دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 47 -

ثالثاً: الأسفار الشعرية

2 - سِفْر المزامير (5)

(تابع) أقوال آبائية عن السِّفْر:

23. القلب المتواضع (مـز 20: 4): [في بعض الأحيان يهرع بعض الناس إلى الجبل للصلاة، كما لو كان الله سيكون قادراً على سماعهم أفضل من هناك. هل تريد أن تتَّصل بالله في صلاتك؟ دَعْ نفسك مُتَّضعة. لا تأخذ الأمر حرفيّاً ومادِّياً وتذهب إلى السراديب التي تحت الأرض، وهناك تبدأ في الحديث مع الله. لا تذهب للبحث عنه في كهوف الجبال. اتَّضع في قلبك، وسيُعطيك الله كل الارتفاع العالي الذي تطلبه. إنه سيأتي إليك ويكون معك في غرفة نومك](23) - القديس أوغسطينوس.

24. تألَّم حسب الجسد (مز 22: 1): [نحن نعترف أنه (المسيح) الابن المولود من الآب، وهو ابن الله الوحيد. ورغم ذلك، فهو غير متألِّم حسب طبيعته الخاصة (الإلهية)، إلاَّ أنه تألَّم في جسده من أجلنا، حسب الكُتُب. وهو جعل آلامه التي تألَّمها في جسده الخاص المصلوب لأجلنا من غير الممكن أن تَعْبُر، وذلك بنعمة الله من أجل أن يذوق الموت لأجل كل واحد (عب 2: 9)، من خلال الاستسلام لها في جسده الخاص، رغم أنه بطبيعته هو الحياة وهو أيضاً نفسه القيامة (أع 4: 2). وذلك حتى يتسنَّى له بواسطة قوَّته التي لا توصف، بعد أن سَحَق الموت في جسده أولاً، أن يصبح هو ”البداءة بِكْر من الأموات“ (1كو 1: 18)، وباكورة الراقدين الذين قاموا من بين الأموات (1كو 15: 20)، ولكي يُعِدَّ الطريق إلى الخلود لطبيعة الناس، بنعمة الله، كما قلنا للتوِّ، مـن أجل ما ذاقه بموته، لأنه في اليوم الثالث عاد إلى الحياة بعد أن سبى الجحيم](24) - القديس كيرلس الإسكندري.

25. «الربُّ راعيَّ» (مز 23: 1): [كم مرَّة سمعت مزمـور (23) ولم تفهمه؟! انظر كيف ينطبق على الأسرار السماوية: «اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِـلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي»، عصاك هي قـوَّتي، وعكَّاز مُعاناتك؛ أي الألوهة الأبدية للمسيح، ولكن أيضاً معاناته الجسدية، الواحد مخلوق والآخر هو ال‍مُخلِّص. «هيَّأتَ قدَّامي مائدة تجاه مضايقيَّ. مَسَحْتَ بالدهن رأسي. وكأسي التي أسكرتني ما أجودها» (مترجمة من النص)](25) - القديس أمبروسيوس.

26. «ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم» (مز 24: 7): [... عندما قام مسيحنا من بين الأموات وصعد إلى السموات، أَمَر الله (الآب) الرؤساء السمائيين أن يفتحوا أبواب السماء ليدخل ملك المجد حتى يجلس عن يمين الآب لكي يضع أعداءه تحت قدميه (مز 110: 1). ولما رآه هؤلاء الرؤساء السمائيون، ليس بمظهر جماله وعظمته ومجده (اللائق به)، لم يعرفوه وتساءلوا قائلين: «مَن هو هذا ملك المجد؟» (مز 24: 8). فأجاب الروح القدس سواء بشخصه أو بشخص الابن، قائلاً: «رب القوات هذا هو ملك المجد» (مز 24: 10). ولكني واثقٌ أنـه ليس أحد يمكنه أن يقبل هـذا الزعم بأنَّ حُرَّاس الهيكل في أورشليم قـد قالوا ذلك لسليمان (حتى لـو كـان مجـده الملكي هكـذا عظيماً) أو تابـوت عهـد الرب: «مَـن هـو هـذا ملك المجد؟»](26) - القديس الشهيد يوستينوس.

27. «الأبرع جمالاً من بني البشر» (مز 45: 7): [لم يُمسَح المسيح بواسطة البشر بزيتٍ أو بدهنٍ، بـل الآب قـد سبق ومَسَحَه ليكون مُخلِّصاً للعالم كله، فقد مَسَحَه بالروح القدس... حيث إنه مُسِحَ بزيت الفرح، أي بالروح القدس، الذي يُدعَى زيت الفرح، لأنه هـو واهب الفرح، وأنتم أيضاً قـد مُسِحْتُم ب‍هـذا الدهن، وصرتم شركاء و”رفقاء المسيح“](27) - القديس كيرلس الأورشليمي.

28. «رتِّلوا بفهم، فإنَّ الله مَلَك على الأُمم» (مز 47: 7 سبعينية): [لقد دُعيتم من أجناس الأُمم لتصيروا مسيحيين، وأولئك الأُمم عَبَدَة الأصنام كانـوا مُعتادين أن يعبدوا الآلهة المصنوعة بأيدي البشر وينشدوا لهم الترانيم، ولكـن بدون فَهمٍ. لـو أن‍هم كانوا يُرتِّلون بفَهم، ما كانوا عبدوا الحجارة. عندما ينحني إنسان بتعقُّلٍ ويُرتِّل لصخرة بدون فَهْم، فهل ذلك الترتيل يمكن أن يكون بفَهم؟ إنـه أمرٌ مختلف بالنسبة لنا، أيها الإخوة والأخوات، فنحن لا نرى بأعيننا ما نعبده، ومع ذلك فإننا نسلك بتعقُّلٍ في عبادتنا. فمع أننا لا نرى الله بأعيننا، إلاَّ أنَّ لدينا فَهماً سامياً عنه](28) - القديس أوغسطينوس.

29. «فلتخشه جميع أقاصي الأرض» (مز 67: 6 سبعينية): [«الأرض أعطت ثمرت‍ها» (عدد 6): الأرض، القديسة مريم، التي هي من أرضنا، من نسلنا، من طينتنا، من مادة جنسنا، من آدم. «أنت تراب وإلى التراب تعود» (تك 3: 19). هذه الأرض قد أعطت ثمرت‍ها، ما فُقِدَ في جنَّة عدن، وُجِدَ في الابن. «الأرض أعطت ثمرت‍ها»: أولاً، أعطت زهرة. فقد قيل في سِفْر نشيد الأنشاد: «أنا نرجس شارون، سوسنة الأودية» (2: 1). هذه الزهرة صارت ثمرة حتى يمكننا أن نأكلها، حتى يمكننا أن نلتهم لحمها. هل تريد أن تعرف ما هي هذه الثمرة؟ عذراء من عذراء، الرب من عَبْدة، الله من إنسان، الابن من أُمٍّ، الثمرة من الأرض. اسمع ما تقوله الثمرة عن نفسها: «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا (ولا تأتي بثمرٍ كثير)» (يو 12: 24). «الأرض أعطت ثمرت‍ها»: أعطت حبة الحنطة. ولأن حبة الحنطة قـد وقعت في الأرض وماتت، فقـد أتت بثمرٍ كثير. والثمر تكاثَر في سُنبلة الحنطة (القمح). فلأن الواحد قد مات، فإنه قام أيضاً مع كثيرين. حبة واحدة من القمح قد وقعت في الأرض، وحصادٌ كثير الثمر قد خرج منها](29) - القديس جيروم.

30. المسيح كائنٌ قَبْل كـل الدهور (مز 72: 17-19): [ولكـن الذي قَبْل السموات، حسب ما تقولون (أي الأريوسيون)، فإنه أيضاً قَبْل الزمن؛ أما هو فإنه أيضاً قَبْل الدهور. وهو ليس فقط قبل الدهور، بل هو قبل أن توجد كل الأجيال. لماذا تحدُّون ما هو إلهي وما هو غير محدود بتلك الأشياء الفانية، الأرضية والمحدودة؟ بولس (الرسول) لم يعرف شيئاً عـن المسيح سوى أنـه كائنٌ قبل كل الدهور. الحكمة أَعلنت أن‍ها ليست بعد أي شيء، بل قبل الأشياء. في اعتقادكم، أنَّ الأحقاب الزمنية قـد تحدَّدت بالشمس والقمر. ولكن داود أشار أنَّ المسيح ما زال قبل الشمس عندما قـال: «وقبل الشمس يدوم اسمه» (مز 72: 17 سبعينية). ولكي لا يُستنتج أنَّ ما يخص الله قد بَدَأ وجوده من نشأة الأرض، قيل مـن نفس المصدر: «وقبل القمر جيلاً بعد جيل» (مز 72: 5). أحقاب الأزمنة قد اعتُبِرَت هنا أن‍ها بلا أهمية بواسطة أُناس غير عاديين الذين استحقُّوا أن ينالوا روح النبوَّة، كما أنَّ العقل البشري لم يكن قد وُهِبَ له أيَّة فرصة للتوصُّل إلى العصور التي قبل الأزمنة الأزلية. دعوا الإيمان يبقى مُلتزماً حـدود مخافة الله وتعاليمه، لكي نؤمـن أنَّ ربنا يسوع المسيح هـو ابن الله الوحيد، وأنه وُلِدَ لكي نعترف بميلاده الحقيقي، ولا ننسى أنـه خالد عندما نُقدِّس ونُكرِّم أُلوهيته](30) - القديس هيلاري أسقف بواتييه.

31. «مَن لي في السماء ومعك لا أُريد شيئاً في الأرض» (مز 73: 25): [إنه جيِّد لنا أن نلتصق بالربِّ، ونضع رجاءنا في الرب الإله، لكي إذا استبدلنا فقرنا الحاضر بالأبدية في السماء، يمكننا أن ن‍هتف قائلين: «مَن لي في السماء ومعك لا أُريد شيئاً في الأرض». بكل تأكيد إذا استطعنا أن نجد مثل هذه البركة في السماء، فسوف نحزن إذا طلبنا أو سعينا وراء الملذَّات الهزيلة (الفانية) هنا على الأرض](31) - القديس جيروم.

32. السُّكنى في ستر العَلي (مز 91): [عندما سمع داود وفَهم ذلك، قال له (للرب): «الساكن في ستر العَلي في ظلِّك أي‍ها القديـر يبيت، في وسط منكبيه يُظلِّلَك»، كما لو أنـه وراء الله (لأن المنكبين هما خلف الجسد). أمَّا عن داود فيقول: «التصقتْ نفسي بك، ويمينك تعضدني» (مز 63: 8). انظر كيف أنَّ المزامير تتَّفق مع التاريخ. لأنه بينما الواحد يقول إنَّ يمين الله تعضده لأنه التصق به، فإنَّ الآخر يقول إنَّ اليد تسند الشخص الذي ينتظر في الصخرة على الصوت الإلهي ويُصلِّي لكي يأتي وراءه](32) - القديس غريغوريوس النيسي.

33. «لتفرح السموات ولتبتهج الأرض» (مز 96: 11): [ليت لا أحـد يتمسَّك بقوله إنَّ السموات أو الأجرام السماوية كائنات حيَّة، لأن‍ها ليست حيَّة وهي بلا إحساس. ومع ذلك فإن الكتاب المقدَّس يقول: «لتفرح السموات ولتبتهج الأرض»، فهي بحقٍّ تدعو الملائكة في السماء والبشر على الأرض أن تفرح. لا شكَّ أنَّ الكتاب يمكنه أن يُشخِّص الأشياء غير الحيَّة ويتحدث عنها كما لـو كانت حيَّة، مثل قوله: «البحر رآه فهرب، الأردن رجع إلى خلف» (مز 114: 3)، و«مالك أي‍ها البحر قـد هربتَ! ومالك أي‍ها الأردن قد رجعتَ إلى خلف!» (مـز 114: 5)، وأيضاً: «اجتمعت المدينة مع بعضها البعض»، ليس بقصد أنَّ البيوت اجتمعت، بـل سُكَّان‍ها. وكـذلك أيضاً: «السموات تُحدِّث بمجد الله» (مـز 19: 1)، ليس بحديثها بصوتٍ مسموع لآذانٍ تنصت، ولكـن بإظهارها لنا قوَّة الخالق بواسطة عظمتها. وعندما نُعطي تعليقاً على جمالها، فإننا نُقدِّم المجد لصانعها على كلِّ حُسن براعته](33) - القديس يوحنا الدمشقي. (يتبع)


(23) St. Augustine: Sermon 45.7 (WSA 3,2:256).
(24) St. Cyril of Alexandria: Letter 17.11 (FC 76;185,86).
(25) St. Ambrose: On the Sacraments 5.3.13 (FC 44:312).
(26) St. Justin Martyr: Dialogue with Trypho 36 (FC 6:203).
(27) St. Cyril of Jerusalem: Catechetical Lectures 21.2 (NPNF, 2nd Ser., 7;149).
(28) St. Augustine: Exposition of the Psalms 47.9 (WSA 16:330-31).
(29) St. Jerome: Homilies on the Psalms 6 (FC 48:44).
(30) St. Hilary of Poitiers: On the Trinity 12.34 (FC 25:524).
(31) St. Jerome: Letters 43.3 (NPNF, 2nd Ser., 6:58).
(32) St.Gregory of Nyssa: Life of Moses 250 (MFC 9:159).
(33) St. John of Damascus: Orthodox Faith 2.6 (FC 37:214).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis