الكنيسة هذا الشهر



استشهاد القديس بوليكاربوس أسقف سميرنا
(29 أمشير / 8 مارس)

حياته:

ترجع المكانة العظيمة التي تمتع بها بوليكاربوس إلى أنـه كـان تلميذاً للرسـل. ويَذكُـر القديس إيرينيئوس أسقف ليون أنَّ بوليكاربوس جلس عند قدمَي يوحنا الرسول (أوسابيوس، ”تاريخ الكنيسة“، 5: 20), وأنَّ الرسل أقامـوه أسقفاً على سميرنا (أزمير بتركيا الآن) (ضد الهرطقات 3: 4،3).

عندما حوكم القديس بوليكاربوس، قال: ”إن لي 86 سنة وأنا أخدم المسيح“، وهذا يعني أنَّ عمره عندئذ كـان يتجاوز المائـة عام. وإذا عَلِمنا أن المُحاكمة كانت حوالي سنة 156م، فيكون ميلاده حوالي سنة 50م، على اعتبار أنه آمن بالمسيح في سنِّ الشباب أى حوالي سنة 70م.

وجَّه إليه القديس إغناطيوس الأنطاكي ”حامل الإله“ إحدى رسائله الشهيرة وهو في طريقه إلى الاستشهاد (سنة 110م). ويَظهر من هذه الرسالة التقديـر الكبير الـذي يُبديـه القديس إغناطيوس الأنطاكي للقديس بوليكاربـوس، إذ يصفه بأنـه: ”رجلٌ رسولي، وراعٍ صالح حقيقي“.

عاصَـرَ القديس بوليكاربوس يوحنا الرسول وتتلمذ على يديـه، وعرف الذين عـاينوا الرب وسمعوا كلماتـه وردَّدوهـا على مسامعه، فثبت عنده أنَّ التعليم الحقيقي هو التعليم المأخوذ عن الرسل. فالقديس بوليكاربوس ”رجلٌ رسولي“ من جهة التاريخ، كما من جهة التعليم. لذلك اتَّخذه القديس إيرينيئوس حُجَّـة لا تُـرَدُّ لتثبيت تقليد الكنيسة في مواجهة البدعة الغنوسية. قـال عنه القديس إيرينيئوس إنـه قابَل مرقيون الغنوسى يوماً ما، فلما سأله مرقيون: ”أتعرفني؟“، أجابه القديس بوليكاربـوس: ”طبعاً إني أعرف بِكْـرَ الشيطان“ (ضد الهرطقات 3: 4،3).

استشهاد القديس بوليكاربوس:

وصلنا خبر استشهاد القديس بوليكاربوس في رسالة أَرسلتْها كنيسة أزمير إلى كنيسة فيلوميليوم بفريجيا الكبرى بـآسيا الصغرى سنة 156م. إذ لمَّا شـرع الإمبراطـور مـرقس أوريليوس في اضطهاد المسيحيين, ألـحَّ المؤمنون على القديس بوليكاربوس أن يهرب من وجه الوالي. فاختفى عدَّة أيام في منزل خارج المدينة، وكـان دائم الصلاة مـن أجـل رعيَّة المسيح. وقبل القبض عليه، أنبأه الرب برؤيا في حُلْمٍ، إذ شاهد الوسادة التي كان راقداً عليها تلتهب ناراً. فقام من النوم وجَمَعَ أصدقاءه وأخبرهم أنـه سيُحرَق حيّاً مـن أجل المسيح، وأنه سيَنْعَم بعطية الشهادة.

وبعد ثلاثة أيام من الرؤيا، عرف الجُند مكانه واقتحموا منزله، وكان يمكنه أن يهرب، لكنه رفع عينيه إلى السماء قائـلاً: لتكن مشيئتك (يا رب) تماماً في كلِّ شيء“. ثم سلَّم نفسه في أيدي الجُند بعد أن قـدَّم لهم طعاماً، وسألهم أن يمهلوه ساعةً واحدة يُصلِّى فيها. وتعجَّب الجُند مـن مهابتـه ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه، حتى قال أحدهم: ”لماذا هذا الاجتهاد الشديد في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟“.

انطلق القديس مع الجُند الذين أركبوه جحشاً، وفي الطريق وجدهم ”هيرودس“ أحـد أكابر الدولة ومعه أبوه ”نيكيتاش“، فأركبه مركبته، وإذ طلبا منه جَحْد المسيح ورفض, أهانـاه وطرحاه من المركبة بعنفٍ، فسقط على الأرض وأُصيبتْ ساقـه بجُرحٍ خطير. عندئذ ركب الجحش وسط آلام ساقه وهو متهلِّل حتى بلغ إلى الساحـة، حيث كـان الوالي وجمهور كبير في انتظاره.

وإذ نظره الوالي وقـد انحنى مـن الشيخوخة وابيضَّتْ لحيته، سأله قائلاً: ”هـل أنت بوليكاربوس الأسقف؟“ أجابه بالإيجاب. ثم طلب منه الوالي أن يرثي لشيخوخته وإلاَّ سامه العذاب الذي لا يحتمله شاب. ثم أَمَرَه أن يُنادي بهلاك المُنافقين، وأن يحلف بحياة قيصر. فتنهَّد القديس، قائـلاً: ”نعم ليهلك المُنافقون“. فذُهل الوالي وقال: ”إذن، احلفْ بحياة قيصر والعَن المسيح، وأنا أطلقك“.

ولما أحضروه إلى الملعب وطلب منه الوالي أن يُجدِّف على المسيح ويقول: ”يسوع أناثيما“ (1كو12: 3). أجابه القديس: ”86 سنة وأنا أخدم المسيح ولم يُسيء إليَّ قط، فكيف أُجدِّف على ملكي الذي خلَّصني؟“. وهـدَّده الوالي بالوحوش، فرحَّب القديس بوليكاربوس. ثم هدَّده بالنار، فردَّ القديس عليه: ”أنت تُهدِّد بنارٍ تحرق لوقتٍ قصير وتُطفأ سريعاً، ولكنك لا تعرف نار الدينونة الآتية التي تنتظر الأشرار، فهي نارٌ أبدية. هيَّا لا تتوانى ونفِّذ مـا تُريده“. فربطوه في عمود، وعندما حاولوا تسميره، قال لهم: ”دعوني حُرّاً، لأن الذي أعطاني القوة لمُلاقاة النار دون اضطراب، سوف يُعطيني القوة لأظل فيها دون أن أتحرَّك، وبدون أن تشُدَّني المسامير“.

صلاة القديس بوليكاربوس:

وأمَّا هو فنظر إلى فوق إلى السماء وقال: ”أيها الرب الإله ضابط الكل أبا ابنك المحبوب المبارك يسوع المسيح، الذى به تقبَّلنا معرفة كاملة لك... أُباركك لأنك أهَّلتني لهذا النهار ولهذه الساعة، كيما أشترك في كأس مسيحك مع عداد الشهداء، وأقوم للحياة الأبدية بالنفس والجسد في عدم الموت الذي للروح القدس. ليتك تقبلني اليوم مع شهدائك لأكون أمامك ذبيحة ثمينة ومرضية أمامك... ولذلك أُسبِّحك لأجل كل هذه الأمور. أُباركك وأُمجِّدك في رئيس الكهنة الأعظم الأبدي السماوي يسوع المسيح ابنك الحبيب، الذى به لك المجد معه ومع الروح القدس، الآن وإلى الدهور الآتية، آمين“.

وبعد ذلك أشعلوا النار, فارتفعت النار مثل قوس وأحاطت بجسد الشهيد مثل حائط وخرجت منها رائحة ذكية كبخور أو عطور نادرة. وأخيراً طعنه جلاَّد بحربة، فانطلقت حمامة مـن الجسد، وسالت دماءٌ كثيرة حتى أطفأتْ النار. وكـان استشهاده يـوم 22 فبرايـر 156م. وتُعِّيد لـه الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية في 25 من شهر أبريل، والكنيسة القبطية في 29 أمشير.

بركة صلاته تكون معنا، آمين.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis