قصة رمزية


بطرس يعود لصيد السمك
الأيام الأخيرة للمسيح على الأرض

+ قصة مؤلَّفة مُقتَبَسَة من الإنجيل المقدَّس (يو 21: 1-19).

لقـد مرَّت أيـام عديـدة منذ ظهور المسيح للتلاميذ بعد قيامته من الموت. لقد كانوا يجتمعون أسبوعيـاً في الغرفـة العُليا (العلِّية) على أَمَـلٍ، مُتوقِّعين منه أن يُعلِن نفسه لهم، لكنه لم يفعل ذلك. لم يهدأوا. لم يكن لديهم أيُّ عملٍ يؤدُّونه في أورشليم (القدس) منـذ المحنة المؤلمة للمسيح. الشئ الوحيد الذي أًبْقَاهم هنا هو الأمـل في أن يظهـر المسيح ويتراءى لهم مرَّةً أخرى ويُظهِر نفسه في وسطهم.

ثم، وبينما كانـوا يتحاورون فيما بينهم عمَّا يجب عليهم فعله، تذكَّر واحدٌ منهم كلمات النسوة نقلاً عن المسيح: «أَخبرِوا تلاميذي أن يذهبوا إلى الجليل». لذلك فقد بدأوا يُرتِّبون أنفسهم للرجوع إلى بيوتهم في الجليل.

وفي الجليل، بـدأ التلاميـذ يهيمـون على وجوههم بلا هدفٍ محدَّد، وبلا اتجاهٍ مُحدَّد. كانوا يحاولون العودة إلى حياتهم القديمة، ولكن لم يكن لديـهم أيُّ حماسٍ تجاه رجـوعهم إلى مهنتهم القديمة أي ”الصَّيْد“، كما كانوا عليه في الأيام السابقة.

لقد كانوا يتوقَّعون من مُعلِّمهم القديم أن يُظْهِر نفسه لهم ويستأنف تعليمه لهم مثل الأيام السابقة لتوجيههم عمَّا يفعلونـه. ولكن يومـاً بعد يـوم والزمن يتسارع، ولا يـزال المسيح غائباً عنهم! وكلما كـانوا ينظرون إلى بحيرة الجليل، كانوا يتذكَّرون الرب يسوع وهو يدعو كلَّ واحدٍ منهم أن يتبعه. كـانوا يتذكَّرون ويتطلَّعون إلى الجبل حيث كـان يسوع يُبشِّر الجموع بعظته الطويلة بينما كانوا هم والشعب جالسين على الجبل! هناك حيث علَّمهم المسيح الصلاة الربَّانية!

وتحوَّلت أفكارهم إلى كيف - وبالقرب مـن هذا المكان - أَطعم يسوع الجموع من الخبزات الخمس والسمك القليل؟ وغير ذلك من قيام يسوع بالعديد من المعجزات! وهكذا اشتعلت في قلب كلٍّ من التلاميذ الشعور بالرغبة والحاجة المُلحَّة لرؤية المسيح مرة أخرى!

وها هم سبعة مـن التلاميذ: سمعان بطرس، الذي أعلن له الرب بعد قيامته من الموت بوحي خاص؛ وتوما، الذي تشكَّك مرَّة واحدة، ولكنه لم يشكَّ فيما بعد؛ ونثنائيل، الذي كان تابعاً مُخْلِصاً للمسيح منذ أن دعاه الرب؛ ثم يعقوب، وشقيقه يوحنا التلميذ الذي كان الرب يسوع يحبه بصفة خاصة؛ بالإضافة إلى اثنين من التلاميذ الآخرين تجمَّعوا كلهم عند بحيرة طبرية (في الجليل). وبلا أيِّ أَمَلٍٍ، كانوا يتطلَّعون إلى قوارب الصيد التي تُبحِر في البحر ذهابـاً وإيابـاً، وإذا فجأة يقفز بطرس إلى البحر ويقول: «أنا ذاهب لأتصيَّد». وفي الحـال، صـاح الستة الأصدقاء: «ونحـن ذاهبون معك لنتصيَّد نحن أيضاً»!

وبينما كـان بطرس ورفقاؤه يرفعون الشِّرَاع على قاربـه، ويُتمِّمـون على الآلات الخاصة بالقارب، وبَدَأَت الرحلة وهم يُغيِّرون أَشرعة المركب إلى الخلف وإلى الأمام طيلة الليل؛ بـدأ بطـرس يتذكَّر كيف رأى المسيح وهو يمشي على الماء. وبدأ يتذكَّر الإثارة التي شعر بها عندما قفز من القارب وبدأ في المشي على الماء لمقابلة المسيح على وجه مياه البحر، ثم خوفه لما تحقَّق من بدء غرقه حيث بَدَأَت المياه تغمره. وصار يتذكَّر كيف بدأ المسيح فجأة يتقدَّم ليُخرجه من الماء. وصار يتذكَّر توبيخ المسيح له أنه لو كان قد ركَّز عينيه عليه فما كان قد بدأ يغرق. نعم، فعلاً، بطرس بدأ يتذكَّر كلَّ هذه الأحداث.

ثم بدأ يحاول منع ذكريات عدَّة مراتٍ أخرى، بالاندفاع الذي أدَّى به إلى ورطاتٍ كثيرة. بدأ يتذكَّر كيف سـامحه المسيح مـراراً وتكـراراً لتخبُّطه في مـواقف أخرى. فكيف يتوق لرؤية الرب مرَّةً أخرى؟ والآن، البرد والإحباط جعلاه يقول لزملائه: «لقد تعبنا الليل كلَّه، ولم نصطَد شيئاً». ما هـو الداعي لهذا الصيد الذي لا يبدو من ورائه أي خير؟ هَلُمَّ بنا نعود إلى الشاطئ!

وإذا بهم وتحت الضوء الخافت للفجر، يَرَوْنَ رجلاً غريباً يقف على الشاطئ! وكان يتكلَّم قائلاً: ”يا صِبْيَة!“ (وهذا النداء كان يُسْتَخدَم كما ننادي آخرين بكلمة ”يا أصدقاء“) «ألعلَّ عندكم طعاماً اليوم». وإذ ظنُّوا أنـه يسألهم: إن كانوا قـد اصطادوا سمكاً للبيع اليوم! فأجابوه: «لا» (مثلما قال بطرس سابقاً للرب: «لقد تعبنا الليل كله ولم نصطَدْ شيئاً»).

وأجـاب الرجل الغريب: «أَلقوا شِباكَكُم إلى الجانـب الأيمـن مـن القـارب، وستجـدون ما تصطادونه».

هل رأى ذلك الرجل شيئاً ما فاتهم أن ينتبهوا إليه؟ فهذا الجانب ضَحْل من الأسماك! وإذ كانوا يتشكَّكون في أنه لن يكون أي خير من وراء هذا الاقتراح، لكـن التلاميـذ تمَّموا المحاولة كما اقترحها هذا الغريب! وفي الحال، بدأ ثقل الشبكة يـزداد أكثر وأكثر! وصـاروا يُجهِدون أنفسهم ليُخرِجوا الشَّبَكة من البحر سالمة!

وفجأة! تذكَّر يوحنا منظراً سابقاً حينما دعاهم الرب منذ عدَّة سنوات أن يسحبوا شبكة الصيد، ثم دعاهم بعد ذلك أن يصيروا له تلاميذ!

وهكذا التفت يوحنا إلى بطرس وقـال لـه صارخاً: «إنه الرب!». ومرَّة أخرى يتصرَّف بطرس باندفاعٍ كعادته! فيقفز من القارب ويَسْبَح نحو الشاطئ! ولم يستطع أن ينتظر المزيد من الوقت ليرى الرب! أمَّـا التلاميذ الآخرون فقد آثروا أن يتركوا القارب عند الشاطئ وهم يشدُّون معهم الشبكة الممتلئة بالسمك.

(+( (

وعلى الشاطئ، كان الرب يسوع - الذي كان هـو حقّاً - وبجانبه القليل من النار المتوهِّج، وعلى الفحم سمك كان هو يشويه، وإلى جانب المسيح كـان الخبز الطازج الذي كان ما يزال دافئاً. أمَّـا التلاميذ وهم يرتعشون من شدَّة البرد الرطب، فقـد كانـوا مُثبطين. أمَّـا دِفءُ النار ورائحة السمك والخبز الطازج فقد جعل الهواء يُجدِّد أجسادهم.

أمـا الرب يسوع فقال لتلاميذه: «هاتوا مـن السمك الذي اصطدتموه للتوِّ».

أمـا بطرس والآخرون فقـد سحبوا الشَّبَكة إلى الشاطئ، وأخذوا يُعِدُّون السمك. ويا للروعة! فقد كان مائة وثلاثاً وخمسين سمكة كبيرة! ويا للعجب حقّاً! والشبكة التي كادت أن تتخرَّق، إذا بها ما زالت سليمة مُتماسكة! أمَّا التلاميذ فبالرغم من إرهاقهم، فقد كانوا سعداء بصَيْدهِم، وبدأوا يشتركون في طعام الإفطار الذي أعدَّه لهم الرب يسوع.

ثم هـا قـد انتهى الإفطـار، وجلس التلاميـذ يستريحون بعد تعب وكَدَح الليل. وتوجَّه يسوع نحو بطرس وسأله: «يا سمعان بن يونا (اسمه القديم قبل أن يصبح تلميذاً للمسيح) أتحبُّني أكثر هؤلاء؟».

اطمأن ضمير بطرس وهو يتذكَّر تلك الليلة قبل الصَّلْب، عندما كانوا ذاهبين إلى جثسيماني حيث قال الرب يسوع لتلاميذه إنهم لابد أن يُهانوا كل الإهانة بسببه. ويتذكَّر بطرس كيف كان جوابه آنذاك: ”إنه ولو أنكرك جميع التلاميذ فأنا لا أُنكرك“، وقال إنه سيبقى أميناً للمسيح. ويتذكَّر بطرس، وكم كان يودُّ أن ينسى، كيف أخبره المسيح أنه (أي بطرس) سوف يُنكره، فأجاب: «ولو اضْطُرِرْتُ أن أموت معك لا أُنكِرَك». إلاَّ أنه أنكره، ويا للعار! فقد أنكر الرب ثلاث مرات. وكم عانَى بطرس بسبب هذا الضعف الرهيب في أمانته للمسيح.

نعم، فبطرس يتذكَّر أن المسيح قـد جاء إليه شخصياً وهـو بعيد عـن التلاميذ الآخريـن وقـد اعترف (بطرس) بضعفه. نعم، وهو يَعْلَم فعلاً أن المسيح قد غَفَرَ له. فلماذا الآن يسأله الرب يسوع على انفراد ليطلب منه ما إذا كان يحبُّه؟ كان لابد أن يعرف الرب يسوع أن بطرس يحبُّه. ولكن جوابه على ”الجاريـة“ (التى أنكـر المسيح أمامها) كـان بمثابة إعلان أنه تخلَّى عن كلِّ ما ادَّعى به من قبل مُفتخراً بأنه مستعدٌّ حتى أن يموت من أجل الرب!

وردَّ بطرس على الرب يسوع: «نعم، يا رب، أنت تَعْلَم أني أُحبُّك» (ولكن اللفظ الذي استخدمه بطرس كان يعني مجرَّد ”الحب الأخوي“ فحسب).

وبعد دقائق قال الرب يسوع لبطرس: «ارْعَ خـرافي (”أَطْعِم حِمْلاني)“». وبعبارة أخـرى، وكأن الرب يسوع يريد أن يقول لبطرس: ”إذا كنتَ تهتم بما أَطلبه منك، فسوف أُعطيك عملاً تقوم بـه مـن أجلي: ِارعَ الحملان الصغار (أي المؤمنين الجُدُد) الذين أنا أُحبُّهم“.

(+( (

ومرة أخرى، وبعد بضع دقائق، سأل يسوعُ بطرسَ، وللمرة الثانية، «يـا سمعان بـن يونا، أَتُحِبُّني؟». وهذه المرَّة كانت كلمة ”تُحِبُّني“ ذات معنًى أقـوى، حيث كـانت تعني محبة غير مشروطـة أي ”المحبـة الباذلة حتى الموت“. ومرَّة أخرى يُجيب بطرس: «نعم يا ربُّ، أنت تَعْلَم (تعرف) أني أُحِبُّك» (ولكن اللفظ الذي استخدمه بطرس كـان هـو أيضاً: المحبة التي تعني ”حُب الصداقة“).

ويقـول لـه الرب يسـوع: «ارْعَ (أَطْعِم) غنمي». وكأنه يقول له: ”أَرْشِد واحْمِ الرعيَّة الكبار أيضاً“.

ولكن المسيح يعود وللمرة الثالثة بعد ذلك ويسأل بطرس: «يـا سمعان بـن يونا، أَتُحِبُّنى أنا؟». كان الرب يسوع يعرف أن بطرس لا يفهم حتى الآن المعنى الحقيقي للمحبة نحوه بالتعبير اللغـوي (في اللغـة اليونانيـة التي كُتب بها الإنجيـل): ”أغابي agapy (كلمة يونانية تُعبِّر عن أعلى نوع من الحب، وهو الحب القوي جدّاً الذي يمكن معه أن يموت الإنسان من أجل مَن يحبُّه؛ وهو عكس مـا يستخدمه بطرس وهـو مصطلح ”حُـبُّ الأُخـوَّة“ و”حُبُّ الصداقـــة“). وبعبارة أخرى وكأن المسيح يقول لبطرس: ”هل أنت تُحبُّني وتهتم بي كمجرَّد "صديق“.

وحَـزِنَ بطرس لأن الرب يسـوع سـأله إلى ثلاث مرات: أَتُحِبُّنى؟“. وكأنَّ يسوع كان يُذكِّره مرَّة أخرى بأنه أنكره ثلاث مرات! وبالتأكيد كان الرب يسوع يعرف مكنونات قلب بطرس. كـان بطرس يَعْلَم حقّاً أنَّ المسيح قد غَفَـر لـه، فلماذا يسأله مـرة أخرى: أَتُحِبُّنى؟“. فأجابه: «يا رب، أنت تعرف (تَعْلَم ) كلَّ شيء. أنت تعرف أني أُحِبُّك».

وهنا قال له الرب يسوع: «ارْعَ غنمي (أَطعِمْ خرافي)»، وذلك بـاستخدام كلمـة ”خـراف“ التي تعـني المؤمنين الكـاملين في الإيمـان والمحبة، وأمَّـا ”الحملان“ فهي إشـارة إلى المؤمنين المبتدئين. وبعبارة أخرى، وكأن الرب يسوع يريـد أن يقـول لـه: ”أُريـدك أن تهتم بالرعيـة كبـاراً وصغـاراً، كما فعلتُ أنـا، في توجيههم وحمايتهم مـن الشرير، وإعطائهم كل احتياجاتهم الروحية“.

وأخيراً، وكأن معنى الكلام لبطرس، أنَّ الرب يسوع يُريد أن تكون الكنيسة ناجحة وراسخة في رعاية المؤمنين، ومؤسَّسة على صخرة الإيمان والمحبة الصحيحين للمسيح. الربُّ يُخبر بطرس أنه يريده أن يعمل معه ومن أجله. إنه يريده أن يصبح ”صيَّاداً للناس“، وليس صياداً لـلأسماك فيما بعد.

وإنه وعلى الرغم من كلِّ إخفاقات بطرس السابقة، فإنَّ المسيح ها هو يَعهَد إليه الآن بالكفِّ عن مهنته القديمة في صيد الأسماك، والعمل معه في خلاص أنفس الناس.

وهكـذا امتلأ قلب بطرس برجاءٍ جديـد. لقد غَفَرَ له المسيح إخفاقَه السابق، وبدأ معه المستقبل الجديـد في البشارة بـإنجيل المسيح للخـلاص الأبـدي. المسيح سيقود بطـرس لكـي يصـبح كارزاً مُبشِّراً بقيامة المسيح من بين الأموات.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis