الكنيسة هذا الشهر



نياحة القديس إبيفانيوس الأسقف
(17 بشنس / 25 مايو)

نشأته:

وُلِـدَ القديس إبيفانيوس عـام 315م، بقرية بجوار Besanduk بقُرب مدينة Eleutheropolis بفلسطين، من والدين يهوديَّيْن.

توفِّي والده وتـرك له أختاً، فقامـت أُخته بتربيته في حياة تَقَويَّـة. وحدث وهـو سائرٌ في الطريق أن أبصر فقيراً يطلب صَدَقة من أحد الرهبان، وإذ لم يكن مع هذا الراهب مالاً، خلع ثوبه وقدَّمه للفقير.

وعندئذ رأى إبيفانيوس كأنَّ حُلَّة بيضاء نزلت من السماء وسربلت ذلك الراهب عِوَض الثوب الذي أعطاه للرجـل المسكين. فتعجَّب إبيفانيوس مِمَّا رآه، وانطلق نحو الراهب يسأله عـن إيمانه وحياته. فأجابه الراهب عن تلك الأسئلة. ونتيجة هذا اللقاء، تقابَل إبيفانيوس مع ذلك الراهب عدَّة مـرَّات، الأمـر الذي قـاده إلى قبـول الإيمان المسيحي، ثم اعتماده على اسم الثالوث القدوس.

رهبنته وحياته الديرية في مصر:

عندمـا تلامس إبيفانيوس مـع فضائل وسلوك الراهـب الذي ساعَـدَ الفقير، اشتاق إلى الحيـاة الرهبانية. وعندمـا أظهر اشتياقـه للرهبنة لأسقف المدينة، أرسله إلى دير القديس لوقيانوس، ثم تتلمذ على يدَي القديس هيلاريون (رئيس رهبنة فلسطين)، وقد تنبَّأ عنه ذلك القديس أنه سيُرسم أسقفاً.

ولكي يتهيَّـأ لدراسـة الكتاب المقدَّس، تعلَّم اللغات: العبريـة والقبطية والسريانية واليونانية واللاتينية. لذا دعـاه القديس جـيروم: "صاحب الخمسة ألسنة".

وإذ كـان مُحبّاً لحياة النُّسك والتأمُّل، ترك فلسطين وارتحل إلى مصر حوالي عام 335م، والتقى هناك بمجموعة من النُّسَّاك والرهبان قبل اعتزاله في دير بالإسكندرية.

وعندمـا شَعَرَ بعض الغنوسـيين بقدراتـه ومواهبه واشتياقـاته، أرادوا أن يستميلوه إليهم، فأرسلوا إليه بعض النساء الساقطات ليَنْصُبنَ له الفخاخ الشريرة؛ لكنه - بنعمة الرب - لم يسقط في تلك الفخاخ. ومن تلك الحادثة، نُدرك السبب الذي من أجله كرَّس مواهبه وطاقاته للردِّ على الهراطقة، ومُقاومتهم أينما وُجِدوا!

إبيفانيوس يقبل نعمة الكهنوت:

التقى القديس إبيفانيـوس، وهـو في مصر، بالقديس العظيم أنبا أنطونيوس، وتتلمذ على يديه فترةً من الوقت. وبعد ذلك، عاد مرَّةً أخرى إلى فلسطين، وأنشأ ديراً في "إليوثيروبوليس"، وكان تحت إرشاده عدداً مـن الرهبان والنُّسَّاك، وذلك طيلة 30 عاماً.

وكان حازماً جداً، في تدبيره، مع نفسه؛ ولكنه كان لطيفاً حنوناً على إخوته الرهبان، وكذلك كان قُدوة لهم بأفعاله وأعماله وليس بالكلام والوعظ.

وكان إذا سأله أحد تلاميذه: كيف يحتمل هذا النُّسك الشديد الذي يفوق قوَّته؟ كان يُجيب: "الله لا يَهَب ملكوت السموات ما لم نُجاهد، وكل ما نحتمله لا يتناسب مع الإكليل الذي نُجاهد من أجله".

وبجانب نُسكياتـه وعباداتـه التي لا تنقطع، فقـد كـرَّس وقتاً كافيـاً لدراسـة كُتُب العلاَّمة أوريجانوس. وإذ لاحَظ في كتابـات أوريجانوس بعض المُخالفات، ردَّ عليها وفنَّدها.

وإذ أحسَّ أسـقف المدينـة بـدَوْر القديـس إبيفانيـوس، لا بين الرهبان فحسب، وإنما أيضاً وسط الشعب الذين التفُّوا حوله طلباً لإرشاداتـه وبركته؛ سامه كاهناً.

سيامته أسقفاً:

يبدو أنَّ القديس هيلاريون الناسك عندما هرب إلى قبرص بسبب تزاحُـم الشعب حوله، جـاء إليه الأساقفة والكهنة مـع الشعب وهم يطلبون بركتـه. فتحدَّث معهم عن القديس إبيفانيوس وحياته النُّسكية وفضائله، مع عمله وغيرته على الإيمان المستقيم.

وعندما تنيَّح أسقف سلاميس بجزيرة قبرص، أكبر كرسي أسقفي في الجزيرة في ذلك الحين، انتُخِبَ القديس إبيفانيوس أسقفاً - بغير إرادتـه - وذلك عـام 367م. وقـد ظلَّ القديس أميناً في خدمته لمدينته الأولى، يفتقدها من حينٍ إلى آخر.

حبه الشديد للفقراء:

اتَّسم القديس إبيفانيوس بغيرته الشديدة وحزمه بخصوص الإيمان المستقيم، مع حُبٍّ شديد فائق للفقراء، حتى أنـه لم يـترك في الأسقفية - بعد نياحته - شيئاً قط، بسبب عطائه للفقراء!

ومع كل عطائه، كان الله يُرسل له الكثير من البركات والعطايا لكي يُوزِّعها على المحتاجين والفقراء. وقد منحته الأرملة "القديسة أولمبياس" أراضٍ ومالاً لكي يستغلها في ذلك الغرض الكريم. ولعلَّ محبته للفقراء قد نبعت مِمَّا رآه بعينيه، في بداية حياته، وكانت سبباً في قبوله الإيمان المسيحي، كما ذَكَرنا آنفاً.

وقد قيل أنَّ تلميذه، طلب منه مرَّةً أن يضع حدّاً لهذا العطاء، إذ لم يَعُد معهما شيءٌ لتقديمه. وعندما انتهى التلميذ مـن حديثه، تقدَّم إنسانٌ غريبٌ وسلَّم للقديس كيساً مملوءاً بالذهب، ثم اختفى للتوِّ.

تحرُّكاته الكثيرة:

كـان القديس إبيفانيوس كثير الحركة والتنقُّل، وهـو يقتني روح التقـوى والنُّسك والغيرة على الإيمان أينما وُجِدَ.

وقـد قـام القديس برحلـةٍ عـام 376م إلى أنطاكية، ساعياً لتوبة الأسقف "فيتاليس" الذي كان يُشايع الأسقف "أبوليناريوس".

وبعد 6 أعـوام، اصطحب القديس إبيفانيوس القديس "بـولينوس" أسقف أنطاكية إلى رومـا، ليحضرا مجمعاً عقده الأسقف "داماسيوس". وقد أقامـا في بيت الأرملة "بـاولا" تلميذة القديس جيروم، وقد استضافها القديس إبيفانيوس - بعد ثلاثة أعوام - وهي في الطريق إلى فلسطين لتلحق بأبيها الروحي القديس جيروم.

وقـد نزل القديس إبيفانيوس في عام 392م، ضيفاً أيضاً على القديس يـوحنا أسقف أورشليم. وبينما هـو في استضافة أسقف أورشليم، إذا به يقف مُتكلِّماً في الكنيسة التي للقبر المُقدَّس، وبدأ في مُهاجمة أسقف أورشليم لأنه كان مُتعاطفاً مع أتباع أوريجانوس.

وقـد انضـمَّ إليه، في بيت لحـم، القديـس جيروم الذي ردَّه عن اتِّباع أوريجانوس، وصارا يُهاجمان الأسقف يـوحنا بشدَّة. غير أنـه مـن المعروف عـن القديس إبيفانيوس أنه قد تصالَح أخيراً مع القديس يوحنا أسقف أورشليم.

وكذلك دخل القديس إبيفانيوس في صراعٍ مع القديس يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية، وذلك بسبب قبول ذهبي الفم للإخوة الطوال الذين جاءوا من مصر، وهم أتباع أوريجانوس. وكانوا قـد هربوا مـن مُلاحقة البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندريـة الـ 23، بسـبب تعلُّقهـم بتعاليم وكتابات العلاَّمة أوريجانوس.

نياحة القديس إبيفانيوس:

وفي طريـق عـودة القديس إبيفانيوس مـن القسطنطينية إلى قبرص، تنيَّح بسـلام الـرب حوالي سنة 403م. وتذكُـر كنيستنا القبطية يوم نياحـة القديس إبيفانيوس في 17 بشنس من كل عام. وقـد تمَّ نقل جثمان القديس إبيفانيوس إلى مقرِّ كرسيه بقبرص يوم 28 بشنس.

كتاباته وأفكاره:

كان القديس إبيفانيوس مُقاوِماً للتفسير الرمزي للكتاب المقدَّس، حـاسباً أنَّ المُبالغة في الرمزية هي أساس كل هرطقة.

وقـد قـاوم الرمزية بكل قوَّته في شخص العلاَّمة أوريجانـوس. وكـان أيضاً من مُقاومي الأيقونات، وقد كَتَبَ ثلاث مقالات ضد الأيقونات.

من كلماته:

+ نحن لا نؤلِّه العالم لئلا نُحسَب أغبياء؛ بل بالحري نُمجِّد الثالوث (القدوس)، ثالوث الابن مع الآب وروحه القدوس الذي يفوق الطبيعة كلها.

+ يشـدو الملائكـة في السـماء بـترنيمـة الغَلَبة والخـلاص مُمجِّدين مـع الشاروبيم والسيرافيم، الثالوث، في مجدٍ واحدٍ وصوتٍ واحدٍ وجوهرٍ واحدٍ قائلين: "قدوس قدوس قدوس"...

+ الكنعانيـة تصرخ فيَسمَع (الرب) لها (مت 15)، ونازفـة الدم تصمُت فتُطوَّب (لو 8)؛ بينمـا الفرِّيسي يتكلَّم فيُدان (مت 9)، والعشَّار لا يَفتح فاه فيُسمَع له (لو 18).

+ قراءة الكتاب المقدس أمـانٌ عظيم ضـد الخطية.

+ الجهل بالكُتُب المُقدَّسة هاوية عميقة وهوَّة عظيمة.

+ الله يُقدِّم البرَّ بثمـنٍ بخس للغايـة للذين يُريـدون أن يقتنوه: بقطعة خُبزٍ صغيرة لفقيرٍ جائع، بثوبٍ وضيع لشخصٍ عُريان، بكأس ماء بارد، بفلس واحد!

بركة صلاته تكون معنا، آمين.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis