قصة من واقع الحياة



عيد الأُم في جيورجيا

إن عبارة ”صُنْع الفطائر“ تُذكِّرني بعيد الأُم في جيورجيا في عام 1970. وكنتُ قد تقاعدتُ للتوِّ مـن خدمتي في القوات الجوية. وفي مدينة ”ميلدجفيل“ التحقتُ بكلية في جيورجيا.

وفي يوم عيد الأُم (في جيورجيا لابد أن يكون يـوم الأحد)، توجَّهنا كالمعتاد - أنـا وعائلتي - إلى الكنيسة في مدينة ”مولدفيل“. وعندما نظرتُ حولي، لاحظتُ أن ابننا البالغ من العمر 12 عاماً غير موجود. وقد نظرنا، أنـا وزوجتي، بعضنا لبعض بعيونٍ مُتسائلة، وفكَّرنا أنه على الأرجح خارج الكنيسة يلعب مع أصدقائه.

وبعد عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة، كان الشمامسة يُرتِّلون الألحان، وحتى الآن لم نعثُر على ابننا.

وبعد ثلاثين دقيقة من قيام الأب الكاهن بإلقاء العظة التي تعزَّينا بها جداً، إلاَّ أنه حتى الآن لم نعثُر على ابننا. لقد كنتُ أعرف في عمق قلبي أنَّ الشيء الوحيد الخطأ في ابننا هو أولوياته الشخصية؛ ولذلك متى تقابلنا معاً وجهاً لوجه مرةً أخرى، فإنني لابد أن أُواجهه لمعرفة ما هو مُهمٌّ وما هو غير مُهم!

ولأننا نسكن في منزلٍ لا يبعد عن الكنيسة إلاَّ بعمارةٍ واحدة، فكنتُ طيلة عظة الأب الكاهن أُفكِّر في أنـه ربما يكون ابننا قـد ذهب إلى المنزل لمشاهدة التليفزيون! وكنتُ أعرف عنه أنه لا يمكنه الجلوس في البيت لمدة أسبوع دون أن يهتم بمشاهدة التليفزيون.

وحالما صلَّى أبونا الكاهن صلاة البركة في نهاية القداس، وقبل مصافحة أصدقائنا المُصلِّين، هرعنا - زوجتي وأنا - نحو باب الكنيسة في طريقنا إلى المنزل. وفي قلقٍ، ونحن نصعد على درجات السُّلَّم إلى شقَّتنا، تخيَّلتُ ما أودُّ أن أقوله للصبي، وماذا سأفعل حالما نجده!

ومع كل هذا التوتر والقلق اللذين كانا يعتملان في نفسي، يمكنك تخيُّل دهشتنا عندما توجَّهنا إلى البيت، فماذا رأينا؟ وجدنـاه جالساً على الأريكة في انتظارنا، مع ابتسامةٍ عريضة على فمه! أما أنا فكنتُ على وشك أن أفتح فمي وأُوبِّخه بكلامٍ عنيف. ودون أن ينبسَّ ببنت شفة، إذا به يقف ويأخذ والدته من يدها، ويقودها إلى المطبخ!!

وهناك، وإذا أمامنـا طاولـة جميلة مليئـة بالأطعمة اللذيذة وقـد أعـدَّها ابنُنا - البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة - لزوجتي كهديـة لأُمِّه في عيد الأُم، بالإضافـة إلى ابتسامته المُشرقة، وتزيينه المائدة بأكلة عيد الأُم.

وفي وقتٍٍ لاحق، عَلِمنا أنـه غـادر الكنيسة مُسرعـاً إلى البيت مباشرةً بعد فصل مدارس الأحد، ليُعدَّ هـذه المفاجـأة غير المُتوقَّعة، حتى حينما نعود مـن الكنيسة بعد القداس، يكون قد انتهى من إعداد هذه الهدية الفاخرة لأُمِّه بمناسبة عيد الأم!!

+ أليس هـذا هـو طريق الله في كثيرٍ من الأحيان؟ فنحـن دائماً لا ننظر إلا إلى ظروفنا وتخميناتنا! ثم بعد ذلك نقف مُندهشين من مدى سوء أفكارنـا. كما أننا نتخيَّل مَجْرى الأمور هكذا، ثم عندما نرى عمل الله، لا يَسَعُنا إلاَّ أن نحني رؤوسنا تواضعاً وإجـلالاً وإكباراً وفي ذهـولٍ في كيف سـارت الأمور للخير، وإعـلاءً لمجد الله!

+ + +

+ «لأن أفكـاري ليست أفكاركم، ولا طُرُقكم طُرُقي، يقول الرب» (إش 55: 8).

+ «لا تحكموا حسب الظاهـر، بـل احكموا حُكْماً عادلاً» (يو 7: 24).

+ «ونحـن نَعْلَم أنَّ كـلَّ الأشياء تعمل معاً للخير للذيـن يُحِبُّـون الله، الذيـن هُـمْ مَدْعُوُّون حسب قصده» (رو 8: 28).

+ «يـا لعمـق غِنَى الله وحكمتـه وعِلْمه! ما أبعد أحكامه عـن الفحص وطُرُقه عن الاستقصاء» (رو 11: 33).

+ «إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت، حتى يـأتي الربُّ الـذي سيُنير خفايـا الظلام ويُظْهِرُ آراء القلوب» (1كو 4: 5).

**************************************************************************************************

دير القديس أنبا مقار
بتصريح سابق من الأب متى المسكين بالإعلان عن مشروع معونة الأيتام والفقراء (مشروع الملاك ميخائيل)، حيث يعول دير القديس أنبا مقار منذ عام 2000 مئات العائلات المُعدمة، ويمكن تقديم التقدمات في رقم الحساب الآتي:
21.130.153
دير القديس أنبا مقار
بنك كريدي أجريكول مصر - فرع نادي القاهرة

**************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis