قصة
من واقع الحياة
هيلين كيلر مع معلِّمتها آني سوليفان
هيلين كيلر عام 1905م



الحاجة إلى واحد

+ الردُّ على السؤال: ماذا يمكن لواحدٍ مثلي أن يعمل عملاً مفيداً؟

بينما كان دكتور فرانك ماي فيلد Dr. Frank May Field يتجوَّل في معهد Tewksbury لدراسة الزَّحَّافـات والبرمائيات في نيو جرسي بأمريكا، وبعد تجواله وأثناء خروجه منه، اصطدمت رجلاه - عن غير قصد - بامرأة عجوز تعمل في مَسْح أرضية المعهد. ولكي يستدرك هذه اللحظة المُحرجة، توجَّه دكتور فرانـك بالسؤال للسيدة قائلاً:

+ ”منذ متى وأنتِ تعملين هنا؟“

فردَّت عليه:

- ”إني أعمل هنا منذ أن بدأ المعهد أعماله“.

فسألها:

+ ”وهلاَّ تُخبرينني عن تاريخ هذا المكان؟“

فأجابت:

- ”لا أظن أنه يمكنني أن أذكر لك شيئاً عن ذلك، لكني أستطيع أن أُريك شيئاً ما“.

وهنا أخـذت بيده وقادتـه إلى أسـفل الدور الأرضي تحت القسم القديم من المبنى. وأشارت إلى مكان يُشبه زنزانة سجن صغيرة، وكـانت قضبانها قـد علاها الصدأ نتيجة مرور الزمن، وقالت:

- ”هذه الزنزانة احتفظوا فيها بـ "آني Annie"“.

فسألها الدكتور: ”ومَن هي "آني" هذه؟“

فبدأت السيدة تسـرد قصة ”آني“.

- ”آني“ هذه كانت فتاة صغيرة تربَّت هنا لأنها كانت مُعوَّقة، ولا يمكن لأحد تقويمها أو إصـلاحها. وكانت تعضُّ وتصرخ وتُلقي بطعامها على الناس. ولم يكن بمقدور الأطباء ولا الممرضات حتى أن يفحصوها أو يتصرفوا معها بأيِّ تصرُّف. وكنتُ أراها تبصق وتجرح نفسها أمامهم. لقد كنتُ أصغر منها سنّاً.


هيلين كيلر مع معلِّمتها آني سوليفان

وكنتُ أفكِّر قائلة: ”أنا متأكِّدة أني لا أستطيع أن أحبس مثلها في زنزانة مثل هذه“. لقد كنتُ أُريد أن أُساعدها، لكن لم يكن لديَّ أية فكرة عن ماذا يمكنني أن أفعل لها؟ أي أنه إذا كان الأطباء والممرضات لم يستطيعوا أن يُساعدوهـا، فكيف يمكن لمَن هو مثلي أن يفعل هذا؟

ولمَّا لم أعرف ماذا يمكنني أن أفعل! خبزتُ لها في إحدى الليالي كعكة بالشيكولاتة والبندق، وفي اليوم التالي أحضرتها لها. وتوجَّهتُ إلى زنزانتها بحرص وقلتُ لها: ”لقد خبزتُ لكِ هذه الكعكة، يا آني، وسأضعها هنا على الأرض، ويمكنكِ أن تأتي وتأخذيها إذا أردتِ“.

ثم خرجتُ من هناك بأسرع ما يمكن، لأني كنتُ خائفة من أن تُلقي بها عليَّ! لكنها لم تفعل ذلك؛ بل أَخَذَت الكعكة والتهمتها!

وبعـد ذلك، أصبحتْ هـذه الفتاة أكثر لُطفاً معي، حينما كنتُ أمُرُّ حـول هـذا المكان. وفي بعض الأحيان كنتُ أتكلَّم معها. ومـرةً استطعتُ أن أجعلهـا تضحـك. وقـد لاحَظَـتْ إحـدى المُمرضات ذلك، فأخبرت الطبيب.


هيلين كيلر عام 1905م

فسألوني مـا إذا كنتُ أوافق على أن أعمل معهم شيئاً مـن أجـل ”آني“. فـرددتُ عليهم: ”لا مانع، سوف أفعل ذلك إذا استطعتُ“.

وهكـذا تطوَّر الأمـر، ففي كـلِّ مرة كانوا يُريدون أن يَرَوْا ”آني“ أو يفحصوها طبياً، كنتُ أذهـب إلى غرفتها أولاً وأشـرح لها المطلوب وأُهدِّؤها وأُمسك يدها. وهذا ما جعلهم يكتشفون أن ”آني“ كانت عمياء!

وبعد أن ظلُّوا يعملون معها حوالي العام، استطاعوا - بعد محاولاتٍ مُضنية - أن يجعلوا معهد Perkins ”بركنز“ للعميان يفتح أبوابه لها. وهكذا نجح الأطباء في هذا المعهد، ليس فقط في تدريبها؛ بل جعلوها تَدْرس، ثم جعلوها مُدرِّسة تُدرِّس رفقاءها من المكفوفين!

(+(+(

ومرةً زارت ”آني“ معهد Tewksbury الذي كانت فيه، لترى ماذا يمكن أن تعمل لتقديم أية خدمات. ولم يَرُدَّ مدير المعهد في الحال على عَرْضها الخدمة، لكنه تذكَّر أن رسالة كانت قد وصلته من شخصٍ ما يقول فيها إن ابنته تتصرَّف تصرُّفـاتٍ غير طبيعية تماماً ”وكأنها حيوان“!

وذَكَـر المديـر أنَّ هـذه الفتاة ابنة صاحب الرسالة كانت عمياء وأيضاً صمَّاء، ولكنها أيضاً مخبولة! ولكن أباها لم يُرِدْ أن يُودِعها في ملجأ للأيتام. لذلك فقد كتب والد الفتاة رسالة يسأل فيها إنْ كنَّا نعرف أي شخص يكون مُعلِّماً يأتي إلى منزله ويعمل مع ابنته لمُعالجتها.

(+(+(

وكانت هـذه هي الفرصة التي جعلت ”آني“ تصير المُرافـق الدائـم طيلة الحياة للشخصية المشهورة ”هيلين كيلر“ Helen Keller.

ومرةً سألوا هيلين: ”مَـن هو الشخص الذي كان له الأَثَر الأكبر على حياتكِ“؟

فردَّت قائلة: ”إنها "آني سوليفان"“.

ولكن ”آني“ ردَّت عليها قائلة: ”لا، يا هيلين، إنها المرأة التي كـان لها أكبر الأَثَر علينا نحـن الاثنتين، تلك التي كانت تعمل عاملة نظافة لمَسْح أرضية معهد الزَّحَّافات Tewksbury“.

(+(+(

هـذه القصة تَـرُدُّ على السؤال الذي كثيراً مـا يسأله أي واحد: ماذا يمكـن لواحدٍ مثلي أن يعمل شيئاً مُفيداً؟

عن مجلة: Nursing Management Magazine

عن الإنترنت

(+(+(

نبذة عن ”هيلين كيلر“:

وُلدت في 27 يونية عـام 1880م، وتُوفِّيت في أول يونيـة 1968. وهـي كـاتبة أمريكية مشـهورة، ونـاشطة سياسية، ومُحاضـرة في الجامعات. وكانت أول شخص كفيف أصم أخرس ينال بكالوريوس الآداب.

كمـا درسـت اللُّغـات الألمانيـة والفرنسية واللاتينيـة واليونـانية. ثـم قفـزت قفزةً هائلة بحصولها على الدكتوراه في العلوم، ثم الدكتوراه في الفلسفة.

وكـانت هـي المتحـدِّث الرسمي لحركـة مُعارضة الحروب. كما قادت حملة مـن أجل مَنْح المرأة حق الانتخاب، وكـذلك كـانت تُنادي بحقوق العُمَّال، ودافعـت عـن حقـوق المُعوَّقين (ذوي الاحتياجـات الخاصة)، كمـا أدَّت خدمـات جليلة للمكفوفين. وقـد سُمِّيت هيلين كيلر بـ ”المعجزة الكبرى“. كما صوَّرها بهذا الاسم فيلم عن سيرتها.

وفي الثلاثينيات مـن القرن الماضي (القرن العشرين) قامت هيلين كيلر بجولات متكررة في مختلف أرجـاء العالـم في رحلة دعائية لصالح المُعوَّقين، للحديث عنهم وجَمْع الأمـوال اللازمة لمساعدتهم، كمـا عملت على إنشـاء كلِّية لتعليم المُعوَّقين وتأهيلهم.

+ ومن أقوالها المأثورة:

- ”عندمـا يُغلَق بـاب السعادة، يُفتَح آخر. ولكننا في كثير مـن الأحيان ننظر طويـلاً إلى الأبـواب المُغلَقَة، بحـيث يغيب عـن أنظارنـا فلا نرى الأبواب المفتوحة لنا“.

(+( (

+ «تَكْفِيـكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُـوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ... لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌ» (2كو 12: 10،9).

+ «أَسْتَطِيعُ كُـلَّ شَـيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّـذِي يُقَوِّينِي» (في 4: 13).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis