دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 37 -

ثانياً: الأسفار التاريخية

11 - سِفْر نحميا

مُقدِّمـة:

الموضوع الرئيسي لهذا السِّفْر: وعود الله تتحقَّق من خلال أولاده الأُمناء: جَرَت أحداث هذا السِّفْر ما بين سنة 444 وسنة 425 ق.م. وبنفس الروح الغيورة مثل عزرا، كان نحميا يحمل إيماناً عميقاً في وعود الله. كان يُودِع في قلبه إخلاصاً ورغبةً لإسعاد اليهود رفقائه في السبي، ولصياغة العقيدة الإيمانية اليهودية وتجديدها فيهم بعد العودة من السبي البابلي. وقد ساعَدَ في إنعاش رجائهم باعتبارهم شعب الله المختار.

ويتحدَّث السِّفْر عن إعادة بناء أسوار أورشليم وأبواب‍ها. ونحميا، بإيحاء من الله، هو القوَّة الدافعة وال‍مُحرِّكة وراء هذا التجديد. ولكونه عُيِّن حاكماً لليهودية، فلقد أَدخل إصلاحاتٍ إداريَّة كانت مطلوبة لتقوية الاستقرار السياسي في البلاد. وحدث ذلك في أيام عزرا الذي كان كاهناً وكاتباً. كما كان يعمل لأجل إعادة تثبيت الناموس اليهودي باعتباره ال‍مُحرِّك الروحي للجماعة اليهودية الحديثة التكوين. إلاَّ أنَّ نحميا لم يكن كاهناً ولا نبيّاً، بل علمانياً مُكرَّساً لله، ولخدمة شعبه. وقد قدَّم نموذجاً رائعاً للبصيرة والتكريس والصبر والاحتمال، مُتذرِّعاً بالصلاة والمحبة. وكان هذا كله في مواجهة أعداء خونة من الخارج، بالإضافة إلى بعض الأعداء ال‍مُقاومين لإرادة الله من الداخل.

وكان نحميا يعمل أساساً مُقدِّماً للأَشربة (ساقياً) في قصر ملك الفُرس، وهو الذي قاد العودة الثالثة والأخيرة لأورشليم بعد السبي البابلي. وبعد حصوله على إذن من الملك الفارسي للعودة إلى أرض وطنه، تحدَّى أهل بلده لإعادة بناء أسوار أورشليم المتهدِّمة.

وبالرغم من ال‍مُعارضة، فقد تمَّ استكمال العمل في اثنين وخمسين يوماً فقط. أمَّا عمل إعادة تجديد شعب الله، فقد احتاج إلى سنين من حياة نحميا الروحية وقيادته الحكيمة.

ويُعتَبَر سِفْر نحميا تكميلاً لسِفْر عـزرا. وهـو يتضمن أخباراً إضافية عـن التجديدَيْن الديني والاجتماعي اللذين حدثا في اليهودية وأورشليم في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. ولقد اتَّخذ السِّفْر اسمه من الشخصية الرئيسية للسِفْر، وهو نحميا، الذي بدأ ظهوره من الأصحاح الأول والعدد الأول. وهذا السِّفْر كان في الأصل العبري مُندمجاً مع سِفْر عزرا، كما سبق وذَكَرنا ذلك. وقد صار سِفْر نحميا سِفْراً مُنفرداً عن سِفْر عزرا عندما تُرجم أولاً إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأخرى.

مؤلِّف السِّفْر:

بسبب أنَّ سِفْرَي عزرا ونحميا كانا مُندمِجَيْن معاً في سِفْرٍ واحد في النص العبري، ولكون السِّفران يُظهران تماثُلاً مُعيَّناً في الأسلوب والمظهر؛ فإنَّ الكثيرين من الباحثين ظنُّوا أنَّ عزرا ونحميا هما شخصٌ واحد، وهو الذي صنَّف السِّفْرَين، وربما يكون هو عزرا. إلاَّ أنه من المهم أن نُلاحظ أنَّ الآية (1: 1) من سِفْر نحميا تصف محتويات السِّفْر باعتبارها "كلمات نحميا". وهذا الجزم المستند على أنَّ القصة هي عن نحميا لأن‍ها جاءت في صيغة المتكلِّم؛ لذلك، فحتى لوكان عزرا هو ال‍مُصنِّف، فمِن الواضح أنه كان يقتبس مِمَّا كَتَبَه نحميا.

وواضحٌ من القصة، أنَّ نحميا كان يشغل وظيفة الشخص المسئول مسئولية مُهمة، وهي ساقي (مُقدِّم مشروبات) للملك أرتحشستا. ويعني هذا بجلاء أنه كان يعمل كناصح قريب لشخص الملك، وليس مُجرَّد ساقٍ. وبما أنَّ الملك قد جعله في آخر الأَمر حاكماً لليهودية، فهذا يحمل دليلاً على إمكانياته الإدارية المشهود لها.

تاريخ السِّفْر:

كان نحميا مُتَّصلاً اتِّصالاً وثيقاً بالرسالة التي يقوم ب‍ها مُعاصره عزرا. فعزرا، بصفته كاهناً، قد ساعَدَ في إحياء حياة الشعب روحيّاً؛ أمَّا نحميا كحاكم، فقد ساعَدَ في قيادة الشعب لتجديد الحياة الاجتماعية والحياة السياسية.

وكلاهما معاً (عزرا ونحميا) اتَّحدا لتكوين فريق فعَّال لإعادة بناء حياة البقية الباقية من الشعب بعد السبي. وكان ملاخي آخر أنبياء العهد القديم قد أُرسل أيضاً، خلال هذه الحقبة من الزمن، ليُعَدَّ إضافةً أخلاقيةً وروحيةً.

ويُركِّز سِفْر نحميا على الأحداث التي دارت خلال العودة الثالثة من السبي بين عامَي 444 و425 ق. م. وقد خدم نحميا مرتين كحاكم لليهودية. واستمرت مدَّة حُكْمه الأول 12 عاماً (انظر نح 5: 14)، وانتهت عندما عاد إلى بابل (نح 13: 6)؛ ثم عاد ثانيةً لأورشليم (بعد أيامٍ محدودة). وإذا كان الملك أرتحشستا الأول ما زال مَلِكاً، حسب ما هو ظاهر؛ إذن، فعودة نحميا حاكماً لليهودية ابتدأت من حوالي سنة 424 ق.م، عندما مات الملك. إذن، فسِفْر نحميا كُتِبَ بين حوالي سنة 430 وسنة 420 ق.م.

التكوين الأدبي والروحي للسفر:

يُكمِّل سِفْر نحميا الرواية التاريخية لشعب الله في العهد القديم، من حوالي 400 سنة قبل ميلاد المسيَّا الموعود به. وقِسماه الرئيسيان هما: إعادة بناء أسوار أورشليم (نح 1: 1-7: 73)، وتجديد الشعب (نح 8: 1-13: 31).

وبينما عالَج عزرا التجديد الديني لليهود، كان نحميا مُختصّاً أساساً بالتجديد السياسي والتجديد الجغرافي. وقد حَظِيَ بناء سور أورشليم بالاهتمام الأكبر، لأن أورشليم كانت المركز الروحي والسياسي لليهودية، وبدون الأسوار لم يكن مُمكناً اعتبار أورشليم كمدينةٍ إطلاقاً.

ويتَّضح بجلاء في سِفْر نحميا، كما في باقي أسفار العهد القديم، مفهوم عهد الله مع شعبه. فالعهد القديم يُعالِج موضوع تاريخ إسرائيل باعتبار أمانتهم وطاعتهم أو عدمها لعهد الله معهم. وفي سِفْر نحميا من (9: 1) إلى (10: 39)، يُسجِّل احتفالاً بتجديد عهدٍ قرَّر فيه الشعب أن ينفصلوا عن الأُمم في الزواج، وأن يطيعوا وصايا الله.

أمَّا أمانة الله لشعبه، فتتمثَّل في التجديد المستمر لإعادة بناء سور أورشليم. وقد تحقَّقت إعادة بناء السور بالرغم من قيام أحداثٍ شاذة ضدَّه، بالإضافة إلى المقاومة ال‍مُدبَّرة التي واجهها نحميا في أورشليم من السامريين والعمونيين. وبالرغم من الصعوبات الشديدة، فقد اكتمل البناء في 52 يوماً، وحتى أعداء نحميا قد سلَّموا بأنَّ هذا المجهود الذي بُذِلَ كان عمل الله (نح 6: 16،15).

+ وفيما يلي جدول تصويري لمحتويات السِّفْر: بؤرة
التركيز
إعادة بناء أسوار أورشليم ت‍هيئة الشعب الشواهد 1: 1 _________ 3: 1 _______ 8: 1 ____________ 11: 1 ______ 13: 31 الأقسام الإعداد لإعادة بناء

سور أورشليم إعادة بناء

السور تجديـد

العهـد طاعـة

العهـد الموضوع سـياسـي روحـي بنــاء تعلـيم المكان مدينـة أورشـليم الزمان 19 ســنة (444 – 425 ق.م) مُلخَّص لمحتويات السِّفْر:

القسم الأول: إعادة بناء أسوار أورشليم (1: 1-7: 73):

1. الإعداد لإعادة بناء الأسوار (1: 1-2: 70):

أ - اكتشاف السور ال‍مُهدَّم (1: 1-3 ). ب - توسُّط نحميا (1: 4-2: 8).

ج - وصول نحميا إلى أورشليم (2: 9-12). د - الإعداد لبناء السور (2: 12-20).

2. إعادة بناء السور (3: 1-7: 73):

أ - تسجيل أسماء البنَّائين (3: 1-32). ب - الاعتراض على إعادة البناء (4: 1-6: 14).

ج - إتمام البناء (6: 15-19). د - تنظيم أورشليم (7: 1-4).

ه‍ - تسجيل تنظيم أورشليم (7: 5-73).

القسم الثاني: تهيئة الشعب (8: 1-13: 31):

1. تجديد العهد (8: 1-10: 39):

أ - تفسير الناموس (8: 1-18). ب - إقرار العهد (9: 1-10: 39).

2. طاعة العهد (11: 1-13: 31):

أ - إعادة استقرار الشعب (11: 1-36). ب - تسجيل أسماء الكهنة واللاويين (12: 1-36).

ج - تكريس أسوار أورشليم (12: 27-47). د - ت‍هيئة الشعب (13: 1-31).

ملوك فارس في أيام عزرا ونحميا وأستير:

وقعت أحداث سِفْر عزرا في أيام كورش ملك فارس (سنة 538 ق.م). أمَّا أحداث سِفْر نحميا فجاءت في أيام الملك أرتحشستا الأول (ما بين سنة 465 وسنة 424 ق.م).

أما أستير، فقد كانت زوجة الأب بالنسبة للملك أرتحشستا، وقد تكون هي التي عملت على تعيين نحميا ساقياً للملك.

وقد ترك نحميا بلاد فارس في السنة العشرين لحُكْم أرتحشستا (نح 2: 1)، وعاد إلى فارس في السنة الثانية والثلاثين لحُكْم الملك أرتحشستا (نح 3: 6)، ثم رجع ثانيةً إلى أورشليم "بعد بضعة أيام" (نح 13: 6) ربما سنة 425 ق.م.

(يتبع)

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis