من الكتابات المسكونية الأرثوذكسية |
|
|
الأرشمندريت ليف جيلليه (1893-1980م) ، هو مؤلِّف كتاب: ”الروحانية الأرثوذكسية“ بالفرنسية (وتُرجم إلى الإنجليزية)، وكان يُوقِّع كتاباته باسم: ”راهب من الكنيسة الشرقية“. وهو أحد آلاف من الأعلام المتحوِّلين إلى الأرثوذكسية في أوروبا الغربية بفضل نشاطات المهاجرين الروس لأوروبا بعد الثورة الشيوعية عام 1917. وهذا المقال مقتطف من كتاباته بالفرنسية: Amour Sans Limites.
إليك، أيّاً مَن تكون:
أيَّ مَن تكون أنت، ومهما تكون، فإنَّ الرب يضع يده عليك في هذه اللحظة.
وكأن الرب يقول لك: إني أُريدك أن تعرف بأني أُحبك وأدعوك إلى خاصَّتي.
أنا لم أكفَّ عن أن أحبك، وأكُلِّمك وأدعوك. أحياناً يكون ذلك وأنت في سكون، أو في عُزلة. وأحياناً وأنت هناك وسط آخرين اجتمعوا باسمي.
وكثيراً ما لا تكون سامعاً لدعوتي، لأنك لا تكون مُنصِتاً لي. وأحياناً أخرى تسمع هذه الدعوة، ولكن بطريقة غامضة ومشوَّشة. وأحياناً أخرى تكون على وشك الاستجابة وقبول الدعوة. وأحياناً أخرى تُعطيني استجابتك، ولكن دون التزام دائم بها. أنت تكون مدفوعاً بقوة لأن تسمعني، ولكنك تتراجع عن القرار بأن تتبعني.
ومنذ ذلك الحين، لم يحدث أنك استسلمتَ تماماً وحَصْراً لدعوة المحبة هذه.
ولكني الآن، ها أنا - مرة أخرى - آتي إليك. إني أُريد أن أتكلَّم معك مرة أخرى. إني أُريدك كليّاً لنفسي. وأُكرر، محبتي تطلبك كليّاً وحَصْراً.
وسأظل أُكلِّمك سرّاً، بخصوصية، وبمودة. سأضع فمي قريباً من أُذنك.
فأنصت، إذن، لِمَا تريد شفتاي أن تكلِّمك به سرّاً وفي سكون.
أنا هو ربُّك، ربُّ المحبة. أَلا تريد أن تدخل في حياة المحبة؟
ليست هذه دعوة إلى مجال من المحبة الفاترة. إنها دعوة للدخول في شعلة المحبة النارية. هناك فقط يكون التحوُّل الحقيقي، التحوُّل إلى المحبة الساطعة المتوهِّجة.
أتريد أن تصير شخصاً غير ما كنتَ عليه؟ أو شخصاً غير ما أنت عليه الآن؟ هل تريد أن تكون شخصاً يعيش من أجل الآخرين؟ وأولاً تعيش من أجل هذا الآخر، ومع هذا الآخر الذي يدعو كل شيء إلى الوجود؟ هل ترغب في أن تكون أخاً لكل الناس، أخاً للعالم بأجمعه؟
إذن، فاسمع لِماً تتكلَّم به محبتي لك:
يا ابني، أنت لم تعرف أبداً مَن أنت بالحقيقة. أنت لم تعرف نفسك بعد. وأقصد أنك لم تعرف نفسك أبداً باعتبارها موضوع محبتي. وكنتيجة لهذا، أنت لم تعرف أبداً مَن أنت فيَّ، أو ما هي القوة الكامنة داخل نفسك!
استيقظ من هذا السُّبات العميق ومن أحلامك الرديئة! إنك في لحظات مُعيَّنة من الحق، لا ترى في نفسك إلاَّ الإخفاق، والإحباط، والتقهقر، والفساد، وربما حتى الجرائم. ولكن ولا واحدة من هذه هي بالحقيقة منك. إنها ليست ”الأنا“ الحقيقية لك، التي هي التعبير العميق جداً عن نفسك الحقيقية.
وتحت ووراء كل هذا، وأعمق من كل خطيتك، وتعدِّياتك، ونقصك؛ فإن عينيَّ عليك. إني أراك، إني أُحبك. إنه ”أنت“ الذي أُحبك. ليس الشر الذي تفعله، الشر الذي كثيراً ما نستطيع ألاَّ نتجاهله أو ننكره أو نهوِّن منه (هل يمكن أن يكون الشيء الأسود أبيضَ؟). ولكن تحت كل هذا، وفي أعمق أعماقه، أنا أرى شيئاً آخر ما يزال ينبض فيك بالحياة جداً.
الأقنعة التي أنت تلبسها، والتنكُّر الذي أنت تتخذه قد يُخفيك جيداً من أعين الآخرين، وربما من عينيك أنت؛ لكنها لا يمكن أن تخفيك عني. إني أسعى وراءك، ربما بما لم يسعَ وراءك أحد آخر مثلي أنا من قبل.
إن مظهرك الخادع، وسعيك الدائب للإثارة، وقلبك القاسي الجشع؛ كل هذا أنا أفصله عنك. إني أنزعه بعيداً عنك وأُلقيه أبعد ما يكون عنك.
اسمعني جيداً، لا أحد يفهمك حقّاًَ، لكني أنا أفهمك. إني أستطيع أن أتكلَّم عنك بكلام رائع، وبأمور مُدهشة! يمكنني أن أقول ذلك عنك. ليس عن ”أنت“، كما تفعله قوات الظلمة التي كثيراً ما ضلَّلتك، بل عن ”أنت“ كما أشتهي أن تكون ”أنت“ الذي تكمن في أفكاري باعتبارك موضوع محبتي. إني أستطيع أن أقول عن ”أنت“ الذي يمكن أن يبقى كما أنا أُريده أن يكون، وأن يكون هكذا منظوراً.
فلتكن، إذن، هكذا منظوراً كما أنت في ذهني فعلاً. فلتكن أنت بالحق حسب حقيقة نفسك. فلتُحقِّق كل القُوَى التي أنا وضعتها فيك.
لا أحد - رجلاً كان أو امرأة - بقادر أن يُحقِّق أي جمال داخلي ليس هو بالحقيقة موجوداً فيك. وليس من موهبة إلهية إلاَّ التي أنت تتوق إليها. حقاً، إنك سوف تنال كل تلك المواهب معاً، إن كنتَ حقاً تحب، معي وفيَّ.
أما كل ما أنت ارتكبته في الماضي، فأنا سأُحرِّرك منه، سوف أفكّ قيودك. وإن أنا فككتُ قيودك، فمَن يقدر أن يمنعك من القيام والانطلاق