|
|
|
يُقصَد بالفعل ”يخدم“: (1) أن يقدِّم أحدٌ لآخر عملاً طيِّباً تطوُّعاً أو كرماً بغير مقابل باسم المحبة أو الطاعة أو العطاء، أو امتناناً مثلما فعلت حماة بطرس عندما قامت وخدمت الحاضرين إكراماً للرب الذي شفاها من الحمى (مت 15:8، مر 21:1، يو 39:4)، أو كاهتمام مرثا بضيافة السيد (لو 4:10)، أو النساء اللاتي تبعن الرب من الجليل وكن «يَخْدِمنه مِن أموالِهنَّ» (لو 3:8، مت 15:5)، أو رعاية الوالدين بحسب وصية الكتاب (خر 12:20، مت 4:12، مر 10:7، أف 2:6)؛ (2) أو يُقصد به العمل عند سيد أو صاحب عمل مقابل أجر أو غيره، كما في قول الرب: «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ (خادم) أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ» (مت 24:6، لو 13:16)، أو كما خدم يعقوب خاله لابان من أجل أن يتزوج راحيل (تك 29-31)، أو كما خدم يوسف في بيت فوطيفار (تك 4:39).
أما فيما يتعلق بالمعنى الخاص للخدمة، والذي يدور عنه الحديث في هذا المقال وما بعده، فيُقصد به في الكتاب المقدس أحد أمرين: أولهما: الكرازة بالخلاص أو خدمة الأقداس كما في الآيتين: «فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلوئِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ» (أع 3:6و4)؛ «وَلَمَّا كَمَلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ (زكريا الكاهن) مَضَى إِلَى بَيْتِهِ« (لو 23:1)؛
وثانيهما: قيام الكنيسة والمؤمنين بتقديم المحبة والمساعدة والرعاية لمن يحتاجها من الفقراء أو اليتامى أو الأرامل أو المرضى أو المسجونين أو الغرباء أو المشرَّدين والمطرودين، أو كل من حاصرتهم المحن، أو الهائمين في دروب الدنيا كخراف لا راعي لها، وهو ما نعنيه بالخدمة الاجتماعية المسيحية:
+ «لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ» (أع 2:6)؛
+ «فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئًا خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ. فَفَعَلُوا ذلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ» (أع 11: 29و30)؛
+ «وَلكِنِ الآنَ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَخْدِمَ الْقِدِّيسِينَ، لأَنَّ أَهْلَ مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَصْنَعُوا تَوْزِيعًا لِفُقَرَاءِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ» (رو 25:15و26)؛
+ «مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَن نَقْبَلَ النِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ الْخِدْمَةِ الَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ» (2كو 4:8)؛
+ «لأَنَّ افْتِعَالَ هذِهِ الْخِدْمَةِ لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ الْقِدِّيسِينَ فَقَطْ، بَلْ يَزِيدُ بِشُكْرٍ كَثِيرٍ للهِ، إِذْ هُمْ بِاخْتِبَارِ هذِهِ الْخِدْمَةِ، يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ التَّوْزِيعِ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ» (2كو 9: 12و13)؛
+ «لأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ» (عب 10:6).
وفي تناولنا لموضوع الخدمة الاجتماعية من منظورها المسيحي نبدأ بما عمله الرب وعلَّم به في هذا المجال.
المسيح عبداً وخادماً:
الله المحب مهتم بكل خلائقه (بشراً ونباتاً وحيواناً وطبيعة)، وبحاجاتهم الجسدية (طعامهم وشرابهم وسكنهم وسلامتهم وعملهم)، والروحية (يقبل صلواتهم وطلباتهم ويعزيهم في آلامهم وأحزانهم، ويساند المجاهدين في دروب القداسة، ويقاوم الشر ويقوِّم الشرير). ومكتوب أن الله بعد أن خلق كل شيء، «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا» (تك 1: 31).
والله ليس فقط للمؤمنين ولا لجماعة من الناس ولكنه للكل. وهو «إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ» (خر 6:34)، وهو «يُحِبُّ الْعَدْلَ» (مز 7:11، 5:33)، ويأبى الظلم (رو 14:9)، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
والرب لما جاء إلى عالمنا متجسداً اختار أمه، التي أخذ منها جسده، من بسطاء الناس وأفقرهم، ولأنها كانت إناءً مختاراً كرَّست نفسها لخدمة الله منذ صباها. وقد عبَّرت القديسة مريم عن هذا الاختيار المذهل وكشفت عن بساطة حياتها وانتمائها إلى الطبقة الفقيرة في تسبحتها التي فاهت بها في بيت زكريا: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. ... أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ» (لو 46:1-48، 52، 53).
وفي ميلاده لم يختر قصر الملك، وهو «مَلِكُ الْمُلُوكِ» (1تي 15:6، رؤ 14:17، 16:19)، وإنما مزود للبهائم «إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ» (لو 7:2). وفي طفولته وصباه كان يساعد يوسف النجار في حرفته ليحصل على قوته. وهكذا كان يعرفه أقاربه وجيرانه: «أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟» (مت 55:13)، «أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ» (مر 3:6).
ولما بدأ خدمته في سن الثلاثين لم يكن له بيت أو مركز يدير منه خدمته... وهكذا كان ردَّه على من سألوه أين يمكث لكي يأتوا إليه: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (مت 20:8). وهكذا جعل نفسه رفيقاً للمهمَّشين وأفقر الفقراء الذين ليس لهم إقامة. وهكذا تبعه تلاميذه: «وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا» (1كو 4: 11و12). فكان يبيت في الخلاء أو الجبال أو يقضي الليل في الصلاة.
هكذا فبكل إرادته «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ» (في 7:2) لكي يرى فيه الجميع أخاهم ورفيق حياتهم لا سيدهم. وكتب القديس بولس في هذا الأمر: «أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ (أهل كورنثوس) افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كو 9:8).
بل إنه لم يكتف بكل مظاهر اتضاعه وإخلائه لذاته بل مارس وظيفة العبد بالفعل ليلة آلامه، إذ «قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا» (كما يفعل العبد) «ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا» حتى إنه أذهل تلاميذه. وبعد ذلك لبس ثيابه كالسيد وعاد لكي يتكىء وابتدأ يُفهمهم: «أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ (يخدمون ويحملون أثقال بعضهم بعضاً) لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالًا، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمُ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ» (يو 13: 4-17)، «لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ» (مت 10: 24)، «وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ» (لو 27:22)، بل إن الرب بيع كعبد بواسطة يهوذا إلى رؤساء الكهنة بثلاثين من الفضة وهي كانت قيمة شراء العبد في إسرائيل(!):
+ «وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. ... هُوَذَا عَبْدِي ... لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ» (إش 53: 11، 52: 13، 53: 2 و3).
وخلال سنوات خدمته الثلاث التي سبقت غسل الرب أرجل تلاميذه، أوصاهم كثيراً ألا يكونوا سادة بل خداماً متجردين قريبين من كل المحتاجين، مقدماً نفسه النموذج والمثال. وعلى أي حال، فالتلاميذ أيضاً كانوا من الطبقة الفقيرة وأكثرهم كانوا صيادين بسطاء يعيشون حياتهم يوماً بيوم:
+ «لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ،( ) وَلاَ مِزْوَدًا (ولا خبزاً) لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً» (مت 7:10-10، مر 6: 28و29، لو 4:10)؛
+ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مت 26:20-28)( ).
عن خدمة الرب:
كأنه كان يتكلم عن دستور رسالته، فإذ يدخل مجمع الناصرة لأول مرة مع بدء خدمته، قام الرب ليقرأ فدُفع إليه سفر إشعياء. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ» (إش 61: 1-13، لو 4: 18و19). ولما جلس قال لهم: «الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو 4: 21).
كانت هذه إذاً رسالته: تحرير الخطاة من أسرهم والتحنن على المساكين والضعفاء والمنسحقين تحت وطأة الفقر والمرض والظلم وإعادتهم إلى إنسانيتهم المفتقدة. ومكتوب أن يسوع كان «يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ» (مت 9: 35). فبينما كان يعلِّم الجموع عن ملكوت السموات لم يكن يغفل عن احتياجاتهم الجسدية كإله متحنن. وفي إحدى المرات قال لتلاميذه: «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ (وقد نفد ما كان عندهم من طعام) وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ» (مت 15: 32، مر 8: 2و3). وبعدها أجرى لهم معجزة تكثير الخبز والسمك فأشبع الآلاف.
فكما تحنن على فقراء ومرضى الروح وأعلن «لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (مت 9: 13)، لأن «ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لو 19: 9)، فهو أشفق أيضاً على فقراء ومرضى الجسد. وقبل أن يشفي المفلوج المدلى من السقف حرره من خطاياه بسلطانه على الغفران (مت 9: 2-7).
هكذا كان الرب يتصدى لقضايا الإنسان الحياتية روحاً وجسداً. فالأمران كانا متلازمين دوماً في خدمته لا ينفصلان. وعندما أرسل تلاميذه للخدمة، قال لهم: «اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَوَاتِ. اِشْفُوا مَرْضَى طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ مَجَّانًا أَعْطُوا» (مت 10: 7و8). فهم يبشرون بالخلاص والحياة الأبدية، ويعالجون هموم الحياة الجسدية ويسدُّون حاجاتها.
ويعرفنا الكتاب أن جماعة التلاميذ كان معهم صندوق للفقراء كان يحمله يهوذا. وعندما جاءت مريم أخت لعازر (بعد أن أقامه الرب) وأخذت تدهن قدمي الرب بالطيب كثير الثمن وتمسحهم بشعر رأسها، قال يهوذا معلقاً: «لَمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وُيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟» ويكشف الكتاب رياء يهوذا إنه لم يقل هذا «لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ» (يو 12: 3-6).
فاهتمام الرب بالفقراء كان جلياً.
(يتبع)
دكتور جميل نجيب سليمان
__________________________________________________________
(1) كنا قد ختمنا آخر مقالات ”العبادة والطقوس“ (يناير 2021) عن دور الكنيسة في الخدمة الطقسية المثمرة، وضمنها عرضنا باقتضاب للخدمة الاجتماعية، ورأينا أن هذا الموضوع يستحق أن نتناوله بشيء من التفصيل.
(2) رأينا القديس بطرس وهو كبير الكنيسة في أورشليم يقول للأعرج على باب هيكل الجميل الذي ينتظر صدقة: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!» (أع 3: 6). والرب لم يكن يحمل مالاً، فلما جاءه الجنود يطلبون الضريبة، قال لبطرس أن يذهب ويصطاد سمكة فسيجد فيها إستاراً يدفعه عنهما (مت 17: 24-27).
(3) تبدو ألقاب التعظيم الكبيرة التي نطلقها على آباء الكنيسة، حتى خلال صلوات القداس، متناقضةً مع روح تعليم الرب. وسيكون من اللائق أن تراجع الكنيسة عدداً من الألحان التي تمجد الآباء عند حضورهم القداس وفي حضور الرب. وكان الأنبا بنيامين مطران المنوفية المتنيح يرفض لحن الفضائل وكان يمنع ترديده في حضوره. والشهيد أنبا إبيفانيوس أسقف دير أنبا مقار كان يرفض كلمة "سيدنا" وأيضاً عمل الميطانيات له.