد نختَبِر حضور الرب مثلاً عندما نتعثَّر ونسقط في الطريق، فيأتي فجأةً ليمدَّ لنا يد العون [كما مدَّ الرب يده وأمسك ببطرس الذي كاد أن يغرق (مت 14: 31)]، أو مَن يدفع سيارتنا التي تعطَّلت في الطريق، فعندها يصدق قـول الـرب المُحب: «ادعُني في يـوم الضيق، أنقذك فتُمجِّدني» (مز 50: 15).

في هذه المواقف، فإنَّ أمثال السامري الصالح (لو 10: 30-37) صانعي الرحمـة، هم أقـرب الناس للقاء المُخلِّص في مَن يُقدِّمون لهم الرحمة: «بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم» (مت 25: 40). وعندها فلننتبه، فليس الأمر مُجرَّد مُصادفات غير مقصودة، فلعل الرب يكون أمامنا أو بجانبنا وتضيع منَّا فرصة اختبار حضوره.

+ حرصت الكنيسة أيضاً على تهيئة المؤمنين للشعور بحضور الله، بإحـاطتهم بكـلِّ ما يُشبع حواسهم ويُجسِّد لهم حضوره وتعاليمه للصغار والكبار. فبعد أن كـان اجتماع المؤمنين في البيوت وصار للكنيسة بناؤها المُكرَّس، استعادت - بصورةٍ ما - الهيكل القديم ليكون بيتاً للرب، ورسمت في شرقية الهيكل الجديد (حضن الآب) صورة المسيح الضابط الكل (البانطوكراتـور)، وأزالت الحجاب الذي انشقَّ يوم الصليب (مت 27: 51؛ مر 15: 38؛ لو 23: 45؛ أف 2: 15،14) (إعلانـاً عـن المصالحة بـين السماء والأرض)، واستبدلت بـه حامـل الأيقونـات (أيكونستاس). وزيَّنت جـدران الكنيسة بالصور التي تُسجِّل حياة الرب بعد البشارة وحتى الصعود وحلول الـروح القدس، وفي الصـدارة المسيح المصلوب مُخلِّص العالم، ومـن حـوله صُور خاصَّته: وفي المقدِّمة أُمـه العذراء، والملائكة، والتلاميذ الاثني عشر، والرسـل، والشهداء. وإذ يتناغم هـذا كله مـع كلمات الكتاب وصلوات القدَّاس والتسابيـح والألحان والبخور والأنـوار، يَتمثَّلها القلب والوجدان والـروح بحضـور الله لتصير الكنيسة قطعةً من السماء.

+ وعلى نفس النَّهج يُحيط المؤمنون أنفسهم في بيوتهم بما يُذكِّـرهم دومـاً بحضور الرب، فيضعون صورة عشاء الرب مع تلاميذه في غُرفة الطعام، وصورة الرب وهـو يُصلِّي (على الجبل أو في جثسيماني) في المخدع، إضافةً إلى علامة الصليب والآيات المُلهِمة المناسبة في أنحاء البيت؛ بل ويمتدُّ الأَمر لتوضع الصلبان والأيقونـات في السيارة والمدرسـة والمستشفى لحصر الذهن بحضور المسيح في كلِّ مكان بما يمنح القوَّة والمعونة والتعزية والرجاء.

+ الذين لا يشعرون بحضور الله:

مع أنَّ الله «عن كـلِّ واحدٍ منَّا ليس بعيداً» (أع 17: 27)، فهناك مَـن لا يشعرون بحضور الله. هؤلاء هم المُتغرِّبـون عنه الذيـن حُرِمـوا الإحساس بحضوره في حياتهم.

+ بين هـؤلاء مَـن تسلَّطت عليهم الخطية وشهوات العالم. وهـم ليس فقط لا يشعرون بحضور الله، بل إنهم يتفادونه لأن ذِكْرَه يُبكِّتهم. والشـاب الغَني لم تَكفِه النوايا الطيِّبة، فلما رأى أنَّ تبعية الرب ستُكلِّفه أمواله التي مَلكَته، مضى حزيناً وأفلتت منه فرصة الحياة.

وكـان الرسول بولس، الذي يُحاكَم، واقفاً أمام فيلكس الوالي يُحدِّثه عـن الإيمان بالمسيح، «وبينما كـان (بولس) يتكلَّم عـن البرِّ والتعفُّف والدينونة العتيدة أن تكون، ارتعب فيلكس، وأجاب: ”أمَّا الآن فـاذْهَبْ، ومتى حَصَلْتُ على وقتٍ أستدعيك“» (أع 24: 25). ففيلكس لم يكن مُستعدّاً أن يتخلَّى عـن فساده، وتهرَّب من دعوة الله.

+ وبـين هـؤلاء أيضاً العقليـون الجامـدون المعتدُّون بفكرهم أصحاب القلوب الجافة الباردة. والعقل في الأساس نعمة إلهية لا تُضاد الحياة مـع الله. والقديس بولس في حديثه عن المواهب الروحية يقول: «أُصلِّي بالروح، وأُصلِّي بالذهن أيضاً. أُرتِّل بالروح، وأُرتِّل بالذهن أيضاً» (1كو 14: 15).

فالعقل شريكٌ في العمل الروحي، وإلاَّ صارت عبادتنا آلية وكلاماً مُرسَلاً بغير فَهْمٍ. ولكن عندما يستولي العقل على الكيان، ويستبعد مشاعر الروح والتأمُّل في الله ويراها أوهاماً وخرافاتٍ وتحليقاً في الخيال؛ لن يعرف صاحبه للتوبة مكاناً، غير مُدرِكٍ قصوره ومحدوديته. وحتى لو غلبته يوماً المشاعر الروحية التي أودعها الله في الإنسان، يتعالَى عليها استكباراً وعبادة للذات.

+ على أنَّ هناك الكثيرين من المؤمنين، الذين رغم يقينهم بوجود الله في كلِّ زمانٍ ومكان، يتصرفون في أحيانٍ كثيرة وكأنه ليس هناك. هُم فقط ينتبهون إليه ساعة الاحتياج: عندما يقعون في ضيقة، أو عندما تُلاحقهم الأزمات، أو يقترب منهم الامتحان. وكما نرى فعلاقتهم بالله نفعية مؤقتة لا تليق [ مثل الذين كانوا يتبعون الرب كي يشبعوا من الخبز (يو 6: 26)]، ولن ترقَى إلى ما وهبه الله لنا إلاَّ عندمـا يَختَبِر هؤلاء الإيمان الحقيقي الذي يُفعِّله الروح القدس، ومعه محبة الله من كلِّ القلب، فيُدركون شركة الله كل الحياة.

+ وإذا كان هناك من المؤمنين مَن يحصرون حضور الله فقط وقـت العبادة، فهـؤلاء على الطريق، وبدوام الاقتراب من الله سوف يختبرون حضوره أكثر فأكثر.

أمَّا الذين لم يختبروا الخلاص والحياة الجديدة، فحتى إنْ جاءوا للكنيسة، ستكون عبادتهم سطحية شكلية استُبعِد منها الله. وينطبق عليهم كلام الكتاب: «هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمه وأكرمني بشفتيه، وأمَّا قلبه فأَبعدُه عني» (إش 29: 13؛ مت 15: 8؛ مر 7: 6). والمشكلة أنَّ هذه العلاقة الوهمية تُعسِّر عليهم التوبـة (فهُـم لا يـرون أنفسهم خُطاة بعيدين)، بينما قد تكون التوبة مُتاحة أكثر للخاطئ الصريح، إذا افتقدته النعمة وتَواجَه مع الله.

+ ويبقى منقسمو القلب الذيـن يعرجـون بين الفرقتين، ويسعون لإرضاء الكل، فلا يُرضون أحداً. ولهم يقول الرب: «لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيِّدين، لأنه إمَّا أن يُبغِضَ الواحد ويُحِبَّ الآخر، أو يُلازِم الواحد ويحتقر الآخر» (مت 6: 24). وعنهم يقول مُعلِّمنا يعقوب: «رَجُلٌ ذو رأيَيْن هو مُتقلقل في جميع طُرُقه» (يع 1: 8). ولابد لهؤلاء أن يُدركوا عُقم هذا النَّهج وفشله، ويتوقَّفوا عنه، ويتوجَّهوا بكلِّ قلبهم إلى الله. وبغير ذلك سيظلُّون غرباء عن الله مهما توهَّموا، ولن يختبروا يوماً حضوره.

(بقية المقال العدد القادم)

دكتور جميل نجيب سليمان

(1) الناس في بلادنا عندما يُفرحهم مجيء ضيف عزيز، يقولون: ”زارنا المسيح“.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis