قصة رمزية



ثلاث ورود صفراء

توجَّهتُ إلى محـل البقالة، وكـنتُ غير مهتمة - بشكلٍ خاص - بشراء أيِّ شيء من البقول. فلم أَكن جائعة، بل كان الألم يعتصرني من جراء فقدان زوجي الذي عشتُ معه 37 سنة، وكـان ما يزال وكأنه معي إلى اليوم! ولكن محل البقالة كان يحمل العديد من الذكريات الحلوة مع زوجي.

وغالباً مـا كـان "رودي" (زوجي) يُرافقني، وفي كلِّ مرَّة تقريباً كان يتظاهر بالخروج، وكأنه يبحث عن شيء خاص به.

كنتُ أعرف مـا يُفكِّر فيه، فقـد كنتُ أُشاهده وهو يسير في الممرِّ وهو يحمل بين يديه الورود الصفراء الثلاث. فقد كـان "رودي" يعرف جيداً أنني أحب الورود الصفراء.

وبقلبٍ مليء بالحزن، أردتُ اليوم فقط شـراء احتياجاتي القليلة، ثم أنصرف؛ ولكـن حتى تَسَوُّق البقالة صـار مختلفاً منذ أن رحل "رودي". كـان التسوُّق لشخصٍ واحد يستغرق فقط وقتاً قليلاً، بينما يستغرق وقتاً أطول حينما يكون لشخصين معاً!

وفي شرائي للَّحم، بحثتُ عـن شـريحة لحم صغيرة، تذكَّرتُ كيف كان "رودي" يُفضِّلها.

(+( (

وفجأة وأنا أشتري احتياجاتي، إذا بامرأة وقفت بجانبـي. كـانت امـرأة شـقراء نحيفة وجميلة، مُتسربلة بثوبٍ أخضر نـاعم. وقـد شاهدتُها وهي تلتقط مجموعـة كبيرة مـن العظام، وضعتها في سلَّة؛ لكنها تردَّدتْ قليلاً، فـأعادتها إلى مكانها مرَّةً أخرى!

ثم التفتت المرأة وقـد حـاولت الانصراف، لكنها مرَّةً أخرى توجَّهت نحو شرائح اللحم!

وعندمـا لمحتني، وأنـا أُشاهدهـا، ابتسمت، وقالت موجِّهـة الكلام لي:

- "إنَّ زوجي يحـب شوربـة العظام؛ لكنني بصراحةٍ، وجدتُ ثمنها مرتفعاً جداً".

أما أنا فقد ابتلعتُ المشاعر الحزينة في قلبي، وقـد تلاقت عيناي مـع عينَي هذه المرأة. وقلت لها:

- "لقد توفِّي زوجي قبل ثمانية أيام"!

وإذ التفتُّ إلى الحزمة التي في يديها، قاسيتُ كثيراً حتى أتحكَّم في الحشرجة التي بَـدَت على صوتي.

وقلتُ لها:

- "حسناً شـراؤكِ شـرائح اللحـم لزوجكِ. فاعتزِّي بكلِّ لحظةٍ تجمعكِ به"!

وهزَّت المـرأة رأسـها، وهي توافقني على كـلامي. ورأيتُ المشاعـر الجيَّاشـة مُـرتسمة على وجهها وفي عينيها، عندما وَضَعَت الحزمة في سلَّتها، ثم رحلت سريعاً.

التفتُّ ودفعتُ عربتي عَبْر ممـر المتجر إلى منتجات الألبان. وهناك وقفتُ في محاولةٍ لتحديد أيَّة كمية من الحليب أشتريها، وبعد تفكيرٍ عزمتُ في النهاية أن أشتري "ربع لتر".

ثم انتقلتُ بعـد ذلك إلى قِسْـم "الآيس كريم" بـالقرب مـن واجهـة المتجـر. وإذ لم يكـن ينقصني أي شيء آخـر، فيمكنني شـراء الآيس كريم. وبعـد شرائـه، وضعته في عـربتي، ثم انطلقتُ إلى الأمام.

ولكنني تواجهتُ مرَّةً أخرى مع المرأة ذات الرداء الأخضر، وهي قادمةٌ نحوي، وقـد حملت في يدهـا حزمة، وعلى وجهها ابتسامة هادئة لم أرَ لها مثيلاً!

وقـد بَدَت وكـأنَّ هالة ساطعة تُحيط بشعرها الأشقر، بينما كانت تتَّجه نحوي، وقد ثبَّتت عينيها نحوي. وعندما اقتربتْ مني، شاهدتُ ما كانت تحمله في يدها، وحينئذ بدأت الدموع تنهمر من عينيَّ!

ولكنها بادرتني قائلة:

- "إنَّ هذه هي لكِ"!

ووَضَعتْ في يدي ثلاث زهور صفراء جميلة وطويلة. وقالت لي:

- "عندما تَمُرِّين عَبْر الممر وأنتِ خارجة من محل البقالة، سيعرف العُمَّال أن هـذه الزهـور مدفوعة الثمن".

ثم انحنتْ عليَّ وطبعت قبلةً لطيفة على خَدِّي، ثم ابتسمت مرَّةً أخرى.

أردتُ أن أشكرها على مـا فعلتْهُ، وما تعنيه الورود بـالنسبة لي، لكنني كنتُ غير قادرة على الكلام. وإذا بهـا تبتعد عني، بينمـا اغـرورقت عيناي بالدموع.

نظـرتُ إلى أسـفل في الورود الجميلة التي تظهر في التفاف أنسجتها الخضراء، وقد تحقَّقتُ أنها ورود حقيقية؟ وفجأة تردَّد في ذهني:

- "إنني لستُ وحدي".

وهمستُ لنفسي والدموع تنساب من عينيَّ:

- "أوه، يـا رودي، أنت لم تَنْسَني. هـل حقّاً لـن تنساني؟". إنـه لا يزال حاضراً معي، وهذه السيِّدة كانت كأنها ملاكه!

(+(+(

+ «عَزِيزٌ فِي عَيْنِيِ الرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِهِ» (مز 116: 15).

+ «مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: "مَغْبُوطٌ هُـوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِـنْ الأَخْذ"ِ» (أع 20: 35).

+ «وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. وَلِيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُـمْ سَـلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْـهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَـدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُـوا شَاكِرِيـنَ...  وَكُـلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَـوْلٍ أَوْ فِعْـلٍ، فَـاعْمَلُوا الْكُـلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِيـنَ اللهَ وَالآبَ بِـهِ» (كو 3: 14-17).

+ «ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَن تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِـنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَـالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ» (1تس 4: 13).

+ «وَسَمِعْتُ صَوْتاً مِـنَ السَّمَاءِ قَائِـلاً لِي: "اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْـذُ الآنَ". "نَعَمْ" يَقُـولُ الرُّوحُ: "لِكَيْ يَسْتَرِيحُـوا مِـنْ أَتْعَابِهِمْ وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ"» (رؤ 14: 13).

**************************************************************************************************

دير القديس أنبا مقار صدر حديثاً الكُتُب التالية:

بمناسبة الخمسين المقدسة

القيامة حياة وشهادة

16 صفحة (من القَطْع المتوسط) الثمن 3 جنيهات

القيامة حدث فوق الطبيعة

16 صفحة (من القَطْع المتوسط) الثمن 3 جنيهات

قيامتنا كلنا + عيد القيامة المجيد

32 صفحة (من القَطْع المتوسط) الثمن 5 جنيهات

وننتظر قيامة الأموات

32 صفحة (من القَطْع المتوسط) الثمن 6 جنيهات

الروح القدس يمنحنا القيامة

24 صفحة (من القَطْع المتوسط) الثمن 5 جنيهات

تُطلب من:

دار مجلة مرقس

القاهرة: 28 شارع شبرا - تليفون 25770614

الإسكندرية: 8 شارع جرين - محرم بك - تليفون 4952740

أو من مكتبة الدير

أو عن طريق موقع الدير على الإنترنت:

www.stmacariusmonastery.org

**************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis