وُلد في 7/6/1934، رُسِمَ راهباً في 25 أغسطس 1973م |
أرسل قداسة البابا تواضروس الثاني التعزية التالية: |
![]() |
+++++++
كلمة الأب يوحنا المقاري
تربطني بالأب باسيليوس المقاري علاقة محبة قوية منذ كنَّا شباباً قبل الرهبنة. وما زلنا شركاء الجهاد حتى نياحته. فقد كان اسمه "يسري لبيب اسكندر". تخرج من كلية التجارة جامعة عين شمس عام 1955، وعُيِّن في مؤسسة التأمينات الاجتماعية بالقاهرة منذ تخرُّجه، وترقَّى بسبب كفاءته حتى صار رئيساً لإحدى إدارات المؤسسة.
كما كان خادماً في مدارس الأحد بالكنيسة البطرسية بالعباسية، ومنذ بداية خدمته تميَّز بالغيرة والأمانة والبذل. وبسبب قرب الكنيسة البطرسية للكلية الإكليريكية بالأنبا رويس والمقر البابوي، صارت خدمتهم بمدارس الأحد في كنيسة الأنبا رويس. وبسبب خدمتي في كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا والعلاقة القوية بين خدام الكنيستين والزيارات المتبادلة بينهما، توطدت العلاقة بيني وبين الأخ يسري لبيب.
وفي تلك الأيام حضر قدس أبينا المتنيح القمص متى المسكين من الدير إلى القاهرة في عام 1957م للعلاج. وطلب بعض الإخوة مقابلته، فسمح لهم بمقابلته. فتقابلوا معه وتحادثوا معه في شأن التكريس للخدمة مع البتولية. وفي هذا اليوم تحدَّث الأب متى عن حدود الخدمة في الرهبنة، وقال إن بعض الذين قام برهبنتهم كان الطريق المناسب لهم هو الخدمة وليس الرهبنة، لذلك حدثت بعض الصعوبات في حياتهم الرهبانية نتيجة لذلك. لهذا أتى اقتراح أبينا متى بضرورة إنشاء بيت للمتبتلين المكرَّسين للخدمة.
وبعد انصرافه إلى الدير، استأجر بعض هؤلاء الخدام شقة في حدائق القبة، وكان ذلك في شهر نوفمبر 1958. ثم توجهوا إلى قدسه في دير الأنبا صموئيل يوم 31 ديسمبر 1958. وهناك عرضوا على قدسه ما فعلوه، ورَجَوهُ أن يأتي ليرتب حياتهم وتكريسهم. فأجابهم: سوف أعرض الأمر على الله بالصلاة الليلة. فإن وجدتُ استجابةً من الله فسآتي إليكم في فجر اليوم التالي لننزل معاً (لأن قافلة الجمال تبدأ رحلتها من الدير قبل الفجر). وإلا فإن مشيئة الله لا تكون قد أذنت لي بالنزول، وإيَّاكم والإلحاح عليَّ في هذه الحالة، وعليكم أن تنصرفوا بسلام والرب يرشدكم.
وقبل فجر اليوم التالي، وجدوا قدسه يأتي، ثم نزلوا جميعهم. ومنذ ذلك اليوم بدأت حركة روحية في شقة حدائق القبة. وبدأ الأب متى المسكين دعوته للشباب الراغبين في التكريس البتولي لتكريس حياتهم لخدمة الكنيسة بأن يعيشوا متبتلين في بيت واحد حياة الشركة، فيصلُّون معاً ويدرسون الآباء وينشرون كتابات آباء الكنيسة ثم ألا يخرجوا للخدمة إلا بعد أن يمتلئوا من الروح. وكان تركيز الأب متى المسكين في ذلك الوقت على أمرين:
1 – العلاقة الشخصية بالرب يسوع واختبار خلاصه ومفاعيله، قبل التكريس وقبل الخدمة.
2 – توقيع هذه الحياة على الروحانية الآبائية الأرثوذكسية القائمة على شركة الحياة والمحبة. هذه الشركة هي أساس الروحانية الأرثوذكسية الآبائية. وكان يؤكد على خطورة الفردية في الحياة الروحية والخدمة عموماً.
وفي هذه الأثناء دبَّر الله العثور على مكان متَّسع في حلوان، هو قصر من قصور الخديوي توفيق كان مخصَّصاً للأميرات بناته، وذلك لضيق الشقة الصغيرة التي كانت في حدائق القبة. وما أن بدأ بيت التكريس نشاطه في مارس 1959 في هذا القصر المتسع حتى توافد الشباب والخدام من كل مكان، وكان الأب متى المسكين يستقبلهم ويتحدث معهم بكلام النعمة. وكانت الأحاديث تستمر أحياناً إلى ما بعد منتصف الليل. وتقدَّم حوالي مئة شاب يعرضون استعدادهم للتكريس متبتلين لخدمة الكنيسة وللخروج إلى القرى والنجوع للتعليم والكرازة للقرويين المسيحيين الذين كانوا لا يعرفون شيئاً عن إيمانهم المسيحي.
وكان من ضمن هؤلاء المتقدمين للتكريس: د. نصحي عبد الشهيد، الأستاذ يسري لبيب اسكندر، الأستاذ كمال حبيب (أنبا بيمن أسقف ملوي فيما بعد، تنيَّح)، الأستاذ نظمي بانوب (الراهب القس كرنيليوس المقاري فيما بعد، تنيح)، والأستاذ رفعت قديس (راهب بدير القديس أنبا مقار حاليًّا)... وغيرهم الكثير.
إنشاء مجلة مرقس للأطفال وأخرى للشباب والخدام:
كنتُ، كخادم في كنيسة الأنبا أنطونيوس، منشغلاً مع بعض الخدام في الكنيسة بفكرة إصدار مجلة للأطفال، وفعلاً تم إصدارها وأطلقنا عليها اسم "مجلة مرقس للأطفال" (مرقس صديقك المؤنس)، وتصدر كل شهر. وقمتُ بتأجير مقر لها في شقة في 50أ شارع شبرا بالقاهرة. وبسبب كثرة انشغالي في عملي، لجأت إلى قدس أبينا القمص متى المسكين لاستشارته في إيجاد من يعاونني أعباء إدارة مقر المجلة وإصدارها. فوقع اختيار قدسه على الأخ يسري لبيب، الذي رحَّب جدًّا بهذا الاختيار، واستقال من مؤسسة التأمينات الاجتماعية عام 1963، وبدأنا نعمل معاً في إصدار مجلة مرقس للأطفال. وقد صدر منها سبعة أعداد، ثم قمنا بإصدار مجلة مرقس للشباب والخدام. ولم نستطع الاستمرار في إصدار مجلة الأطفال بالتزامن مع مجلة الشباب، نظراً لعدم انتظام توريد اشتراكاتها من فروع مدارس الأحد التي كانت تستلمها ولا تدفع تكاليفها رغم بساطتها. وبدأنا بالتركيز على مجلة الشباب والخدام.
وكان الأخ يسري لبيب قد بدأ في استلام عمله في دار مجلة مرقس بحماس شديد، وكان له سابق دراية بالإدارة من عمله في مؤسسة التأمينات الاجتماعية ودراسته في كلية التجارة، كما كان له دراية جيدة في التأليف وكتابة المقالات في مجلة مدارس الأحد، التي كان يتعاون في تحريرها حينما كان الأستاذ نظير جيد رئيس تحريرها في ذلك الزمان في أوائل الستينات (قبل أن يُرسم أسقفاً ثم بطريركاً). أما الأخ يسري لبيب فكان في العشرينات من عمره.
وقد حدثت مفاجآت عجيبة بمجرد التحاقه بالعمل في دار مجلة مرقس. فقد فوجئتُ بتخفيض كبير في إيجار شقة المجلة بأمر من حكومة الرئيس جمال عبد الناصر. فبعد أن كان الإيجار 15 جنيهًا شهريًّا، انخفض إلى 4 جنيهات وبأثر رجعي، حتى إننا ظللنا لا ندفع إيجاراً للشقة لمدة طويلة لا أتذكر مداها. وكأنها كانت احتفاءً من السماء بالتحاق الأخ يسري وتكريسه في خدمة المجلة. وازداد عدد المشتركين وارتفع توزيع المجلة إلى أضعاف ما كان عليه. وصارت دار المجلة تستقبل الخدام والمشتركين في أثناء مواعيد العمل في المجلة، كما كثر عدد المحررين.
دخولي الرهبنة:
وفي يناير سنة 1966، قررتُ أن أترهب في وادي الريان، حيث كان الأب متى المسكين مع أبنائه الرهبان منذ عام 1960 يعيشون في المغاير مثل آباء الرهبنة الأوائل. وكنتُ قد ترددت عليهم في زيارات متعددة على مدى سنوات حتى أذِنَ لي قدس أبينا متى المسكين أن أنضم إليهم. وتركت الأخ يسري لبيب يقوم بأعباء المجلة بمفرده، فقام بالمهمة على أتم وجه. وظل يقوم بهذه المسئولية سنين طويلة، ازدهرت في خلالها المجلة وازداد توزيعها، علاوة على طباعته للكتب التي كان يؤلفها الأب متى خلال هذه الفترة ويرسلها له لطباعتها ونشرها.
دخول الأب باسيليوس الرهبنة:
في مارس 1973، قرر الأب باسيليوس الالتحاق بدير القديس أنبا مقار بعد أن كنَّا نحن رهبان وادي الريان قد سَمَحَ لنا قداسة البابا كيرلس السادس ونيافة الأنبا ميخائيل رئيس دير الأنبا مقار، بالانتقال إليه في مايو 1969.
وقد اتفق الأب باسيليوس مع الأب متى المسكين بأن يظل إصدار المجلة من الدير ويقوم هو بالإشراف على طباعتها، وفي 25 أغسطس 1973 رُسم راهباً باسم الراهب باسيليوس المقاري.
وبترتيب من الله تم إحضار ماكينة جمع حديثة للطباعة لم يكن لها مثيل إلاَّ في مطبعة جريدة الأهرام، وهي ماكينة التجميع الضوئي (Photocomposer) سنة 1979.
ثم توالى إحضار ماكينات الطباعة ابتداء من مايو 1978 ثم ماكينة الدباسة والمقص، ثم في 1989 وصلت ماكينة تطبيق الملازم وماكينة خياطة الكتب.
وأول يوم اشتَغَلَت فيه المطبعة كان في 22 أغسطس 1978 (عيد القديسة العذ راء مريم).
وفي نفس الفترة تم طباعة مجلة مرقس وإلى الآن حتى يأذن الله باستمرارها. وتم طباعة أول كتاب من المجلدات وهو كتاب "القديس أثناسيوس الرسولي" سنة 1981 (في 855 صفحة) بمناسبة مرور ستة عشر قرناً على نياحته.
كل هذا العمل في إنشاء مطبعة ضخمة، وحجم العمل في هذه المطبعة, كان وراءه الحماس والغيرة والبذل الذي كان يبذله الأب باسيليوس المقاري.
وقد أخذ الأب باسيليوس على عاتقه تنسيق العمل في طباعة مؤلفات قدس أبينا الروحي القمص متى المسكين، فقد اعتبر نفسه مسئولاً عن نشر تراث الأب متى المسكين بصفته يغطي كل احتياجات كنيستنا القبطية في جميع مجالاتها الروحية واللاهوتية والآبائية وغيرها. فقد كرَّس نفسه لحفظ هذا التراث ونشره، لإحساسه بأنه ضروري للنمو الروحي للشعب القبطي.
هذا بخلاف اهتمامه بتأليف العديد من الكتب التي رآها ضرورية لعلاج النقص الذي رآه في فهم الكثيرين للإيمان الأرثوذكسي من الخدام والشعب القبطي عموماً. هذا بخلاف المشاكل التي ظهرت في الكنيسة وتحتاج إلى علاج سريع. وهذه المؤلفات حسب ترتيبها في النشر:
1 – التدبير الإلهي في تأسيس الكنيسة (1991).
2 - الخلاص الثمين (1998).
3 – السلطان الروحي في الكنيسة في اختيار وإقامة بابا الإسكندرية (1998).
4 – دراسات في آباء الكنيسة (1999).
5 – التدبير الإلهي في بنيان الكنيسة (2001).
6 – الأصول الأرثوذكسية الآبائية لكتابات الأب متى المسكين (كتابان) صدرا في (2003) لمواجهة الهجوم على بعض كتابات الأب متى المسكين من جهة ما (ثم صدرت توجيهات الأب متى المسكين بعدم الدفاع عنه وعن كتاباته في حياته وبعد انتقاله).
7 – إيماننا المسيحي (جزءان) (2013).
8 – تاريخ الكنيسة القبطية الجزء الثاني (من القرن السادس إلى القرن العاشر) في (2016)، والجزء الثالث (من القرن الحادي عشر إلى القرن السابع عشر) في (2019).
وأخيراً، فقد كان الأب باسيليوس شجاعاً في الدفاع عن الحق لا يهاب إنساناً، ناسكاً زاهداً لا يسعى لنوال رتب الكهنوت ولا يصبو إليها، مجاهداً وأميناً في رسالته يسهر من أجل تحقيقها الليل والنهار، سخيًّا في العطاء مع العاملين معه. رقيقاً ومتواضعاً مع الجميع رغم عدم تساهله أو تنازله عن الدفاع عن الحق، ومؤرخاً دقيقاً وشاهد عيان للأحداث المعاصرة. كما كان في علاقته مع عمال المطبعة يعاملهم كأولاد أحباء وليس كعمال حتى إنهم كانوا يخدمونه في أثناء مرضه بمنتهى الإخلاص والحب.
لقد كان عموداً من أعمدة الدير، وشيخاً من شيوخ الرهبنة في دير أنبا مقار.
ولا يفوتنا أن نقدم الشكر والاعتراف بالجميل لكل من تعب معه، سواء أطباء مستشفى الأنجلو أو الآباء الأحباء أو عمال المطبعة المباركين.
نلتمس العزاء لفراقه لأنفسنا، فقد خسرناه حاملاً لجانب هام من المسئولية في النشر والتأليف، طالبين لنفسه البارة النياح والراحة والميراث الأبدي في أورشليم السمائية.
الراهب يوحنا المقاري
10/ 1/ 2021