ادخل
إلى
العمق



- 3 -
دعوة إلى الكمال
(اختبار الدعوة المسيحية) (2)

(تكملة) سِمَات الإنسان الروحي

(المولود من الروح) وفهمه لدعوة الكمال:

في وصايـا أخـرى خاصة بالطهارة وعدم الزنا، نجد أن دعوة العهد الجديد لم تقف عند حدِّ رَفْع المعنى مـن مجرَّد الامتناع عـن المُمارسة الفعلية للخطية، إلى ضـرورة تقديس الفكـر والقلب، الذي هو منبع الشهوة نفسها: «إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (مت 5: 28)؛ بل إنَّ الوصية الجديدة تجاوزت هـذا الأمـر أيضاً، وألهبت قلوبنا نحـو إتمام الفضيلة ومحبتهـا، وعظَّمت بشاعـة الخطية، إذ قـالت: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كـو 3: 16)، فكيف بعد هـذا يُمكننا أن نُدَنِّس هـذا الهيكل؟ وكيف يمكـن أن نجعل أعضاء المسيح أعضاء زانية؟

فالوصية الجديدة والدعوة الثانية، دفعت الإنسان الروحي ليتحوَّل جهاده مـن مجرَّد قَمْع الجسد، إلى حُبٍّ للعفة والطهارة، وإلى قوَّة حُب إلهي عظيم.

وتحوَّلت وصية مقاومة الشـرِّ والخـوف مـن الخطية، بالنسبة للإنسان الروحي، إلى شجاعةٍ وجسارةٍ روحية فائقة، وإلى إيمانٍ كامل بقـوَّة الله المؤازِرة له في جهاده الروحي مـن أجل إتمام الوصية.

وتحوَّلت وصايـا التَّرْك والتجـرُّد والصوم وتقديم العشور وخلافه، من حدود كونها التزامات مادية وجسدية ومُعاناة وتضييق، إلى قوة اشتياق وحُب جارف لوصايا المسيح، وسَعْي دؤوب لربح الملكوت. وصـار الإنسـان الروحي في العهد الجديد، يَحسِب كل ما في العالم نفاية مـن أجل فضل معرفة المسيح، وصار عـار المسيح هـو فخره ومجده وسر فرحه.

وبالنسبة لوصايا الصبر والاحتمال، صـارت الوصية الجديدة للإنسان الروحي دعـوةً لشركة مُقدَّسـة مُفرحـة في آلام المسيح، تحمل بشارة الشركة في مجده. وصـارت الدعوة للدخول من الباب الضيِّق، منبع تعزيـة وفرح، ودافعاً لشُكر الله في كـلِّ حين وعلى كـل الظروف: «الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي...» (كـو 1: 24)، «بِصَبْرِكُـمُ اقْتَنُـوا أَنْفُسَكُمْ» (لو 21: 19).

وتحوَّلت وصايا الصلاة والتضرُّع إلى الله في وصايا العهد الجديد، من مجرَّد طقوس وطلبات وتوسُّلات مـن أجـل أمور مادية، أو أشخاص نحبهم فقط؛ إلى تسبيح دائم وطلب ملكوت الله وبـرِّه أولاً، وصلاة مـن أجل جميع الناس بلا استثناء، بل بالأكثر لأعدائنا ومَن يُسيء إلينا، مع غفران كامـل للجميع، مُتشبِّهين في ذلك بـربِّنا يسوع نفسه. وصارت الصلاة هي الوقـود الذي يُلْهِب حياتنا بالعشـرة الدائمة مـع الله، وإمكانية التواصُل والحديث معه كل حين وبلا عائق.

مِمَّا سبق يتَّضـح لنا أنَّ التطبيـق الإيجابي للوصية، صار هو عنوان مسيرة الإنسـان الروحي (المولود مـن الروح) في العهد الجديد. فالوصية الجديدة أضاءت حياتـه، لأن ”الوصية نـور“، وأيضاً «سـراج لرِجْلي كلامك ونـورٌ لسبيلي». فـالوصية، في العهد الجديـد، صارت مصباحاً حقيقياً في طريق الكمال، وبمعونة الروح القدس ونعمته، أصبح للإنسـان الروحي القـوَّة والقدرة على إتمامها، من أجل تحقيق مشيئة الله في حياته.

أهم مقاييس الكمال المسيحي المطلوبة:

1. أن نكون كاملين في المحبة:

يجب أن تكون محبتنا للجميع بلا تمييز أو حدود، حتى للأعداء (بمعونة الروح القدس)، وأن يكـون غفراننا كاملاً، حتى يكون لنا رجاء في الحياة الأبدية.

محبتنا لابد أن تكون محبة إلى المنتهى، على مثال محبة المسيح لنا، الذي سَكَبَ للموت ذاته، والتي أَظْهرها: أولاً: بالسرِّ، حينما غَسَلَ أرجُـل تلاميذه؛ ثم ثانياً: علانيةً، عندما قـدَّم نفسه على الصليب فداءً عن العالم كله.

الصلاة مـن أجـل العالم، وبالأخص أعدائنا والمُسيئين إلينا، لنُحقِّـق معنى الصلاة الربَّانيـة: ”اغفر لنا ذنوبنا كما نغفـر نحـن أيضاً للمُذنبين إلينا“. مُتذكِّرين غفـران المسيح لصالبيه، وكيف أذهلت ”لونجينـوس الجندي“ وجذبتـه للإيمان بالمسيح! وكذلك غفران استفانوس وصلاته مـن أجل راجميه، وكيف كانت ذات أثرٍ بليغ في حياة بولس الرسول فيما بعد!

ولكـن، ليكُن معلوماً أنَّ هـذه المحبة الكاملة، لا يقدر عليها سوى المولودين من الروح، الذين أحبُّوا الرب أولاً، مـن كـلِّ القلب والفكـر والعقل، وثَبَّتوا عيونهم نحـو المصلوب عنهـم، الذي وهبهم الحياة بموته على الصليب وقيامته المجيدة؛ لأن المحبة هي تكميل الناموس، وتمام دعـوة المسيح العُليا، لنكون قدِّيسين وكاملين نظير القدوس الذي دعانا.

2. أن نكون كاملين في تكريسنا:

ما هو نصيب الله في حياتنا؟

وهذا يعني التكريس الكامل، والانشغال الدائم، بالذهـن والقلب والنفس والحواس بـالرب يسوع وبالإنجيل وبالصلاة الدائمة؛ إذ أنَّ ذلك الأمر هو وحـده الكفيل أن يُقدِّس الحياة، ويملأهـا نعمةً وسلاماً، ويطرد كل الخيالات والمناظر العالمية، ويُشبِع القلب والحياة، فلا تعود النفس تبحث عن شِبَعٍ آخر، فـ «اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ» (أم 27: 7).

وفي تكريسنا الحياة لله، فنحن نُهيِّئ أنفسنا لسُكْنى الله فينا، وامتلاك حياتنا بالكامل. فنُكرِّس القلب له: «لأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَـا ذَاتِي» (يـو 17: 19)، فنصير هيكلاً مُقدَّساً لسُكنى روحه القدوس. ونُكـرِّس البيت له: «أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ» (يش 24: 15). ونُكرِّس كل الحياة: «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في 1: 21)، فيصير هدفي هو المسيح، واشتياقي هو الحياة المقدَّسة التي تقودني نحو الملكوت.

3. أن نكون كاملين في نقاوتنا وطهارتنا:

علينا أن نجاهد ولا نشترك في أيِّ عملٍ من أعمال الظلمـة غير المُثمرة، سـواء الأماكـن المُعثرة، أو الصداقـات التي تقودنـا للخطيـة والسقوط، أو الأشخاص غير الروحيين، أو حتى الأحاديث التي تجرُّنا إلى أيِّ عملٍ أو فكرٍ مُعثر.

وبالتالي عـدم تدنيس القلب أو الفكر أو المخدع أو البيت أو النفس، بأيِّ تذكـاراتٍ أو أَثَرٍ (خطاب، شريط، تذكار، كتاب، صور... إلخ) يمكن أن تُدنِّس فكرنا أو حواسنا، من نفايات هذا العالم الزائل، لئلا تكون هي سبب سقوطنا ودينونتنا، مثل قصة عخان بن كَرْمي (سِفْر يشوع - الأصحاح السابع).

الاعتراف المستمر وعدم الاحتفاظ بأيِّ أسرار أو أفكار، من جهة شيء أو شخص، دون الإقرار بها والرجوع عنها.

أن نحـبَّ الجميع، دون تمييز، بقلب طاهـر وبشدَّة. ولتكـن لنا أَعْيُن مُقدَّسة تجـاه الجميع، مُتذكِّرين دائماً أننا هيكل الله، وبدون القداسة لن يُعايـن أحـدٌ الله. وأن نكـون رُحماء، بسطاء، طويلي الأَناة مع الجميع.

4. أن نكون كاملين في التسليم:

بدون تسليم الحياة كلها لله، سيصعب علينا أن نُواجه العالم وحروبه، ولن نقدر أن نغلب، لأنه هـو القائل: «بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يـو 15: 5)، وهذا يلزمه إيمان وثقة كاملة بالله القادر على كلِّ شيء، وبذلك يتمُّ القول: «سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ» (أع 27: 15).

مـن علامـات التسليم الكامـل لله، احتمال الضيقات والتجارب بفـرح وشُكر، وقبول إرادة الله في حياتنا، مهما كانت غير مفهومة لنا أحياناً. فنحن سوف نُدرك عُمق رحمة الله وعظمة تدبيره فيما بعد، مُتذكِّرين دائماً قول أحد القدِّيسين: ”مَن يهرب من الضيقة، يهرب من الله“.

كذلك مـن علامات الكمال في التسليم، عدم القلق من أجل أيِّ أَمـرٍ جسـدي أو مادي، وألاَّ نجعـل أي حديث أو اهتمـام يُزعجنا (مرض، مستقبل، ظُلم، وظيفة، أولاد... إلخ)؛ بل علينا أن ننظر إلى طيور السماء ونتعلَّم ونثق أننا في يدَي الله القدير مُحروسون، حينئذ نطلب أولاً ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلها تُزاد لنا!

**************************************************************************************************

دير القديس أنبا مقار

بتصريح سابق من الأب متى المسكين بالإعلان عن مشروع معونة الأيتام والفقراء (مشروع الملاك ميخائيل)، حيث يعول دير القديس أنبا مقار منذ عام 2000 مئات العائلات ال‍مُعدمة، ويمكن تقديم التقدمات في رقم الحساب الآتي:

21.130.153

دير القديس أنبا مقار

بنك كريدي أجريكول مصر - فرع نادي القاهرة

**************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis