تأملات روحية



«انفتحت أعينهما وعرفاه»
(لو 24: 31)



هناك عدَّة مراحل يمرُّ بها الإنسان في بداية حياتـه الروحية ومعرفتـه بالرب يسوع. هذه المراحل تستدعي انفتاح الحواس الروحية والذهن والقلب لإدراك الحقائـق الروحية والتعمُّق في الأسرار الإلهية. هـذا الانفتاح هـو عطية إلهية يهبها الله للإنسان الساعي في طريق الخلاص، والذي يطلب من كل قلبه انفتاحاً عميقاً على كل مـا يختصُّ بالإيمان وبالحياة الأبديـة وبملكوت السموات.

ولكن إنْ لم يتحنَّن الرب ويَهَب الإنسان هذا الانفتاح الروحي السامي، سيظلُّ الإنسان منحصراً في الإيمان النظـري غير المُختَبِر وغـير العملي، ويظلُّ يـدور في فَلَك المفاهيم الفكريـة النظريـة لإدراك الأمـور الروحيـة والمعرفـة العميقـة؛ فيستمر إيمانـه عقيمـاً، وفهمه الروحي قـاصراً، وإدركه الواعي الحقيقي ضيِّـقاً غير رحب!

ومـا إن ينفتح وعي الإنسان، بنعمة الرب، حتى تسمو قامته الروحية، ويُدرك أموراً إلهية كـانت في السابق عَسِرَة الفهم عليه، وينتقل إلى مـرحلة الإيمان الحقيقي العملي وليس الإيمـان النظري القاصر.

فمـا هي مراحـل انفتاح الحواس الروحية والذهن الروحي؟

انفتاح الأُذن:

نحن نتكلَّم لا عـن الأُذن المنفتحة على أمور العالم وأخبـاره، وإنمـا عـن الأُذن الروحيـة المُنفتحة على الأمور الروحية والسماويـة، التي قيـل عنها في سـفر إشعياء النبي: «يُوْقِظُ كُـلَّ صَبَاحٍ. يُوْقِظُ لِي أُذُناً لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُناً وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ، إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ» (إش 50: 5،4). وقـد وردت كثيراً في سِفْر الرؤيا عبارة: «مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الـرُّوحُ لِلْكَنَائِـسِ» (رؤ 2: 29،17،11،7؛ 3: 22،13،6). وكـذلك وردت نفس العبـارة على لسان الرب يسوع: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (مت 11: 15؛ 13: 9؛ مر 4: 9؛ لو 8: 8).

وعندما جاءوا إلى الرب يسوع بإنسانٍ أصم أَعقد وطلبوا إليه أن يضع يده عليه، «فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَـةٍ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ... وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: ”إِفَّثَا“. أَيِ انْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ...» (مر 7: 32-35).

فالذي صنعه الرب يسوع مع هذا الإنسان الأصـم، أنـه لم يفتح أُذنيه الجسديَّتَيْن لسماع الأصوات والكلام فقط؛ وإنما فَتَحَ له أيضاً أُذنيه الروحيتين ليُدرك مـن خـلالهما ويعي القوة الروحية الكامنة في كلمة الرب التي هي «حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْـرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عب 4: 12). ومن خـلال هـذا الإدراك والوعي الروحيَّيْن يتغلغل الإيمان الحقيقي إلى أعماق قلب الإنسان ويدخل إلى عمق الشركة مع الرب يسوع.

انفتاح الفم:

في نفس نبوَّة إشعياء النبي التي ذكرناها آنفاً، قـال: «أَعْطَانِي السَّيِّدُ الـرَّبُّ لِسَـانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أَغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ» (إش 50: 4). وكـذلك في المعجزة التي صنعها الرب مـع الإنسان الأصم الأعقد، مكتـوبٌ: «وَتَفَلَ (الرب يسوع) وَلَمَسَ لِسَانَهُ (أي لسان الإنسـان الأعقد)، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَـالَ لَهُ: ”إِفَّثَا“. أَيِ انْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ... َانْحَلَّ رِبَـاطُ لِسَانِهِ، وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً» (مر 7: 32-35).

فانفتاح لسان هـذا الإنسان الأعقد، ليس هـو انفتاحـاً على المستويَيْن المادي والجسـدي فقط للقدرة على التكلُّم ومخاطبة الآخرين؛ وإنما هـو أيضاً انفتاحٌ على المستوى الروحي ليتكلَّم بكلمة الرب ويُفسِّر الأمـور المختصَّة بـالرب يسوع وبالحياة الأبدية.

وكـان رجاء بولس الرسول لمؤمني مدينة أفسس: «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْـلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِـينَ، وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَاراً بِسِرِّ الإِنْجِيلِ، الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَن أَتَكَلَّمَ» (أف 6: 18-20).

ولا ننسى أنَّ الـرب يسوع وَعَـدَ تـلاميذه والمؤمنين به: «مَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَـا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَـوْنَ فِي تِلْكَ السَّـاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ» (مت 10: 20،19). وفي موضع آخر من الإنجيل، يقول الرب: «وَقَبْلَ هذَا كُلِّهِ يُلْقُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، وَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَامِع وَسُجُونٍ، وَتُسَاقُونَ أَمَامَ مُلُوكٍ وَوُلاَةٍ لأَجْلِ اسْمِي. فَيَؤُولُ ذلِكَ لَكُمْ شَهَادَةً. فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا، لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَماً وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا» (لو 21: 12-15).

أليس ما سبق سرده من أقوال ومواعيد الرب يسوع، هو مـا ردَّده بولس الرسول في أثنـاء كرازته عندما قال: «وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَـةِ الإِنْسَانِيَّـةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الـرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، لِكَيْ لاَ يَكُـونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَـةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ» (1كو 2: 5،4).

فالذي يُعطي قوَّةً للكلام، ليس هـو المنطق والحكمة البشرية الذي يكون بمثابة ”نُحاس يَطِنُّ أو صَنْج يَرِنُّ“؛ وإنما تـأثير الكـلام في أعماق النفس يكون ببرهـان الروح والقوة الذي ينطق على لسـان الكـارز والمُبشِّر والواعظ، فيتغلغل إلى أعماق الكيان الإنساني فيعمـل عمله المُغيِّر والمُجدِّد للطبيعة البشرية!

انفتاح الذهن:

قـد يكون الذهـن منغلقاً على الفهم الروحي الـذي يسبُر أغوار الحقائـق الروحية. وعندئـذ يصـل الإنسان فقط إلى حـدِّ القشور أو حافـة الأمـور السطحية. وهنا لا يحدث التغيير الكياني الداخلي العميق. ويمكـث الإنسـان في جهله الروحي وعدم إدراكه للحقائق الإلهية.

فعندمـا أُغلِقَ على ذهـن التلاميذ إدراك ما يقوله لهم الرب يسوع عـن آلامـه وقيامته مـن بين الأموات في اليوم الثالث، «حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ» (لو 24: 45)

وقد حذَّر بولس الرسول أهل أفسس، وكذلك حذَّرنـا نحن معهم، قائلاً: «... أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضاً بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَـنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ» (أف 4: 18،17).

ولعلَّنا نُدرك أنَّ انغلاق بعض الأذهان عن معرفة الرب يسوع والإيمان به، هو نتيجة العَمَى الروحي الذي يغشي بـه الشيطان أذهان الناس، كما يقول بولس الرسول: «وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ. الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هـذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ» (2كو 4: 4،3).

فما يجب علينا هـو أن نُصلِّي بإيمانٍ أن يفتح الرب ذهننـا، وكذلك أذهـان الآخرين، لإدراك أسرار الحياة الروحية، وأعماق الإيمان بالثالوث القدوس، والشركة الحقيقية مع الرب يسوع.

انفتاح القلب:

قد يكون قلب الإنسان أيضاً مُنصدّاً عن قبول الرب يسوع والإيمان به، أو قـد يكون غرور الخطية قد قسَّى القلب: «اُنْظُرُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَـدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيـرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي الاِرْتِدَادِ عَنِ اللهِ الْحَيِّ. بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ مَا دَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ، لِكَيْ لاَ يُقَسَّى (قلب) أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ» (عب 3: 13،12).

ومكتوبٌ في سِفْر أعمال الرسـل عـن امرأة تُدعَى ليديَّة بيَّاعة أرجوان من مدينة ثياتيرا كانت تسمع كرازة بولس الرسول، وقيـل عنها إنهـا: «مُتَعَبِّدَةٌ للهِ، فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُـهُ بُـولُسُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا طَلَبَتْ قَائِلَـةً: ”إِنْ كُنْتُمْ قَـدْ حَكَمْتُمْ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِـالرَّبِّ، فَـادْخُلُوا بَيْتِي وَامْكُثُوا“. فَأَلْزَمَتْنَا» (أع 16: 15،14).

نتذكَّر جيِّداً أنَّ الـرب يسوع لا يقتحم قلب الإنسان عنوةً، ما لم يسمح الإنسان بدخول الرب إلى قلبه، ويكون لديه الاستعداد لقبول الرب. ولا ننسى ما قاله الرب في سِفْر الرؤيا: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤ 3: 20). ومـع دخول الرب إلى قلب الإنسان، يحدث انفتاح عميق لقلب هـذا الإنسـان على الأمور الروحية وعلى السماويَّات؛ فيُدرك أموراً كان قلبه لا يُدركها ولا يعرفها من قبل، فيزداد إيمانـه بالرب يسوع، وينفتح قلبه على أسـرار الحياة الأبدية.

فالرب يسوع يَقْرع على القلوب قَرْعاً خفيفاً، ويهمس بهمساتِ حبِّـه المُتلهِّفة الخافتة. وعندما يرفض الإنسان فَتْح بـاب قلبه للرب، ينصرف الرب؛ ولكنه يُكرِّر المحاولة مـرَّة ومراتٍ. وهنا إمَّا أن يستمر الإنسان في عناده ويظـل باب قلبه موصَداً في وجـه الرب؛ أو يفتح للرب بابـه، وحينئذ يدخـل الرب إلى قلبه مُحمَّلاً ببركـات حضوره وهِبَات خلاصه.

انفتاح العينين:

قـد تكون عينا الإنسان مطموستين عن رؤية حقائق الإيمان وأسـرار السماء، بالرغم من أنهما منفتحتان من الناحية الجسدية، وينظران مناظر العالم بـوضوح، ويُشاهـدان الأشخاص وجميع الكائنات الأخرى بدقَّة. ولكن للأسف الشديـد هما في نظر الرب معميتان عن رؤياه والتعرُّف عليه.

في معجزة شفاء المولود أعمى، نجد أن الرب لم يخلق له عينين خارجيَّتَيْن جسديَّتَيْن فقط، ولكنـه وهبه العينين الروحيَّتين لإدراك الأمـور الروحية. ولذلك مكتوبٌ عـن المولـود أعمى أنـه عندما سمع كلام الرب يأمره بـأن يذهب ويغتسل في بِرْكـة سـلوام، «فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً» (يو 9: 7). وفي سياق هـذه المعجزة، عندما قـال الرب يسـوع: «”لِدَيْنُونَـةٍ أَتَيْتُ أَنَـا إِلَى هـذَا الْعَالَـمِ، حَتَّى يُبْصـِرَ الَّذِيـنَ لاَ يُبْصِـرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ“»، «فَسَمِعَ هـذَا الَّذِينَ كَـانُوا مَعَهُ مِـنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَـالوا لـَهُ: ”أَلَعَلَّنَا نَحْـنُ أَيْضاً عُمْيَانٌ؟“». فأجاب الرب على تسـاؤلهم: «”لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَـانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَـاقِيَةٌ“» (لو 9: 39-41).

إذن، فالعَمَى هنا هـو عَمَى البصيرة الروحية عن إدراك الحقائق الروحية، مع أنَّ الرب قد جاء «وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (1يو 5: 20).

وفي سيرة ديديموس الضرير البصير، نقرأ أنَّ القديس أنطونيوس الكبير قد زاره ثلاث مرَّات. وفي أول لقاء بينهما، عزَّاه القديس أنطونيوس في فَقْده بَصره، مُطوِّباً إيَّاه بـأنَّ له عيون الملائكة (أي البصيرة الروحية) التي بها يمكنه أن يُدرك المعرفة الروحية ويُعاين الإلهيات.

وبعد قيامة الرب مـن بين الأموات، رافق تلميذَي عمواس اليائسَيْن المُحبطَيْن، اللذين كانا يرجوان أنَّ الرب يسوع «هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ» (لو 24: 21). وعندما وبَّخهما الرب على بُطء قلبيها في الإيمان بجميع مـا تكلَّم بـه الأنبياء عنه، ولم يفلح معهما شرحه وتفسيره لهما ما تكلَّم بـه موسى النبي وجميع الأنبياء عـن الأمور المختصَّة به في جميع الكتب؛ لم يلبثوا عندئـذ أن اقتربوا مـن قرية عمواس، فـألزما الرب قائلَيْن: «امْكُثْ مَعَنَا لأَنَّـهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». فحينئذ «دَخَـلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا اتَّكَـأَ مَعَهُمَـا، أَخَـذَ خُبْزاً وَبَـارَكَ وَكَسَّـرَ وَنَـاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَـاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا» (لو 24: 13-35).

يا لعظمة هـذا السر الإلهي، الذي يُدعَى سرَّ الأسرار، سـر كَسْر الخبز، سـر الإفخارستيا، ترياق عـدم الموت؛ الذي كـل مَن يتناول منه بإيمان، ليس فقط ينال الخلاص وغفران الخطايا والحياة الأبدية؛ وإنما تنفتح بصيرتـه الروحية فيُدرك ما لا يُدركه العقل البشري، ويعي الأمور المختصَّة بملكوت السموات!

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis