دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 56 -

ثالثاً: الأسفار الشعرية

5 - سِفْر نشيد الأنشاد (3)

(تابع) أقوال آبائية عن السِّفْر:

17. إنه الله الذي يبحث عنَّا: [الربُّ يطلبنا عندمـا يقـول: ”سعيتُ ولم يكن هناك مَـن يُجيب“، وهذا نفسه هو المطلوب أيضاً من قِبَل عروسه، التي تبكي بالدموع: «طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. دَعَوْتُهُ فَمَا أَجَابَنِي» (نش 5: 6). وأنا في غرفتي في الليل، طلبتُ منه الذي أحبَّته روحي، طلبته ولم أجده، اتَّصلتُ به ولم يُجيبني](17) - القديس يوحنا كاسيان.

18. خطوات التبتُّل: [العريس البِكْر، بعد أن امتدحته العروس البِكْر، يُشيد بدوره بالعروس البِكْر، ويقول لها: «مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ (بنت ”أميناداب“)» (نش 7: 1)، التي تفسيرها: ”الشعب الذي قدَّم نفسه عن طِيب خاطر“؛ لأن العذريَّة طوعية اختيارية، وبالتالي فإنَّ خطوات الكنيسة في وصف جمال العفَّة مدحٌ، ليس هو الوقت المناسب للتعليق عليه لتوضيح كل أسرار العذرية، وليس لديَّ أدنى شكٍّ في أنَّ القارئ سوف يُدرك القصد مِمَّا قيل فيه بالفعل](18) - القديس جيروم.

19. حقل به جميع الفواكه: [في الواقع، فـإنَّ مـا أدانته الكنيسة دائماً هـو الرأي ال‍مُنحرف لأولئك الذين يتجرَّأون على حلِّ وحدة الزواج. استمع مُجدَّداً إلى صوت الكنيسة المقدَّسة: «تعالَ، يا أخي، دَعْنا نخرج إلى الحقول، ونجول في القُرَى. دَعْنا نخرج مُبكِّراً إلى مزارع الكروم، ونرى ما إذا كانت الكَرْم قد أزهرت» (نش 7: 12 – حسب النص). قد يُنتج الحقل العديد من الفواكه، ولكن أفضل حقل هو الذي يُنتج الفواكه والزهور. الكنيسة هي حقلٌ من هذا النوع، خصبٌ في التنوُّع](19) - القديس أمبروسيوس.

20. كنيسة واحدة يدل عليها روحٌ واحد: [هذه الكنيسة الواحدة ال‍مُحدَّدة أيضاً في نشيد الأنشاد، عندما يقـول الروح القدس في شخص الرب: حمامتي، واحدة كاملة؛ ليست سوى واحدة، هي الوحيدة لأن‍ها هي (كنيسة واحدة)، واختيار واحـد لها وليس سواها. هـل يمكن لِمَن لا يُحافظ على وحدة الكنيسة هـذه أن يعتقد أنـه يُحافظ على الإيمان (نش 6: 9)؟

هل يستطيع الشخص الذي يُقاوم ويُكافح مُعارضاً إيمان الكنيسة أن يتأكَّد من وجوده في الكنيسة؟ لأن الرسول ال‍مُبارَك بولس يُعطي نفس التعليم، ويُعلِن نفس الاعتقاد عن الوحدة عندما يقول: «جسدٌ واحد، إيمانٌ واحد، روحٌ واحد. ربٌّ واحد، معمودية واحدة، إلهٌ وآبٌ واحد، للكل (”الذي على الكلِّ وبالكلِّ وفي كلِّكم“)» (أف 4: 4-6 حسب النص)](20) - القديس كبريانوس.

21. البياض علامة التجديد: [لذلك أعطانا المسيح وصيةً جديدة، أن نحب بعضنا بعضاً كما أحبنا هو. هذا الحب يُجدِّدنا حتى نكون جُدُداً، وورثة للعهد الجديد، ومُرنِّمين ترنيمة جديدة. هذا الحب جدَّد أيضاً حتى أولئك الأشخاص الذين كانوا في الأزمنة القديمة، وكذلك الآباء البطاركة والأنبياء، كما تبارَك كذلك الرسل أخيراً. وإلى هذه الأيام أيضاً يُجدِّد الأُمم. ومن كل أجناس البشر، المنتشرة في كـلِّ العالم، يجمع ويصنع شعباً جديداً، الذي هو جسد العروس الجديدة، عروس ابن الله، الابن الوحيد، التي قيل عنها في سِفْر نشيد الأنشاد: «مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا (”في ثيابٍ بيض“ - حسب النص)» (نش 8: 5)؟ في ثيابٍ بيضاء، لأن‍ها بالتأكيد قد تجدَّدت. وبماذا تجدَّدت، إلاَّ بالوصيَّة الجديدة!](21) - القديس أوغسطينوس.

22. الله يُعيِّن الأوقات والأزمنة: [وهكذا، فإنَّ إله الجميع، كقول سليمان الحكيم، يوزِّع كل شيء في الأزمنة والأوقـات الملائمة (جا 3: 7) ب‍هدفٍ؛ حتى في الوقت ال‍مُباشر، ينتشر الخلاص للبشريَّة في كـلِّ بقاع الأرض. وب‍هـذه الطريقة، حكمة الله ربنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح... ”انتقلت إلى أرواحٍ قدِّيسة، وجعلتهم أصدقـاء الله وأنبياءه“ (انظـر حكمة 7: 27،26). ورغم أنَّ كثيريـن كانوا يصلُّون من أجل مجيئه: «لَيْتَ مِنْ صِهْيَوْنَ خَلاَصَ (يأتي) إِسْرَائِيلَ» (مز 14: 7)؛ فالعريس أيضاً، كما هو مكتوبٌ في سِفْر نشيد الأنشاد، يُصلِّي قائلاً: «لَيْتَكَ كَأَخٍ لِي الرَّاضِعِ ثَدْيَيْ أُمِّي، فَأَجِدَكَ» (نش 8: 1). ومعنى هذه الصلاة هو: ليتك تكون كإنسانٍ وتأخذ الطبيعة البشرية من أجلنا (وتأتي إلينا).

وفي ملء الزمان، كان الله الذي حدَّد الأوقات والمواعيد، وهو يعرف احتياجاتنا أفضل مِمَّا نعرفها، ولأنه يحبنا؛ فهو يحثُّنا على فِعل ما هـو مناسب في الأوقات ال‍مُناسبة حتى يتسنَّى لنا الشفاء. وهكـذا عندما حـان الوقت المناسب، أرسل الآب ابنه كما وَعَدَ](22) - القديس أثناسيوس الرسولي.

23. العيون تُغسَل في اللبن (نش 5: 12): [تُقارَن العيون الناظرة إلى مجاري المياه مع الحمائم، بسبب بساطتها وبراءت‍ها. ويقول الكلمة (اللوغوس) إنه قد تمَّ غسلها في اللبن الحليب، ونوعية الحليب هنا هي أن‍ها لا تعكس أيَّـة صورة. كل سائل آخر يُشبه المرآة التي يعمل سطحها الأملس على عكس صورة أولئك الذين يُحدِّقون فيها؛ إلاَّ أنَّ الحليب يفتقر إلى هذه القدرة العاكسة. هذا، إذن، هو أفضل مدحٍ لعيون الكنيسة.

إن‍ها لا تعكس صورة خادعة غامضة لصُور أشياء غير موجودة، خاطئة أو باطلة أو تتعارَض مع الطبيعة الحقيقية للواقع. إن‍ها تُبيِّن (أي تُظْهِر)، بدلاً من كون‍ها تَظْهَر بشكلها، ولا تعكس الرؤى الخاطئة الوهمية للحياة. وبالتالي، فـإنَّ الروح المثالية تغمر أعينها في اللبن للحفاظ عليها نقيَّة](23) - القديس غريغوريوس النيسي.

24. أساسات الكنيسة على الرسل والأنبياء: «سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ، مُؤَسَّسَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ إِبْرِيزٍ» (نش 5: 15): [هذه أُسسٌ واضحة، كمَن يبني في أيِّ وقت على أساس الرسل والأنبياء. وهو يمتدح تماماً الأرجل بعد البطن، إذ يقول إنَّ الرخام مبني على قاعدة من الذهب. فبطرس ويوحنا عمودان في الكنيسة، كمثالٍ، اللذان لهما المسيح، الذي عُبِّر عنه كالذهب كأساسٍ لهما (انظر أف 2: 20).

وهما مصنوعان من الرخام، لأن بولس أيضاً دعاهما عمودَيْن (1تي 3: 15) بالتأكيد، بسبب ثبوت‍هما واستقرارهما، والحفاظ على دَعْم هيئة الكنيسة المشتركة؛ علاوة على ذلك، بحيات‍هما ال‍مُستنيرة وعقيدت‍هما المستقيمة. لكن الإخلاص الذي به نحب الله من كلِّ قلوبنا، وقريبنا مثل نفوسنا، يَدْعَم أيضاً جسد الكنيسة الواحد، كما تدعمها الأعمدة الرخامية، كما لو كـان على الساقين. أمَّا الأساس الذهبي، فهـو يحتوي على قاعـدة ثابتة من الإيمان، وجميع الأعضاء تتماسك معاً بقوةٍ من أجل صالح الجسد كله](24) - القديس كيرلس الإسكندري.

25. «مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟» (نش 8: 5): [أي‍ها المائت، لقد تمَّ تطهيرك في المعمودية، ويُقال عنك: «مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا»؟ حتى يتم تطهيرها بالفعل، لكنها ليست قادرة على حراسة طهارت‍ها، إلاَّ إذا كانت مدعومة من قِبَل الرب الإله. أنت الذي كنتَ قبل لحظة (مأسوراً) من خطاياك بعد أن تمَّ تحريرك، كيف تُريد أن تُسلِّمها إلى رحمة الله، إنْ لم تكن بالطريقة التي ذكرت‍ها! إننا عندما نُتمِّم كل شيء، فإننا نعترف بأننا نحن أنفسنا غير أَكْفَاء](25) - القديس جيروم.

26. الموت لا يُقهَر: [عندما يأتي الموت، لا يمكن مُقاومته، فبِغَضّ النظر عن المهارات، وأيّاً كانت الأدوية التي تُقابلها، لا يمكن لعنف الموت أن يولَد فينا؛ كذلك ضد عنف الحب لا يمكن للعالم أن يفعل شيئاً. لأنه على النقيض، فإنَّ ما يُشبهه مصنوع من الموت، لأنه كما أنَّ الموت هو الأكثر عنفاً عن أن يُسلَب؛ كذلك الحب هو الأكثر عنفاً أن يُغلَب. من خلال الحب، مات كثيرون للعالم ليعيشوا مع الله](26) - القديس أوغسطينوس.

27. «مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ» (نش 8: 7): [يجب أن يوجد الحب للمسيح فينا بطريقةٍ لا يمكن لشيء أن يفصلنا عنه مهما كانت المخاطر، لأنه مكتوبٌ: «مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا» (نش 8: 7)، لأن روح ال‍مُحِب تَعبُر السيول. لا عاصفة، ولا خطر داهم، ولا خوف من الموت أو العقاب، يُقلِّل من قوَّة الحب، في مثل هذه الأحداث التي يتمُّ اختبارنا فيها؛ ففيها تكمُن الحياة السعيدة، على الرغم مـن أن‍ها محفوظة من قِبَل العديد مـن الأخطار. لأن الشخص الحكيم لا ينكسر بعلل الجسد، ولا يضطرب بسبب المصائب، لكنه يظلُّ سعيداً حتى وسط المشاكل. لا تُقلِّل الشدائد الجسدية من هِبَة الحياة السعيدة، أو تسلب أي شيء مـن حلاوت‍ها. لأن سعادة الحياة لا تكمُن في المتعة الجسدية، ولكن في الضمير النقي مـن كلِّ وصمة عار من الخطيئة، وفي ذهن الشخص الذي يعرف أنَّ الصالح هـو أيضاً مُمتع، على الرغم مـن أنه قاسٍ، وهذا ال‍مُخجل لا يمنح البهجة رغم أنه حلوٌ](27) - القديس أمبروسيوس.

(يتبع)

(17) St. John Cassian: Conferences 13.12.12; (ACW 57: 481). (18) St. Jerome: Against Jovinianus 1.31; (NPNF 2,6: 370). (19) St. Ambrose: On the Virginity 6.34; (AOV 19). (20) St. Cyprian: The Unity of the Catholic Church 4; (LCC 5: 126). (21) St. Augustine: Tractates on the Gospel of John 65.1.2; (FC 90: 50-51). (22) St. Athanasius the Great: Festal Letters 1.1 (NPNF 2,4: 506). (23) St. Gregory of Nyssa: Homilies on the Song of Songs 13; (GNSS 240). (24) St. Cyril of Alexandria: Fragments in the Commentary on the Song of Songs 5.15; (PG 69. 1290). (25) St. Jerome: Against the Pelagians 3.15; (FC 53: 372-73). (26) St. Augustine: Explanations of the Psalms 48.12; (NPNF 1,8: 167-68). (27) St. Ambrose: Jacob and the Happy Life 1.7.27; (FC 65: 137).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis