دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار - 36 -

ثانياً: الأسفار التاريخية

10 - سِفْر عزرا

مُقدِّمـة:

يواصل عزرا سَرْد العهد القديم لسِفْر أخبار الأيام الثاني، بأن يُبيِّن كيف تمَّم الله وعده بإعادة شعبه إلى أرض الميعاد بعد سبعين سنة من السبي. فخروج إسرائيل الثاني هذا كان من بابل، ولم يكن من مصر مثل الخروج الأول لأنه كان لبقيَّة قليلة اختارت أن تترك بابل. ويروي عزرا قصة عودتين لمجموعتين من بابل: الأولى بقيادة زَرُبَّابل لبناء الهيكل (أصحاحات من 1-6)، والثانية بقيادة عزرا لإعادة البناء الروحي للشعب (أصحاحات من 7-10). وقد عالَج النص العبري للعهد القديم سِفْرَي عزرا ونحميا كوحدة واحـدة، وكذلك في الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية. ولكـن الترجمات اللاتينية والترجمات الأخرى كالعربية والإنجليزية قد فصلتهما عن بعضهما البعض.

مؤلِّف السِّفْر:

رغم أنه لم يُذكَر مؤلِّف السِّفْر، إلاَّ أنَّ عزرا هو ال‍مُرشَّح ال‍مُفضَّل. فالتقليد اليهودي (التلمود) يَنْسبه لعزرا. والأجزاء من 7: 28-9: 15 جاءت في صيغة المتكلِّم الأول، مُعَبِّرة عـن وِجْهة نظر عزرا. وكما في أسفار أخبار الأيام، هناك تأثير كهنوتي قوي، فإنَّ عزرا كان من سُلالة كهنوتية مُباشرة لهارون عن طريق أليعازر، فينحاس وصادوق (7: 1-5).

تاريخ السِّفْر:

بما إن الإسرائيليين قد أُخذوا في السبي على ثلاث دفعات متتالية (605، 597، 586 ق.م)، فقد عادوا على ثلاث دفعات. وقد حدثت الأولى تحت قيادة زربابل (538 ق.م). وبعد تأخُّرٍ كبير، نتج عن هذه العودة إعادة بناء الهيكل (520-516 ق.م)، بتشجيع من النبيَّيْن حجاي وزكريا. وقاد عزرا الدُّفعة الثانية في السنة السابعة من حُكْم أرتحشستا الأول (458 ق.م). وقاد نحميا الدُّفعة الأخيرة في السنة العشرين من حُكْم أرتحشستا الأول (444 ق.م). ووقعت أحداث سِفْر أستير تاريخياً في الفترة من عشر إلى اثنتي عشرة سنة (483-473 ق.م) بين الدُّفعتين الأولى والثانية للعودة من السبي.

+ وفيما يلي جدول تصويري لمحتويات السِّفْر: بؤرة
التركيز
ترميم الهيكل ت‍هيئة الشعب الشواهد 1: 1 ______ 3: 1 _________ 7: 1 ____________ 9: 1 ________ 10: 44 الأقسام العودة الأولى

لأورشليم بناء

الهيكل العودة الثانية

لأورشليم ت‍هيئة

الشعب الموضوع زربابل عـزرا العودة الأولى ل‍ 48897 العودة الثانية ل‍ 1754 المكان من فارس إلى أورشليم من فارس إلى أورشليم الزمن 22 سنة (538-516 ق.م) سنة واحدة (458-457 ق.م) التكوين الأدبي والروحي للسفر:

ترميم الهيكل وت‍هيئة الشعب وإعادة بنائه الروحي، يحتاج لإعادة تأكيد هويَّة إسرائيل وإيمانه مع عُزلة عن بقية الشعوب الوثنية التي لا تؤمن بالله. وهذا التجديد كان يتم تحت رعاية الإمبراطورية الفارسية، حيث كان الاتِّجاه السائد فيها حينذاك هو إدماج الاعتقادات الدينية معاً في اعتقادٍ واحد. فقد كانت هناك محاولة لتشجيع مختلف الشعوب في الإمبراطورية للمداومة على الاحتفاظ بثقافتهم الخاصة، ولكن بدون إقصاء ديني للآخرين. وفي هذا المجال اختبر اليهود إغراءً هائلاً لتسليم جميع مطالبهم السابقة من أجل الحصول على ما أُوحي به لهم حصريّاً من الله. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان هناك إغراء شديد للاستسلام لتلك الاتِّجاهات التي أُعدَّت لفصلهم عن الثقافات الوثنية المحيطة.

في هذا السياق، صار إعادة بناء عبادة في الهيكل نقية من كل تأثير ديني وثني، وتطهير الشعب من الاختلاط بالزواج من الشعوب الوثنية الأخرى، أمرين ضروريَّين. وقد اتَّضحت أمانة الله في الطريقة التي ب‍ها يحمي شعبه بسلطانه الإلهي في وسط إمبراطورية قويَّة بينما كانوا في السبي. فقد ازدهروا في منفاهم، وأقام الله ملوكاً وثنيِّين تعاطفوا معهم وشجَّعوهم على إعادة بناء موطنهم. كما زوَّدهم الله بقادة غيورين وقادرين على مُباشرة العودة وإعادة البناء.

مُلخَّص لمحتويات السِّفْر:

القسم الأول: إعادة بناء الهيكل (1: 1-6: 22):

1. العودة الأولى لأورشليم تحت قيادة زربابل (1: 1-2: 70):

أ - مرسوم كورش (1: 1-4 ). ب - هدايا من إسرائيل وكورش (1: 5-11).

ج - إحصاء للعائدين (2: 1-63). د - اكتمال العودة (2: 64-70).

2. بناء الهيكل (2: 1-6: 22):

أ - بناء أساسات الهيكل (3: 1-13). ب - إعاقة بناء الهيكل (4: 1-24).

ج - اكتمال بناء الهيكل (5: 1-6: 18). د - الاحتفال بعيد الفصح (6: 19-22).

القسم الثاني: إعداد شعب الله (7: 1-10: 44):

1. العودة الثانية لأورشليم تحت قيادة عزرا (7: 1-8: 36):

أ - مرسوم أرتحشستا (7: 1-28). ب - إحصاء للعائدين من إسرائيل (8: 1-14).

ج - الإعداد الروحي للعودة (8: 15-23). د - اكتمال العودة (8: 24-36).

2. إعداد الشعب (9: 1-10: 44):

أ - الزواج المختلط للإسرائيليين (9: 1-2). ب - عزرا يتوسَّط لدى الله (9: 3-15).

ج - تجديد الإسرائيليين (10: 1-44).

أقوال آبائية عن السِّفْر:

1. كورش رمز ليسوع المسيح: [هكذا جعل الرب كورش مثالاً لابنه الوحيد إلهنا وربنا يسوع المسيح. فكما أنَّ كورش بعد أن دمَّر إمبراطورية الكلدانيين، حرَّر شعب الله وأعادهم إلى أرضهم وأَمرهم بأن يعيدوا بناء الهيكل، الذي أُحرق بالنار في أورشليم، مُعتنياً بأن يُعلَن مرسومه العالي في كلِّ مكان بواسطة الرسائل، لكي تتحقَّق كلمات إرميا (النبي) (إر 29: 10-14) التي تنبَّأ ب‍ها عمَّا سيحدث في المستقبل؛ كذلك فإنَّ الوسيط بين الله والبشر بعد تحطيمه مملكة الشيطان في كلِّ العالم، ردَّ مُختاريه من حُكْم الطاغية، أولئك الذين كانوا قد تبدَّدوا وجمعهم الآن في كنيسته](1) - الأب بيدي Bede البندكتي.

2. تجديد النفس: [نشيد لداود عند بناء البيت بعد الأَسْر (مز 95 ”العنوان“ مُقتَبَس من الترجمة اللاتينية المُسمَّاة ”الفولجاتـا“ - مز 96 في العبري). على قدر مـا يحتمل المعنى الحرفي، فإنَّ العنوان يدلُّ على الزمن حينما كان الهيكل في أورشليم يتمُّ تجديده بواسطة زربابل بن شألتئيل بعد أن جاءت عصابة من الكلدانيين فساومته ثانية بالأرض. ولكن بما أنه لم يَقُل شيئاً من هذا القبيل فيما بعد، فلم يتغيَّر شيء في عنوان المزمور ومحتوياته؛ بل بَقِيَ لنا ليُبيِّن الأَمر في معناه الروحي. فإن بيتاً مهدَّماً يتمُّ بناؤه عندما تبدأ نفسٌ، بعد عبوديتها للخطية، العودة إلى فهم الحق بفضل غِنَى رحمة الرب. هـذا البيت، الذي هو الكنيسة الجامعة التي يسكن فيها المسيح، يُبنَى إلى أعلى دائماً بحجارة حيَّة، لأنه يربح كل يوم نموّاً في البناء بواسطة معترفيها، ولا يتوقَّف عن الارتفاع إلى أعلى حتى يصل للدرجة المقدَّر لها إلى ن‍هايته في ن‍هاية العالم. ويجب علينا أن نحفظ في ذاكرتنا هذا المزمور باعتباره الثاني من هذين اللذين يُعلنان مجيء الرب الأول والثاني (المزمور الثاني هـو المزمور 97 سبعينية - مز 98 عبري)](2) – الأب كاسيودوروس.

3. بينما كان الهيكل يُبنَى كانت الشعائر مُستمرة: [... بل ليتك تَدَعهم يتعلَّمون منكم، أنتم الذين تَعْلَمون جيداً مثل هذه التواريخ، كيف أنَّ يشوع بن يوصاداق الكاهن، وأخاه، وزربابل الحكيم ابن شألتئيل، وعزرا الكاهن وكاتب الناموس، عندما كان الهيكل يُبنَى بعد السبي، وكان عيد المظال قد حلَّ ميعاده (وهو عيد عظيم واجتماع وصلاة في إسرائيل)؛ جمعوا الشعب معاً بروحٍ واحد في الرواق الكبير داخل البوابة الأولى ناحية الشرق، وأعدُّوا المذبح لله، وقدَّموا عليه هداياهم وأَكملوا العيد. وبعد ذلك قرَّبوا ذبائحهم، وفي السبوت وأيام القمر الجديد، تقدَّم الشعب رافعين صلوات‍هم. وعند ذلك يقول الكتاب بجلاء إنه عندما تمَّ عمل كل هذه الأشياء، لم يكن الهيكل قد بُنِيَ بعد، بل إنه حتى وبينما كانوا يصلُّون، كانت مباني البيت مُستمرة.

وهكذا لم تؤجَّل صلوات‍هم في انتظار التكريس، ولا مَنَع التكريس إقامة الاجتماعات من أجل الصلاة؛ بل إنَّ الشعب استمر في الصلاة، وعندما اكتمل بناء البيت تماماً، احتفلوا بالتكريس، وأحضروا هدايـاهم لذلك الغرض، وحفظوا جميعاً العيد حتى كمـال العمل](3) - القديس أثناسيوس الرسولي.

4. نظام أكثر ديموقراطية: [عندما دُمِّرت أورشليم بواسطة نبوخذنصَّر، سقطت الملكية، ولم يَعُد هناك تسلسُل وراثي للحُكْم كما كان سابقاً؛ في ذاك الزمن أيضاً، لم يَعُد هناك سُلطان لذُريَّة داود الذين كانوا عائشين في الأَسْر. ولكن، عندما عاد (إلى أورشليم) أتباع شألتئيل وزربابل، قـادوا الشعب بأسلوب أكثر ديموقراطية، مُحوِّلين القانون من ذلك الحين فصاعداً إلى النظام الكهنوتي بسبب اختلاط السبطَيْن: الكهنوتي والملوكي](4) - القديس باسيليوس الكبير.

(يتبع)

(1) Bede (Benedictin Monk: 672-735c) On Ezra and Nehemiah 1: 1 (PL 91: 811).
(2) Cassiodorus (485-589c. Founder of the Monastery of Vinarium Calaleria) Explanation of the Psalms 95.1.
(3) St. Athanasius, Defense Before Constantius 18 (NPNF 4:245) (ACW 52: 415).
(4) St. Basil the Great, Letter 236.2 (FC 28: 168-69).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis