مفاهيم كنسية



الخدمة الاجتماعية من منظور مسيحي
- 3 -
الكنيسة والخدمة الاجتماعية المسيحية


في بداية خدمته اختار الرب تلاميذه الاثني عشر، ثم أرسلهم ليكرزوا باسمه منادين باقتراب ملكوت السموات، وحدَّد وجهتهم: «إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» (مت 10: 5 و6) وليس غيرهم.

وبعد ثلاث سنوات، وفي آخر لقاءات الرب بتلاميذه الأحد عشر (بعد خروج يهوذا من جماعة التلاميذ)، قال لهم: «اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (مت 28: 19و20).

وبعد حلول الروح القدس على الكنيسة يوم الخمسين، انطلق التلاميذ الذين عادوا من جديد ليكونوا ”الاثني عشر“، بالكرازة أولًا لمن جاءوا إلى أورشليم: «مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ»(1)، ليحتفلوا بعيد الخمسين (أع 2: 5، 9-11).

«فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ» وسط جموع اليهود الوافدين من كل الأنحاء كارزًا باسم يسوع الذي صلبوه والذي جعله الله «رَبًّا وَمَسِيحًا». «فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ»، ودعاهم بطرس إلى التوبة: «فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَومِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (أع 3: 14، 36، 37، 41).

ولبعض الوقت كانت خدمة التلاميذ محصورة في التعليم والشركة وكسر الخبز والصلوات في البيوت: «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أع 2: 42، 47).

* الخدمة الاجتماعية في الكنيسة:

كما رأينا فالتلاميذ فعلوا كما أمرهم السيد بالكرازة والخلاص والمناداة بالتوبة وتعميد المؤمنين باسم الثالوث وعمل الآيات. وهم بدأوا باليهود الذين جاءوا من بعيد قبل أن ينطلقوا بالبشارة «للْعَالَمِ أَجْمَعَ» (مر 16: 15)، «وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا» (أع 2: 45، 4: 32)، فقد جمعهم الإيمان بالمخلص والمحبة التي انسكبت في قلوبهم بالروح القدس في جسد المسيح الواحد، حتى إن الأغنياء كانوا يبيعون حقولهم وأملاكهم، ويضعون أثمانها عند أرجل الرسل ويقتسمونها مع الجميع، حتى لم يكن أحد فيهم محتاجًا (أع 45:2، 34:4، 35).

هكذا مضت الشهور الأولى، والروح القدس يساند بالآيات من شفاء المرضى والمعذبين من الأرواح النجسة «حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ» (أع 5: 15) فينال الشفاء. ولما زادت الأعداد وازداد معها عبء خدمة المحتاجين على كاهل الرسل خصمًا من جهدهم ووقتهم في خدمة الكرازة والشهادة للرب، جاء الوقت لكي يدعو التلاميذ الشعب وقالوا: «لا يرضى أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد»، وكلفوهم أن ينتخبوا سبعة رجال «مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ» (أع 6: 3)، كي يتفرغ التلاميذ «للصلاة وخدمة الكلمة» التي واجهوا من أجل استمرارها المطاردة والاضطهاد والآلام (أع 5: 18-20، 40).

ووضع الرسل الأيادي على الشمامسة المختارين لتكريسهم لهذه الخدمة، وكان بينهم استفانوس وفيلبس وغيرهم. وكانوا بالفعل مملوئين من الإيمان والروح القدس والحكمة والدراية بكلمة الله حتى إنهم كانوا يصنعون الآيات ويجاهرون بالكلمة، فاليهود لم يحتملوا خطاب استفانوس: «لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا الْحِكْمَةَ وَالرُّوحَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ» وهو يدافع عن الإيمان مستشهدًا بالناموس، «وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ» (أع 7: 57-58) ليصير أول شهداء الكنيسة من أجل الإيمان. كما أن فيلبس كان مبشرًا عظيمًا، وقد حمله الروح يومًا إلى وزير كنداكة ملكة الحبشة الذي كان في طريق عودته إلى بلاده، فبشَّره بيسوع، وعمَّده. وهكذا انتقل الإيمان بالمسيح إلى الحبشة على يد الشماس فيلبس (أع 8: 26-28).

ولما تصاعد اضطهاد الكنيسة بعد استشهاد استفانوس، انحدر فيلبس إلى السامرة يبشر ويصنع آيات، فآمن الكثيرون واعتمدوا وكان بينهم ساحر اسمه سيمون، وكان منبهرًا بالمعجزات فكان يلازم فيلبس. ولما جاء بطرس ويوحنا وضعا الأيادي على من اعتمدوا ليقبلوا الروح القدس. فلمَّا رأى سيمون الساحر ذلك قدَّم لهما مالًا لكي يعطوه هذا السلطان!؟ فانتهره بطرس قائلًا: «لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم. ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام الله» (أع 8: 5-24). فكما رفضت الكنيسة من قبل أن تأخذ مال حنانيا الذي اختلس جزءًا من ثمن الحقل الذي باعه وكذب على الروح القدس (أع 5: 1-11)، فهي رفضت تقدمة سيمون المخادع، فالكنيسة غنية بإلهها، وهو الذي يسد احتياجاتها، وهي لا تمد يدها لأخذ مالٍ من الأشرار، فكفايتها هي من الله (2كو3: 5) وليس من البشر.

+ كما اهتم القديس بولس رسول الأمم بخدمة الفقراء وسد إعوازهم وحفلت رسائله بالحث على خدمة القديسين كما كان يسميها، ويراها بركة لكل من يسهم فيها، خاصة الذين يعطون بسخاء وبسرور وليس عن حزن أو اضطرار (2كو 9: 5-7).

* الكنيسة خادمة الفقراء تحثهم على العمل:

مع انتشار الإيمان إلى الأمم في آسيا الصغرى وأوروبا وتأسيس الكنائس الجديدة، صارت خدمة الفقراء جزءًا لا يتجزأ من خدمة الكنيسة الروحية وحياة المؤمنين وعبادتهم، وذلك لإدراك الكنيسة أن الفقر وتداعياته يعطل الحياة الروحية ويعزل الطبقات الدنيا عن جماعة المؤمنين. ورأينا الكنائس تتسابق في العطاء رغم قلة الإمكانيات، كما يشير القديس بولس عن كنائس مكدونية الذين قال عنهم «فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ، لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ الطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ» (2كو 8: 2 و3).

وفي نفس الوقت لم تقبل الكنيسة أن يركن المحتاجون القادرون إلى الدعة والكسل طالما تأتيهم المساعدات، بل إنها أدانت التواكل وشجعت الكل على العمل الذي ألزم قادة الكنيسة أنفسهم به(2). فرغم القانون الكتابي: «الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ طَعَامَهُ (أجرته)» (مت 10:10، لو 7:10، 1تي 18:5)؛ وأن «الَّذِينَ يُلاَزِمُونَ الْمَذْبَحَ يُشَارِكُونَ الْمَذْبَحَ ... أَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِالإِنْجِيلِ، مِنَ الإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ» (1كو 13:9و14)، فإن القديس بولس كان يعمل بيديه كي لا يجعل «عائقًا لإنجيل المسيح» (1كو 12:9). ومكتوب أنه أقام في كورنثوس عند أكيلا وبريسكلا «لِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا ... وَكَانَ يَعْمَلُ لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ» (أع 1:18-3). وقال لقسوس أفسس وهو يودعهم: «فضة أو ذهب أو لباس أحد لم أشته. أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان. في كل شيء أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أع 20: 33-35).

من هنا فهو دان بعضًا من كنيسة تسالونيكي لأنهم ”يسلكون بلا ترتيب ولا يشتغلون شيئًا بل هم فضوليون“، وأوصاهم في اسم يسوع المسيح، «أَنْ يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ، وَيَأْكُلُوا خُبْزَ أَنْفُسِهِمْ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا» (2تس 3: 10-12).

وكتب لتلميذه تيطس بأن «يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالًا حَسَنَةً. فَإِنَّ هذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ» (تي 3: 8)؛ بل أوصى شركاء الخدمة بالعمل، «وَلْيَتَعَلَّمْ مَنْ لَنَا أَيْضًا أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالًا حَسَنَةً لِلْحَاجَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، حَتَّى لاَ يَكُونُوا بِلاَ ثَمَرٍ» (تي 3: 14)، وهو قدم نفسه ومن يخدمون معه مثالًا: «وَلاَ أَكَلْنَا خُبْزًا مَجَّانًا مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلًا وَنَهَارًا، لِكَيْ لاَ نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ. لَيْسَ أَنْ لاَ سُلْطَانَ لَنَا، بَلْ لِكَيْ نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً حَتَّى تَتَمَثَّلُوا بِنَا» (2تس 3: 8 و9).

بل إن الكنيسة اشترطت عند مساعدة الأرامل، أن تكون الأرملة قد تجاوزت الستين، ووحيدة ليس لها أولاد أو أحفاد يقدِّمون لها المساعدة مقابل عطائها لهم (1تي 8: 3-8)، و«إِنْ كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ أَرَامِلُ، فَلْيُسَاعِدْهُنَّ وَلاَ يُثَقَّلْ عَلَى الْكَنِيسَةِ، لِكَيْ تُسَاعِدَ هِيَ اللَّوَاتِي هُنَّ بِالْحَقِيقَةِ أَرَامِلُ» (1تي16:5).

وأكثر من ذلك، فإن الكنيسة شجعت السارق أن يتوب ويسترد كرامته الإنسانية، فيتحول نهج حياته من شهوة الأخذ الحرام إلى بركة العمل الشريف، ونعمة العطاء للمحتاجين: «لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ» (أف 4: 28).

* الكنيسة ومحنة العبودية:

لم تنادِ الكنيسة بحلٍّ فوري لتحرير العبيد(3)، وهو النظام الاجتماعي الجائر الذي كان سائدًا عند نشأتها، فلم تلجأ للعنف، لكنها تركت الأمر للتطور الطبيعي للحياة الاجتماعية المسيحية مع الزمن وتقارب الطبقات تحت مظلة الإيمان المشترك. وقد حرر المسيح الكل من عبودية الخطية وأسر إبليس (غل 5:1)، «لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا» (1كو 12: 13)، «لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ. لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌ. ... خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِيثِيٌّ ... بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ» (غل 3: 26-28، كو 3: 9-11)، «دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ» (1كو 7: 21 و22).

والقديس بولس نفسه افتخر بأن يكون «عَبْدًا لِلْمَسِيحِ» (غل 1: 10)، «عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رو 1:1) و«أَسِيرُ \لْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أف1:3؛ 2تي 8:1؛ فل1)، ووصف من يخدمونهم معه (تيموثاوس وأبفراس، تيخيكوس) أنهم ”عبيد يسوع المسيح“ (في 1:1؛ كو 7:1، 4: 7 و12)، بل إنه لم يترفع عن القول إنه وإخوته عبيد لمن يخدمونه «مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كو 4:4).

وهو حث العبيد أن يُطيعوا سادتهم بخوف كما للمسيح(4)، وألا يستهينوا بهم لأنهم إخوة بل ليخدموهم أكثر «لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ... خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا» (أف 6: 5-7، كو 3: 22 و23، 1تي 6: 1و2، تي 9:2 و10).

كما طالب السادة المؤمنين أن يقدموا للعبيد العدل والمساواة: «تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ» (أف 6: 9، وكو 4: 1).

وهكذا حافظت الكنيسة على السلام في المجتمع المسيحي الذي كان فيه كما في غيره فوارق طبقية ولكنها ذابت في الإيمان الواحد. وسنرى في رسالة معلمنا بولس القصيرة إلى صديقه فليمون خادم الرب، الذي هرب منه عبده أونسيموس والتقى به الرسول بولس أثناء سجنه في روما، وقاده للإيمان وحسبه شريكًا معه في الخدمة (كو 4: 9)، كيف عالج بكل حكمة العلاقة بين سيد وعبده، حيث جمع بينهما الآن الإيمان بالمسيح، فهو حمَّل أنسيموس الرسالة إلى سيده القديم وفيها يرجوه أن يتسع قلبه ألا يحسبه «لاَ كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخًا مَحْبُوبًا، وَلاَ سِيَّمَا إِلَيَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعًا!», ثم متوسلًا «فَإِنْ كُنْتَ تَحْسِبُنِي شَرِيكًا، فَاقْبَلْهُ نَظِيرِي. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسُبْ ذلِكَ عَلَيَّ» (فل16-18). وهكذا عاد العبد أخًا في المسيح لمن كان سيده.

(يتبع)
دكتور جميل نجيب سليمان

__________________________________________________________

(1) يهود جاءوا من الجزيرة العربية وفارس والعراق شرقًا، مرورًا بمصر وشمال أفريقيا والشام وآسيا الصغرى إلى اليونان وإيطاليا غربًا.
(2) فالرب يسوع نفسه في صباه وشبابه، قبل أن يبدأ خدمته، كان يساعد يوسف النجار في عمله (مت 55:13، مر 3:6).
(3)جدير بالذكر هنا أن حربًا قامت لتحرير العبيد في الولايات المتحدة بقيادة أبراهام لنكولن (1809-1865) بين ولايات الشمال والجنوب (1862-1865) سالت فيها دماء كثيرة وردود أفعال عنيفة واحتاج الأمر قرنًا تاليًا لكي يحصل العبيد من أصول أفريقية على المساواة في الحقوق من خلال "حركة الحقوق المدنية" السلمية التي قادها القس المعمداني مارتن لوثر كينج (1929-1968)، ضد التمييز العنصري، من سنة 1955 حتى 1968، الذي فقد حياته اغتيالًا في هذا السبيل (4/4/1968).
(4)القديس بطرس أيضًا في رسالته الأولى طالب الخدام أن يكونوا «خَاضِعِينَ بِكُلِّ هَيْبَةٍ لِلسَّادَةِ، لَيْسَ لِلصَّالِحِينَ الْمُتَرَفِّقِينَ فَقَطْ، بَلْ لِلْعُنَفَاءِ أَيْضًا ... بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ» (1بط 2: 18و20).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis