قصة من واقع الحياة 



مَن سيأخذ الابن؟

رجلٌ ثَريٌّ وابنه كانـا يحبَّان جَمْعَ التُّحَف النادرة، وكان لديهما مجموعة من اللوحات الفنية الجميلـة، وعلى الأخص مـن أعمال بيكاسـو ورافائيل. وكثيراً ما كانا يجلسان معاً وينبهران من هذه الأعمال الفنية العظيمة.

وعندمـا انـدلعت حـرب فيتنـام (1955-1975م)، ذهب الابن إلى فيتنام للمُشاركة في الحرب، وكان شُجاعاً جداً. لكنه مات في ساحة المعركة، بينما كان يقوم بإنقاذ جندي آخر. وقد تمَّ إخطار الأب بموت ابنه، فحَزِنَ حُزنـاً شديداً على وفاة ابنه الوحيد.

وبعد نحو شهر، وقبل عيد الميلاد، سمع الأب طَرْقاً على الباب. وعندما فتح الباب، وجد شاباً واقفاً على الباب ومعه حزمة كبيرة يحملها بين يديه، وقال للأب:

”سيِّدي، أنت لا تعرفني. أنا جندي، وقد بَذَل َابنُك حياته من أجل إنقاذ حياتي“!

- واستطرد الشاب قائلاً:

”بل، لقد أنقذ (ابنك) حياة الكثيرين في ذلك اليوم، وبينما كان يحملني إلى برِّ الأَمان، أصابته رصاصة في قلبه وأَرْدَتْه قتيلاً على الفور“.

- وأضاف:

”لقد كان كثيراً ما يُحدِّثني عنك، وعن حُبِّك للفنِّ“.

- وقدَّم الشاب للأب هذه الحزمة، وقال:

”أنا أعرف أنَّ هذه ليست ثمينة. أنا لستُ فناناً عظيماً؛ ولكني أعتقد أن ابنك أراد أن يكون لديك هذه الصورة“.

وفَتَحَ الأب الحزمـة، وكـانت صورة لابنه، رسمها هذا الشاب. وبدأ الأب يُحدِّق فيها برهبة وخشوع، ويتأمَّل في الطريقة التي استطاع بها هذا الجندي أن يُصوِّر بها شخصية ابنه في هذه اللوحة. والذي اجتذب إعجابه بدقة على الأخص، رَسْم هذا الشاب لعينَي ابنه، ما جعل عينَي الأب تغرورق بالدموع.

وشكر الأبُ الشابَ، وعَرَضَ عليه دَفْـع مبلغ من المال مقابل تعبه في إتقان رَسْمه لصورة ابنه بهذه الدقة.

- ورَدَّ الشاب:

”أواه، لا يا سيِّدي، بل أنـا ليس في مقدوري أن أتمكن مـن سداد ما فعله ابنك بالنسبة لي، إذ أنقذ حياتي من الموت. إنها هديةٌ لك“.

وقام الوالد بتعليق الصورة على جدار منزله. وفي كـلِّ مرَّة يجيء زوَّار إلى المنزل، كـان يأخذهم لرؤيـة صورة ابنه قبل أن يُريهم أيّا من الأعمال الفنيـة الأخرى ذات القيمة العالية التي كان قد جَمَعَها من قبل.

+ + +

توفِّي الرجـل بعد بضعة أشهر. وكـان من المقرر أن يُقام مزاد كبير على مجموعته الفنية. وقد تجمَّع العديد من أصحاب النفوذ والمال، وهم مُعجبون جـدّاً برؤيـة اللوحـات الفنية الثمينة، ولوجـود هـذه الفرصة لشراء ولو واحدة مـن هـذه المجموعـة الثمينـة. وعلى المنصَّة، وفي المواجهة، وُضِعَت لوحة الابن.

- ودقَّ البائع بالمزاد العلني المطرقـة على المائدة، وأضاف:

”إننا سوف نبدأ المزاد على صورة الابن. مَن الذي سوف يعرض الثمن على هذه الصورة؟“.

ثم أتى صوتٌ من الجزء الخلفي من القاعة، وصاح بغضبٍ: ”نحن نُريـد أن نرى اللوحات الفنية الشهيرة. رجاء تخطَّي هذه اللوحة“.

- ولكن بائع المزاد استمرَّ في عرضه للوحة الابن، وصاح:

”هل مِن شخص يُزايد على هذه اللوحة؟ مَـن سوف يبدأ المزايدة؟ 100 دولار! 200 دولار!“.

- وهتف صوتٌ غاضب في آخر القاعة:

”نحن لم نـأتِ لرؤية هذه الصورة. لقد جئنا لنرى "فـان جوخ" و"ريمبرانـدت". ابدأوا بطرح الأسعار الحقيقية لهذه اللوحات“.

ولكن بائـع المزاد ظـلَّ يواصل: ”"الابـن"! "الابن"! مَن الذي سيُزايد على الابن؟“.

وأخيراً، جاء صوتٌ من الجزء الخلفي من القاعة، وكان هو البستاني الذي كان يعمل في منزل صاحب اللوحات، وقد قضى فترةً طويلة من العمل مع الأب وابنه.

- وصاح البستاني:

”سأُعطيك 10 دولارات للوحة الابن“. وكونه رجلاً فقيراً، كان كل ما يمكن أن يُزايد به على صورة الابن هو العشرة الدولارات.

- وصاح بائع المزاد:

”لدينا 10 دولارات. ومَن الذي سوف يعرض 20 دولاراً؟ هـل أَعطِـه اللوحـة بقيمـة 10 دولارات؟ دعونا نرى، يـا سادة: 10 دولارات. إنها محاولة من شخصٍ. هل مِن محاولة لعرض 20 دولاراً؟“. وهكذا ظلَّ بائع المزاد يُنادي!

أمَّا الحضور الذيـن أتـوا ليشتروا اللوحات الثمينة، فقد صاروا غاضبين. إنهم لا يُريـدون صورة الابـن. إنهم يُريـدون اللوحات الأخرى الجديرة بالمتاجرة بها.

+ + +

- وأخيراً، بدأ بائع المزاد يُنادي وهو يطرق بالمطرقة:

”هيا، أَلاأونا (أي "واحد")، أَلادويا (أي "اثنان")، أَلاتريا (أي "ثلاثة")“. ولمَّا لم يُزايد أحد، نادى البائع: ”تُباع اللوحة بمبلغ 10 دولارات لا غير“.

وأتى صـوت رجُل يجلس في الصفِّ الثاني صائحاً: ”والآن هيَّا نمضي قُدُماً في المجموعات الأخرى!“.

ووضع بائع المزاد المطرقة جانباً، دلالة على انتهاء المزاد. وصاح بصوتٍ عالٍ: ”أنا آسف، المزاد قد انتهى“.

ثم أردف قائلاً:

- ”عندما دُعيتُ إلى إجراء هذا المزاد، فقد قيل لي عن نصٍّ سرِّي في وصية تِرْكة صاحب اللوحات وهي: إنه لا يُسمَح لي بالكشف عن هذا الشَّرْط حتى الآن“.

ثم أضاف:

- ”إنَّ اللوحة الخاصة بـ "الابن"، هي فقط التي تدخل في المزاد. وأمَّا مَن يشتري صورة الابن، فله أن يرث التِّرْكة بأكملها، بما في ذلك اللوحات الفنية لكبار الفنانين القدامى!“.

- ”لذلك، فالرجل الذي أَخَذَ (لوحة) الابن، قد فاز بكلِّ شيء“.

+ + +

+ لقد أرسل الله ابنَه الوحيد لنا قبل أكثر من 2000 سنة، ليموت على الصليب، ثم يقوم من بين الأموات.

وصاحب الرسالة اليوم يسأل:

- ”مَـن سيأخذ الابن؟ "الابن"! ومَـن الذي سينال "الابـن"؟ فالذي سيأخـذ الابن، سينال كلَّ شيء، كـل الميراث“!

+ + +

+ «قَبِّلوا الابن، لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق. لأنه عـن قليل يتَّقد غضبـه. طوبى لجميع المتَّكلين عليه» (مز 2: 12).

+ «الذي يؤمن بـه (بابن الله) لا يُدان، والذي لا يؤمن قد دِينَ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد» (يو 3: 18).

+ «الآب يُحِبُّ الابن وقد دَفَعَ كلَّ شيء في يده. الذي يؤمن بالابـن له حياةٌ أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياةً بل يمكث عليه غضب الله» (يو 3: 36،35).

+ «هذه هي شهادة الله التي قد شَهِدَ بها عن ابنه. مَـن يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. مَـن لا يُصدِّق الله، فقد جعله كاذباً، لأنـه لم يؤمن بالشهادة التي قـد شَهِدَ بهـا الله عـن ابنـه. وهـذه هي الشهادة: أنَّ الله أعطانا حياةً أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. مَـن له الابـن فله الحياة. ومَن ليس له ابنُ الله فليست له الحياة» (1يو 5: 9-12).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis