الليتورجية الكنسية

عبادتنا اللِّيتورجيَّة
هي ترتيل عقائدنا الإيمانيَّة (1)
(4)


(2) قضيَّة سقوط الإنسان في بعض النُّصوص اللِّيتورجيَّة
وعند بعض آباء الكنيسة

تك 15:2-17 ، 1:3-13، 22-24
رو 20:3-26 ، 14:6، 15 ، 4:14 ؛ أف 1:2-8 ؛ 1تي 9:6 ؛ 2بط 17:3، 18


القُدَّاس المرقسي (الكيرلُّسي)

- ”لا تطرحنا نحن عبيدك من أجل دنس خطايانا، لأنك أنت العارف كخالق جبلتِنا، أنه ليس مولودُ امرأة يتزكَّى أمامك“.

القُدَّاس الباسيلي

- ”الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس“.

القُدَّاس الغريغوري

- ”وعندما سقط (الإنسان) بغواية العدو ومخالفة وصيَّتك المقدَّسة“.

- ”غرسٌ واحدٌ نهيتني أن آكلَ منه، هذا الذي قلتَ لي لا تأكل منه وحده، فأكلتُ بإرادتي، وتركتُ عني ناموسك برأيي، وتكاسلتُ عن وصاياك. أنا اختطفتُ لي قضيَّةَ الموت“.

* * *

تتلخَّص قضيَّة سقوط الإنسان بحسب تعليم آباء الكنيسة فيما يلي:

2: 1 أسباب السُّقوط؛ 2: 2 مراحل السُّقوط؛ 2: 3 نتائج السُّقوط

2: 1 أسباب السُّقوط

- الغواية بأسباب تُشبه الحق، وليست هي الحق.

- رفض الإنسان التَّأمُّل في الله والأمور الأبديَّة، والبحث والتَّفكير في أمور الجسد وحواسه.

- التَّهاون في حفظ الوصيَّة، ثمَّ العصيان ومخالفة الوصيَّة.

- فقدان النِّعمة المجانيَّة الموهوبة للبشر في يوم خَلقهم، وهي الحياة المنسجمة مع الله.

- سقوط البشر في شهوات النَّفس والملذَّات الجسديَّة، بعد أن رفضوا أن يُبقوا الله في معرفتهم.

- النِّسيَان النِّهائي للقوَّة التي نالها الإنسان أصلًا من الله.

- جموح النَّفْس وشرودها في التَّحرُّك نحو ما هو ضدَّ التَّأمُّل في الخير، حتى أساءت النَّفْس استعمال قواها.

2: 2 مراحل السُّقوط

- التَّردي في شهوات الجسد.

- الخجل من العُري، ليس عُري الثِّياب فحسب، بل عُري التَّأمُّل في الأمور الإلهيَّة.

- الرَّغبة الجامحة في معرفة كلِّ شيء بلا استثناء أو تحفُّظ، حتى أصبحت الملذَّات هي خُلاصة الخير.

- اختراع أنواع من الشَّر، والتفنُّن فيه.

2: 3 نتائج السُّقوط

- خضوع النَّفس للجبن والخوف والملذَّات والتَّفكير في الفناء.

- الخوف من الموت، أي انفصال النَّفس عن الجسد.

- ارتكاب القتل والمظالم، ونشأة الحروب والمنازعات.

- لم يبق البشر في الصُّورة التي خُلقوا عليها، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم.

- أصبحت طبيعة البشر مشبَّعة بالخطيئة.

- سيادة الموت على البشر كملك.

- استحقاق حُكم الموت، بسبب تعدي الوصيَّة.

- العودة إلى عدم الوجود بالفساد الذي يؤدي إلى العدم مع توالي الزَّمن.

- صار للفساد سُلطان نهائي على كلِّ جنس البشر: «أنت تُراب وإلى التُّراب تعود».

يشرح البابا أثناسيوس الرَّسولي كيف أنَّ سقوط الإنسان بدأ بانحراف فكره، فيقول:

[... صوَّر الخالق جنس البشر ... وهكذا قصد به أن يستمر. ولكن النَّاس إذ استخفوا بالأمور الأفضل، ورفضوا إدراكها، بدأوا يبحثون عن الأمور الأقرب إليهم، التي فضَّلوها على تلك.

على أنَّ الأمورَ الأقرب إليهم هي الجسدُ وحواسُّه. وهكذا إذ أبعدوا عقلَهم عن الأشياء المدرَكة بالتَّفكير، بدأوا يفكِّرون في أنفسهم، وبهذا، وبحصر الفكر في الجسد وسائر الأمور الأُخرى الحسيَّة، وإذ انخدعوا بما حولهم، سقطوا في شهوات أنفسهم، مفضِّلين ما هو لذواتهم عن التَّأمل فيما هو لله. وإذ انغمسوا في هذه رافضين ترك الأمور القريبة إليهم، أوقعوا نفوسهم في حبائل الملذَّات الجسديَّة فاضطربت (نفوسهم)، وارتبكت بكلِّ أنواع الشَّهوات، بينما نسوا كُليَّة القوَّة التي نالوها أصلًا من الله.

على أنَّ صحَّة هذا، تتبيَّن في الإنسان الذي خُلق أوَّلًا (أي آدم) كما تُخبرنا الكُتُب المقدَّسة عنه. لأنه هو أيضًا طالما كان عقلُه مركَّزًا في الله ومداومًا على التَّأمُّل في الله، كان متحوِّلًا عن التَّأمل في الجسد. ولكنَّه عندما ابتعد عن التَّفكير في الله بمشورة الحيَّة، وبدأ يتأمَّل في نفسه، فإنهما لم يتردَّيا إلى شهوات الجسد فحسب، بل عرفا أنهما عريانان، وإذ عرفا هذا خجلا. على أنهما لم يعرفا أنهما عريانان من اللِّباس بقدر ما عرفا أنهما تجرَّدا من التَّأمُّل في الأمور الإلهيَّة، وحوَّلا ذهنهما إلى الضِّد. لأنهما إذ ابتعدا عن التَّأمُّل في الواحد الحق أي الله، وعن الرَّغبة فيه، فإنهما منذ تلك اللحظة انشغلا بشهوات مختلفة، وشهوات الحواس الجسدانيَّة المتعدِّدة.

ونتج من هذا بطبيعة الحال أنهما إذ تولَّدت فيهما الرَّغبة لكلِّ شيء بلا استثناء، بدآ يألفان هذه الرَّغبات، لدرجة أنهما كانا يخشيان أن يتركاها. لهذا بدأت النَّفْس تخضع للجُبن والخوف والملذَّات والتَّفكير في الفناء. لأنها إذ لم تشأ أن تترك شهواتها، صارت تخشى الموت وانفصالها عن الجسد. وأيضًا إذ بدأت تشتهي، ووجدت أنها عاجزة عن إتمام شهواتها، تعلَّمت ارتكاب القتل والمظالم.

وإذ ابتعدت (النَّفْس) عن التَّأمُّل في الأمور العقليَّة ... وتلذَّذت بالتَّأمُّل في الجسد ... ورأت أنَّ الملذَّات جيِّدة لها، فإنها ضلَّت وأساءت استعمال اسم الخير، وظنَّت أن الملذَّات هي خُلاصة الخير، كما لو أصيب إنسان بآفة في عقله، وطلب سيفًا ليُشهره ضدَّ كلِّ من لقيَه، وظنَّ أنَّ هذا هو العقلَ السَّليم.

ولكنَّها (أي النَّفْس) إذ تردَّت في محبَّة الملذَّات، بدأت تُخرجها في أشكال مختلفة. لأنها إذ هي بالطَّبيعة متحرِّكة، فإنها لا تفقد حركتها، حتى ولو ابتعدت عن الخير. إذًا فهي تتحرَّك لا نحو الفضيلة فيما بعد، ولا لكي ترى الله، بل تستخدم قُواها استخدامًا غريبًا، مفكِّرةً فيما لا وجودَ له، ومسيئةً استخدام تلك القوى كوسيلة للملذات التي اخترعتها، طالما كان لها السُّلطان على ذاتها.

لأنه كما كان في استطاعتها من النَّاحية الواحدة أن تنعطف نحو الخير، كذلك كان في استطاعتها من النَّاحية الأُخرى أن ترفضه. ولكنَّها برفضها الخير، انشغل تفكيرُها بطبيعة الحال فيما هو ضده، لأنها لم تستطع مطلقًا أن تمتنع عن الحركة، فهي كما قُلت متحرِّكة بالطَّبيعة. وإذ كانت تعرف سُلطانها على ذاتها، فإنها كانت ترى بأنها تستطيع استخدام أعضاء جسدها في أحد الاتجاهين، إمَّا إلى ناحية الموجود (أي الخير)، أو إلى ناحية العَدَم (أي الشَّر).

... أقصدُ بالموجود ما هو خيِّر، لأنَّ له مماثلة في الله الموجود. وأقصد بالعَدَم ما هو شر، لأنه ينحصر في الأوهام الباطلة في أفكار البشر.

وهي - كما قدمتُ - إذ ارتضت، وأساءت استعمال قواها، أدركت أنَّ في استطاعتها تحريك أعضاء الجسد أيضًا في اتجاه مضاد. ولذلك فعوضًا عن النَّظَر إلى الخليقة، صارت تحوِّلُ العين إلى الشَّهوات، مُظهرةً أنَّ لها هذا السُّلطان أيضًا، ومتوهِّمةً أنها بمجرَّد التَّحرُّك، تحتفظ بكرامتها ولا ترتكب أيَّة خطيئة إذا تصرَّفت كما تُريد وتشتهي؛ غيرَ عالمة أنها لم تُخلق لمجرَّد التَّحرُّك بل للتَّحرُّك في الاتجاه المستقيم. وهذا هو الذي من أجله يؤكِّد لنا أحد الأقوال الرَّسوليَّة، أنَّ «كلَّ الأشياء تحلُّ لي، لكن ليس كلُّ الأشياء توافق»(2)] (الرِّسالة إلى الوثنيِّين 3:1، 4).

ويقول البابا أثناسيوس الرَّسولي أيضًا:

[الله خَلق الإنسان، وقصد أن يبقى في عدم فساد، أمَّا البشر، فإذ احتقروا ورفضوا التَّأمُّل في الله، واخترعوا ودبَّروا الشَّر لأنفسهم ... فقد استحقُّوا حُكم الموت الذي سبق تهديدهم به. ومن ذلك الحين، لم يبقوا بعد في الصُّورة التي خُلقوا عليها، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم(3)، وساد عليهم الموت كملك((4). لأنَّ تعدِّيهم الوصيَّة، أعادهم إلى حالتهم الطَّبيعيَّة، حتى أنهم كما نشأوا من العَدَم، كذلك يجب ألاَّ يتوقَّعوا إلاَّ الفساد الذي يؤدِّي إلى العَدَم مع توالي الزَّمن] (تجسُّد الكلمة 4:4).

[لأنَّ الإنسان إذ خُلق من العَدَم فإنه فانٍ بطبيعته، على أنه بفضل خَلقه على صورة الله الكائن، كان ممكنًا أن ينجو من الفساد الطَّبيعي، ويبقى في عدم فساد، لو أنه احتفظ بتلك الصُّورة بإبقاء الله في معرفته ... ولكنَّه إذ كان في عدم فساد، كان ممكنًا أن يعيش كالله منذ ذلك الوقت، وإلى هذا يشير الكتاب المقدَّس على الأرجح عندما يقول: «أنا قلتُ إنكم آلهة، وبنو العلي كلُّكم. لكن مثلَ النَّاس تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون»((5)] (تجسُّد الكلمة 6:4).

(يتبع)

__________________________________

(1) المقال مأخوذ عن كتاب: محاضرات في ليتورجية كنيسة الإسكندرية، للراهب أثناسيوس المقاري.

(2) 1كورنثوس 23:10

(3) جامعة 29:7 ؛ رومية 21:1، 22

(4) رومية 14:5

(5) مزمور 6:82، 7

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis