تُعتبر مجموعات القوانين الكنسية للكنيسة الأرثوذكسية عموماً، والكنيسة القبطية خصوصاً، ذخراً كبيراً كمرجع لتعاليم الكنيسة الأرثوذكسية. فالقوانين الكنسية هي بمثابة تطبيق للإيمان، ولأساسيات السلوك المسيحي على مستوى الفرد والكنيسة ككلٍّ، المؤسَّسة على الإيمان الأرثوذكسي. وقوانين الكنيسة هي نموذج لاتجاه الكنيسة الدائم للتعبير عن تعليمها وتصحيح سلوك قادتها ولتطبيع تدبيرها بحسب احتياجات ومستجدات العصر. وأهم ما في هذه القوانين، تلك المسمَّاة بـ ”الحدود“ العقائدية، والتي تشمل التعبيرات المحددة الصحيحة لتعليم الكنيسة، بطريقة واضحة غير مثيرة للجدال والخلاف، مثل قوانين أو دساتير الإيمان. إن قوانين الكنيسة هي شهادة هامة لإيمان الكنيسة، ويجب أن يُرجع إليها دائماً لاستخدامها في التعبيرات الصحيحة عن الإيمان.
في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية(1) القانون الكنسي، وأهميته في حفظ الطبيعة الروحية للكنيسة: من أجل الحفاظ على حدود الوظائف الكهنوتية والتدبيرية في الكنيسة، وُضعت القوانين الكنسية. أما مصادر التشريع لدى الكنيسة القبطية فتتلخَّص في المراجع الآتية: + أولاً: الكتاب المقدس: الكتاب المقدس، أي الوحي الإلهي كما أُعلن في الأسفار المقدسة بعهديها القديم والجديد. وهو المرجع الأول والأساسي لأي تشريع لاحق ولأي تفسير وشرح للإيمان. ويُلاحَظ أن الكنيسة القبطية مثلها مثل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية تستخدم في ليتورجياتها وكُتُب صلواتها وطقوسها الترجمة السبعينية للعهد القديم (وليس الترجمة من العبرية المتداولة في الشرق العربي). وتحتوي الترجمة السبعينية على أسفار إضافية لم تَرِد في الترجمة العبرية. وقد استخدم المسيح والرسل وآباء الكنيسة الشرقية هذه الترجمة في اقتباساتهم من العهد القديم. كما يشتمل الكتاب المقدس على أسفار العهد الجديد. + ثانياً: قوانين الرسل: لقوانين الرسل عدة إصدارات كما يلي:1 - قوانين الرسل (30 قانوناً): وهي القوانين التي وضعها الرسل وهم مجتمعون في عليَّة صهيون بعد الصعود وحلول الروح القدس عليهم وقبل أن يتفرَّقوا للكرازة في العالم. 2 - القوانين التي وضعها الرسل وأرسلوها على يد كليمندس الروماني أسقف روما في القرن الأول وهي: إما 82 قانوناً كما عند السريان والنساطرة؛ أو مجموعتان: أولاها تتضمن 71 قانوناً، والأخرى تتضمن 56 قانوناً. وهذه الثلاثة متفقة النصوص مختلفة في أرقام القوانين، ولا تختلف بعضها عن بعض إلاَّ في القليل. 3 - الدسقولية (النطق العربي للأصل اليوناني ”ديداسكاليا“) أي ”تعليم“: وهو يحوي تعاليم الرسل، وقيل إنه اجتمع على وضعه الاثنا عشر رسولاً والقديس بولس والقديس يعقوب أسقف أورشليم الأول. وهو من الكتب الأساسية المستخدمة كمرجع لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهو يقع في تسعة وثلاثين باباً. 4 - رسالة القديس بطرس الرسول إلى كليمندس الروماني. 5 - الديداخي أو تعليم الرسل الاثني عشر. + ثالثاً: قوانين المجامع: وتُعتبر المجامع بمثابة المجالس التشريعية للكنيسة، وقراراتها يجب أن تكون متوافقة وغير متعارضة مع نصوص أو روح الكتاب المقدس وتقليد الرسل الأطهار وتفسيرات وشروحات آباء الكنيسة الجامعة.على أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وإن كانت لا تعترف بمسكونية المجامع اللاحقة المعتبرة لدى الكنائس البيزنطية مسكونية، والتي انعقدت بعد مجمع أفسس المسكوني (سنة 431م)، إلاَّ أنها قد تأخذ ببعض القوانين التنظيمية الواردة في مقررات هذه المجامع على سبيل الاستئناس بما فيها إن كانت تتماشى أو لا تتعارض مع ما سبقها من قوانين، أو إن كانت تعالج معالجة صحيحة موضوعاً تدبيرياً تنظيمياً داخل الكنيسة لم يسبق معالجته من قبل. أما ما ترفضه الكنيسة القبطية تماماً في مثل هذه المجامع فهو إعلاناتها أو بياناتها العقائدية موضع الخلاف بينها وبين هذه الكنائس. وتُعتبر قوانين المجامع المسكونية المعترف بها قوانين مُلزمة ولا يمكن تغييرها أو تخطِّيها إلاَّ بمجمع مسكوني على نفس المستوى. المجامع الإقليمية (وتسمَّى أيضاً ”المكانية“): وهي المجامع التي انعقدت في إقليم ما واقتصرت على أساقفة هذا الإقليم أو عدة أقاليم مجاورة ولكن دون أن تأخذ صفة المسكونية. ولكن قوانينها حازت قبولاً واعترافاً من الكنيسة الجامعة. وهذه المجامع انعقدت قبل مجمع خلقيدونية سنة 451م. وكانت الكنيسة إبان الإمبراطورية الرومانية في طور التنظيم أو في مواجهة مشكلات الرعاية بعد إعلان التسامح مع المسيحية في الإمبراطورية البيزنطية وامتداد المسيحية إلى كافة الأصقاع المعروفة آنذاك. وهذه المجامع الإقليمية (أو المكانية) هي كالآتي: 1. مجمع أنقرة سنة 314م. وعدد قوانينه 25 قانوناً. 2. مجمع نيوقيصرية (أو قيصرية الجديدة) سنة 314-315م. وعدد قوانينه 15 قانوناً. 3. مجمع غنغرا (ما بين سنة 325م - سنة 381م). وعدد قوانينه 21 قانوناً. 4. مجمع أنطاكية سنة 341م. وعدد قوانينه 25 قانوناً. 5. مجمع سرديقا (أو سرديقية) سنة 344م. وعدد قوانينه 20 قانوناً. 6. مجمع اللاذقية (ما بين سنة 343م - سنة 381م). وعدد قوانينه 60 قانوناً. 7. مجمع قرطاجنة سنة 419م. وعدد قوانينه 133 وأحياناً 147. وهي مجموع القوانين التي أُقِرَّت في تسعة عشر مجمعاً سابقاً عُقدت في قرطاجنة، وسُمِّيَت قوانينها: ”مجموع الشرع الكنسي الأفريقي Canonum Ecclesiae Africanae“. وهو غير مجمع مكاني آخر عُقد في قرطاجنة سنة 257م برئاسة القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة (والمسمَّى بين كنائس شمال أفريقيا باسم البابا)، غير أنه لم يسنَّ قوانين معيَّنة بل تم فيه تداول الرأي في معمودية الهراطقة فقط. لكن مداولات هذا المجمع تلقي ضوءاً شديداً على نموذج قيِّم لطريقة المداولات داخل المجمع، ودور ”البابا“ أو رئيس المجمع في قيادة اجتماعات المجمع وكيفية اتخاذ القرارات. + رابعاً: قوانين وضعها بعض آباء الكنيسة الجامعة: وهم من آباء الكنيسة الجامعة قبل مجمع خلقيدونية (سنة 451م)، وقد أخذت الكنائس الشرقية والغربية بها في مراجع دساتيرها وقوانينها واعتبرتها قوانين عامة للكنيسة بأسرها:1. قوانين وضعها البابا ديونيسيوس الإسكندري (تنيح سنة 265م): 4 قوانين. 2. قوانين وضعها البابا بطرس الإسكندري الملقَّب بخاتم الشهداء (استُشهد سنة 311م): 14 قانوناً. 3. قوانين وضعها البابا أثناسيوس الإسكندري الملقَّب الرسولي (328-373م): 107 قوانين. 4. القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة الكبادوك (329-379م): 106 قوانين (وفي بعض المراجع 92 قانوناً). 5. البابا تيموثاوس الإسكندري (تنيح سنة 355م): 17 قانوناً. 6. القديس غريغوريوس أسقف نيصص (355-395م): 8 قوانين. 7. البابا الإسكندري ثاوفيلس (384-412م): 14 قانوناً. 8. (البابا) هيبوليتس أسقف روما الملقَّب أبوليدس (170-235م): 38 قانوناً. 9. البابا الإسكندري كيرلس الكبير (412-444م): 12 قانوناً. 10. القديس يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية (347-407م): 12 قانوناً. + خامساً: قوانين وضعها بابوات كنيسة الإسكندرية (بعد مجمع خلقيدونية): وهي مُلزمة للكنيسة القبطية فقط:1. البابا قزمان الثالث (920-932م)، والذي وضع فصولاً في المواريث وأحكامها. 2. البابا خريستوذولوس (1047-1077م). 3. البابا كيرلس الثاني (1078-1092م). 4. البابا غبريال بن تُريك (1131-1145م). 5. البابا كيرلس الثالث الملقَّب ابن لقلق (1235-1243م). + سادساً: كتب الصلوات والطقوس الليتورجية: وأولها الخولاجي المقدس الذي يحوي صلوات القدَّاسات الثلاثة: الباسيلي والغريغوري والكيرلسي. والتعليمات الخاصة بالتقديس على الكهنة والشمامسة.ثم كُتب صلوات التكريس: تكريس البطريرك والأسقف والمطران والقس والإيغومانس والشماس والرهبان والراهبات ورئيسة الراهبات. وهذه الكتب تحوي ترتيبات وإجراءات الرسامة وشروط وكفاءات المتقدِّم للرسامة في كل درجة من الدرجات. وهذه الكتب تشرح وتفسِّر بعض القوانين وتدعم بعض التحديدات والتحريمات فيها مثل: صلوات وضع اليد على رأس البابا والأسقف والقس والشماس التي هي عماد وأساس ومحور صلوات التكريس والتي لا غِنَى عنها في الرسامة لأي درجة منها. ومثل الصلوات المختصة بسر الزيجة حيث تفسِّرها قوانين الزيجة. وقد ذكر الصفي ابن العسَّال في كتابه المشهور ”المجموع الصفوي“ عن التعميد، ففصَّل أحكامه وأورد القوانين المتعلِّقة به. ثم قال: ”قد وُضع في البيعة القبطية كتاب مفرد للتعميد مفرَّع من القوانين، مشتمل على كيفية التعميد وجميع الصلوات المخصوصة به والاعتماد عليه في ذلك. ويجب التحرُّز العظيم فيها“ (صفحة 16). ثم كتب الصلوات: (تدشين الكنائس، وعمل الميرون المقدس، وتبريك المنازل الجديدة، وقدَّاس اللقان، وتقديس زيت مسحة المرضى، وباقي الأسرار الكنسية). (يتبع) |
|||
(1) عن كتاب: ”التدبير الإلهي في بنيان الكنيسة“، لأحد رهبان برية القديس مقاريوس، الطبعة الأولى 2001، من صفحة 50-58. |