دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 66 -

رابعاً: الأسفار النبوية
1. سفر إشعياء (8)

(تابع) أقوال آبائية عن السفر :

51. لقد تألَّم إلَّا أنه لم يتألَّم:

[ولكونه بطبيعته غير ملموس، فقد قال الكلمة حينذاك: «بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ». فلماذا عانى الجسد البشري للكلمة؟ فإن الكلمة الساكن في الجسد نسب (الألم) لنفسه، حتى نتمكن نحن من أن نكون شركاء في الله الكلمة (2بط 1: 4). إنه سرٌّ حقًّا أن يكون هو الذي تألَّم وهو لم يتألم. لقد تألَّم لأنَّ جسده تألَّم وكان فيه لما تألَّم. ولم يتألَّم، لأن الكلمة إذ هو الله بالطبيعة، غير قابل للألم. وبينما هو غير الجسدي، كان في الجسد الذي لبسه (البشري). كان في الجسد الكلمة غير المتألِّم، الذي يدمِّر العيوب الكامنة في الجسد (البشري)](1) القديس أثناسيوس الرسولي.

52. الابن كالذراع اليُمْنَى للآب:

[إذا أردنا أن نعرف معنى هذه الكلمات في شخص الله الآب، فإننا نقول إنه يدعو الابن ”بالبر“ ... لأننا فيه نخلص من خلال رحمته العظيمة ... يُدعَى ”البر“ و”الخلاص“ وهو مُحِقٌّ في ذلك. لأنه أزال عنَّا كلِّ شرٍّ، وحرَّرنا من قيدِ الموت وقادنا إلى الحياة الأبدية ... أولئك الذين كانوا ذات مرَّة وعلى الأرض يمسكون بيده اليُمنى ينالون رجاء خلاص غير متوقع. لأن الكتب المقدسة كثيرًا ما تدعو الابن الذراع اليمنى للآب](2) القدِّيس كيرلس الإسكندري.

53. البذرة المثمرة التي تؤدِّي إلى القيامة:

[لقد اشترانا بدمه. لقد احتمل الصليب، محتقرًا عاره، حتى يفوز بخلاصنا. لذلك أحنوا رقابكم لنيره، لأن روحكم سوف ترى البذرة المثمرة، أي أنكم ستكونون شركاء أولئك الذين يُحفظون للحياة الأبدية، أي القديسين الذين اغتنوا برجاء الحياة الأبدية. لأنه لم تكن هناك فكرة عن قيامة الأموات بين اليونانيين، ولم يُكشف السرُّ حتى الآن. لكنهم جميعًا قالوا إن التنفس في أنفك هو دخان يحترق. سيختفيالرماد، وتذوب الروح مثخص ضعيف](3) القدِّيس كيرلس الإسكندري.

54. الله وحده يستطيع تحمُّل ثمن موارده الحية:

[كيف يمكنهم أن يشتروا، ولكنهم يتلقَّون الهدايا دون أن يدفعوا شيئًا؟! ولا ندفع أيًّا من هذه الأشياء بِسِلَعٍ قصيرة الأجل أو قابلةٍ للتلف. لأنه قال: «قُلت للرب أنت ربي ولا تحتاج إلى صلاحي» (مز 15: 2 س) على سبيل الهدايا والكرامة للمسيح نقدِّم للمسيح اعتراف الإيمان به. لذلك يأتي هذا المشروب والعطايا الوفيرة من المواهب الروحية بدون مالٍ يُدفَع. فإنه بأي ثمن يمكن أن يُدفع مقابل مثل هذا المشروب؟ لأن الذين يشربون الماء الحي هم أولئك الذين يَغْتَنُون بالنعمة من خلال الروح القدس، من خلال المشاركة فيه والحصول على ذلك بالإيمان، لأنهم يشاركون في الخمر والد أي جسد المسيح ودمه](4)قدِّيس كيرلس الإسكندري.

55. حياة جديدة في الإيمان بالمسيح:

[«عِوَضًا عَنِ الشَّوْكِ يَنْبُتُ سَرْوٌ، وَعِوَضًا عَنِ الْقَرِيسِ يَطْلَعُ آسٌ» (إش 55: 13)، يشير المعنى الروحي لهذه الكلمات إلى تغيير العادات التي نشأت وظهرت بظهور المسيح بين تلك الأمم التي اعتنقت إيمانه. فبدلًا من الأشواك التي تمثِّل الخطايا، وبدلًا من القَرِيس الخالي من الثمار، ارتفعت رائحة السرو والآس، وهي صُوَرٌ لأفعال الفضائل والنقاء والقداسة ... التي تُسِرُّ الله وتُسعده](5) القدِّيس أفرايم السرياني.

56. التواضع والصوم:

[ألقى الكلمةُ على بني إسرائيل باللوم على صوم هذا الصيام (انظر لو 18: 12)، وحَثَّهم بإشعياء النبي قائلًا: هذا ليس الصوم أو اليوم الذي اخترته، أن يُذِلَّ الإنسان نفسه. فلكي نتمكن من إظهار نوع الشخصيات التي يجب أن نتمثل بها، عندما نصوم؛ وما هي طبيعة الصوم المطلوب منَّا، استمع مرَّة أخرى إلى الله وهو يأمر موسى ... ”في اليوم العاشر من هذا الشهر السابع، سيكون هناك يوم يكون لك كفارة وحفل ويوم مقدَّس فتُذلِّل نفسك وتقدِّم محرقات كاملة للرب“ (انظر لا 23: 26-32). وبعد ذلك يمكن تحديد القانون في هذه النقطة، حيث يقول: «إِنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَتَذَلَّلُ فِي هذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ تُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهَا» (لا29:23)](6) القدِّيس أثناسيوس الرسولي.

57. «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ» (إش58: 8).

[هذا الوحي له قوة كبيرة. لأنه لا يقول ببساطة إنَّ الله سيعطيك نورًا، ولكنه سيكون مثل البرق الذي يرسل الله مساره ويحدِّد تقدُّمه، والذي من خلاله يظهر بوضوح رغبة أولئك الذين يُصلُّون. فبقوله: ”أول ضوء“، فإنه يرشدنا إلى ظهوره قبل الأوان. لأن الله، المدبِّر لكل شيء، عرف بصفته مانح المواهب الروحية، الوقت المناسب لكل شخص لنواله البركات. ولكن إذا كان شخص عادلًا وصالحًا وأيضًا مهتمًّا بعمل الخير – فسيتمُّ منح المكافأة لذلك الشخص ”كأول شيء“، بحيث تظهر صحته تمامًا مثل كوز الذرة (أي، رحيل جميع الأسقام وعودة صحته تمامًا). فالشخص الخالي من الأمراض مثمرٌ من كل الوجوه بإنتاج سهل ومُبهج للخيرات. لذلك ينشأ فينا نور الفهم الإلهي ويُغدق علينا بالصحة، كما يزيل الله عبء كل مرض، ويضع فينا أيضًا، عوضًا عنها الإرادة لعمل الصالحات والاستقامة في البر](7) القدِّيس كيرلس الإسكندري.

58. يأتي المخلِّص إلى كنيسته:

[«وَيَأْتِيَ الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ (مخلِّصًا)» (إش 59: 20)، أي زربابل. إن صهيون الروحية وتَلَّة الرؤى والإعلانات هي الكنيسة، والمخلِّص الذي يأتي إليها هو المسيح، هذا هو زربابل العظيم ”هذا هو عهدي معكم“ الذي قطعته مع آبائكم في الجبل حتى لا ينتقص كلامي من أفواه ذُرِّيتكم](8) القدِّيس أفرام السرياني.

59. مجيء الرب (إش19: 20):

[بحسب كلمة البركة لمن يتقبل الاستنارة، ”الرب هو نورك الأبدي“ ... عندما أُعيد بناء هذا التدبير، فتح الله عينيه على بيت يهوذا، أي كنيسة الله الحيَّة، مع المخلِّص المرسل من بيت يهوذا ليحكمها](9) القدِّيس ديديموس الضرير.

60. روح المسحة على ابن الإنسان:

[لقد أظهرنا بالدليل الواضح للكتاب المقدَّس أن الرسل والأنبياء مُسحوا، والأخيرون يتنبأون، والأولون للكرازة بالإنجيل، وذلك بالروح القدس بنفس الطريقة كما في الأنبياء، بالآب والابن. نضيف الآن ما سوف يتساءل عنه الجميع بشكل صحيح، ولن يكونوا قادرين على الشك فيه، أن الروح كان في المسيح؛ وذلك أنه أرسل الروح، كذلك الروح أرسل ابن الله. لأنه يقول: ”روح الرب عليَّ، لأنه مسحني، أرسلني لأكرز بالإنجيل“. وبعد أن قرأ هذه الآيات من سفر إشعياء، قال في الإنجيل، «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو 4: 21)](10) القديس أمبروسيوس.

61. الكنيسة ابنة صهيون:

[هذا يتنبأ عن مجيء المخلِّص وفدائنا بمجيئه. وهو يتنبأ أيضًا عن مَنْح الخيرات لأولئك الذين يؤمنون به ... أمَّا ما هو جديد، فهو الكنيسة، التي قد يكون من المناسب القول بأنها ابنة صهيون ... لمن يأمر أن يُبشِّر صهيون؟ هم المرشدون الروحيون القديسون، بالطبع، الذين أخذوا على عاتقهم دور القيادة في الكنيسة ووظيفتهم فتح الأبواب وإزالة الحجارة من وسط الطريق. وماذا سيُعلنون؟ ”هوذا مخلِّصكِ آتٍ، ها أجرته معه وجزاؤه (أو عمله) أمام وجهه“ (إش 62: 11 س). ويتمُّ عمل أمرين، ما يتعلَّقُ بألوهيته، وما يختصُّ بمكافأته لنا. من خلالهما يتَّضحُ مجد المخلِّص](11) القدِّيس كيرلس الإسكندري.

62. لا خلاص إفخارستي بدون آلام:

[وأيضًا، ألا يشهد الروح القدس الذي يتكلَّم في إشعياء نفس الشيء المتعلِّق بآلام الرب قائلًا: «مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟ (معصرة الخمر، سبعينية)» (إش 63: 2)، فهل يمكن للماء أن يجعل الثياب حمراء، أم هو الماء الذي تدوسه الأقدام في المعصرة أم الماء الذي تدفعهُ العصَّارة للخروج؟ لقد ورد ذكر الخمر هنا. في الواقع، لكي يُعرف دم ربنا في الخمر، وأن ما ظهر بعد ذلك في كأس الرب قد تنبأ به الأنبياء الذين أعلنوا ذلك. ولقد أُعيد الحديث أيضًا عن دَرْوس معصرة النبيذ وكبسها، حيث أنه لا يمكن تحضير النبيذ للشرب بأي طريقة أخرى ما لم يتم دَوْس عنقود العنب وضغطه أولًا. وهكذا، لا يمكننا أن نشرب دم المسيح ما لم يشرب المسيح الكأس أولًا، هذا الذي يجب أن يسقي منه المؤمنين أيضًا](12) القدِّيس كبريانوس.

63. رَأَى النبي مجد الله الكلمة:

[ولكن يمكن القول إن الرسول لم يكن مستوحَى من روح النبوَّة عندما استعار هذه الكلمات النبوية، إنه كان يُفسِّر بشكل تلقائي كلمات رجل آخر، ومع ذلك، لا شك أن كل ما يقوله الرسول عن نفسه يأتي إليه بإعلان من المسيح، ومع ذلك فإن معرفته بكلمات إشعياء مشتقة فقط من الكتاب ... يقول إشعياء إنه لم يَرَ إلهًا غيره. لأنه في الواقع رأى مجد الله، الذي تنبأ بِسِرِّ أخذ جسده من العذراء. وإذا كنتَ في بدعتك (يشير إلى الأريوسيين) لا تعرف أن الله هو الابن الوحيد الذي رآه النبي في مجده، اسمع الإنجيلي يقول: «قَالَ إِشَعْيَاءُ هذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ» (يو 12: 41). الرسول، والإنجيلي، والنبي اجتمعوا لإسكات اعتراضاتكم؛ مع أنه مكتوب: «اللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو 1: 18)، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو ال‍مُستَثْنَى، وهو الذي خبَّر عن الآب (انظر يو 1: 18). كان النبي هو الذي رآه. نظر إلى المجد الإلهي، وامتلأ الناس بحسد من أجل هذا الشرف الذي كُرِّم به لعظمته. ولهذا السبب أصدر اليهود حكم الموت عليه](13) القدِّيس هيلاريون أسقف بواتييه.

(يتبع)

__________________________________

(1) St. Athanasius the Great, NPNF 2nd series vol. 4, 572.

(2) St. Cyril of Alexandria, Commentary on Isaiah 4.5-5, 51-5 (PG 70:112-13).

(3) St Cyril of Alexandria, Commentary on Isaiah 5.1.53.11; (PG 70-1185).

(4) St Cyril of Alexandria, Commentary on Isaiah 5.2.55.1-2, (PG 70 70-1220).

(5) St Ephrem the Syrian, Commentary on Isaiah, 55.13, (SESHS 2:157).

(6) St Athanasius the Great, Festal Letter 1.4; (NPNF 24:507-8).

(7) St Cyril of Alexandria, Commentary on Isaiah 5.4.58:8; (PG 70:1288-89).

(8) St Ephrem the Syrian, Commentary on Isaiah, 59.20-2, (SESHS 2:17-1).

(9) St. Didymus the Blind, Commentary on Zechariah, 4:200-201, (SC 85: 904).

(10) St. Ambrose, On the Holy Spirit 3.1.1, (NPNF 210:135).

(11) St. Cyril of Alexandria, On Isaiah 5.5.62.11-12; (PG 70:1380).

(12) St Cyprian, Letter 63:7, (FC 51:206, Epistle 62 in ANF).

(13) St Hilary of Poitiers, On the Trinity 5.13, (NPNF 29:95).

**********************************************************************************************************

للقديس يوحنا ذهبي الفم

صوم المسيح وأدوية الخلاص

[ لهذا قد صام الرب ليس كأنه محتاج للصوم بل ليُعلِّمنا. فحيث إن خطايانا القديمة السابقة للمعمودية قد نشأت من التعبُّد للبطن، وكما أنه إذا شفى أحدٌ إنسانًا مريضًا وجعله معافىً، يأمره بالامتناع عن تلك الأمور التي تسببت في المرض، هكذا ولهذا السبب بالذات قد بادر الرب بالصوم بعد معموديته. فإن آدم بسبب عدم انضباط بطنه قد أُخرج من الفردوس، وهذه الرذيلة أيضًا هي التي تسبَّبت في الفيضان أيام نوح، وأيضًا في نـزول نار من السماء على سدوم، فمع أن أهل سدوم كانوا مُدانين بالزنا، إلاَّ أن أصل كل العقوبات ينشأ من هنا (أي من التعبُّد للبطن)، الأمر الذي نوَّه عنه حزقيال قائلًا: «هذا هو إثم سدوم، أنهم بالكبرياء وبالشبع من الخبز وبالملذات قد تنعَّموا» (حز 16: 49 حسب السبعينية). وهكذا اليهود أيضًا اقترفوا أعظم الشرور وانجرفوا للإثم بسبب السُّكْر والتلذُّذ بالأطعمة (خر 32: 6).فلهذا السبب بالذات قد صام الرب أربعين يومًا مُظهرًا لنا أدوية الخلاص] (عظة 13 في تفسير مت 4: 2).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis