الاستشهاد


من الموت إلى الحياة
(1يو 3: 14)
(1)


مقدمة:

«تَنَالُون إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى» (1بط 5: 4)

يقول القديس بولس الرسول: «أَلَسْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى. هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. إِذًا، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الهَوَاءَ» (1كو 9: 24 - 26).

قد أظهر شهداءُ المسيح بطولة جبارة من جهة الإكليل الذي لا يفنى. فهم أبطال الإيمان, ليس على مستوى العالم بل على مستوى الروح, لأنهم داسوا العالم كجبابرة, كأقوياء شوامخ, غلبوا كلَّ أنواع التهديدات والإغراءات والترغيبات. وبما أنهم أبطال فنحن نشجعهم ونحبهم ونكرمهم ونتشفع بهم ولكننا لسنا مجرد متفرجين عليهم.

فبطولة الشهداء والقديسين ليست لذواتهم بل للكنيسة كلِّها. فكلّ شقائهم وتعبهم وجهادهم وآلامهم ودمائهم مصرورٌ ومذَّخرٌ في خزينة الكنيسة. فنحن كلُّنا وبلا استثناء شركاؤهم(1) ورعية معهم (أف 2: 19). لأننا جسدٌ واحدٌ. نحن شركاؤهم في الآلام وشركاؤهم في التعزية (1كو 12: 26؛ 2كو 1: 7), شركاءُ في التعب والركض, وشركاءُ في الفرح وغنى مجد الميراث (كو 1: 12؛ أف 1: 18), شركاءُ في الجهاد, وشركاءُ في المجد والكرامة. نركض معهم في ذات الميدان, نجاهد نفس الجهادات, ناظرين لنفس الإكليل. في عروقنا وعروقهم يسري دمٌ واحدٌ. كلُّنا أعضاءٌ مكرمةٌ في جسد المسيح الواحد, والروح الذي عَمِلَ فيهم, هو بعينه الروح الذي لا يزال يعمل فينا. فنحن أغنياء جدًّا بميراثهم. وكل من يشهد للمسيح عندما يغلب العالم والشيطان والخطية والموت, يصيرُ بطلًا ويصبحُ واحدًا منهم(2).

إن أحسسنا بهذه الشركة المقدسة مع آبائنا القديسين, فيقينًا نتذكر شهداءَنا الأعاظم الذين قدموا حياتهم مُحرَقةً كاملة طوعيّة على مذبح الحب الإلهي. أحبوا المسيح ليس فقط أكثر من الأب والأم والأهل والأحباء بل أكثر من ذواتهم. أحبوه أكثر من الحياة نفسها, فصار هو حياتهم(3), وحسبوا الموت ربحًا في سبيل حبه, ولسان حالهم يُرنِّم ترنيمة ذاك الذي قال: «‎لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاة…تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رو8: 38). وإن كنا نتذكر هذه العجينة فحتمًا يخطر ببالنا باكورتها. فإن كانت العجينة مقدسة فحتمًا باكورتها مقدَّسة جدًّا (راجع: رو11: 16).

الشهيد استفانوس:

إنه أول من بدأ هذا السباق المبارك. سَلَكَ وحدَه طريقًا مُدلَهمًّا مجهولًا وعرًا جدًّا, وخطَّ بدمه علاماته وإرشاداته, فمهَّدَ بذبيحته لكل الكنيسة مَعْبرًا يسيرًا لدخول السماء. صار فخرًا ونبراسًا لجميع القديسين, وإكليلًا لكل شهيد، فتفسيرُ اسمه إكليلٌ. اشتَرَك في احتمال المشقات كجنديٍّ صالحٍ لرب الجنود (2تي 2: 3), فصارت سيرته عنوانًا للبطولة الروحية. آمن وغلب فصار عمودًا في هيكل إلهه (رؤ 3: 12), وأكل من شجرة الحياة (رؤ 2: 7), وأُعطيَ اسمًا جديدًا (رؤ 2: 17), وانعكس عليه نور كوكب الصبح فلبس حلةً بيضاء (رؤ 3: 5). واستنار وجهه كملاكٍ. لتحيته يقف الرسل, وبسيرته يفتخر الشهداء, وباسمه يهتف القديسون, ولقدومه يُرحبُ(4) ابنُ الإنسان, ليفسح له مكانًا ليجلس معه في عرشه (رؤ 3: 21).

كان شابًّا يتمتع بعقلٍ منفتحٍ ناضجٍ, وعبقريةٍ أصيلةٍ ونعمةٍ خاصةٍ. كان متحررًا من كل تعصب عصره وجهالته وحقده وكراهيته. شجاعتُهُ وفصاحتُهُ ونقاوتُهُ وحلاوتُهُ التي لا ريب فيها, قوَّتُهُ الذهنية ومهابته وسيرته العطرة, أضف إلى ذلك بصيرته الروحية ونظرته الكنسيّة الإسخاتولوجية, مع قوة إيمانه الحار وتكريسه الملتهب, كل هذا جعله يحظى بمنزلة أثيرة في خدمته, فوجَدَ نفسه مكلفًا بخدمة رسولية تنويرية بالإضافة إلى خدمته الدياكونية. كان الأول الذي يرى أن الخلاص ليس حكرًا على اليهود بل مُقدَّم لكل العالم. ليس مكتومًا عنك - يا صاحب الذهن الذي له حكمة (راجع: رؤ17: 9) - إني عن استفانوس(5) الشهيد الأول أتكلم(6).

ويطيب لي, يا إنسان الله, أن تشاركني رؤيا استفانوس - باكورة الشهداء - عن قرب, رؤيا اختياره وشخصيته, رؤيا ملامحه وشجاعته, رؤيا إيمانه وملئه بالروح, ورؤيا انعكاس نور مجد الله على وجهه, رؤيا غفرانه وسلامه, رؤيا السموات المفتوحة, وابن الله في مجده قائمًا عن يمين أبيه. فاخلع نعليك معي لأن الأرض مقدَّسة(7), ومِلْ معي لننظر هذا المنظر العجيب.

اختياره:

«اخْتَارَكُم.. بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ» (2تس 13:2)

يُفتَتَحُ الأصحاح السادس في سفر أعمال الرسل بمشكلة الأرامل اليونانيات اللواتي آمنَّ بالمسيح, أنهنَّ كُنَّ يُغفل عنهنَّ في الخدمة, بعكس الأرامل اليهوديات - أرامل أورشليم وفلسطين - اللواتي نِلنَ قسطًا كبيرًا من الرعاية لأنهن كنَّ معروفات(8). فرأت الكنيسة اختيار أشخاص أتقياء للإشراف على خدمة الموائد وتوزيع الطعام. فاختاروا سبعة رجال ذوي سيرة حسنة ‎«...مَشْهُودٌ لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ» (أع 6: 3). كانت الكنيسة قد توسعت قليلًا, ففي يوم الخمسين انضم نحو ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41), ثم «صَار عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ» (أع 4: 4), «‎وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ» (أع 5: 14). وكانت الكنيسة بدورها حريصة جدًّا في اختياراتها, فإن كنت تبحث عن سبعة رجال بين هذا العدد فلا مناص من أن هناك معايير عالية جدًّا لتحديد سبعة أشخاص ذوي جودة روحية عالية, وعلى أعلى مستوى من التكريس الكلي للمسيح, والشجاعة لنشر الإنجيل(9). والكتاب لا يمتدح أحدًا من هؤلاء الرجال السبعة المختارين سوى استفانوس الذي قيل عنه إنه كان ‎رَجُلًا «مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أع 6: 5). كان استفانوس رجلًا عظيمًا ونبيلًا بكل مقياس إلهي, واختياره ليكون الأول يُثبت تفرده وكفاءته وعظمته. كان يونانيًا مؤمنًا بيسوع المسيح وكان ينتمي إلى مجمع يهودي كما فعل جميع اليهود المتغربين.

خدمته:

«‎فَهكَذَا مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُم» (رو 1: 15)

كان استفانوس رجلًا فريدًا من نوعه, كان مؤمنًا حديثًا جدًّا ذا مهمة قصيرة الأمد, ولكنه امتلك فهمًا واسعًا عن العهد القديم, استنفد لتوضيحه أصحاحًا كاملًا لدقته وغناه. وفي هذا برهان على أن أهمية حياة الإنسان وتأثيره ليست مبنية على طول الحياة أو قصرها, فخدمة استفانوس كانت قصيرة للغاية وعظته الوحيدة التي سُجلت - أتكلم بحسب الإنسان - لم تكن إيجابية النتائج. خدم الموائد كمرثا ولم يترك الصلاة وخدمة الكلمة كمريم(10). ربما لم يكن شماسًا بالمعني الليتورجي(11)، لكن تم تكليفه بخدمة الموائد. لم يكن رسولًا, لكن امتدت له القوة لصنع الآيات كما فعل الرسل. لم يكن نبيًّا, لكنه كان واعظًا قديرًا. أثرُ خدمته أثمر سريعًا «وَكَانَت كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ» (أع 6: 7). يقف وسيطًا بين الرسل وتكوين وتشكيل الكنيسة الأولى بشكلٍ فريدٍ. اختاره بطرس والرسل, واستُشهِد على يدِ شاول الذي هو بولس. فكان جسرًا متينًا بين شهادة وكرازة بطرس والرسل للعالم اليهودي من جهة, وشهادة وكرازة بولس لنظيره الأممي من جهة أخرى. لم يخدم اليهود الإسرائيليين ولا الأمم الأجانب, بل خدم اليهود اليونانيين المتغربين, والذين بدورهم حملوا الشهادة لمجتمعاتهم في العالم أجمع(12).

كان أساسيًّا في فكر الله التبشير بالإنجيل في العالم, وكان استشهاد استفانوس هو العامل الحافز والمحوري الذي دفع الكنيسة للإرسالية العظمى تحقيقًا لوعد الرب: «وَتَكُونُون لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع 1: 8). كان موته هو الرصاصة التي أُطلِقَت إيذانًا ببدء سباق التبشير للأمم في اليهودية والسامرة: «وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ ... فَالَّذِين تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ» (أع 8: 1, 4). فلأن الكنيسة كانت مشتتة أُخِذَ الإنجيل للعالم وخلَصَ كثيرون.

إيمانه:

«أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا» (رو 1: 17)

من الجلي أن للإيمان أبعادًا كثيرة, ومستويات متعددة, ومظاهر مختلفة, والتزامات عديدة. ولكننا في استفانوس الشهيد نرى الإيمان الكامل, فكان الإيمان مُسيْطِرًا بالكلية على حياته وفكره وخدمته وإجاباته وعواطفه بل حتى على موته؛ كان مملوًّا بالإيمان ويسير بالإيمان ويُهَيْمِن عليه الإيمان. قيل عنه: «فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ، رَجُلاً مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ» (أع 6: 5). لقد آمن استفانوس بصحة وأصالة العهد القديم, واقتبس منه كثيرًا في عظته الخالدة(13). آمن بأن الله يحكم ويسيطر على التاريخ, وأن التاريخ كان إعلانًا عن شخصية الله وقصده منذ الدهور وخطته لخلاص الإنسان. آمن أن يسوع هو البار أي المسيَّا, «أَيُّ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ؟ وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ، الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ» (أع 7: 52). وآمن أن موته كان نقطة تحوُّل التاريخ بأكمله. آمن بالسماء وبالحياة الأبدية, وآمن أن يسوع قام من الموت وصعد إلى السماء وهو قائمٌ عن يمين أبيه في مجده, «‎وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ ... فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي» (أع 7: 55, 56, 59). آمن استفانوس أيضًا بالروح القدس وبضرورة الانقياد له: «يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ، وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ! أَنْتُمْ دَائِمًا تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ» (أع 7: 51). كان استفانوس مملوًّا بالإيمان بجميع هذه الحقائق الروحية العظيمة. آمن لدرجة جعلته على استعداد للرجم بالحجارة حتى الموت. كان يعرف الثمن الذي سيدفعه لكونه شاهدًا للرب.

ملؤه:

«بِقُوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ» (رو 15: 19)

كان استفانوس إنسانًا ممتلئًا من الروح القدس بدرجة رسولية (أع 6: 3, 5, 10 و7: 55). كان منقادًا بالروح, خاضعًا له, واثقًا ثقة كاملة في رعايته وتعزيته وتقويته, وأنه حتمًا سيصل به لنهايةٍ مجيدةٍ.

كان أيضًا مملوًّا حكمة عميقة جدًّا لا جدال فيها: «فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ» (أع 6: 3)، لدرجة تجعل أعداءه يستسلمون لمنطقه وحجته: «وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا الْحِكْمَةَ وَالرُّوحَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ» (أع 6: 10)، (راجع قول الرب في: مت 10: 19 - 20؛ مر 13: 11؛ لو 21: 15), فلم يكن أمامهم سوى أن يقتلوه.

كان ممتلئًا لطفًا ورحمةً وحنانًا, فقُبيل نهايته وفي أثناء رجمه بالحجارة, جثا على ركبتيه وصلى قائلًا: ‎«يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ» (أع 7: 60). لم يكن هناك صياح ولا غضب ولا انتقام ولا عنف, إنها النعمة. كان شخصًا محبًّا وودودًا حتى تجاه قاتليه وهم في سَوْرَة غضبهم يرشقونه بالحجارة.

كان مملوًّا بالقوة, وهي نتيجة ملئه بالروح القدس: «‎لكِنَّكُم سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أع 1:8). فكان باستمرارٍ يصنع الآيات والعجائب كباقي الرسل: «كَان يَصْنَعُ عَجَائِبَ وَآيَاتٍ عَظِيمَةً فِي الشَّعْبِ» (أع 6: 8). كان أيضًا مملوًّا بالنعمة, والنعمة هنا ليست فقط نعمة الخلاص, ولا النعمة التي تنسكب علينا إبّان الاضطهاد, بل أقصد النعمة التي كان يحيا بها للآخرين, فكل ما بدر منه كان بنعمة الله العاملة فيه.

(يتبع)

__________________________________

(1) هذا ما تؤكده ليتورجيا القداس الباسيلي عندما تقول: ...لكي نكونَ جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا, ونجدَ نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين

(2) عظة شركة الجهاد, القمص لوقا سيداروس 15 نوفمبر 2016.

(3) لأَن لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ (في 1: 21), المسيح حياتنا (كو3: 4).

(4) «فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ» (أع55:7).

(5) تعيِّد كنيستنا القبطية لاستشهاد القديس استفانوس يوم 1 طوبة. ويوافق يوم 15 توت نقل جسده من أورشليم إلى القسطنطينية. وتذكر ذكصولوجية وسنكسار الأنبا صرابامون الشهيد أسقف نيقيوس (28 هاتور, 28 بؤونة) أنه يمتُّ بصلة قرابة جسدية لاستفانوس العظيم أول الشهداء.

(6) استفانوس معناه إكليل, ويعلق ق. أغسطينوس على معنى هذا الاسم في (مز 59: 5). NPNF: Augustin: Expositions on the book of Psalms: Psalm LIX, 5.

(7) راجع (خر3: 5؛ يش5: 15؛ أع 7: 33).

(8) هؤلاء الأرامل كنَّ يتكلمن الأرامية لغة الأجداد, ويفتخرن باليهودية الأصيلة وعدم وجود مزيج أجنبي في أصلهن. بعكس اليونانيات اللواتي نسين تراثهن ولغتهن لأنهن كن يعشن في العالم اليوناني, فكنَّ في درجة أقل.

(9) هذه المعايير توسع فيها بولس الرسول في توصياته لاختيار الأساقفة والقسوس والشمامسة. راجع (1تي2:3؛ تي7:1).

(10) William J. Larkin, D. Stuart Briscoe and Haddon W. Robinson, The IVP New Testament Commentary Series, vol. 5, Acts (Downers, Ill, USA: InterVarsity Press, 1995) Ac 6:3.

(11) أي المعنى الذي تعنيه كلمة شماس اليوم. ولكن يُعزى السبب إلى القول بأن استفانوس كان شماسًا (دياكون) ليس فقط إلى التقليد الكنسي بل أيضًا إلى الآية "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ (διακονίᾳ دياكونية) الْيَوْمِيَّةِ ... ونخدم (διακονεῖν) موائد» (أع 6: 1-2). ومع ذلك لا تزال كلمة الدياكونية تطلق على خدمة المطبخ والمائدة في بعض الأديرة حتى الآن.

(12) John MacArthur, Acts, (Chicago: Moody Press, 1994, c1996) 187.

(13) قارن على سبيل المثال: (أع 7: 2 - 3) مع (تك 11: 31؛ تك 12: 1 - 5؛ مز 29: 3).

********************************************************************************************************

**** للأب متى المسكين: الإفخارستيا تُعطي القيامة كحالة ثبوت متبادَل:**********************************************

[ في الإفخارستيا تبتدئ القيامة تأخذ أوضح صورة لها، فنحن هنا نأكل الجسد السرِّي فنأكل الحياة التي فيه، أي نأكل القيامة. وهذا التعبير تتضح قوته حينما نعلم أن الأكل يتم على مستويين: مستوى حيّ ظاهري، حيث مادة السر الخبز والخمر؛ ومستوى روحي إيماني غير منظور، حيث نأكل الجسد الإلهي والدم الإلهي اللذين هما مأكلٌ حقٌّ ومشربٌ حقٌّ، والحق هنا أي ”الأليثيا“ ἡ ἀλήθεια شيء يفوق الحواس ويفوق حدود العقل. ”الأليثيا“ هنا هي المسيح نفسه: «أنا هو... الحق!!» (يو 14: 6).

إذن، ففي الإفخارستيا نحن نأكل المسيح، نأكل المسيح القائم من بين الأموات كجسد روحاني، يؤكل بالروح كما يؤكل الحق. نأكله ونشربه ونتحد به كما نأكل الخبز والخمر، فيصيرا فينا قوة وحرارة لاستمرار الحياة الجسدية!!

نحن نأكل في الإفخارستيا القيامة كقوة تسري في أرواحنا، فتمدُّها بالحرارة الروحية، بالنور، بالقداسة، بالطُّهر، وبكل ما هو لازم للحياة الأبدية ولمسيرة بني القيامة والملكوت. كلما نأكل من خبز الإفخارستيا ونشرب من كأسها، نثبت في قيامة المسيح وتثبت قيامة المسيح فينا يوماً بعد يوم لنكمل مشيئة الآب كأبناء للقيامة. فالإفخارستيا هي غذاء القيامة ودواء الخلود الذي يشفي كل أسقام بني الموت، هي عشاء بني العُرْس المدعوِّين منذ الآن لعشاء الخروف في الأبدية السعيدة] (عن كتاب: ”القيامة والصعود“ طبعة 2000 ص 46)

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis