طعام الأقوياء
- 113 -



يونان في بطن الحوت كمثال
المسيح في القبر ثلاثة أيام



طَلَب قومٌ من الكتبة والفريسيين منَ الرب أن يريهم آية، وما أكثر الآيات التي صنعها الرب أمام عيونهم. فأجابهم الرب قائلًا لهم: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيـَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا! مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكَمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا!» (مت 12: 39 - 42).

كان يونان نبيًّا للرب في عهد يربعام بن يوآش الذي عمل الشرَّ في عيني الرب (2 مل 14: 24)، فكلَّف الرب يونان النبي بردِّ تُخُمِ إسرائيل من مَدْخَلِ حَمَاة إلى بحر العَربَة حسب كلام الرب إله إسرائيل الذي كلَّفه به (2مل 14: 25).

كان يونان مطيعًا للرب في كلِّ ما يأمره به، ولكن حينما أمره الرب قائلًا: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي» (يون 1: 2)، فإنه بَدَل أن يُلبِّي طلب الرب ويذهب إلى نينوى، قام وركب سفينةً ذاهبة إلى ترشيش غربًا عكس اتجاه نينوى ليهرب من وَجْه الرب!! فما الذي دَعَى يونان أن يخالف أمر الرب في هذه المرَّة؟! هل لكون الرب طَلَبَ منه أن يذهب لِشَعبٍ يَعبُد الأوثان؟ أم لأن يونان فكَّر في نفسه قائلًا كما ذكر بعد ذلك: «أَلَيْسَ هذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذلِكَ بَادَرْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ» (يون 4: 2). هذا كان ما فكَّر فيه يونان، وهذا هو ما دفعه للهروب من وجه الرب!

هكذا ظنَّ يونان أنه يستطيع أن يهرب من رب السماء والأرض، ولم يضع في اعتباره قول المرنِّم: «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِن فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ» (مز 139: 7 - 10).

الرب لم يترك يونان رغم هروبه:

فما أن ركب يونان السفينة ودفع أجرتها، وأبحرت السفينة في وسط البحر، حتى أرسل الرب ريحًا شديدة عاتية، فحدث نَوْءٌ عظيمٌ في البحر حتى كادت السفينة تنكسر. فخاف الملاحون وصرخوا كُلُّ واحدٍ إلى إلهه، وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليُخفِّفُوا عنهم. وأما يونان فكان قد نزل في جوف السفينة واضطجع ونام نومًا ثقيلًا. فأيقظه الملَّاحون وطلبوا منه أن يصرخَ إلى إلهه من أجل نجاتهم، ثم ألقوا قرعةً ليعرفوا المتسبِّب في هذه البلية. فوقعت القرعة على يونان! فاستفهموا من يونان عن أمره فأخبرهم بأنه هاربٌ من وجه الرب! فسألوه ما هو عملك؟ ومن أين أنت؟ وما هي أرضك؟ ومن أي شَعْبٍ أنت؟ فقال لهم: أنا عبراني، وأنا خائفٌ من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبرَّ. فخاف الرجال خوفًا عظيمًا، وقالوا له: لماذا فعلتَ هذا؟ ثم قالوا له: ماذا نصنع بكَ ليَسْكن البحر عنَّا؟ لأن البحر كان يزداد اضطرابًا!

استعداد يونان للموت بإلقائه في

البحر من أجل نجاة البحَّارة:

كانت إجابة يونان على سؤالهم: ماذا نصنع بكَ ليسكن البحر عنَّا؟ قال لهم: خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر، لأني عالِمٌ أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم!!

ولكن الرجال جَذَّفوا ليُعيدوا السفينة إلى البَرِّ فلم يستطيعوا، لأن البحر كان يزداد اضطرابًا. فصرخوا إلى الرب إله يونان وقالوا: آه يا رب، لا نهلك من أجل نفس هذا الرجل، ولا تجعل علينا دمًا بريئًا، لأنك يا رب فعلتَ كما شِئتَ، لقد آمنوا بالربِّ الإله، وامتلأوا رعدةً وخَوْفًا من إلقاء يونان في اليَمِّ، ثم أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه. فازداد خوف الملاحين من الرب وازدادوا ثقةً في أنَّه الإله الحق، حتى أنهم ذبحوا ذبيحة للرب، ونذروا نذورًا. وهكذا كان أثر تضحية يونان واعترافه بما فعله عليهم.

الربُّ يُعدُّ حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان،

وينجيه من الغرق في البحر:

هنا تظهر مراحم الرب الفائقة وقدرته العظيمة ومحبته ليونان، وتدبيره لخلاصه، وأنه هو بالحقيقة إله السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. فقد أعَدَّ الله حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان، وظلَّ يونان في جوف الحوت ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ. وحفظ الرب يونان وهو في جوف الحوت فلم يَمُتْ ولم يصبه أذَى!! وكانت الفرصة متاحة ليونان ليرفع ويصلِّي صلاة من أعماق قلبه.

صلاة يونان في بطن الحوت:

• دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. (إيمانٌ في استجابة الصلاة).

• لأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي الْعُمْقِ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ، فَأَحَاطَ بِي نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِي جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ. (عصارات جوف الحوت ولُجج البحر).

• فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. (يقين الإيمان بعودته إلى هيكل الرب).

• قَدْ اِكْتَنَفَتْنِي مِيَاهٌ إِلَى النَّفْسِ. أَحَاطَ بِي غَمْرٌ. الْتَفَّ عُشْبُ الْبَحْرِ بِرَأْسِي. نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ الْجِبَالِ. (اختبار الاقتراب إلى الموت).

• مَغَالِيقُ الأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى الأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ حَيَاتِي، أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي. (أُغلِقَ عليه إلى الموت ثم أُصعِد إلى الحياة).

• حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِي ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِي إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. (صلاة من عمق الضيق حتى يقين الاستجابة).

• الَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ. (استفادته من خبرة هروبه تاركًا نعمته).

• أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ الْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ، وَأُوفِي بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ (الشكر وتقديم الذبائح والنذور والشكر للمخلِّص).

وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البَرِّ:

الرب الذي أعدَّ الحوت لابتلاع يونان، هو الذي أمر الحوت فقذف يونان إلى البَرِّ. لأن في يد الرب كل أمورنا، وهو الذي به حياتنا وموتنا، ونجاتنا وخلاصنا.

ثم صار قول الرب إلى يونان ثانية قائلًا: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا الْمُنَادَاةَ الَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا». الآن يونان القائم من الأموات، الذي اختبر الموت واختبر الحياة بعد أن ذاق الموت، متشبِّهًا بالمسيح، «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيـَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (مت 12: 40). والآن، هوذا يونان يستجيب لأمر الرب ويذهب إلى نينوى التي كانت مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام، فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يومٍ واحدٍ، أي أنه دخلها بغيرة ونشاط تنفيذًا لقول الرب، « وَنَادَى وَقَالَ: بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى» (يون 3: 4)، ويقول الكتاب: «فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ الأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى الرَّمَادِ» (يون 3: 5 و6) أي أنه تنازل عن كل عظمته وساوى نفسه بشعبه، ولم يكتفِ بذلك بل أمر بأن يُنادَى قائلًا: «لاَ تَذُقِ النَّاسُ وَلاَ الْبَهَائِمُ وَلاَ الْبَقَرُ وَلاَ الْغَنَمُ شَيْئًا. لاَ تَرْعَ وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً. وَلِيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى اللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ وَعَنِ الظُّلْمِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ اللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلاَ نَهْلِكَ». وهكذا تابوا جميعًا بقلبٍ واحدٍ «فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ» (يون 3: 10).

وفي هذا يقول الرب يسوع للجموع المزدحمين حوله طالبين منه آية ليؤمنوا به: «هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ ... رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا!» (لو 11: 29-32).

+ أما الجيل الذي يقصده الرب، فليس فقط الجيل المعاصر للرب، بل هو كلُّ جيلٍ لم يَتُبْ بكرازة الرب أو بوصاياه.

+ أمَّا آية يونان النبي فلم تكن فقط في مناداته لأهل نينوى بالتوبة، ولكن لا ننسى أن الرب قد اعتبر الآية التي صار فيها متشبِّهًا بابن الله بكونه «كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيـَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (مت 12: 40).

ويونان لم يبقَ في بطن الحوت ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ إلَّا بعد هروبه من وجه الرب وركوبه السفينة إلى ترشيش، وحينئذٍ أرسل الرب ريحًا شديدة إلى البحر فحدث نَوْءٌ عظيم في البحر حتى كادت السفينة تغرق، ولما عرف ملاحو السفينة أن يونان هارب من وجه الرب، قالوا له ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنَّا؟ فكانت إجابة يونان الصريحة والمملوءة إيمانًا بالرب، أن قال لهم: خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم، لأنني عالمٌ أنه بسببي هذا النَوْء العظيم!! ولمَّا ألقوا يونان في البحر، وقف البحر عن هيجانه. فخاف الرجال خوفًا عظيمًا وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورًا. وهنا أعدَّ الرب حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان، وحفظ الرب يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ ... وهنا جاءت المشابهة مع دفن الرب في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ!!

+ فلكي يصير يونان آية للأجيال، كان لابد له أن يعاني غصَّة الموت ويجوز محنة الآلام التي اجتازها في بطن الحوت ويصير مشابهًا لابن الله ... فلو وَجَّه يونان طريقه إلى نينوى، كما أُرسِلَ إليها، لما صار آيةً ومثالًا للرب مثلما صار، فإنه حسنٌ هو طريق ذلك الهارب من الله، فإنه بهذا الطريق خَدَم سرَّ الآلام الذي اجتازه ابن الله ليخلِّص العالم. فإنه لو لم يهرب يونان، لما نزل إلى البحر العميق ولما سار في طريق الآلام الذي صار طريق ربنا الآتي إلى العالم ليخلِّص العالم بآلامه وموته وقيامته.

(يتبع)

********************************************************************************************************

للقديس غريغوريوس النيسي

الصليب سر انجماع الخليقة كلها

[ بخصوص الصليب ... هذا هو ما وصل إلينا من التقليد ... وهذا هو ما نتعلَّمه من شكل الصليب: فهو منقسم إلى أربعة فروع، وكأنها انبثاقات أربعة من المركز الذي فيه ترتبط معًا، لأن الذي تمدَّد عليه في زمن تدبير موته، هو الذي يربط جميع الأشياء في نفسه ويجعلها تتوافق معًا. فهو يجمع طبائع الكائنات المتخالفة، يجمعها بواسطة نفسه إلى وحدة الحس والتوافُق. لأن جميع الكائنات إذا اعتبرها الفكر فهو يجدها إما كائنات علوية أو سفلية أو موجودة في الجانبَين ... وحيث إن كل الخليقة تتطلَّع إليه (إلى المصلوب) وتوجد حوله وبواسطته تصير متَّحدة بنفسها العلويين مع السفليين، والذين في الجانبَين مع بعضهما البعض ... لذلك ينطلق العظيم بولس، ويكشف الأسرار لشعب أفسس، ويبث فيهم قوةً بواسطة تعليمه، ليعرفوا ما هو العمق والعلو والطول والعرض (أف 18:3). وهو بذلك يُعبِّر عن فروع الصليب بأسمائها الخاصة... هذا هو السر الذي تعلَّمناه بخصوص الصليب] (العظة التعليمية الكبرى 32).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis