مفاهيم كنسية



العبادة والطقوس - 5 - نظرة على جوانب من طقوس الكنيسة ثانياً: في خدمة القداس الإلهي

+ عناصر الأجزاء السابقة: معنى الطقوس الكنسية وأصولها الكتابية - مبنى الكنيسة - الهيكل ومحتويـاته - حامـل الأيقونـات - البخور والمجمرة - ما هو القدَّاس؟ - لُغة القدَّاس - دور الألحان في العبادة - طقوس القدَّاس الإلهي: رفع بخور عشية وباكر - تقدمة الْحَمَل - القراءات (قدَّاس الكلمة) - قدَّاس المؤمنين.

د - قدَّاس المؤمنين (تابع ما قبله):

بعد صلاة سر الروح القدس، والمسيح حاضرٌ على المذبح - جسداً ودماً - يمكن أن يقول الكاهن ”الطلبة“ من القدَّاسين الغريغوري والكيرلسي، وأوَّلها: ”نعم نسألك أيها المسيح إلهنا ثبِّت أساس الكنيسة. وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصَّل فينا...“. ثم يقول الكاهن: ”اجعلنا مستحقِّين كلنا يا سيِّدنا أن نتناول من قدساتك طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا...“.

+ ثم يتلو الكاهن الأواشي الصغار (أو الطلبات الصغيرة)، فيُصلِّي من أجل سلام الكنيسة والعالم والآباء (البطريرك والأساقفة والكهنة وسائر الخُدَّام)، وخلاص العالم، وفيضان الأنهار والطقس (أهوية السماء) والزروع والثمار (بحسب مواسم الزراعة)، والقرابين ومَن قدَّموها. ويطلب الشماس من الشعب أن يُشارِك بالصلاة بعد كل أوشية.

+ بعدها يُصلِّي الكاهن ”المجمع“، لأنه يضمُّ القدِّيسين الكبار أعضاء الكنيسة المنتصرة الحاضرين معنا بأرواحهم، ويبدأ بهذا النص: ”لأن هذا يا رب هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قدِّيسيك(1). تفضَّل يا رب أن تذكُر جميع القدِّيسين الذي أرضوك منذ البدء: آباءنا الأطهار رؤساء الآباء والأنبياء والرسل والمُبشِّرين والإنجيليين والشهداء والمُعترفين(2)، وكل أرواح الصدِّيقين الذين كملوا في الإيمان. وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حين والدة الإله القديسة الطاهرة مريم التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة“. ثم يأتي يوحنا المعمدان (السابق الصابغ والشهيد)، ويليه أول شهداء الإيمان المسيحي القديس استفانوس، والشهيد الإنجيلي مرقس الرسول، والبطريرك القديس ساويرس. ويُذكَر بعدهم المُدافعون عن الإيمان في المجامع: القدِّيسون ديوسقورس وأثناسيوس وبطرس خاتم الشهداء(3) ويوحنا ذهبي الفم. ثم يأتي حُرَّاس العقيدة: القدِّيسون ثيئودوسيوس وثيئوفيلس وديمتريوس وكيرلس وباسيليوس، ثم الثلاثة أنبا غريغوريوس، وأعضاء المجامع الثلاثة الأولى، وآباء الرهبنة القدِّيسون: أنطونيوس وبولا والثلاثة أنبا مقارات(4)، ويحنس القصير وأنبا بيشوي، وكل مصاف القدِّيسين.

وفي ختام المجمع، يمكن أن يتلو الكاهن من القدَّاس الكيرلسي هذا التوسُّل مُتواضعاً: ”إننا يا سيدنا لسنا أهلاً أن نتشفَّع في طوباوية أولئك القديسين (ونحن نطلب أن نذكرهم)، بل هم قيامٌ أمام منبر ابنك الوحيد، ليكونوا هُم عوضاً عنَّا يتشفَّعون في ضعفنا ومسكنتنا. كُن غافراً لخطايانا، تاركاً لآثامنا، من أجل طلباتهم المقدَّسة، ومن أجل اسمك القدوس المُبارك الذي دُعِيَ علينا“.

وبعده يقول الشماس: ”القارئون فليقولوا أسماء آبائنا القدِّيسين الذين رقدوا. الرب يُنيِّح نفوسهم أجمعين...“. كما أنَّ هناك لحناً باليونانية (”بينشتي آفا أنطوني“ ”العظيم أنبا أنطونيوس“) حيث يذكُر الشماس آباء الرهبنة القبطية القدِّيسين: أنطونيوس وبولا والثلاثة مقارات ويحنس القصير وبيشوي ومكسيموس ودوماديوس (الروميَّيْن) وموسى الأسود ويؤانس كاما ودانيال وإيسيذوروس وباخوم وشنودة... وسائر المُعلِّمين الأساقفة والكهنة والشمامسة والإكليروس والعلمانيين وجميع الشعب الأرثوذكسي. فيردُّ الشعب: ”إيريبو إزمو إثؤواب...“ ”بركتهم المقدَّسة...“ سائلين لهم النياح.

ثم يقول الكاهن الترحيم سائلاً من أجل المُنتقلين، ذاكراً إيَّاهم بالاسم. وبعدها يقول: ”أولئك يا رب الذين أخذتَ نفوسهم نيِّحهم في فردوس النعيم... ونحن أيضاً الغرباء في هذا المكان احفظنا في إيمانك.... واهدنا إلى ملكوتك“.

+ وتمهيداً للإعداد للتناول يقول الكاهن: ”وأيضاً فلنشكر الله... هو أيضاً فلنسأله أن يجعلنا مُستحقِّين لشركة وتناول أسراره الإلهية غير المائتة“. ثم يحمل الجسد على يده اليسرى ويرفعه(5) قائلاً: ”الجسد المقدَّس“، فيهتف الشعب خاشعاً ساجداً: ”نسجد لجسدك المقدَّس“. ثم يغمس طرف إصبعه بالدم وهو يقول: ”والدم الكريم“، فيردُّ الشعب: ”ولدمك الكريم“. ويُواصل الكاهن، وهو يرشم بالدم الجسد على مثال الصليب من فوق إلى أسفل(6)، قائلاً: ”اللَّذين لمسيحه الضابط الكل الرب إلهنا“. ويردُّ الشعب: ”يا رب ارحم“.

+ ثم يبدأ الكاهن صلاة القسمة، وهي المُصاحبة لتقسيم الجسد. فيقسم كل من الثلثين الأيمن والأيسر أربعة أجزاء بغير فصل، ويُفصل وجه الاسباديقون ويردُّه إلى مكانه. وصلاة القسمة تُوجَّه إلى الآب أو إلى الابن، وتُختم بالصلاة الربَّانية. وبعدها يُنادي الشماسُ الشعبَ أن ”احنوا رؤوسكم للرب... أنصتوا بخوف الله“، كما يليق بهذه الساعة المهوبة.

وفي هذه الأثناء يُصلِّي الكاهن سرّاً صلاة خضوع للآب، يسأله فيها أن يُنجِّينا من الشرير، وأن يجعلنا مُستعدِّين للتناول من الأسرار المقدَّسة، وأن يحفظنا في الإيمان. ويليها صلاة تحليل يطلب فيها أن يقبل الله توبة المُتناولين وأن يُسامحنا عن أخطائنا، كصالح ومُحب للبشر، وأن يكتب أسماءنا في سِفْر الحياة. كما يسأل الرب من أجل ضعفه وألاَّ يسمح أن تمنع خطاياه شعبه من نعمة روحه القدوس، ويطلب الحلَّ له وللشعب.

+ ثم يقول الكاهن أوشيتَي السلام والآباء سرّاً، ولكن يجهر بأوشية الاجتماعات. بعدها يرفع الاسباديقون ويغمسه في الدم وهو يرشم علامة الصليب ويقول: ”طا آجياتيس آجيس...“ ”القدسات للقدِّيسين. مُباركٌ الرب يسوع... وقدوسٌ الروح القدس، آمين“. فيردُّ الشعب: ”واحدٌ هو الآب القدوس. واحدٌ هو الابن القدوس. واحدٌ هو الروح القدس، آمين“ (كما قيلت في بدء القدَّاس في دورة الحمل). ثم يرشم الكاهن بالاسباديقون المغموس بالدم، وهو يقول ثلاث مرات: ”جسدٌ مقدَّسٌ ودمٌ كريمٌ حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا، آمين“. وفي المرة الثالثة يضع الاسباديقون في الكأس (رمزاً لأيام القبر الثلاثة ثم القيامة). والشعب يردُّ في كل مرة: ”آمين“، وفي المرة الثالثة: ”آمين، أومِن“.

+ والقدَّاس يقترب من نهايته، يحمل الكاهن الصينية ويُقرِّبها من الكأس ويرفع عينيه خاشعاً نحو السماء ويقول الاعتراف أمام الآب بالإيمان الأرثوذكسي: ”... أنَّ هذا هو الجسد المُحيي الذي أخذه ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح من سيدتنا ملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم. وجعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاطٍ ولا امتزاجٍ ولا تغيير...“. (ويتبعها بعددٍ من الصلوات السرِّيَّة).

فيردُّ الشماس مُمسكاً بلفافة مُثلثة ليستر عينيه عن النظر إلى القُدسات، والصليب في يمينه (لارتباطه بالإفخارستيا)، وشمعة مُضيئة في يساره (إشارة إلى نور النعمة الإلهية التي فاضت علينا)، ويُعلن إيمانه بحقيقة الإفخارستيا، ويطلب من أجل مَن طلبوا الصلاة من أجلهم، ويُنادي الشعب أن يصلُّوا من أجل التناول باستحقاقٍ.

+ ثم يبدأ التوزيع والتناول من الجسد ثم من الدم. فيتناول الكهنة والشمامسة أولاً، ثم يحمل الكاهن الصينية بعد أن يُغطِّيها بالقبة ولفافة ويرفعها مُتَّجهاً بها ناحية الشعب مرتين(7). فيردُّون ساجدين: ”مبارك الآتي باسم الرب“. ثم يتَّجه إلى الخوارس ليُناول الشعب(8) وهو يردِّد: ”جسد حقيقي... دم حقيقي... ليسوع المسيح ابن إلهنا، يُعطَى لمغفرة الخطايا وحياة أبدية لمَن يتناول منه“. وأثناء ذلك يهتف الخورس بالتسبيح فرحاً بنعمة التناول: ”ذوكصاسي كيريي“ ”المجد لك يا رب“. ويُرتِّلون المزمور المائة والخمسين: ”إزمو ايروف خين ني إثؤواب...“ ”سبِّحوا الله في جميع قدِّيسيه“. وإذا لم ينتهِ توزيع الأسرار على المُتناولين، فيُرتِّل الخورس القِطَع المُناسبة، وضمنها اللحن الشائع ”إك إزمارؤوت...“ ”مبارك أنت بالحقيقة“، ثم ”بي أويك إنتيه إب أونخ...“ ”خبز الحياة الذي نزل لنا من السماء“. وهناك أيضاً لحن رائع يُمجِّد قدِّيسي كنيسة مصر: ”آبيكران...“ ”اسمك عظيم...“.

+ وبعد الانتهاء من التناول، يغسل الكاهن الأواني وتُجفَّف بحرص (وتُلفُّ فيما بعد مع اللفائف في الابروسفارين وتُحفَظ). كما يغسل الكاهن يديه جيِّداً، ثم يرفع الصينية فوق كرسي الكأس ويُحرِّكها برشم الصليب، وهو يقول: ”فمنا امتلأ فرحاً ولساننا تهليلاً من جهة تناولنا من أسرارك المقدَّسة غير المائتة...“. ثم يملأ يديه بالماء وهو يقول: ”خين إفران إم إفيوت... باسم الآب... والابن... والروح القدس... مجداً وإكراماً للثالوث الأقدس“، ويرُش الماء إلى فوق وهو يهتف: ”يا ملاك هذه الصعيدة الطائر إلى العلو بهذه التسبحة، اذكرنا قدَّام الرب ليغفر لنا خطايانا...“. فيُرتِّل الشعب لحن الختام: ”آمين الليلويا ذوكصابتري“، كما تمَّ في ختام رفع بخور عشية وباكر.

ويخرج الكاهن من الهيكل ويمسح بالماء على جباه الشمامسة مُبارِكاً، ويرشُّ الماء (لا على الشعب، وإنما) إلى أعلى لصَرْف الملائكة المُشاركين في القدَّاس، وهو يقول في ختام التسبحة: ”الله يتراءف علينا ويُباركنا، ويُظهِر وجهه علينا... خلِّص شعبك. بارك ميراثك... بالطلبات والسؤالات التي ترفعها عنَّا كل حين سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم... وكل مصاف لُبَّاس الصليب والأبرار والصدِّيقين... بركتهم المقدَّسة ونعمتهم... تكون معنا، آمين“ ”بي إخرستوس بينوتي“ (أيها المسيح إلهنا). ويردُّ الشمامسة: ”آمين، يكون“. ويُواصل الكاهن: ”يا ملك السلام، أَعطِنا سلامك... لأن لك القوَّة والمجد والبركة والعزَّة إلى الأبد، آمين“. ويُختَم هذا الحفل الإفخارستي السمائي بالصلاة الربَّانية التي تبدأ بها وتُختَم كل خدمة كنسيَّة. وبعدها يُصلِّي من أجل الشعب قبل مُغادرة الكنيسة: ”محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد، وشركة وموهبة وعطية الروح القدس، تكون مع جميعكم. امضوا بسلام. سلام الرب مع جميعكم“. ويردُّ الشعب: ”ومع روحك أيضاً“. ويُوزِّع الكاهنُ الحَمَلَ على المؤمنين، وهو يُسلِّم عليهم ويعرف أحوالهم ويُسجِّل الغائبين ليفتقدهم.

(يتبع)

دكتور جميل نجيب سليمان

(1) بحسب ما قاله الرب عن مريم أخت لعازر التي سكبت الطيب على رأسه وهو مُتَّكئ في بيت سمعان الأبرص: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَاراً لَهَا» (مت 26: 13؛ مر 14: 9). وإذا كـان الله يُكْرِم الذين يُكرمونه (1صم 2: 30)، فنحن بالأَوْلَى. والرب بيَّن لنا أننا إذ نُكرمهم، نُكرم الذي أرسلهم (مت 10: 40).
(2) المعترفون هُم مَن جاهدوا في سبيل الإيمان واحتملوا ألواناً من العذاب، ولكن لم يفقدوا حيات‍هم. فهُم شهداء بدون سَفْك دم.
(3) هو آخر شهداء عصر دقلديانوس، وقد توسَّل إلى الرب أن يكون آخر شهداء هذه الفترة الصعبة.
(4) هم القدِّيسون: مقاريوس الكبير أبو رهبان بريَّة شهيت، ومقاريوس أب رهبان منطقة القلالي جنوب دمنهور، ومقاريوس أسقف إدقاو بالصعيد.
(5) ويمكن أن يُصلِّي الكاهن هذا من القدَّاس الغريغوري: ”يا مَن بارك (قدَّس. قسَّم. أعطى) في ذلك الزمان، الآن أيضاً بارك (قدِّس. قسِّم). الآن أعطِنا وكل شعبك يا ضابط الكل الرب إلهنا“.
(6) إشارة إلى تخضُّب جسد الرب بالدم النازف، والذي تدفَّق من الجنب الإلهي بطعنة الحربة.
(7) المرة الأولى رمزاً لدخول المسيح أورشليم (مت 21: 9؛ مر 11: 9؛ لو 19: 38؛ يو 12: 13). والمرة الثانية لظهوره الأخير لتلاميذه قبل صعوده (أو لظهوره الأخير عند مجيئه الثاني).
(8) كانت العادة قديماً أن يتناول الشعب خارج الهيكل، كما هو مُتَّبع حتى الآن في بعض الكنائس الأرثوذكسية. ويمكن للكاهن أن يحتجز جزءاً من الجسد والدم في وعاء صغير (حُق الذخيرة) ل‍مُناولة المرضى بعد القدَّاس أينما كانوا.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis