طعام الأقوياء
- 84 -



الماء الحي
- 3 -

+ «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ» (يو 7: 37).

عطية الله:

انتهى كلام الرب يسوع مع السامرية بانفتاح بصيرتها، واستعلان الرب لها بأنه هو مسيَّا الذي تنتظـره، بقـوله لها: «"أَنَـا هُوَ" الَّذِي أُكَلِّمُكِ» (يو 4: 26)!

وكانت بداية الحديث مع السامرية، كما رأينا، عن الماء الذي يُعطيه الرب، وهو "الماء الحي"؛ أمَّا ماء البئر، فكل مَن يشرب منه يعطش أيضاً: «... وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَـدِ، بَـلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ!!» (يو 4: 10-14).

لقد كلَّمها الرب أولاً عن عطية الله، وبيَّن لها أن عطية الله هي عطيته. وفي النهاية يتَّضح أن عطية الله هـو شخص الله، وهـو ابن الله، وهو الروح القدس، والثلاثة هم واحدٌ.

وهذا ما تنبَّأ عنه إشعياء النبي قائلاً: «يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيـلَ" («الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا»)» (إش 7: 14؛ مت 1: 23). فعطية الله هـو ابنه الوحيد الذي تجسَّد من العذراء مريم، وابن الله هو والآب واحدٌ: «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يو 10: 30).

وقوله أيضاً في إنجيل يوحنا: «هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو 3: 16). فعطية الله هو ابنه الوحيد الذي بَذَل نفسه على الصليب لكي يُخلِّص كل مَن يؤمن به من موت الخطية، وينال الحياة الأبدية.

وقـوله أيضاً في سِـفْر إشعياء: «فَتَسْتَقُونَ مِيَاهاً بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ» (إش 12: 3). وأيضاً قـوله: «أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ» (إش 44: 3). وقـوله في سِفْر يوئيل: «أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ» (يؤ 2: 28).

ثم قوله في إنجيل يوحنا في عيد المظال في اليوم الأخير مـن العيد: «وَقَفَ يَسُوعُ وَنَـادَى قَائِلاً: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَـنْ آمَنْ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ". قَـالَ هـذَا عَـنِ الرُّوحِ الَّذِي كَـانَ الْمُؤْمِنُونَ بِـهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يو 7: 37-39).

أمَّـا قوله: «كَمَا قَالَ الْكِتَابُ»، فهو يقصد كل ما جاء في الكتاب عـن "الصخرة" التي قـال عنها بولس الرسول: «وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابـاً وَاحِـداً رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَـانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابَعَتَهُمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ» (1كو 10: 4).

فقـد جـاء في سِفْر الخروج: «هَـا أَنَا أَقِفُ أَمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ» (خر 17: 6). وفي سِفْر العـدد: «وَرَفَـعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَـرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَـرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا» (عـد 20: 11). وفي سِفْر التثنية: «الَّذِي أَخْرَجَ لَكَ مَاءً مِنْ صَخْـرَةِ الصَّـوَّانِ» (تـث 8: 15). وفي سِفْر المـزامير: «الْمُحَوِّلِ الصَّخْرَةَ إِلَى غُدْرَانِ مِيَاهٍ، الصَّوَّانَ إِلَى يَنَابِيعِ مِيَاهٍ» (مز 114: 8).

فقـد أعلـن الكتاب أنَّ الصخرة تحوَّلت إلى جداول وينابيع مياه!!

وهكـذا يَستَعلِـن المسيح نفسـه أنـه هـو "الصخرة"، ثم يَستَعلِن عمله في النفس البشريـة، قائلاً: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنْ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يو 7: 37).

ثم عاد الرب فأوضح لهم عطية الروح القدس التي كـان مزمعاً أن يسكبها على كلِّ مَن يؤمن بـه، قائلاً: «قَـالَ هـذَا عَـنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِـهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الـرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يو 7: 39،38). وقد أوضح الرب يسوع أيضاً لتلاميذه: «إِنَّـهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِـنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ» (يو 16: 7).

«خيرٌ لكم أن أنطلق»:

كان وجود المسيح مع تلاميذه بالجسد مُعزِّياً لهم ومُشدِّداً ونافعاً من كلِّ الوجوه، فقد كان كل مَن يراه يكون قد رأى الآب، لأن «اللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. الاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُـوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ (عـن الآب)» (يو 1: 18). لذلك قال الرب يسوع: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ... أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ... الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَـبَبِ الأَعْمَـالِ نَفْسِهَا» (يو 14: 9-11).

لقد أكمل المسيح بتجسُّده كل ما كان مزمعاً أن يُكمِّله للبشريـة مـن حيث اتِّحـاده بطبيعتنا البشرية، وكذلك موتـه على الصليب الذي كان يجب أن يُكمِّله لكي يُحرِّرنا من اللعنة والموت، ويهبنا القيامة والحياة الأبدية، وشركة الجسد والدم الأقدسين، وشركة الطبيعة الإلهية. ولكن بَقِيَ أن يُرقِّينا إلى مراتب أعلى. فقد بَقِيَ أن يُصعدنا معه وأن يُجلسنا معه في السماويَّات، وأن يُرسل لنا الروح القدس المُعزِّي الآخـر الـذي يمكث معنا ويكون فينا (انظر يـو 14: 17،16)؛ لكي نحيا حسب الـروح وليس حسب الجسـد، ونعبد الله بالروح والحقِّ.

+ وفي هذا يقول القديس كيرلس الكبير:

[... فالمسيح حينما صار إنساناً أَكمل وتمَّم كـلَّ الأمور الآتية: فإنـه جـاء لكي يُميت «الأعضاء التي على الأرض» (انظر كو 3: 5)، أي ميـول الجسد، ولكي يُبطل "ناموس الخطية" (انظر رو 7: 23) الذي يعمـل في أعضائنا. وأيضاً لكي يُقدِّس طبيعتنا، ويَظهَر أمامنا كمثالٍ وكمرشـد في طريـق التقوى، ولكي يُتمِّم إعـلان الحـقِّ حسب المعرفة، وإعلان طريـقٍٍ كامل للحياة، ليس فيه أية قابلية للخطأ، كل هذا حقَّقه المسيح بتجسُّده...

ومع ذلك كان ضرورياً بالتأكيد أننا ينبغي أن نصير شركـاء الطبيعة الإلهية للكلمة... ولكن كان من المستحيل أن نبلغ إلى هذا بأي طريقـةٍ أخرى سـوى بالشركة في الروح القدس.

فالوقت المناسب والملائم تمامـاً لإرسالية الروح القدس ونزوله إلينا هو عندما جاء وقته المُعيَّن، وأعْني عنـد رحيل مُخلِّصنا المسيح من هذا العالم. لأنه حينما كان حاضراً بالجسد مع أولئك الذين آمنوا به، فقد أَظهر نفسه أنه المانح لكلِّ بركة.

ولكن حينما جاء الوقت وحتَّمت الضرورة أن يعود إلى الآب في السماء، كـان أساسيّاً ولازمـاً أن يجعل عابديـه في شـركة معه بـواسطة الـروح، وأن يسـكن في قلوبنا بالإيمان، لكي بحضوره في داخلنا، نصـرخ بثقة ودالَّة ونقول: «يـا أَبَا الآب» (انظر غل 4: 6). ولكي نتقدَّم في كلِّ فضيلة، وأيضاً لكي نكون أقوياء وغير مغلوبين في مواجهة خداعـات إبليس، وهجمات البشـر، لأننـا حاصلون على الروح الكُلِّي القدرة](1).

«الروح القدس لم يكن قد أُعْطِيَ بعد،

لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد»:

إذن، فقد كـان مـن الضروري أن ينطلق المسيح بعد قيامته من بين الأموات وتكميله عمل الفداء للبشريـة، لكي يُرسـل لنا الروح القدس المُعزِّي الذي وَعَدَ المسيح به تلاميذه قائلاً: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّـهُ مَـاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُـونُ فِيكُمْ» (يـو 14: 17،16)، «وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ» (يو 15: 27،26).

+ وفي هـذا يقـول أيضـاً القـديـس أوغسطينوس:

[في الحقيقة إنَّ الـرب قـد أَخفى وجـوده الجسدي عن الكنيسة كلها وصعد إلى السماء، وذلك لكيما يُبْنَى الإيمان! لأنه إن كنتَ لا تَقبَل إلاَّ مـا تراه، فأيـن إيمانك! ومـن الناحية الأخرى، إن كنتَ تؤمن بما لا تراه، فستفرح عندما تراه. شدِّد إيمانـك، إذن، لأن بصيرتك ستتجدَّد. فإنَّ مَن لا نراه الآن، سيأتي، سيأتي، يـا إخوتي - حتماً - سيأتي؛ ولكـن اهتمُّوا بالكيفية التي سيجدكم فيها عندما يأتي](2).

إذن، فأول فائـدة لصعود المسيح هـو لكي يتقوَّى إيماننا بوجوده الحقيقي معنا وفينا كل حين كما وعد: «وَهَـا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (مـت 28: 20). لـذلك يدعـو بولس الرسـول: «لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِـالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ» (أف 3: 17)، وذلك بالروح القدس الساكن فينا؛ لأنه، كما قـال الرب يسوع: «فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّـهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَـلْ كُلُّ مَـا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِـهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُـورٍ آتِيَـةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّـهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» (يو 16: 14،13).

أمَّا السبب الثاني والأساسي، فهو لكي يُرسل لنا الروح القدس المُعزِّي من الآب، «رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِـنْ عِنْـدِ الآبِ يَنْبَثِقُ» (يـو 15: 26)؛ فهو عطية الآب، حسب قـول الرب يسوع: «أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا "مَوْعِدَ الآبِ" الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي... لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أع 1: 8،4).

كما أنَّ صعود الرب إلى السماء كان ليُعِدَّ لنا مكاناً: «أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً» (يو 14: 3،2).

يا للحُبِّ العجيب الذي يُكِنُّه الرب من نحونا، فهو ماضٍ ليُعِدَّ لنا مكاناً في ملكوته، وهو سيأتي بعد أن يُعِدَّ لنا مكاناً، ليأخذنا إليه، حتى نكون معه حيث يكون هو! أليس هـذا هو نفس ما عَبَّر عنه الرسول في قوله: «وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ!!» (أف 2: 7،6).

ومـا هـو غِنَى لُطف الله علينا في المسيح يسوع إلاَّ هـذا الذي عبَّر عنـه نفس الرسـول القديس بولس بقولـه: «وَتَعْرِفُـوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ. وَالْقَادِرُ أَن يَفْعَلَ فَوْقَ كُـلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تعْمَلُ فِينَا، لَهُ الْمَجْدُ فِي الْكَنِيسَـةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ» (أف 3: 19-21).

أمَّا عن قول الإنجيلي: «لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ»، فهو يعني نصرة المسيح على الموت بموته على الصليب، وإبادتـه وكَسْره شوكـة الموت، الذي نُعـبِّر عنـه في صلاة الساعـة السادسة بقولنا: "قتلتَ الخطيـة بـالخشبة، وأحييتَ الميتَ بموتك..."؛ كما نقول في مزامير صلاة الساعة التاسعة: «قولوا بين الأُمم: إنَّ الربَّ مَلَك على خشبة».

أمَّـا عـن مجد الصليب، فواضحٌ مـن قول الرب: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. إِنْ كَانَ اللهُ قَـدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعاً» (يو 13: 32،31).

(يتبع)

(1) "شـرح إنجيل القديس يوحنا"، 16: 7، المجلَّد الثاني، مؤسَّسة القديس أنطونيوس.
(2) Sermons FC, Vol. 38: 235: 3.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis