الكنيسة هذا الشهر



استشهاد القديس بقطر بن رومانوس
(27 برمودة / 5 مايو)

مقدِّمة:

وُلـد ”بقطر“ في مدينة أنطاكية مـن أُسـرة مسيحية نبيلة؛ والده ”الأمير رومانوس“ من كبار وزراء الدولـة الرومانيـة، الذي أنكـر الإيمان أيـام دقلديانوس؛ ووالدتـه ”مرثا“ إنسانـة تقيَّة طلبت من الله أن يهبها نسلاً مُبارَكاً، فوهبها هذا الطوباوي بقطر.

عاش ”بقطر“ تحت رعايـة أُمِّه التقيَّة، بينما كـان والده سطحيّاً في إيمانـه وعبادته. ارتبط ”بقطر“ بصداقة قويَّة مع ”الأمير إقلاديوس“ ابن خالته، فكانا يشتركان معاً في الهدف والعبادة.

تـرقَّى الأمير بقطر في المناصب، إذ كـان شاباً تقيّاً، جادّاً في حياته، زاهداً في أباطيل العالم وملذَّاته، رحوماً ولطيفاً للغاية.

دقلديانوس الجاحد، ورومانوس المنهار:

إذ جَحَدَ دقلديانـوس الإيمان، رَفَض الأميران بقطر وإقلاديـوس السجود للأوثـان. وقد أخفى رجال البلاط الخبر عن الإمبراطور لحبِّهم لهذَيْن الأميرَيْن. فكـان الأميران يفتقدان المسجونـين، ويهتمَّان باحتياجـات المُعوزيـن، ويدفنان أجساد الشهداء القدِّيسين. سمع الإمبراطـور بـأمرهما، فاستدعى إقلاديـوس الذي أعلن أمامـه إيمانـه بالمسيح، فأَمـر دقلديانـوس بإرساله إلى صعيد مصر ليُقتل هناك بعيداً عن أنطاكية حتى لا يثور الشعب.

وبعدئذ استدعى دقلديانوس وزيره رومانوس وقال له إنـه بَلَغَه أن ابنه ”بقطر“ يقوم بدفـن أجساد المسيحيين الذيـن تقتلهم الدولة، وبافتقاد المسجونين. ثم صار الإمبراطور يُهدِّد رومانوس بقَتْل ابنـه ”بقطر“ إن لم يجحد المسيح. ولذلك أرسل رومانـوس إلى ابنـه وأصدقائـه، لعلَّهم يستطيعون إقناعه بالعدول عـن إيمانـه، ولكـن القديس رفض بإباء وإصرار.

وحينئذ استدعى دقلديانوس القديس بقطر وصار يُلاطفه، لكن بقطر كان بحزمٍ يوبِّخ الإمبراطور على جحده الإيمان، طالباً منه أن يرجـع إلى مُخلِّصه الصالح ويكفَّ عن عنفه ومقاومته للإيمان. فلما عَلِمَ الأمير رومانـوس بما ردَّده ابنه، استشاط غضباً، وصار يضرب ابنه بقطر بشدَّة ويسُبُّه ويُهدِّده، بل فَقَد صوابه وأراد قتل بقطر ابنه.

ونتيجة لثبات بقطر على إيمانه المسيحي، أَمَر دقلديانوس بإلقائه في سرداب مُظلم. فتحوَّل السرداب إلى سماءٍ مُنيرة وشركةٍ مع السمائيين. بينما كرَّست أُمُّه ”مرثا“ كل إمكانياتها وطاقاتها للصلاة والصوم مـن أجل ثبات ابنها بقطر على إيمانـه القويم؛ بل ذهبت إلى بقطـر وتحدَّثـت معـه وهي خارج السرداب، وذلك لتؤازره وتسنده في ضيقته حتى يستحق نَيْل شرف الاستشهاد.

وبعد فترةٍ، أُخرِج بقطر من السرداب، وحاول والده رومانـوس إغراءه، وإذ فشل أَمَر عبيده أن يضربـوا بقطر بالرمـاح حتى الموت. لكـن دقلديانـوس استدعى بقطر، وصار يُلاطفه تارة ويُهـدِّده تـارة أخـرى. وأخـيراً أرسـله إلى الإسكندرية ليتمَّ تعذيبه وقتله بعيداً عن أنطاكية.

لقاء بقطر مع والدته التقيَّة:

أصرَّت الأُم أن ترى ابنها وتُودِّعه قبل سفره خارج المدينة. وبالفعل رأته، فسقطت مُغشياً عليها. أما بقطر فعندما التقاها، قال لها ببشاشة: ”لا تبكي يا أُمِّي على ابنكِ، فأنا مع الرب يسوع في طريق النعمة. ولكن ابْكِ على رومانوس زوجك. إنه لم يَعُد أبي منذ يوم أنكر الإيمان واتَّبَع طريق الشيطان، يوم أَنهى بنوَّتي له. ابْكِ عليه، يا أُماه، لعل الربَّ يهديه ويُعيده إلى حظيرة الإيمان. أما أنا فلماذا تبكين عليَّ؟ إنني في طريقي إلى السماء! لي اشتهاء أن أنطلق، فإنَّ هذا أفضل“.

عندما استمعت مرثا إلى كلام ابنها، استراح قلبها، وعادت تُعزِّيه وتُشجِّعه. ودخل الاثنان في حوارٍ روحي عَذْب أبْكى كل السامعين، ثم ودَّعت ابنها ليُبحر إلى الإسكندرية.

في الإسكندرية:

التقى القديس بقطر بالوالي أرمانيوس والي الإسكندرية، الذي لاطفه من أجل كرامته وكرامة عائلته. لكن إذ أصرَّ بقطر على الشهادة لشخص المسيح، قام الوالي بتعذيبه بوضعه على سريرٍ من حديد وإيقاد نار تحته، لكن الرب خلَّصه، ولم تمسَّ النار شعرة واحدة منه. فاغتاظ الوالي وأَمَر بإلقائه في السجن. في هذا الوقت كانت ابنة أحد الأُمراء تتطلَّع مـن نافذة قصرها المُطِلِّ على السجن لتنظر المسيحيين المسجونين، بينما كانت جماعة من السَّكارَى يستهزئون بهم. وبدون أن تدري سقطت إلى أسفل جثة هامدة. فطلب الأمير بقطر أن يُحضِروا الجثمان ليُصلِّي عليه بـإيمانٍ حتى بنعمة الرب وقوَّته تقوم الفتاة مـن الموت. وعندما صلَّى على جثة الفتاة، قـامت، فسلَّمها لوالديها اللذين فَرِحا بها فرحاً عظيماً، وآمـن الجميع بالرب يسوع. وبعدئذ تزوَّجت الفتاة من أحد النبلاء، وأنجبت طفلاً أسمته ”بقطر“.

استمر الوالي أرمانيوس في تعذيب القديس، فأَمر بعصره، لكن الرب أرسل رئيس الملائكة ميخائيل ليسند تقيَّه بقطر. ثم ألقاه الوالي في مستوقِد، فصار كالثلاثة الفتية يُسبِّح الله مُخلِّصه، وحلَّت النيران قيود القديس وكذلك اللِّجام الذي على فمه، الأمـر الذي دفع كثيرين مـن الوثنيين المُشاهديـن له أن يُعلنوا إيمانهم بالمسيح، وينالوا أكاليل الشهادة.

في بيت الوالي:

عاد الوالي إلى بيته كئيباً بسبب مـا حدث، فكانت زوجتـه - وهي مسيحية - توبِّخه بعنف، فصار يُهدِّدها حاسباً أنَّ ما صار لبقطر إنما هـو من تأثير السِّحْر.

أخيراً إذ ضاق أرمانيوس بالأمر، قرَّر ترحيل بقطر إلى والي أنصنا ليقوم بتعذيبه وقتله. ولعلَّه خَشِيَ أن يقتله، فيندم والده الأمير رومانوس على ما فعله بابنه، وينتقم له من الوالي أرمانيوس.

في صعيد مصر:

رَسَت السفينة في مدينـة طحا، حيث التقى بصديقٍ له جندي يُدعَى ”بيفام“، الذي كان مسيحياً متوارياً، فشجَّعه القديس بقطر أن يُعلِن إيمانـه بـالمسيح. ثم انطلقت السفينة إلى ”أنصنا“، وإذ دخل في حوارٍ مـع والي أنصنا، استشاط الوالي غضباً وهَمَّ بقتل القديس، لكن مستشاريه طلبوا منه أن يضع بقطر في قصرٍ مهجور في باطن الجبل ولا يقتله، لئلا ينتقم منه والـده الأمير رومانوس.

وحينئذ أُلقي القديس في القصر المهجور الذي يُدعى ”البارقـون“ بـلا طعامٍ أو شراب، وهم يعتقدون أنَّ الشياطين هي التي تهمُّ بقتله. لكن ربنا يسوع أرسل له رجلاً مسيحياً قدَّم له عِدَّة نجارة ليُمارِس بعض أعمال النجارة ويبيعها له حتى يقتات بثمنها.

مارَسَ القديس حياتـه النُّسكية بفرح، وقـد حاولت الشياطين مقاومته بكلِّ وسيلة، فكان يغلبها بقوَّة ربنا يسوع المسيح، الذي ظهر له وطمأنه على إيمان والدته، وأعلن له عن قُرْب انتقاله إلى كنيسة الأبكار.

التقى القديس بقطر في هـذا القصر المهجور بالجندي الأمين الذي جاء معه من أنطاكية. فقد أرسلته ”مرثا“ لتطمئن من خلاله على ابنها. فبلغ الجندي القصر، وقصَّ عليه القديس كل ما حدث في حياته، لكي يُبلِّغه إلى والدتـه ”مرثـا“ فيسند قلبها ويُثبِّت إيمانها.

استشهاده:

إذ جاء إلى أنصنا والٍ جديد، استدعى القديس بقطر من القصر المهجور، وصار يُعذِّبه: تـارةً بالنار، وأخرى بتقديم سُمِّ له، وثالثة بوضْعه في زيتٍ مغلي؛ وكان الرب يعمل فيه بقوَّة. وقد وُجِّه إلى القديس بقطر اتِّهـامٌ خطير وهـو ”استخدام السِّحْر“؛ أمَّا القديس فأعلن أنه إنسانٌ بسيط يحمل في قلبه قوَّة الإيمان التي تُطفئ لهيب النار، وليس أساليب السِّحْر.

وحينئذ استدعى الوالي أحد كبار السَّحَرَة ليُعدَّ للقديس في طعامه سُمّاً زُعافاً يكون سبب قتله، وعندما أكل القديس هـذا الطعام المسموم، ولم يُصَبْ بضررٍ؛ أعدَّ له السَّاحر نوعاً أخطر مـن السُّمِّ وبكميةٍ أكبر، ولكنها لم تؤثِّـر فيه. عندئذ أحرق السَّاحر كُتُب السِّحْر، وجـاء إلى القديس وهـو يُعلِن إيمانـه بهـذا الإلـه القـوي، وقَبِلَ الاستشهاد بفرح. كما آمـن كثيرون عندما رأوا ثبات القديس على إيمانـه بالرغم مـن العذابات الأليمة، وكان من ضمنهم بعض الجنود، فتمتَّعوا جميعاً بأكاليل الاستشهاد.

الوالي يأمر بقطع رأس القديس:

أخيراً أَمَر الوالي بقطع رأس القديس بقطر، فنال إكليل الشهادة. وقيل إن والدة القديس جاءت بعد ذلك وبَنَت كنيسـة بمنطقة أنصنا التي عاش فيها ابنها بقطر قبل استشهاده، وأنه ظهر لها في الكنيسة وأنبأها ببعض أمورٍ مُقبلة خاصة بكنيسة مصر. وقـد حَمَلت ”مرثا“ رفـات ابنها القديس بقطر إلى أنطاكية بعد أن ودَّعـه أهـل الصعيد بمهابةٍ وتكريم، وهم يتباركون منه. وتُعيِّد الكنيسة القبطية بتذكار استشهاده في 27 برمودة.

بركة صلاته تكون معنا، آمين.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis