دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 67 -

رابعاً: الأسفار النبوية
2. سفر إرميا (1)

مقدِّمة:

سفر إرميا هو نبوءة رجل دُعِيَ في شبابه من مدينة الكهنة عناثوث. وهو نبيٌّ مفطور القلب، يحمل رسالة حزينة، عمل إرميا لأكثر من أربعين عامًا يُعلن رسالة الهلاك لشعب يهوذا الغليظ الرقبة، في احتقار واضطهاد مواطنيه، غمرهم إرميا بنبوءاته القاسية بدموع الشفقة. تسبَّب قلبه المكسور في تأليف كتاب حزين يصعب ترتيبه زمنيًّا أو موضوعيًّا. ولكن من خلال عظاته وإشاراته أعلن بأمانةٍ أن التسليم لمشيئة الله هو السبيل الوحيد لتجنُّبِ الكارثة.

مؤلف السفر:

يُبيِّن السفر بوضوح أن إرميا هو مؤلفه (1: 1). وأملى كل نبوءاته على سكرتيره باروخ منذ بداية إرساليَّته حتى السنة الرابعة ليهوياقيم، كما تم تأليف الأقسام اللاحقة أيضًا. فقط الفصل 52، وهو مُلحقٌ يكاد يكون مطابقًا لـ 2 مل 24: 18 - 25: 30، وهو من الواضح أن إرميا النبي لم يكتبه.

كان إرميا ابن حلقيا الكاهن قد عاش على بعد ميلين تقريبًا شمال أورشليم في بلدة عناثوث، وكَدَرْسٍ له وليهوذا، أمره الرب أن لا يتزوج: «لاَ تَتَّخِذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةً، وَلاَ يَكُنْ لَكَ بَنُونَ وَلاَ بَنَاتٌ فِي هذَا الْمَوْضِعِ» (16: 2) . وبسبب رسالته غير المرحَّب ب‍ها عن الدينونة الإلهية التي ستحدث من خلال الغزو البابلي، تم ت‍هديده وسجنه . ويبدو أنه كان في أورشليم حينما احتُلَّت المدينة (37: 28). ويؤكِّد التقليد أن اليهود قتلوه رجمًا بالحجارة في تحفنحيس في مصر (44: 1).

تاريخ السفر:

بحسب أصحاح (36: 1 - 3): «وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، أَنَّ هذِهِ الْكَلِمَةَ صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلَةً: ”خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا مُفَكِّرٌ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ“». وهكذا يمكن تأريخ كتابة أجزاء من سفر إرميا ببعض الدقة إلى السنة الرابعة ليهوياقيم (506 ق.م.)، عندما أمر الله إرميا بكتابة الرسائل النبويَّة التي كان قد سلَّمها للشعب على مدى السنوات العشرين الماضية. ويبدو أن هذه الرسائل تتوافق مع الأصحاحات من 1 - 20. وتحتوي الفصول المتبقية على نبوءات وحسابات تاريخية بترتيبٍ موضوعي بدلًا من التسلسُل الزمني الذي يغطِّي الثانية والعشرين إلى الخمس والعشرين سنة من خدمة إرميا.

كان إرميا معاصرًا لصفنيا وحبقوق ودانيال وحزقيال، وامتدَّت خدمته من 627 إلى 580 ق.م. كانت هناك ثلاث مراحل في خدمة إرميا: من 627 إلى 605 ق م، تنبأ بينما كانت يهوذا مهدَّدة من قِبَلِ أشور ومصر. ومن 605 إلى 586 ق.م، أعلن دينونة الله ليهوذا بينما كانت مهدَّدة ومحاصَرَة بواسطة بابل. ومن 586 إلى حوالي 580 ق م، خدم في القدس ومصر بعد سقوط يهوذا (أصحاح 52).

التكوين والتركيب الروحي للسفر:

على الرغم من أنه ليس من السهل ترتيب سفر إرميا ترتيبًا زمنيًّا أو موضوعيًّا، إلَّا أن الرسالة الأساسية واضحة: ما لا مَفَرَّ منه ومن المتعذر تجنُّبه حتمية دينونة الله على إسرائيل بسبب تمردها وعصيان‍ها.

يمكن تقسيم السفر إلى أربعة أقسام رئيسية: دعوة إرميا النبي (الأصحاح الأول)، نبوءات إلى يهوذا (2: 1 - 45: 5)، نبوءات للأمم (46: 1 - 51: 64)، وسقوط أورشليم (الأصحاح 52).

غالبًا ما يُعرف إرميا ”بالنبي الباكي“، فقد أعلن بأمانة الإدانة الإلهية ليهوذا ال‍متمرِّدة والعاصية لمدة أربعين عامًا، وإنَّ تعاطفه واهتمامه بوطنه جعله يحزن بشدَّة على تمرد شعبه وعذابهم الوشيك.

غالبًا ما رغب إرميا أن يستقيل من منصبه النبوي بسبب قوة رسالته وردود الفعل غير الودِّيَّة التي أثارت‍ها. كانت مهمة إرميا الصعبة أن يواجه الناس الذين بدا أن‍هم أصبحوا أكثر ثقة بجنون النبي مع تزايد الخطر. لقد اعتقدوا أن الله لن يترك أورشليم تسقط لأن‍هم كانوا يمتلكون الهيكل والعقيدة الحقيقية الوحيدة، وطُلبَ من إرميا أن يُخبرهم أن شروط عهد الله فرضت عليهم عقابًا على عصيانهم.

ويعكس الجزء المعروف حول العهد الجديد (الأصحاحات من 30 - 33) اهتمام إرميا الخاص بالعهد. استند جميع الأنبياء في اتهامات‍هم ونداءاتهم إلى علاقة العهد بين إسرائيل والله. لكن إرميا فعل ذلك بشكل أكثر وضوحًا فهو لم يُخطئ في محتوى العهد القديم، لكنه يدرك أنه يجب استيعاب‍ها حتى يعيشها. وهكذا تنبَّأ بمجيء عهد جديد - عهد سيُكتب على قلوب شعب الله (31: 31 - 34).

خريطة عن السفر:

الخطوط العريضة للسفر

الجزء الأول: دعوة النبي إرميا (1: 1 - 19)

الجزء الثاني: النبوات إلى يهوذا (2: 1 - 45: 5)

الجزء الثالث: النبوات إلى الأمم (46: 1 - 51: 64)

الجزء الرابع: سقوط أورشليم (52: 1 - 34)

(يتبع)

************************************ للقديس أثناسيوس الرسولي: صليب الرب سر المصالحة ***************************

[إن كان موت الرب قد صار كفَّارة عن الجميع، وبموته نقض حائط السياج المتوسط، وصارت الدعوة للأمم، فكيف كان ممكناً أن يدعونا إليه لو لم يُصلب؟ لأنه لا يمكن أن يموت إنسان وهو باسط ذراعيه إلاَّ على الصليب. لهذا لاق بالرب أن يحتمل هذا (أي موت الصليب) ويبسط يديه، حتى باليد الواحدة يجتذب الشعب القديم، وبالأخرى يجتذب الذين هم من الأمم، ويوحِّد الاثنين في شخصه. فإن هذا هو ما قاله بنفسه مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يفدي بها الجميع: «وأنا إن ارتفعت (عن الأرض) أجذب إليَّ الجميع» (يو 12: 32)] (تجسُّد الكلمة 25: 3 و4).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis