عيد الخمسين والمبتدئون

للأب متى المسكين

علاقة الروح القدس بالراهب التائب:

لقد حرَّكني الروح الذي حرَّك كل الآباء القدامى قبلي لكي أتكلَّم اليوم عن التوبة الجليلة القدر، والذي زكَّى أمامي الحديث عن التوبة ”عيد حلول الروح القدس“، الذي كان موسم فرح وعزاء جميع الرهبان في كل العصور العائشين في التوبة بدَفْع من الروح القدس، وهدايته للسائرين في الطريق الملكي المقدس. وأقوى ما قرأتُ عن علاقة الروح القدس بالراهب التائب هو عند القديس مقاريوس، فهو أكثر جميع الآباء اهتمامًا وبهجةً وتشجيعًا في وصف علاقة الروح القدس بالراهب التائب؛ إذ قدَّم في إثبات ذلك عدة أوصاف قوية سوف نأتي على ذِكْر جميعها، ولكن أهمها في نظري هو تمثيله للالتحام الكائن بين طبيعة الروح القدس، وطبيعة النفس التائبة بالتعانُق أو الالتحام القائم بين خيوط السَّداة في قماش قوي زاهي بخيوط ضعيفة باهتة، فيخرج النسيج له صفة الأقوى والأجمل.

وأنا أعتقد أن هذا الوصف القوي الشجاع هو الأول من نوعه الذي نبَّه ذهني لقيمة وغِنَى عهد التوبة الذي دخلناه بدخولنا الرهبنة؛ إذ كان في ظني أول ما دخلتُ الرهبنة أني سأبدأ بالجهاد الطويل الشاق في الأول (الذي دعاني إليه المسيح في بدء حياتي)، وفي النهاية أَنْعَمُ بالروح القدس وأَدخلُ راحتي. فانعكس الوضع أمامي الآن بعد أن بلغتُ في الرهبنة 53 سنة، إذ أني الآن أنظر إلى سنيِّ الأولى، سني التوبة الحارة الدافقة التي لم تكفَّ دموعي فيها عن السيل، ولا ارتاح ظهري عن الركوع والسجود والمطانيات، أيام لم يكن لي صديق ولا زميل رهبنة ولا أب اعتراف ولا إنسان، مجرد إنسان، أجلس معه وأتعزَّى معه؛ فكان الرب هو وحده نصيـبي ولا سواه!

الروح القدس هو وحده العامل في الإنسان، والمُعزِّي الوحيد:

هذه هي الفترة الأولى التي يكشف فيها القديس مقاريوس عن أنَّ الروح القدس كان هو وحده العامل فيَّ والعامل معي والمُعزِّي الوحيد، وأنا لا أدري. هذا أذكره تمامًا حينما كان يستحثني على الصلاة، فكنتُ أستجيب في الحال وأقوم أُصلِّي، وكان يستحثني في المزيد من الصلاة فكنتُ أزيد الصلاة، وكان يُصَلِّب عودي فلا تنثني رجلاي، وكتاب الأبصلمودية المقدسة السنوية على يدي، أُصلِّي جميع الصلوات التي فيه من الجلدة إلى الجلدة باللغة العربية كل ليلة بلا انقطاع، وبعدها الأبصلمودية الكيهكية شهرًا وراء شهرٍ، وسنةً وراء سنةٍ، لمدة ثلاث سنوات ونصف.

الروح القدس هو الذي يحثُّنا، وهو الذي يُصلِّي فينا:

انظر معي الآن، يا زميل جهادي، كيف كان الروح القدس يستحثني على الوقوف والصلاة، ثم كيف كان يشدُّ رجليَّ وعزيمتي ويُحرِّضني على السجود المتواتر، وإذا تعبتُ يقول لي: ”اسْتَرِح“، ثم يعود يستحثني على القيام حتى أرى أول أشعة الفجر، فأُصلِّي صلاة باكر وأنعس، وبعد هذا أُحسُّ وكأن واحدًا واقفٌ أمامي يستحسن جهادي. هو الذي يستحث، وهو الذي يدفع على الجهاد، وهو الذي يُطالِب بالمزيد، وهو الذي يوعز بالراحة، ثم يعود يستحث على القيام، وفي آخر الليل يستحسن ما عملت. الآن، والآن فقط، أعترف أني ما كنتُ أنا الذي أُصلِّي، بل هو. وما كنتُ أنا الذي أقوى على سهر الليل بطوله، إلاَّ هو. وكان مختبئًا عني، لا أحسُّه ولا أراه، بل كنتُ أرى نفسي أني خائب وغير مهيَّأ للصلاة ولا التسبيح، ولكن هي رحمة الله التي قبلتني.

والآن، والآن فقط، آمنتُ أن كلام أنبا مقار حقٌّ، وأنَّ الروح القدس هو الصديق الوحيد للراهب المنقطع الساكن وحده، الذي ليس له معين ولا صديق. وأُدرك اليوم - بحسب أنبا مقار - أن الفترة الوحيدة التي يجد فيها الروح القدس أن له عملًا أساسيًا مع الإنسان هي فترة توبته وجهاده، ليدخل تحت النعمة، ويصير مُنقادًا بروح الله بعد أن كان يحيا بنفسه، منقادًا بمشيئته وهواه وخطاياه.

الروح القدس يُسهِّل خلع الإنسان العتيق:

ولماذا؟ لأنها أصعب فترة في حياة الإنسان، أن يخلع إنسانه العتيق بعوائده، كل عوائده، وكل مناقصه التي يدينها الناموس علانية وليس لها غفران ولا صفح، بل كان الناموس يُعاقب مثل هذه الأخطاء بالموت؛ لأن الناموس لا يقبل تقديم ذبائح إلاَّ عن خطايا السهو، أما الخطايا التي بالعَمْد والإرادة والمشيئة، فعقوبتها الموت على يد شاهدَيْن أو ثلاثة بلا رحمة.

فالخروج من تحت تهديد الناموس، بخلع الإنسان العتيق مع أعماله، عملية مُرَّة شاقة كالعلقم. ويستحيل أن يوجد إنسان قادر على عملية خلع الإنسان العتيق، إن لم يأتِهِ الروح القدس ويُسهِّل عليه الأمر، ويُشجِّعه ويقويه ويؤازره، ويستحثه على الصلاة والدموع حتى يخلع مرة واحدة كما يخلع جلده. فاسمع ما يقوله بولس الرسول عن صعوبة الخَلْع ومحاولة الهروب منه:

+ «فَإِنَّنَا فِي هذِهِ أَيْضًا نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ فِي الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثَقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ. وَلكِنَّ الَّذِي صَنَعَنَا لِهذَا عَيْنِهِ هُوَ اللهُ (الذي يطلب أن نخلعها حتمًا)، الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضًا عُرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذًا نَحْنُ وَاثِقُونَ...» (2كو 2:5-6).

بمعنى أنه لولا الروح ما استطاع أحد أن يخلع العتيق، لأنه عملية إماتة حقيقية للنفس الشقيَّة التي تشتهي البقاء على حالها في تمتُّع كاذب بهذا العالم ومَنْ فيه. ولكن إزاء هذه الإماتة الإرادية التي تتم بمعونة الروح القدس ننال إزاءها قوة وجبروت موت المسيح وما تمَّ فيه من القضاء على الخطية في أصولها، وعلى عقوبة الموت الأبدي الذي كان دَيْن البشرية المُسجَّل بسلطان إبليس. وكما بعد موت المسيح جاءت القيامة للإنسان الجديد بعد ثلاثة أيام، التي قامها المسيح بمجد الآب وقوة الروح القدس؛ هكذا - ولكن بنسبة مُصغَّرة جدًّا - تأتي الحياة الجديدة للإنسان بعد التوبة البهية بقوة الروح القدس ومعونته، التي فيها نخلع الإنسان العتيق مع أعماله الميتة، ونستلم إنسان الروح ذا الضمير المُطهَّر من الأعمال الميتة الممسوح بدم المسيح والحيَّ بروح الله.

بالروح القدس نتنسَّم رائحة المسيح الذكية:

والذي جاز هذه التوبة البهيَّة بشقِّها الأول المُر الموجوع، وسنينها الأولى التي عَبَرَت بشق الأنفس، ونال فيها ما نال من قوة ودفع غير منظور وعزاء الروح الخفي؛ هو الذي يُدرك لماذا وعد المسيح بإرسال الروح القدس الذي لولاه ما تنسَّمنا رائحة المسيح الذكية ضمن أعمال الروح الخفية التي كان يُذيقنا فيها عطايا المسيح بنوع العربون. نعم، الآن والآن فقط، نعود بالذاكرة ونُدرك كيف كان المسيح يُعلِّمنا بواسطة الروح جميع الكلام الذي قاله، ويُذكِّرنا إيَّاه، ويكشف عن أعيننا المعاني المستترة وراء الآيات الحاملة كل أسرار المسيح، والحق الذي فيها يومًا بعد يوم، وكأننا في ملء بهجة عيد الخمسين كل أيام سنينا الأولى؛ لأن عيد الخمسين هو عيد المبتدئين الذين تنعَّموا بأسراره سنينَ كثيرة.

بدون توبيخ الروح القدس لا نُمارس التجديد:

ولكن أيضًا، هوذا سرٌّ حزينٌ أقوله لكم: إن كثيرين وكثيرين جدًّا لم يذوقوا الروح القدس أيام التوبة البهية الأولى، التي عَبَرَت عليهم وعبروا عليها وهم معتقدون أنهم أعلى من قيمة المبتدئين، وأنهم صاروا أُناسًا روحيين متضلِّعين بقراءة الكتب وحفظ الآيات ودراسة اللاهوتيات العويصة، ولم يذوقوا مرارة التوبة الأولى ونشفان ريقها وسهر الصلاة ودموع التوبة الحميدة. هؤلاء يتصوَّرون أنهم مُعلِّمون ولاهوتيون والعارفون بأسرار اللاهوت؛ ولكنهم لم يتأدَّبوا تحت توبيخ الروح القدس ويخضعوا لقوة تعليمه في الأصول الأولى لكيفية خَلْع الإنسان العتيق مع أعماله، فعاشوا إنسانهم العتيق يتكلَّمون عن التجديد وما مارسوه، وعن الخلقة الجديدة وهم غرباء عن طبيعتها؛ بل ويعتقدون أنهم أصحاب الروح القدس، والروح القدس بريء منهم، وتشهد عليهم ضمائرهم المثقلة بوِزْر الأعمال الميتة، وسلوكهم يشهد بأنهم مُدَّعون.

أقول لكم مُحذِّرًا: لماذا؟ لأنهم لم يخضعوا لتدبير المسيح والكنيسة والآباء، ولم يمرُّوا تحت عصا تأديب الروح القدس في أيام أو سنين توبة صادقة تُقيم حياتهم من موت الخطية المجاني الذي استلموه من الكنيسة، وما مارسوه وما ذاقوه، بل - كما يقول بولس الرسول - لبسوا الجديد فوق العتيق، فابتلع العتيقُ الجديدَ كبقرات فرعون العِجَاف التي ابتلعت البقرات السِّمَان.

يؤكِّد القديس أنبا مقار أنه يستحيل على النفس القاسية والقلب الحديدي الصخري الذي تقسَّى بالخطية والشهوة والكبرياء والعداوة؛ يستحيل أن يلين إلاَّ بهذه النار السماوية، فهي وحدها القادرة على تغيير طبيعة النفس.

وقانون الدخول في العهد الجديد وشركة المسيح وضعه بطرس الرسول يوم الخمسين عندما سأله اليهود الذين نخس الروح قلوبهم: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ»؟ فقال لهم: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أع 2: 37، 38). إذن، التوبة أولًا ثم المعمودية على اسم المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. ولكن نحن اعتمدنا ونحن أطفال، ولم نَجُزْ التوبة حتى دخلنا الدير. إذن، فحياة الرهبنة تبدأ بالتوبة لتكتمل معموديتنا ومسحتنا بالروح القدس.

يقول القديس أنبا مقار:

[حتى إذا نالت النفس هذه النار السمائية التي للروح القدس، حينئذ تنفكُّ من محبة العالم، وتفلت من كل فساد الأهواء، وتتغيَّر طبيعتها من يبوسة الخطية].

[إذا كان إنسانٌ ليست له نعمة الله مغروسة وثابتة فيه حتى تصبح ماسكة بنفسه ليل نهار، وتصير له كأنها طبيعة ثانية تهديه وتحثه وترشده إلى كل الأمور الصالحة؛ هذا يلزمه الخوف] (العظة 16).

[ليس ممكنًا للنفس أن تَعْبُر من ذاتها بحر الخطية المُرِّ، وتجوز هوَّة القوات المظلمة الصعبة، إلاَّ إذا نالت روح المسيح اللطيف السمائي الذي يمكنه أن يَعبُر بها وسط قوات الشر. فبواسطة هذا الروح، يمكنها أن تصل إلى ميناء الراحة السمائية] (العظة 44).

الذي يقرأ للآباء يُدرك في الحال أهمية العمل الخطير الذي يقوم به الروح القدس لمؤازرة النفس التائبة في صراعها بعد المعمودية ضد طبيعتها القديمة؛ بحيث يتراءى للإنسان أنه بدون عمل الروح القدس، يستحيل على النفس الانسلاخ من عاداتها القديمة، ومن انحلال طبيعتها، ومن تواطؤها الأول مع الشيطان.

كذلك فإنَّ التشجيعات التي يبثُّها الآباء بكلماتهم النارية الملتهبة من جهة سخاء الروح وتودُّده المجاني لنفوسنا بحسب توصية الرب يسوع؛ يجعلنا في الحقيقة أمام دينونة مخيفة، إذا أهملنا الدخول الحقيقي الصادق في التوبة لنوال قوة الروح القدس، وشركته المجانية ليل نهار. والروح القدس، حسب طبيعته، سبَّاق للدعوة إلى التوبة، لأنها عمله الأول في الخليقة الجديدة أن يُحييها، وسبَّاق إلى المعونة في كل أعمال التوبة، وهو الذي يُوحي بها دائمًا.

وجميع الآباء النُّسَّاك، وكل الذين دخلوا بالحق في مواعيد الله، لا يمكن أن ينسوا البداية العجيبة: كيف دعاهم الروح بطرق متنوعة وكان سبَّاقًا في المعونة للخروج بهم من وسط العالم؟ وكيف قدَّم لهم كل معرفة في وقتها حتى أنَّ النفس لا تعود قادرة على المقاومة لإيحاءات الروح القدس وتودُّده المُذهل داخل النفس، مهما كانت مُحاطة بالمعوِّقات والخطايا والعثرات والتهديدات، وكيف كسَّر كل الفخاخ وأنقذ النفس!

يقول القديس أنطونيوس:

[وقبل كل شيء فإنَّ الروح القدس يدعوهم، ويُسهِّل عليهم كل الأمور، حتى يحلو لهم الدخول في التوبة، ويُظْهِر لهم طُرقها على الحقيقة، ليتوبوا بأرواحهم بالقوة، ويقمعوا الجسد والروح حتى يتطهَّرا كليهما ويصيرا وارثَيْن لحياة الأبد] (الرسالة الأولى).

[روح التوبة يُعزِّي الإنسان، ويُعرِّفه أن لا يرجع إلى الوراء ولا يتعلَّق بشيء من أمور العالم، ويفتح عيني النفس أيضًا للتوبة الحقيقية لكي تتطهَّر النفس والجسد ويكونا كلاهما طاهرَيْن. فهذا هو تعليم الروح القدس إذ يسعى أمامهما، ويُطهِّرهما، ويمحو عنهما الطبائع الممزوجة في الجسد، وينقلهما إلى الخلقة الأولى التي كانت قبل المخالفة، ولا يُبقِي في الإنسان شيئًا من أمور العدو...] (الرسالة الأولى).

[إنَّ الروح القدس المُعزِّي المأخوذ في المعمودية، يُعطينا العمل بالتوبة ليردَّنا ثانية إلى رئاستنا الأولى. وكل الذين يعتمدون للمسيح يلبسون المسيح، كما قال الرسول (غل 27:3)، وينالون نعمة الروح القدس] (الرسالة السابعة).

والروح لا يُلزِم النفس بالتوبة، ولكنه يُزكِّيها للنفس فقط؛ فإنْ قبلت أعانها، وإن حنثت تركها. لأن الروح يُزكِّي التوبة، ويُذيق النفس شيئًا من سلام الله وفرح الروح وبهجة الخلاص في البداية. فإنْ هي قبلت الدعوة، وانقادت للحق، وتصادقت مع مطالب الروح وصوت الحكمة؛ أحاطها الروح القدس بمعونات وتعزيات أكثر فأكثر، حتى تَقْوَى ضد شهواتها وعاداتها القديمة.

ولكن إنْ هي تحامقت (أي صارت حمقاء) وانجذبت لشهواتها الحمقاء وعاداتها القديمة؛ انحصر الروح القدس وتراجَع، وظهرت على المسرح قوات العدو تسوق النفس. وهكذا يستمر الصراع داخل النفس إلى أن تُقرِّر النفس موقفها النهائي الذي تتحمل وحدها مسئوليته.

يقول أنبا أنطونيوس:

[إذا تسلَّحت النفس بالصبر الدائم وفرحت بدعوة الله، فإنَّ الروح القدس يُرشدها ويُرشد العقل حتى إلى تطهير النفس والجسد كلاهما. فإنْ غفل الإنسان عن الشهادات والتعاليم التي سمعها، فحينئذ تَقْوَى عليه أرواح الظلمة الرديَّة، وتُنجِّس جسده، وتُشكِّكه في كيف تأتي المعونة] (الرسالة الأولى).

[فإنْ رجعت النفس ولصقت بروح الخلاص، فعند ذلك تَعْلَم أنَّ الصبر من أجل الله هو راحتها] (الرسالة الأولى).

ويقول أنبا مقار:

[ولكن إنْ تجاسرت نفسه وقاومت ترتيب الروح القدس، فإنَّ القوة التي وُضعت عليه تنسحب، وبذلك تتولَّد فيه محاربات واضطرابات، ثم تُضايقه آلام الجسد، وفي كل لحظة يُهاجمه العدو. فإنْ تاب قلبه وتمسَّك بوصايا الروح القدس، فإنَّ معونة الله تكون عليه] (الرسالة إلى أولاده).

هكذا الروح هو القادر على إيقاف كل أعمال الإنسان العتيق وإبطال سلطان العدو عليه بكل شهواته وكل عاداته المُخالِفة لله، ذلك بقوة فائقة تُلهب إرادة الإنسان، فهو رجاء الخلاص الوحيد أمام الإنسان المربوط بخطاياه. لذلك يُنبِّهنا الآباء من جهة التوسُّل والصراخ واللجاجة بلا هدوء ولا توقُّف ولا ملل حتى نسأل وننال هذه القوة الفائقة؛ بل ويكفي أن تكون الإرادة حاضرة كل حين تطلب التوبة بدموع، وهو يُسرع إلينا.

يقول أنبا مقار:

[... فلنتوسَّل إلى الله أن ين‍زع منَّا الإنسان العتيق، لأنه هو وحده القادر على رَفْع الخطية منَّا مع كل شهوات الإنسان العتيق، لأنها أقوى من إرادتنا بحيث إنها تستأسر وتستعبد الإنسان العتيق، لأن الخطية تصبح ممزوجة بالنفس أيضًا مع أنَّ طبيعة النفس غير طبيعة الجسد وطبيعة الخطية. ولكن لا يمكن افتراق النفس من الخطية إلاَّ بأن يُرسِل الله روحه القدوس والهدوء، ويُسْكِت الروح الشرير. فلنسأل الله أن يهبنا أجنحة حمامة (مز 55: 6)، أي الروح القدس، لنطير إليه ونطمئن لأنه هو وحده القادر على كل ذلك] (العظة الثانية).

[جميع الذين يُحسَبون أهلًا حقًّا لشركة الروح القدس المحبوب السمائي، يلزمهم أن يتجرَّدوا بالكليَّة من حُبِّ العالم لتجرفهم الشهوة السمائية] (العظة الرابعة).

يقول أنبا أنطونيوس:

[الذي يطلب من الرب باجتهادٍ ومحبة، بحسب وصاياه وتعاليمه، فإنَّ الرب يكون معه ويُعطيه نعمة الروح القدس، والذين استحقوا هذه النعمة سَعَوْا حسب الوصية بكل قلوبهم ونيَّاتهم، فقبلوا روح البنوَّة وتعلَّموا من الروح القدس. اطلبوا لكي النار التي ألقاها الرب يسوع على الأرض، يُلقيها في قلوبكم لتستطيعوا أن تتدرَّبوا في عزائمكم وحواسكم] (الرسالة الثالثة).

يقول أنبا مقار:

[فلنغصب، إذن، أنفسنا بالتواضع العقلي والوداعة والمحبة، حتى ولو لم يكن للقلب إرادة في ذلك، ملتمسين ذلك من الله بالإيمان والرجاء والمحبة بلا انقطاع، بأملٍ وانتظار كي يُرسل روحه إلى قلوبنا حتى نُصلِّي ونسجد لله بالروح والحق، والروح نفسه يُصلِّي فينا فيُعلِّمنا الصلاة الحقيقية التي لا نقدر على تحصيلها بدون اغتصاب وبدون قوته] (العظة 19).

يقول أنبا أنطونيوس:

[روح الله لا يسكن في نفس أو في جسد خاطئ، لأنه قدوس وبعيد عن كل غش] (الرسالة الرابعة).

ويقول القديس مقاريوس:

[لأنه لو كانت الطبيعة البشرية قادرة أن تُقاوم مخاتلة الشيطان بدون سلاح الروح القدس، ما كان الرسول بولس قد قال: «وَإِلَهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعًا» (رو 16: 20). ولقد أَمرنا المسيح أن نقول: ”لا تُدخلنا التجارب، لكن نجنا من الشرير“، فإنْ لم يكن لنا عون آخر نخلُص به من سهام إبليس المتوقدة، فكل سيرتنا لا تُجدي نفعًا] (العظة 25).

(2001/6/4)

********************************************************************************************************

دير القديس أنبا مقار سيصدر قريبًا كتاب (كود 765)

Greek English Arabic Dictionary

قاموس يوناني إنجليزي عربي

لكلمات الكتاب المقدَّس بعهديه والكلمات المستخدمة في النصوص الآبائية

إعداد الراهب أندرياس المقاري

1072 صفحة (من القطْع الكبير - تجليد فاخر) ................. الثمن 250 جنيهًا

********************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis