عظات وكلمات روحية



الجسد المحيي



+ نص العظة التي ألقاها نيافـة أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس ديـر القديس أنبـا مقار يـوم خميس العهد 13 أبريـل 2017م، بكنيسة القديس أنبا مقار بديره العامر ببرية شيهيت.

+ يقول القديس كيرلس الكبير في تفسيره لآية إنجيل يوحنا (6: 51): «والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أَبْذُله من أجل حياة العالم»:

[يقول (الرب) أنا أموت لأجل الجميع، لكي أُحيي الجميع بذاتي، وقد صيَّرتُ جسدي أنا الخاص فِدْيةً عن أجساد الجميع، لأن الموت سوف يموت في موتي أنا، ومعي سوف تقوم طبيعة الإنسان الساقطة. لأنني لهذا صرتُ مثلكم، أي إنساناً، ومن نسل إبراهيم، حتى «أُشبه إخوتي في كل شيء» (عب 2: 17)].

من التعاليم الهامة للقديس كيرلس الكبير أنه لا يُركِّز على الموت كنتيجة للخطية بحدِّ ذاته، ولكن على إماتة الموت، أو إبادة الموت بموت المسيح، وهذا ما ذَكَرَهُ: ”لأن الموت سوف يموت في موتي“. نرى هذا التعليم واضحاً في طقس الكنيسة الشرقية عموماً، وفي نصوص طقس كنيستنا القبطية، التي يتكرَّر فيها معنى هذه العبارة كثيراً، خاصةً في لحن القيامة: ”المسيحُ قام من بين الأموات، بالموت داس الموت، والذين في القبور أَنْعَمَ لهم بالحياة الأبدية“. وفي لحن ”أومونوجينيس“ الذي نُرتِّله في الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة، وفي تكريس الميرون، وفي رسامة الآباء البطاركة: ”بالموت دُستَ الموتَ. أنت الواحد من الثالوث القدوس“. كما نقول في قِطَع صلاة الساعة التاسعة من الأجبية: ”يا مَن وُلدتَ من البتول من أجلنا، واحتملتَ الصَّلْب أيها الصالح، وقتلتَ الموتَ بموتك، وأظهرتَ القيامة بقيامتك“. وفي طرح الساعة السادسة من يوم الجمعة المقدَّسة: ”يا مَن علَّقتَ الأرض كلها بكلمةٍ من فِيك، وصُلِبتَ على خشبة الصليب من أجل خطايانا، وأبطلتَ عزَّ الموت يا سيدنا بصليبك، يا ذا القدرة المنيعة“. أو كما نقول في صلاة قسمة القداس الغريغوري: ”تألَّمتَ ودُفنتَ وقُمتَ في اليوم الثالث، وصعدتَ إلى السماء وجلستَ عن يمين عظمة الآب، دائساً على الموت، ونَزَعتَ سلاح الهاوية، وسحقتَ الأبواب النحاس، وكسرتَ الأقفال الحديد، ودعوتَ من جديد آدم المسْبي من الفساد، وحرَّرتنا من عبودية إبليس“.

+ ويُكمِل القديس كيرلس:

[إن المبارك بولس نفسه أيضاً، قد فَهِمَ جيِّداً ما قاله لنا المسيح الآن، لهذا يقول: «فإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ في اللَّحْمِ وَالدَّمِ، اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عب 2: 14). لأنه لم يكن من طريقٍ آخر به يمكن أن يُباد ذاك الذي له سُلطان الموت، وكذا الموت نفسه، سوى أن يَبذل المسيح نفسه فِديةً لأجلنا، الواحد لأجل الجميع؛ لأنه كان فائقاً عن الجميع. لهذا يقول في المزامير أيضاً، مُقدِّماً ذاته لأجلنا كذبيحة مقدَّسة وبلا عيب لله الآب: «ذبيحةً وتقدمةً لم تُرِد، لكن هيَّأَتَ لي جسداً، بمحرقات وذبائح خطية لم تُسرَّ. حينئذ قُلتَ: ها أنذا جئتُ، بدَرْج الكتاب مكتوب عني، أن أَفعلَ مشيئتك يا إلهي سُررتُ» (مز 40: 6-8 سبعينية)، لأنه لما كان «دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ» (عب 9: 13) لا يكفي لتطهير الخطية، ولا كان حتى ذَبْح البهائم العجماوات كافياً بالمرة أن يُبيد قوَّة الموت، فإنَّ المسيح نفسه جاء ليحمل حُكْم (الموت) لأجل الجميع. لأننا «بجَلْداته شُفينا» (إش 53: 5) كما يقول النبي، «الذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا في جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (1بط 2: 24). وهو قد صُلِبَ لأجل الجميع وبسبب الجميع، حتى إنه إن «مات الواحد لأجل الجميع» (2كو 5: 14)، نحيا نحن جميعاً فيه. لأنه لم يَكُن ممُكناً أن «يُمسَكَ من الموت» (أع 2: 24). ولا أن يسود الفساد على ذاك الذي هو الحياة بالطبيعة].

القديس كيرلس يوضِّح هنا أنه بسبب أنَّ الكلمة فائقٌ على الجميع، أي إله الجميع، فكان يجب لكي يُبيد الموت، أن يُشارِك خليقَته في الجسد، لكي في هذا الجسد يُبيد الموت، لهذا يورد قول بولس الرسول: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ، اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عب 2: 14). كما أنه يذكُر آية سفر المزامير بحسب الترجمة السبعينية: «ذبيحةً وتقدمةً لم تُرد، لكن هيَّأَتَ لي جسداً» (مز 40: 6-8 سبعينية)، أي إنَّ الله لم يُسرَّ بذبائح العهد القديم، فهيَّأ جسداً لله الكلمة، وهو الجسد الذي أَخذه من العذراء مريم، ليبذل نفسه ذبيحةً عن خلاصنا. وهنا تشرح صلواتنا الليتورجية هذا الحَدَث بأسلوب في غاية البساطة، وذلك في لحن الصليب، وهو النص المأخوذ من ثيئوتوكية يوم الأحد: ”هذا الذي أَصْعَد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشْتَمَّه أبوه الصالح وقت المساء على الجُلجلَة“. ونظراً لأن هذا الجسد مُتَّحد بالله الكلمة، فلم يَكُن ممكناً أن يُمسَكَ من الموت، أي لم يكُن ممكناً أن يبقى في الموت، وبالتالي لا يسود عليه الفساد، لأنه هو الحياة بطبعه.

+ ثم يُكمِل القديس كيرلس تفسيره فيقول:

[أمَّا كون المسيح قد بَذَلَ ”جسده الخاص لأجل حياة العالم“، فهذا نعرفه من كلماته أيضاً التي يقولها: «أيها الآب القدوس احفظْهم»، وأيضًا: «لأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتي» (يو 17: 19،11). هو يقول هنا إنه يُقدِّس نفسه في هؤلاء، ليس كأنه محتاجٌ للتقديس الذي بتطهير النفس أو بتطهير الروح، كما نحتاج نحن، ولا كأنه محتاج لشركة الروح القدس، لأن الروح القدس كان فيه بالطبيعة، وهو كان ولا يزال وسيظل إلى الأبد قدوساً. إنه هنا يقول: ”أُقدِّس ذاتي في هؤلاء“، بمعنى إني أَرفع نفسي وأُقدِّمها كذبيحةٍ بلا عيب كرائحة ذكية، لأن ذاك الذي يُؤتَى به إلى المذبح الإلهي يتقدَّس، أو يُدعي حسب الناموس مُقدَّساً].

يوضِّح القديس كيرلس هنا أنَّ قول الرب يسوع إنه يُقدِّس ذاته، لا يعني أنه محتاجٌ لتقديس، والسبب يقوله ببساطة: إن المسئول عن التقديس هو الروح القدس، والروح القدس كائنٌ في الابن منذ الأزل. إذن، للتقديس معنًى آخر هنا، وهو أنه يُقدِّس ذاته فينا.

+ كيف؟ هذا ما سيشرحه القديس كيرلس:

[لهذا بَذَلَ المسيح جسده الشخصي من أجل حياة الجميع، ليجعل الحياة تسكن مرَّةً أخرى فينا بواسطة جسده، لكن كيف؟ هذا ما سأُحاول قدر طاقتي أن أَشرحه. لأنه منذ أن سكن كلمة الله المُعطي الحياة في الجسد، فقد حوَّلَه إلى صلاحه الذاتي الخاص به، أي الحياة، وباتِّحاده غير المنطوق به بالجسد، أي مجيئه الكامل في الجسد، قد جعله مُعطياً الحياة، كما هو ذاته بالطبيعة واهب الحياة. لهذا، فإنَّ جسد المسيح يُعطي حياةً لكلِّ مَن يشترك فيه. لأنه يطرد الموت، حين يأتي ويدخل إلى أُناسٍ مائتين، ويُزيل الفساد، إذ أن جسده مُمتلئ بالكامل من الكلمة الذي يُبيد الفساد].

هنا يُقرِّر القديس كيرلس قاعدة تبادُل الصفات بين اللاهوت والناسوت، فباتحاد اللاهوت الكامل بالناسوت، أعطى للناسوت أن يكون حاملاً من صفات اللاهوت، أي جعل الجسدَ مُعْطياً الحياة. ثم يُفسِّر القديس كيرلس كيف يصير الجسد مُعطياً الحياة. يقول إنه عندما يدخل هذا الجسد في أيِّ إنسان، أي عندما نتناول من جسد الكلمة، فإنَّ هذا الجسد يطرد منَّا الموت والفساد، لأنه جسد الكلمة، وأنه، حسب تعبير القديس كيرلس: متأجِّج بالكامل، أي مُمتلئ بالكامل بالكلمة. أي كما يقول القديس بولس الرسول: «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (كو 2: 9). أي إننا نتناول الجسد الممتلئ بالكامل بالكلمة، وهذا هو سبب قوَّة الجسد الإلهي الذي نتناوله كل يوم من على المذبح.

ليت الرب يُنير أذهاننا لنفهم قوَّة هذا السر، ويُعطينا أن نكون مُستعدِّين دائماً للشركة والاتحاد به، له كلُّ المجد في كنيسته، آمين.

سر قيامة المسيح

++(++

+ نص العظـة التي ألقاهـا نيافـة أنبا إبيفانيـوس أسقف ورئيس ديـر القديس أنبـا مقار ليلة عيد القيامـة المجيد 16 أبريـل 2017م، بكنيسة القديس أنبا مقار بديره العامر ببرية شيهيت.

تأمَّلنا معاً في يوم الخميس الكبير في بدء تفسير القديس كيرلس الكبير على آية إنجيل يوحنا (6: 51): «وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَـا أُعْطِي هُـوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِـنْ أَجْلِ حَيَاةِ العَالَمِ». ونستكمل الآن تفسيره لهذه الآية:

[لكن قد يقول قائلٌ، مُثْبتاً عَيْن فهمه على قيامة الذين رقدوا: إنَّ أولئك الذين لم يقبلوا الإيمان بالمسيح، ولم يصيروا شركاءه، لن يقوموا مرَّةً أخرى في زمن القيامة. ماذا؟ ألن يعودوا إلى الحياة ثانيةً، كل الخليقة الساقطة في الموت؟].

هنا يتساءل القديس كيرلس: ربما يقول شخصٌ ما: هل كل الموتى سيقومون في القيامة الثانية عند مجيء رب المجد ثانيةً من السماء؟ أَمْ سيقوم المؤمنون بالمسيح فقط؟ أي: هل خليقة الله التي خلقها على صورته ومثاله سوف تقوم ثانيةً بعد أن تُفارِق هذه الحياة المؤقَّتة؟ أم مآلُها إلى زوال؟ خاصةً الذين لم يؤمنوا به ولم يكن لهم شركة معه!

+ ويجيب القديس كيرلس مُستشهِداً بسِفْر إشعياء النبي حسب الترجمة السبعينية:

[لكن نقول عـن هـذه الأشياء، أَجَل، كـلُّ جسدٍ سوف يحيا ثانيةً، لأن كلمة النبوءة سبقت وأَخْبرت أَنَّ «الموتى سيقومون» (إش 26: 19 سبعينية). لأننا نعتَبِر أنَّ سرَّ قيامة المسيح يمتدُّ منه إلى كل الطبيعة البشرية، ونؤمن أنَّ فيه أولاً (أي في المسيح) قد تحرَّرت كلُّ طبيعتنا البشرية من الفساد. لأن الجميع سيقومون، على مثال ذاك الذي أُقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه، لكونه قد صار إنساناً].

من تفسير القديس كيرلس يتَّضح أنَّ القيامة الثانية، أي القيامة للحياة الأبدية، لم تكن تحدث لولا قيامة الرب يسوع من بين الأموات، لأن الطبيعة البشرية عندما اتَّحدت به نالت فيه أولاً الحرية من الفساد. وهذا ما سبق وقاله في بداية تفسيره لهذه الآية: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ في اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ المَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ المَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تحْتَ الْعُبُودِيَّةِ» (عب 2: 14-15). وهكذا شمل سرُّ قيامة المسيح كل الطبيعة البشرية. ولم يكن ممكناً أن نقوم لولا أننا كنا فيه عند تجسُّده وعند قيامته، أو كما يقول القديس كيرلس: ]لأن الجميع سيقومون على مثال ذاك الذي أُقيم لأجلنا، الذي فيه يملُك الجميع[.

وهذا واضحٌ من رسالة القديس بولس، والتي قرأناها الآن (في قراءات ليلة عيد القيامة): «هَكَـذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَـامُ فِي عَـدَمِ فَسَادٍ» (1كو 15: 42). فلولا أننا نلنا عدم الفساد بسبب أننا كنا في المسيح، ما كان مُمكناً أن نقوم للحياة.

+ ثم يقول القديس كيرلس:

[وكما أننا في الإنسان الأول قد سقطنا في الموت، هكذا في البِكْر، الذي صار (بِكراً) لأجلنا، سوف يقوم الجميع مرَّة أخرى من الموت، ولكن كما هـو مكتوب: «الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو 5: 29)، وإني أُسلِّم بأنَّ ما هو أكثر مرارة من الموت وبلا حدود هو القيامة للعقاب، واستعادة الحياة لنوال الخِزي وحده].

هنا يشرح القديس كيرلس أن آدم الأول كان بِِكْر البشرية العتيقة، أمَّا الرب يسوع فقد صار بِكْراً لأجلنا:

+ لقد دُعِيَ بكْراً في ميلاده: «فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ في الْمِذْوَدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ في المَنْزِلِ» (لو 2: 7)؛

+ كما دُعِيَ بِكْراً بين إخوته: «لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُـورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو 8: 29)؛

+ ومقابل آدم بِكْر الخليقة العتيقة، دُعِيَ المسيح بِكْر الخليقة الجديدة: «الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ» (كو 1: 15)؛

+ والبكر من الأموات: «وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً في كُلِّ شَيْءٍ» (كو 1: 18)؛

+ وهـو نفس اللقب الذي استمر معـه حتى في الأبديـة، حسب مـا جـاء في سِفْر الرؤيـا: «ومِنْ يَسُوعَ المَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤ 1: 5).

+ بعد ذلك يوضِّح القديس كيرلس معنى القيامة للحياة، فيقول:

[إذن، بمفهوم أَدَقّ، علينا أن نفهم الحياة الحقَّة بأن‍ها: ”الحياة في المسيح“، في قداسة وغبطة وفرح لا يزول. لأن هذه هي الحياة حقّاً التي يعرفها أيضاً يوحنا الحكيم، قائلاً «الذي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، والذي لا يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً، بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ» (يو 3: 36). لأنه هوذا، ويا للعجب، يقول: ”إن الذي لا يؤمن لن يرى حياة“، رغم أن كلَّ مخلوق سيعود إلى الحياة مرَّةً أخرى، وسيقوم ثانيةً. لهذا من الواضح، أن المُخلِّص قد سَمَّى بكل لياقةٍ تلك الحياة المُعَدَّة للقدِّيسين بأن‍ها هي الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها، بقدومنا إلى التناول من الجسد الواهب الحياة، الأمر الذي لن يرتاب فيه كل عاقل].

هذه هي الحياة كما أوضحها الكتاب المقدس، وكما شرحها القديس كيرلس الكبير: الحياة التي هي ”في المسيح“، وخارج المسيح ليس حياة. لأنه «فِيهِ كَانَتِ الحَيَاةُ» حسب قول القديس يوحنا في إنجيله (يو 1: 4)؛ وأيضًا في رسالته الأولى: «وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الحَياةُ هي في ابْنهِ. مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الحَيَاةُ» (1يو 5: 11-12). وكيف تنتقل لنا الحياة التي في المسيح، لقد أوضحها القديس كيرلس بكل بساطة: ”إن‍ها الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها. ولكن كيف؟ بقدومنا إلى التناول من الجسد الواهب الحياة“. أي بالشركة أو التناول من جسد المسيح المبذول من أجلنا، وشُرب دمه المسفوك من أجلنا. أليس هذا ما نقوله في كلِّ قدَّاس: ”يُعطى عنَّا خلاصاً، وغفراناً للخطايا، وحياةً أبدية لِمَن يتناول منه“؟ أو كما نُكرِّرها كثيرًا في قسمة الصوم المقدس: ”هَذَا هَوُ خُبْزُ الحَياةِ الذي نَزَلَ مِنَ السَماءِ، لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آَبَاؤُكُمْ المَنَّ في البَرَّيَةِ وَمَاتُوا؛ مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَحْيَا إلى الأَبَدِ، وأنا أُقِيمُهُ في اليَوْمِ الأَخِيْرِ“.

+ خريستوس آنستي، وكـل عـام وجميعكم متمتِّعين بـأفراح القيامة. والمجد لله دائمًا، آمين.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis