من تاريخ كنيستنا
- 167 -


الكنيسة القبطية في القرن التاسع عشر
البابا ديمتريوس الثاني
البطريرك الحادي عشر بعد المائـة
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري
(1862 - 1870م)
- 6 -

«وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 18)

(تكملة) أراخنة هذا العصر

بعض معاصري يعقوب بك نخلة روفيلة:

+ ”تـادرس شلبي“، تـربَّى في المدرسـة الكبرى، وكـان مـن العاملـين المُجاهديـن في الكنيسة، بـاذلاً الجهد والمال في تعمير الكنائس والأديـرة، وبخاصة الكنيسة المرقسية بالأزبكية. ثم أُقيم وكيلاً عاماً على إدارة البطريركية. ومـع كونه ذا كلمة نافذة، فقد كـان متواضعاً هادئ الطبع، مُحسناً مُحبّاً ومحبوباً من الجميع.

+ ”دميان بـك جـاد شيحة“، كانت له مكانة خاصة لـدى الخديوي إسماعيل ورجـال حكومته لتواضعه ومحبته للجميع، ولسخائه في العطاء مـن غير تفرقة بين قبطي ومسلم. ويمكننا تقدير مكانته متى عرفنا أن دواوين الحكومة تعطَّلت يوم وفاته، وقد سار الأمراء والوزراء في جنازته(1).

الشقيقان إبراهيم بك وصالح نخلة:

+ كان المعلِّم نخلة إبراهيم كاتم سر شريف باشا الكبير، والذي خدم في عهد البابا بطرس الجاولي. وقد ربَّى أولاده أحسن تربية مُمكنة آنذاك. فأسَّسهم مـن البداية على المبادئ المسيحية ومعرفة العقيدة الأرثـوذكسية، ثم علَّمهم الكتابـة والحساب ومَسْك الدفاتر والإنشاء بالإضافة إلى اللغة القبطية.

ولمَّا انتهوا مـن الدراسة وبلغوا سِنّ الشباب، بـرز منهم اثنان، هما: إبراهيم (الابـن الأكبر) وصالـح (الذي يليـه). واشتغل الأول في إدارة شئون دائرة الثري الشهير الكونت زغيب الذي كـان يقطن الإسكندرية. بينما اشتغل الثاني فترة قصيرة في بنك قطاوي بالإسكندرية، ثم ترك هذه الوظيفة ليشتغل وظيفة رئيس الحسابـات بدائرة الأمير فاضل باشـا بالإسكندرية أيضاً. ولكنه لم يلبث أن تَرَكَ هـذا العمـل أيضاً ليعمـل رئيساً لحسابات الدائرة البلدية.

وقـد خـدم هذان الشقيقان الكنيسة في صدق وولاء، ورأسا العمل على تشييد كاتدرائية عُظمى بالإسكندريـة تليق بمكانـة مـار مرقس البشير الشهيد. وتعاوَن معهما أقباط المدينة، فأعادوا بناء هذه الكنيسة بشكلٍ أبهج قلوب المسيحيين.

ثم رأى إبراهيم بك وأخوه صالح أنَّ المدرسة أجدى وسيلة للنهوض بالشعب، فقاما ببنائها. ثم افتتحاها على النظام الحديث. فكانت لهذه المدرسة المكانة الأولى، إذ لم تكن هناك مدارس مصرية غير مدرسة رأس التين والمدرستين اللتين أُقيما في عهد البابا ديمتريوس الثاني. وقـد افتتحها الشقيقان لجميع المواطنين بغير تفرقة بين قبطي ومسلم، كما كـانت العادة في بقيـة المدارس القبطية. لذلك ذاع صيتها، فجاءها الطلبة من مختلف الجهات حتى لقد تتلمذ فيها أبناء الطوائف الأجنبية.

كذلك نظَّم إبراهيم بـك وأخـوه صالح الدار البابوية، فعدَّلا بناءها وشيَّدا طابقاً أعلى ليكون مسكناً للبابا عند ذهابه إلى الإسكندرية. ولمَّا كمل بناؤه فرشاه بأجمل الأثاث. وقد شملهما كلٌّ من البابا ديمتريوس الثاني والبابـا كيرلس الخامس بعطفه وزوَّدهما ببركاتـه. وحينما رأى البابـا كيرلـس الخامس مـدى نجـاح إبراهيم بـك وأخيـه في عملهما اليومي، عيَّن إبراهيم ناظراً على الأوقـاف المرقسية وعلى مدرستها؛ بينما عيَّن أخاه ناظراً على الكنيسة المرقسية، تقديراً من قداسته للجهود التي بذلاها في خدمة أُمتهما ونَشْر العلم بين أبنائها.

وانتقل صالح الشقيق الأصغر إلى الفردوس سنة 1887م، وهـو في المنصورة. وكان البابا كيرلس الخامس يُحبُّـه حبّاً جمّاً. فرأى البابـا، تكريماً لذكراه، أن يضع عمله في يدَي أخيه. ولقد استجاب إبراهيم بك لهذا العطف البابوي، إذ أنه لمَّا قام النزاع بين البابا كيرلس الخامس والمجلس الملي، جاهَـدَ لإزالة الخلاف. فكان ضمن مَـن حقَّقوا للشعب رغبته في عودة باباه من المنفى.

وحدث أن زارت ملكة البرتغال مصر، وعمل إبراهيم بك كل ما في وسعه لراحتها. فلما عزمت على العـودة إلى بلادهـا، أنعمت عليه حكومتها بنيشانٍ رفيع، كما أنَّ الخديـوي مَنَحه النيشان المجيدي من الطبقة الخامسة مـع رتبة البكوية. وفي الوقت نفسه عينوه سكرتيراً شرفياً للقنصلية البرتغالية بالإسكندرية.

ولم يدفعه هـذا التقدير إلى التشامُخ بل ظلَّ على وداعته وعلى التعاون مع بني قومه. وحينما كـان أرمـانيـوس بـك حنـا مديـر الإدارة البطريـركية مُنهمكاً في تجميـل الكاتـدرائية المرقسية بالإسكندرية، تعاوَن إبراهيم بـك معه على فَرْش أرضيـة الكنيسة ورَصْفها بالرخـام الإيطالي. ولقد كان في نيَّته أيضاً أن يُشيِّد مدرسة كبرى في ساحـة الكاتدرائية المرقسية. فأعـدَّ الرسـومات الحديثـة واستحضـر مـواد البناء استعداداً لإرساء حجر الأساس بعد الاحتفاء بعيد القيامة سنة 1906م.

ولكنـه، بعد أن اشترك في صلوات الجمعة الكبيرة، وعـاد إلى بيته موفـور الصحة هادئ النفس؛ انتقل فجأةً إلى الفردوس فجر سبت النور. فعمَّ الحـزنُ القلوبَ على فَقْـده واحتفلوا بتشييع جنازته احتفالاً شعبيـاً رائعاً. ومما قالـه صديقه فرنسيس بك غبريال عميد القبط بالإسكندرية في تأبينه هذه الجملة: ”لو عملت لك الأُمَّة تمثالاً، لَما كافأتك على جليل أعمالك“(2).

ميخائيل بك شاروبيم:

+ بدأ دراسته في مدرسة حارة السقايين. وكان مُولعاً بالكتابة منذ صباه، فكَتَبَ عـدَّة قصص على نمط كتاب: ”العيون اليواقظ“ قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره. ولمَّا بلغها عُيِّن في قلم التحريرات الأفرنجية بنظارة (وزارة) المالية، واشتغل سنتين عُيِّن بعدهما مُترجماً بها، فسكرتيراً لإسماعيل باشا صدِّيق. وفي سنة 1876م، عُيِّن سكرتيراً لمدير الجمارك فوكيلاً له. ثم انتُدِبَ لإدارة جمارك دمياط، فجعلها مستقلة قائمة على قاعدة ثابتة. وتقديراً له عيَّنوه أميناً لجمركها.

وفي سنة 1880م، أصبـح أميناً لجمـرك بورسعيد، ثم استقال لأسبابٍ صحية، وعاد إلى القاهرة. ولم يلبث طويلاً، إذ قد استدعوه وعيَّنوه مفتشاً للمراقبة الثنائية (مراقبة إنجلترا وفرنسا) سنة 1883م. ثم أُقيم قاضياً بمحكمة المنصورة الأهلية سنة 1884م، فرئيساً لنيابة تلك المحكمة.

وفي يوليو مـن السنة عينها، مَنَحَه الخديوي رتبة البكويـة. وفي نوفمبر من نفس السنة، نال من حكومة اليونان وسام ”كومندور“ من الدرجة الرابعة. وبعـد أربعة شهور فقط، منحته إيران وسام الشمس والأسد، بينما مَنَحَه ملك إسبانيا سنة 1888م وسام القديس يوحنا من طبقة شفالييه.

وحدث أن قام صدام بينه وبين رياض باشا في أغسطس سنة 1888م، لم تنفع فيه وساطة الخديوي نفسه. فـاعتزل العمل الحكومي وذهب إلى بني سـويف (مسقط رأسـه) حيث اشتغل بزراعة أطيانه، وعكف على تأليف كتابـه الكبير ”الكافي“ في تاريخ مصر. ثم أرسل إليه مظلوم باشا وزير المالية يستدعيه، فنزل كارهاً.

ورجـا منه الوزيـر أن يقبل منصب مدير مصلحة مساحة أطيان عموم القطر. فاعتذر، ثم قَبِلَ في النهايـة بسبب إلحـاح الوزيـر ووكيل الوزارة. فسلَّماه على الفور المنشورات والأوامر المالية والقرارات الوزاريـة، وكلَّفاه بعمل قانون يكون مرجعاً في عمل فكِّ زمام المديريات. فأتمَّ العمل على أحسـن مـا يُرام. وعلى ذلك مَنَحَه الخديوي النيشان العثماني من الدرجة الرابعة سنة 1897م.

وظلَّ ميخائيل بك شاروبيم في عمله هذا إلى سنة 1899م، حين أصبح ناظـر إدارة أمـلاك الميري الحُـرَّة بوزارة المالية. وفي آخـر تلك السـنة، عُيِّن مديـراً لأمـلاك الميري بمدينـة الإسكندرية، وبينما هو فيها مَنَحه نجاشي الحبشة (ملك إثيوبيا) نيشان نجمـة الافتخار في أغسطس سنة 1900م. وظـلَّ بالثغـر إلى سنة 1903م، حـين استدعته وزارة الماليـة وعيَّنتـه ناظـراً لأملاكها. ولكنـه رأى أن يستقيل للتفرُّغ لأعماله الخاصة، فقُبِلَ طلبه. فعاد إلى استصلاح أرضه، واستكمال كتابـه، وتعضيد المشروعات الخيرية والأدبية(3).

وهبى بك تادرس“:

+ مـن مواليد حارة زويلة في غضون سنة 1860م. بـدأ دراسته بمدرسة الأرمـن بدرب الجنينة، حيث قضى سنتين نـال بعدهما جائزة سنيَّة. ثم التحق بمدرسـة الأقباط الكبرى التي كانت آنذاك أشبه بكليَّة عملية. وقد ظلَّ دائباً على تحصيل العلم إلى أن ظَهَرَ في العقد الثالث من عمره أستاذاً فاضلاً وكاتباً مجيداً وشاعراً نبيهاً. ثم انتظم في سلك الترجمـة بنظـارة المعارف (وهي الآن وزارة التربية والتعليم). وخلال عمله نجح في الالتحاق بالأزهر، كما عَمِلَ بالتحرير في مجلة ”روضة المدارس المصرية“. وقد نَشَرَ فيها كتاب: ”الدُّر الثمين في تاريـخ المارشال طورين“، و”بهجة النفوس في سيرة أرتينيتوس“، و”رسالة الاختراعات الحديثة“.

وقـد اختارتـه البطريـركية لتدريس اللغتين العربية والفرنسية بمدرسة حارة السقايين. وخلال عمله، تعلَّم اللغة القبطية ودرَّسها وصنَّف فيها كُتُباً، ودرَّس أيضاً بمدرسة الروم الكاثوليك. وقد ظلَّ يُدير مدرسـة حارة السقايين ثماني عشرة سنة، نقلته بعدهـا البطريـركية ليُديـر المدرسة الكبرى. ثم نظَّم المدارس التابعة للبطريركية.

وفي سنة 1889م، نال رتبة البكوية، وبمناسبتها نَشَرت نظارة المعارف في الجريدة الرسمية خبراً عنه، جاء فيه: ”إنه نال هذا الإنعام مُكافاةً له على كَسْب المعارف، ونَشْرها بين العموم“.

+ أما كُتُبه فهي:

1. ”العقـد الأنفس في ملخَّـص التاريـخ المقدس“، وهو ترجمة عـن الفرنسية، وقد طُبِعَ في مطبعة الوطن القديمة.

2. ”التحفـة الـوهبيـة في تقـريب اللغـة الفرنسية“.

3. رسـالة بعنوان: ”ارتشاف الراوي مـن صرف النحو الفرنساوي“.

4. ”الخُلاصة الذهبية في علم العربية“.

5. ”مرآة الظرف في فن الصرف“.

6. ”عنـوان التـوفيق في قصـة يوسـف الصدِّيـق“، وهـذه القصة قـد مُثِّلَت بحضـور الخديوي توفيق باشا.

7. ”الأثـر النفيس في تاريـخ بطرس الأكبر ومُحاكمـة ألكسيس“، وقـد مُثِّلَت أيضاً في دار الأوبرا.

8. روايـة ”تلمـاك“، وهي مُترجمـة عـن الفرنسية.

9. كتاب باللغـة القبطية لتدريـس المبتدئين. وهذا الكتاب طُبِعَ عدَّة مرَّات.

+ وله غير هـذه كُتُبٌ أخرى لم تُطبع بعد، وهي: ”تاريخ مصر مـع فلسفة التاريخ“، وكتاب مُطوَّل في فنون الأدب، وديوان شعر ونثر(4).

(يتبع)

(1) ”تاريخ الإيغومانس فيلوثاؤس“، لجرجس فيلوثاؤس عوض، ص 112. وتقول المؤرِّخة إيريس حبيب المصري، في كتاب: ”قصة الكنيسة القبطية“، جزء 4، ص 383: ”وهذا الكشف يُبيِّن لنا مدى يقظة القبط ونشاطهم في مختلف الميادين“.
(2) ”سلسلة تاريخ البابوات...“، كامل صالح نخلة، الحلقة الخامسة، ص 239-243.
(3) ”مشاهير القبط“، رمزي تادرس، الجزء الثالث، ص 28-32.
(4) ”مشاهير القبط“، رمزي تادرس، الجزء الثالث، ص 34-39؛ عـن كتاب: ”قصـة الكنيسـة القبطية“، لإيريس حبيب المصري، الكتاب الرابع، ص 388. وتقول المؤرِّخة إيريس حبيب المصري: ”ومرةً أخرى نُلاحظ نشاط الفكر القبطي في مختلف الميادين دون أن يكون هؤلاء قد تعلَّموا في المدارس الغربية“.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis