|
|
|
7. عيد الغطاس (11 طوبة/ 19 يناير): هو ضمن ”أعياد الظهور الإلهي“(1) (ثيئوفانيا أو إبيفانيا)، وهو أقدم عيد عرفته كنيستنا، بعد عيدَي القيامة والعنصرة، بين القرنين الثاني والثالث. وكان يُسمَّى أيضاً ”عيد الأنوار“، حيث كان يُعمَّد الموعوظون ويدخلون الكنيسة في موكبٍ حاملين الشموع. والفترة بين عيدَي الميلاد والغطاس تُعتَبَر أيام فرح (وفي بعض الكنائس الشرقية - كالسريانية والمارونية - لا يُسمح بالصوم خلالها). ويسبق عيد الغطاس (”الدنح“ في الكنيسة السريانية) صوم ليومٍ واحد (برامون)، إذ ليس له صوم خاص به، ويُصام كالصوم الكبير، وقد عرفته الكنيسة قبل برامون الميلاد. وفي حالة ما إذا كان اليوم السابق للبرامون أحد أو سبت (الذي لا يُصام فيهما انقطاعي)، يمتدُّ البرامون إلى يوم الجمعة.
ويسبق القدَّاس، في الكنائس الأرثوذكسية، قدَّاس الماء (أو اللقَّان) لتبريك المياه، كما في الخميس الكبير وعيد الرسل. أمَّا في الغرب، فيقترن العيد بزيارة المجوس، ويُسمَّى ”عيد الملوك الثلاثة المُقدَّسين“.
وتُضاف إلى الهيتينيات طلب شفاعة نسيب عمانوئيل ”يوحنا بن زكريا“. وقراءات قُدَّاس الكلمة: (تي 2: 11-3: 7): «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ»؛ (1يو 5: 5-20): «هذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ... فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ»؛ (أع 18: 24-19: 6): «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ»؛ (يو 1: 18-34): «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ».
ومَرد الإبركسيس: ”جي فاي بي باشيري بامنريت...“ ”هذا هو ابني حبيبي الذي به سُرَّت نفسي...“، ولحن: ”أوران انشوشو...“ ”اسم فخر هو اسمك...“ قبل ”آجيوس“. وفي التقديسات الثلاثة يُقال: ”أو إن يورداني فابتيستيس“ ”الذي اعتمد في الأردن“.
وفي مَرد المزمور والإنجيل وفي أرباع مزمور التوزيع ولحن الختام، يُقال: ”إيسوس بخرستوس إبشيري إمفنوتي أفتشي أومس خين بي يوردانيس“ ”يسوع المسيح ابن الله اعتمد في الأردن“. وقسمة الغطاس أولها: ”إذ أعطيتنا نعمة البنوَّة لحميم الميلاد الجديد وتجديد الروح القدس...“. وهناك قسمة أخرى غير شائعة تُركِّز على يوحنا المعمدان وأولها: ”يا الله الذي أَنْعَم على زكريا بولدٍ من بعد الكِبَر، وعلى أليصابات من بعد الشيخوخة...“.
8. عيد عُرْس قانا الجليل:
وكما سبق ذِكْره، فهذا العيد - منذ ما قبل القرن الرابع - كان ضمن أعياد الظهور الإلهي، وصار منذ القرن الرابع عشر واحداً من الأعياد السيِّدية الصغرى (أو أعياد التجسُّد السبعة) (ويُحتَفَل به في 13 طوبة/ 21 يناير)، لأن «هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ» (يو 2: 11)، حيث حوَّل الماء خمراً جيِّدة(2). وبحضوره العُرْس، بارَك الزواج، الذي جعلته الكنيسة ضمن أسرارها السبعة، وصار هو نجم الحفل والعريس الحقيقي (مت 9: 15؛ 25: 6،1؛ مر 2: 20،19؛ يو 3: 29؛ رؤ 19: 9)، والكنيسة هي العروس (يو 3: 29؛ رؤ 19: 7؛ 21: 9،2؛ 22: 17)، وأعضاؤها هم بنو العُرْس (مت 9: 15؛ مر 2: 19؛ لو 5: 34).
وفي مَرد الإبركسيس: ”ستة أجران ماء صنعتها خمراً مُختارة بمجدك العظيم... نُسبِّحك“، ومرد المزمور والإنجيل: ”الليلويا... يسوع المسيح ابن الله بارَك المياه فصيَّرها خمراً. الليلويا“.
والقراءات: رو 6: 3-16؛ 1يو 2: 20-25؛ أع 8: 3-13 (والموضوع المُشترك، المعمودية والمسحة، لعلاقتهما بالماء وعمل الروح)؛ يو 2: 1-11.
9. صوم وفصح نينوى (يونان):
تصوم الكنيسة هذا الصوم تمثُّلاً بصوم وتوبة شعب نينوى(3) الأُممي الذين استجابوا لكرازة يونان النبي، فصاموا من المَلك إلى الطفل وحتى البهائم، ولبسوا المسوح؛ فغفر الله لهم ورَفَع غضبه عنهم، وصاروا مثالاً للتوبة الجماعية التي شملت الآلاف. وفي سياق الأحداث، رَفَض يونان في البداية أَمر الله بكرازتهم وحاول الهرب من وجه الرب في سفينة مُتَّجهة من يافا إلى ترشيش(4)، ولكنها تعرَّضت إلى عاصفة حتى أوشكت على الغَرَق. ولمَّا اقترع رجال السفينة للوصول إلى سبب هذه المحنة، وقعت القرعة على يونان واعترف بأنه السبب، وطلب أن يلقوه في البحر، فهَدَأت العاصفة بعدها. على أن الرب أعدَّ له حوتاً التقطه وبقي في جوفه ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، قذفه بعدها إلى البَرِّ، ومِن ثمَّ توجَّه لكرازة نينوى التي تابت وآمنت بالله. والرب أيام تجسُّده، أشار إلى نينوى ويونان، فقال: «... لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيـَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ (قبل أن يقوم من الموت). رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ (من اليهود الرافضين) وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ» (مت 12: 38-41).
فمن الجوانب المُلهمة لهذه الأحداث قوَّة الصوم والتوبة، والإشارة المُسبقة لقيامة الرب بعد موته كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. كما أنَّ الأربعين يوماً التي جعلها الرب فترة إنذار قبل أن تنقلب المدينة إنْ لم تَتُب، هي إشارة للعلاقة بين صوم نينوى والصوم الأربعيني. وهذا الصوم تبنَّته في الأصل الكنيسة السريانية (التي تتبعها نينوى - الموصل - العراقية) منذ القرن الرابع، وصار ضمن أصوام كنيستنا منذ أواخر القرن العاشر (975م) في عهد البطريرك الثاني والستين الأنبا أبرآم بن زرعة (السرياني الأصل) (في مقابل أن تُضيف الكنيسة السريانية إليها صوم أسبوع الاستعداد السابق على بدء الصوم الأربعيني).
وجعلت الكنيسة موقع صوم نينوى قبل أسبوعين من بدء الصوم الكبير كتمهيدٍ مُبكِّر لأعظم أصوام الكنيسة، [ويُسمَّى فطر صوم نينوى فصح يونان، كما يلي عيد الفصح (القيامة) الصوم الكبير]. وصوم نينوى يُصام مثل الصوم الكبير حتى الغروب، ويتَّفق معه في قراءة النبوَّات والسجدات. كما أنَّ الكنيسة جعلته ثلاثة أيام، رغم أن سِفْر يونان لم يُوضِّح مدَّة صوم أهل نينوى، ولكنها مزجت مع هذا الصوم مدَّة بقاء يونان صائماً في جوف الحوت، كإعلان مُسبق عن فترة المسيح في القبر، وهو ما اعتبره الرب آية لمَن سألوه آية وقت خدمته.
وتتفق معظم طقوس وألحان صوم نينوى مع المُتَّبع في الصوم الكبير عدا القليل. وإنجيل اليوم الأول: (مت 12: 35-45)، واليوم الثاني: (لو 11: 29-36)، واليوم الثالث: (مت 15: 32-16: 4)؛ وقراءات فصح يونان: (رو 10: 4-18؛ 1بط 3: 17-22؛ أع 3: 22-26؛ يو 2: 13-25). ومَرد إنجيل باكر والقدَّاس ”أللا باشويس أري أوي نيمي...“ ”اصنع معي يا سيِّدي مثل أهل نينوى الذين تابوا وغُفِرَت لهم خطاياهم“. ويُقال بين فقرات مزمور التوزيع: ”يونان في بطن الحوت كمثال المسيح في القبر...“.
10. الصوم الكبير:
هو أقدم أصوام الكنيسة بعد صوم الرسل، ويستمدُّ موقعه المُتميِّز كقمة أصوام الكنيسة باعتباره الصوم الذي صامه الرب قبل بدء خدمته على الأرض (مت 4: 2؛ مر 1: 13؛ لو 4: 2)؛ كما صامه النبيَّان: موسى (خر 34: 28؛ تث 9: 18،9) وإيليا (1مل 19: 8) رفيقا الرب يوم التجلِّي.
وقد ارتبط الصوم الكبير في الكنيسة منذ البداية بالفصح. وإلى ما قبل القرن الرابع، اقتصر على يومَي الجمعة العظيمة والسبت السابقَيْن على عيد القيامة. وامتدَّ لستة أيام في أيام الملك قسطنطين (323-337م)، سُمِّيَت أسبوع الفصح (ما عُرف فيما بعد بأسبوع البصخة). أمَّا أول ذِكْر للصوم الأربعيني في كنيستنا فكان في عهد البابا أثناسيوس الرسولي (328-373م) ضمنه أسبوع الآلام الذي يختمه عيد القيامة، فكانت الجمعة العظيمة هي ختام الصوم في نفس الوقت. وفيما بعد صار للصوم أيامه الأربعين التي تختمها جمعة ختام الصوم، وأُضيف إليها سبت لعازر وأحد الشعانين التاليان، ليلتئم الصوم بغير فاصل مع أسبوع البصخة وعيد القيامة. وفي عهد الإمبراطور هرقل (610-640م) أُضيف إلى بداية الصوم أسبوعاً ثامناً، سُمِّي بأسبوع هرقل الذي ظل باقياً عندنا تحت مُسمَّى أسبوع الاستعداد، بينما تخلَّت عنه كل الكنائس الشرقية.
أمَّا عن طقوس الصلوات والألحان التي يتفرَّد بها الصوم الكبير الحافلة بمشاعر التوبة وقداسة الحياة، فهي بالفعل تجعل هذا الصوم تمهيداً مُناسباً لأسبوع الآلام الذي يلتحم به، ويُعتَبَر تاج أيام السنة.
ففي رَفْع بخور باكر بعد صلاة ”إفنوتي ناي نان...“ ”اللهم ارحمنا“، يُسدَل سِتْر الهيكل وتُقرأ النبوَّات الخاصة باليوم، وكأننا في خيمة اجتماع العهد القديم وهناك حجاب بين قُدس الأقداس والقدس حيث مجمع الشعب.
وبعد دورة الحَمَل، يُقال (في الأيام) لحن: ”الليلويا إي أ إي إيخون شا بيما إن إرشوؤوشي إنتيه إفنوتي...“ ”هلليلويا، أدخل إلى مذبح الله أمام (وجه) الله الذي يُبهج شبابي. أعترف لك يا الله إلهي بالقيثارة. اذكُر يا رب داود وكل دِعته. هلليلويا“. أمَّا في السبوت والآحاد فيُقال (كما في الأيام في غير الصوم): ”الليلويا جي افميفئي إن أورومي...“ ”إن فكر الإنسان يعترف لك يا رب، وبقية الفكر تُعيد لك. الذبائح والتقدمات، اقبلها إليك. هلليلويا“.
وبعد صلاة الشكر، يُقال: ”سوتيس آمين“(5)، ثم ”نيف سينتي خين ني توؤو“ ”أساساته في الجبال المقدَّسة. أَحب الرب أبواب صهيون أفضل من جميع مساكن يعقوب... هلليلويا...“ (مز 86). ثم يركع الجميع ويقول الكاهن (أو الشماس): ”كلينومين تاغوناتا“ ”نحني رُكبنا“ (ثلاث مرَّات)، فيَرُد الشعب: ”ناي نان إفنوتي افيوت بي بانطوكراطور“ ”ارحمنا يا الله الآب ضابط الكـل“؛ ”نـاي نـان افنوتي بين سوتير“ ”ارحمنا يا الله مُخلِّصنا“؛ ”ناي نان إفنوتي أووه ناي نان“ ”ارحمنا يا الله ثم ارحمنا“؛ ”كيرياليصون“ الطويلة. ثم يقول الكاهن تحليل الخُدَّام.
(يتبع)
دكتور جميل نجيب سليمان
(1) تعبير ”الظهور الإلهي“ يُقصَد به في الإنجيل، مجيء الرب إلى أرضنا (2تي 1: 10)، أو ظهور الثالوث الأقدس في الأردن، أو المجيء الثاني للرب (1تي 6: 14). ولكنه ارتبط كنسيّاً بمعمودية الرب من يوحنا المعمدان، بعد أن كان يضمُّ معه مناسبات أخرى هي: البشارة والميلاد والختان وزيارة المجوس، بل ومعجزة عُرس قانا الجليل، وإن كان ينطبق بصورةٍ أكثر جلاءً على ”عيد الغطاس“، حيث أُتيح لبني البشر - لأول مرَّة في التاريخ - أن يشهدوا ظهوراً ساطعاً للثالوث القدوس (مت 3: 17،16؛ مر 1: 11،10؛ لو 3: 22،21). (2) هي معجزة على البُعْد: «امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً... اسْتَقُوا الآنَ» (يو 2: 8،7)، كما أنها معجزة كيميائية: فـالماء H2O عديم اللون والطعم والرائحة، والخمر CH3CH2OH ذو لون وطعم ورائحة ودَخَله عنصر جديد C جاء مِن لا شيء. (3) ”نينوى“ كانت في القرن السابع قبل الميلاد عاصمة مملكة أشور. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، أَحيت العراق اسم ”نينوى“ وأطلقته على محافظة الموصل شمال العراق. (4) يُقال إنها اليوم قرطاجنة (كرتهنة) جنوب إسبانيا، أو قرطاج التونسية، أو طرسوس التركية وهو الأكثر احتمالاً. (5) يُفترض أن يُقال: ”سوتيس آمين“ بعد تحليل الْخُدَّام، لأنها المرد على صلاة الكاهن: ”خلصت حقّاً. ومع روحك أيضاً“.