|
|
|
الإبصار نعمة، والصحة تاج على رؤوس الأصحَّاء لا يراه إلاَّ المرضى.
كان ”توم“ شاباً في مقتبل العمر، أزرق العينين، فاتح البَشْرَة، له ابتسامة مُبهجة، رغم تدهُّور حالته الصحيَّة. فقد فَقَدَ ”توم“ نعمة الإبصار حين أصابته الحُمَّى التي انتشرت في بدايات القرن العشرين؛ ثم بعدها بقليل، فَقَدَ أباه في الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، ولم يَبْقَ له في الحياة إلاَّ والدته التي كانت تطلب منه أن يجلس في شارع المدينة الرئيسي حتى يتحنَّن عليه المارُّون من هناك.
جلس الشاب ”توم“ على كرسيٍّ قصير، وأمامه حصَّالة نقود، ولوحة مكتوبٌ عليها: ”أرجوك ساعدني. أنا ولدٌ كفيفٌ وفقير“.
وكان المارَّة لا يلتفتون كثيراً لمَن يجلس يستعطي، لذا كانت حصيلته في اليوم قليلة.
ولكن ”توم“ كان أيضاً نشيطاً في جلسته على قارعة الطريق. فكان يأخذ نواة ثمرة الزيتون، والتي تحصل عليها والدته من مطعمٍ مُجـاور، ويحكُّها في قطعة صخرٍ بجانبه حتى تنفتح من الجانبَيْن. وفي نهاية اليوم، يُعطي نَوَى الزيتون التي جهَّزها إلى أُمِّه، وهي بدورها تُكوِّن منها مَسْبَحة جميلة ذات ألوانٍ مُبهجة، ليُصلِّي بها الرهبان والراهبات.
وذات يومٍ، في وسط النهار، مرَّ أمام ”توم“ أحد الرجال بخطواتٍ ثابتة مُتَّزنة، لاحظها ”توم“. فبادر الرجل قائلاً: ”يا سيِّدي“. ثم أشار إلى اللوحة التي أمامه وهزَّها، بما يَعني: ”إذا سمحتَ، اقرأ هذه“.
فما كان من الرجل إلاَّ أن وَضَعَ بعض العملات في حصَّالة الشاب، ثم أمسك هذه اللوحة وكتب عليها شيئاً، ومضى إلى وِجْهته.
لاحَظَ ”توم“ أنَّ عدد العملات التي توضع في الحصَّالة قد ازداد! وابتدأ أُناسٌ آخرون يلتفتون إلى ”توم“، ويتبرعون له بالقليل مِمَّا عندهم.
وفي اليوم التالي، انتظر ”توم“ مرور الرجل الذي مرَّ عليه بالأمس، حتى أحسَّ بنفس الخطوات - التي سمعها بالأمس - تقترب منه، وإذا بالرجل يجلس بجوار ”توم“.
فانحنى ”توم“ تجاه الرجل، وسأله: ”سيِّدي، ما الذي حدث بالأمس“؟ أجابه الرجل: ”لقد كتبتُ شيئاً على ظهر اللوحة“.
فسأله ”توم“: ”وماذا كتبتَ“؟ أجابه الرجل: ”لقد كتبتُ: "اليوم يومٌ جميل، ولكنني لا أستطيع أن أراه"“.
فقال له الشاب:
- ”ولكن المعنى واحدٌ، مِمَّا جعل الناس يُساعدونني أكثر من ذي قبل“.
فاستطرد الرجل، قائلاً:
- ”نعم، أنت مُحِقٌّ. ولكن اللوحة الأولى كانت تُخبرهم فقط أنك كفيفٌ؛ أمَّا الأخيرة، فقد نبَّهتهم أنهم ليسوا أَكفَّاء (فاقدي البَصَر)“.
حينئذ فَهِمَ الشاب جيِّداً، ماذا يقصد الرجل، فأدمعت عيناه!
وحينئذ أكمل الرجل كلامه، قائلاً:
- ”أنت لا تُقدِّر الشيء إلى أن تفقده. فعليك أن تُقدِّر جيِّداً كل البركات التي يُنْعِم بها الله عليك، حتى أصغرها، قبل أن يمضي الوقت دون أن تشكر الله عليها“.
ثم استطرد قائلاً:
- ”فعِشْ جيِّداً، وكُنْ مُحِبّاً، وابتسم للحياة ولكلِّ لحظةٍ من لحظاتها في حياتك؛ لأن كلَّ لحظةٍ تمرُّ، يمكن أن تكون فرصةً عظيمة لنيل البركات من لَدُن الآب السماوي“.
ثم أكْمَل كلامه، قائلاً:
- ”وإن أردتَ أن تعيش سعيداً، فكُن مُعيناً لأيِّ إنسان، فقد تكون أنت هو سنده الوحيد. واصنع الخير مع الآخرين، لأنه سوف يعود إليك من حيث لا تدري، وبطُرُقٍ شتَّى. والرب الإله يكون معك“.
(+(+(
+ «يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. الْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّراً. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إش 40: 29-31).
+ «اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (جا 11: 1).
+ «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ» (مت 5: 3).
+ «اخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ» (1كو 1: 28).
+ «لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضاً، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ» (1بط 4: 10).
+ «هذِهِ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ» (1بط 5: 12).
+ «وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (1يو 5: 20).