انتقال راهب فاضل


نياحة الأب المجاهد
الراهب ملكي صادق المقاري
(وُلد في 14/4/1950م؛
وترهب في 3/5/1975م؛
وتنيَّح في 25/3/2019م)

+ «”اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ“. ”نَعَمْ“ يَقُولُ الرُّوحُ: ”لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ“» (رؤ 14: 13).

ينطبق على هـذا الأب ال‍مُبارَك قـول المسيح: «طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ» (مـت 5: 5)، وكـذلك القـول: «لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ» (مـت 12: 19). وفي وداعته كان أيضاً كالطفل في بساطته وعدم شكواه من أحدٍ وعدم إدانته لأحدٍ.

وإذا حدث أن ضايقه أحدٌ وضاق به الأَمر، فكان يُسرِع إلى أبيه الروحي الأب متى المسكين (أو الأب الذي كان يعترف عليه بعد ذلك) حتى بعد أن شاخ. فيذهب إليه ويشكو له ضيقه ويطلب منه الحِـلَّ، ثم يصفو قلبه بعـد ذلك وينسى كل شيء.

ترهَّب الأب ملكي صادق مـع اثنين من الآباء من أوائل الذين ترهبوا بعد مجيئنا من وادي الريَّان إلى دير القديس أنبا مقار، ببضع سنوات. وقد أعطاهم قداسة أبينا الروحي القمص متى المسكين هـذه الأسماء: الراهب شـاروبيم، والراهب سـاروفيم، والراهب ملكي صـادق. وكان ثالثهم، الراهب ملكي صادق، يمتاز بطوله الفارع، وكان وقتها هو أطول الرهبان.

تقلَّب الأب ملكي صادق على مختلف الأعمال أيام كان الدير يعجُّ بالتعمير والبناء، لترميم المباني ال‍مُتصدِّعة والآيلة للسقوط، وتشييد القلالي الجديدة لاستقبال الرهبان ال‍جُدُد.

وبدأ أولاً في العمل بالأعمال البسيطة التي تتناسب مع نفسه البسيطة الوديعة. فكان مسئولاً عـن مجموعة من الصبية الفلاَّحين الذين يقودون الدواب التي تنقل الرمال والأسمنت والحجارة للبنَّائين الذين كانوا يقومون ببناء القلالي.

ثم عمل لفترةٍ ما بعد ذلك كمسئولٍ عن بوابة الدير لاستقبال الزوَّار وتسجيل أسمائهم في دفتر الزيارات. ثم عُيِّن مُساعداً للأب المسئول عـن المباني، وهـو الأب ال‍مُتنيِّح القس يعقوب المقاري، الذي كـان يُعطيه التعليمات الخاصة بكـلِّ يوم، لكي يُسلِّمها للآباء ال‍مُشرفين على أعمال البنَّائين.

وقد تميَّز بالدقَّة والطاعة الكاملة للأب يعقوب المقاري، حتى أنه إذا طلب منه أحد الرهبان أن يعمل شيئاً ما يختصُّ بالمباني، كـان يقول له: ”لَمَّا نسأل "أبونا يعقوب"“. وكـان يقولها بوجهٍ بشوش، ثم يذهب ليستأذن الأب يعقوب بصفته الفنِّي ال‍مُتخصِّص في هذا العمل.

حياته الرهبانية:

كان الأب ملكي صادق مُدقِّقاً في تنفيذ التوجيهات الرهبانية التي يُوصي ب‍ها أبونا الروحي ال‍مُتنيِّح القمص متى المسكين، مـواظباً على الصلاة وحضـور التسبحة والقدَّاسات. وكـان لا يخرج من قلايته إلاَّ للصلاة في الكنيسة وحضور المائدة، أو تأدية العمل ال‍مُكلَّف به.

ومن التوجيهات الرهبانية التي التزم ب‍ها حتى ن‍هاية أيامه، امتناعه عـن الاتِّصال بأحد من أفراد أسرته أو أقاربه أو أصدقائه، تنفيذاً لوصية المسيح: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً» (لو 14: 26).

وكان امتناعه هذا، لكي يكون مُتفرِّغاً تماماً لمحبة الله من كلِّ قلبه ومن كلِّ فكره ومن كلِّ قدرته. كما كان مُحبّاً لإخوته الرهبان دون تفرقة. أمَّا إذا جاء أحد أقاربه أو والداه أو إخوته لزيارتـه، فكـان لا يُقابلهم إلاَّ إذا سمح له أبوه الروحي بمقابلتهم. وعندما يقابلهم، كـان لا يتطارَح معهم في الأخبار الخاصة بحيات‍هم أو أخبار العالم؛ بل كـان حريصاً على نقاوة قلبه وفكره من كل هموم الحياة.

وهكذا قضى هذا الأب ال‍مُبارَك أيام حياته في الدير في سلامٍ وهدوءٍ وفرحٍ وبساطة قلب.

وفي ن‍هايـة أيامه سَمَح الرب له بمـرض الفردوس، وذلك لكي يُضاعف إكليله بالصبر والاحتمال. وهكـذا احتمل آلام المرض الصعبة بكـلِّ شُكرٍ إلى أن دعاه الرب إلى الأبدية السعيدة ليسمع صـوت عريسنا السماوي: «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (مت 25: 21).

الراهب يوحنا المقاري

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis