ذِكر الصدِّيق للبركة


وداعاً أنبا إبيفانيوس
الأسقف القديس، العالم والشهيد


الشهيد أنبا إبيفانيوس

( نُنعي ببالغ الحزن والأَسى أسقفنا الطاهر الوديع، نيافة الأنبا إبيفانيوس، الذي عاش بيننا في زُهدٍ وتجرُّدٍ تام عن كلِّ مظاهر الأسقفية، ببساطة الرهبان، بلا عمامة ولا عصا ولا صليب ذهبي؛ بل ولم يكن يَقبل إطلاقاً تقبيل يده أو السجود له تكريماً لرُتبته الكهنوتية. وكذلك لم يَقبل إجراء الطقوس الخاصة بالأساقفة عند حضور الكنيسة من الألحان والمدايح والمزامير.

( عاش بيننا كواحدٍ مِنَّا، بـلا تعالٍ أو ترؤُّس بأيِّ شكلٍ مـن الأشكال، وديعاً متواضعاً كسيِّده المسيح، حتى أنه لم يكن يستنكف أن يكون بيننا كالذي يخدم، حسب قـول المسيح: «أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ» (لو 22: 27).

( وُلِدَ ”تادرس زكي تادرس“ (نيافة الأنبا إبيفانيوس) بمدينة طنطا في 27 يونية 1954م. وأكمـل دراسته في مدارسها. ثم التحق بكلية الطب - جامعة طنطا، وتخرَّج منها سنة 1978م، حاصلاً على بكالوريوس الطب والجراحة، وعَمِل فترةً من الزمن في محافظات الوجه القبلي.

( دخل ديـر القديس أنبا مقار في 17 يناير 1984م، ورُسِمَ راهباً ليلة سبت النور (ليلة أبو غالمسيس) في 21 أبريل 1984م.

( رُسِمَ قسّاً بيد المتنيِّح نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس دير القديس أنبا مقار السابق في 17 أكتوبر 2002م

( كان منذ رهبنته مُستعدّاً دائماً للبذل والخدمة، حتى أنَّ أباه الروحي المتنيِّح القمص متى المسكين اختاره ل‍مُرافقته في رحلته العلاجية للولايات المتحدة الأمريكية عام 1997م. كما أنَّ الأب الروحي طلب منه مُرافقتي في رحلتي العلاجية لألمانيا عام 2002م. وظلَّ على عهده دائماً في الاهتمام بالمرضى، وبالأخص الذين في مراحل مرضهم الخطيرة مثل: المتنيِّح الأب لوقا المقاري، والمتنيِّح الأب باناجياس المقاري، اللذين خدمهما ورافقهما في رحلتهما العلاجية حتى رقادهم الأخير، في محبة وبَذْل وعطاء مُخلِص ووداعة.

( ولم يتحلَّ فقط بعنايته للمرضى، بل تميَّز أيضاً بحبِّه للدراسة والبحث. فاستأمنه الدير على المكتبة والمخطوطات. فعكف على البحث والدراسة، وأتقـن اللغة القبطية واللغة اليونانية، وكذلك دراسة المخطوطات القديمة. وكـان يكتب المقالات التي تُنشر في ”مجلة مرقس“ التي يُصدرها دير القديس أنبا مقار، وكذلك في مجلة ”مدرسة الإسكندرية“ الرُّبع سنوية. وله عدَّة مؤلَّفات، مثل: دراسة في كتاب ”بستان الرهبان“، وترجمة ”سِفْر التكوين“ وكذلك ”سِفْر الخروج“ من الأصل اليوناني للترجمة السبعينية إلى اللغة العربية. وأيضاً ”القدَّاس الباسيلي“ و”القدَّاس الغريغوري“ باللغتين اليونانية والعربية. وكذلك قام بنشر ميامر من المخطوطات.

( كما استأمنه ديـر القديس أنبا مقار على حساباته البنكية من حيث إيراداته ومصروفاته، فأَخلَص فيها وأَجاد.

( كما أنـه حضر، قبل رسامته أسقفاً، أحد المؤتمرات الخاصة بالدراسات القبطية مع نيافة الأنبا مارتيروس.

( وقبل نياحة مثلث الرحمات نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس الدير السابق، طلب نيافته مـن قداسة البابا تواضروس الثاني أن يرسم أسقفاً لديـر القديس أنبا مقار من بين رهبانه.

( وبناءً على استبيان أجراه رهبان الدير لاختيار أسقف للدير من بين رهبانه، حصل الراهب إبيفانيوس المقاري على أغلبية الأصوات. وقد قام نيافة المتنيِّح الأنبا ميخائيل بتزكيته أسقفاً للدير.

( تمَّت تسميته أسقفاً لدير القديس أنبا مقار في عشية السبت الموافق 9 مارس 2013م. ثم تمَّت سيامته أسقفاً بيد قداسة البابا تواضروس الثاني في صباح الأحد 10 مارس 2013م، بحضور لفيف من المطارنة والأساقفة والكهنة وعدد من رهبان الدير.

( تمَّ تجليسه في دير القديس أنبا مقار كأسقف ورئيس الدير في عشية عيد الصليب المقدَّس الموافـق الاثنين 18 مارس 2013م، بحضـور لفيف مـن مطارنـة وأساقفة الكنيسة يتجاوز عددهـم الأربعين.

( وبعد رسامته أسقفاً لدير أنبا مقار، ظهرت مواهبه بالأكثر. فحضر العديد من المؤتمرات التي أوفده إليها قداسة البابا تواضروس الثاني. فشرَّف الكنيسة القبطية ومصر في جميع هذه المحافل والمؤتمرات، حيث اتَّسمت محاضراته بالعُمق والاستنارة والفهم والدراسة المتأنِّية والمتميِّزة في جميع فروع العلوم الكنسية المتنوعة.

( وقد كان لإسهاماته في المحافل الدولية التي حضرها، وبخاصة فيما يختص بحوار الديانات وكذلك ندوات مكتبة الإسكندرية، صدًى عالمي مُشرِّف بالنسبة لكنيستنا القبطية وبلادنا العزيزة مصر.

( كل ذلك، علاوة على أمانته في رعايـة الديـر، وحث الرهبان على السلوك الرهباني، والتوبة، وتجديد الحياة الروحية، ومحبة المسيح، كهدفٍ أساسي للرهبنة الأصيلة. وأيضاً قدوته الصالحة بيننا بتواضعه ووداعته وزُهده.

( وفي الأيام الأخيرة، قبل انتقاله من هذا العالم، أحسَّ بدنو أَجله، حتى أنه أوصى أحد ال‍مُقرَّبين إليه بإعداد اللوحة الرخامية التي ستوضع على قبره.

( وفي فجر الأحد 29 يوليو 2018م، استُشهد وهو في طريقه إلى الكنيسة.

( وفي صباح الثلاثاء الموافق 31 يوليو 2018م، رُفعت الذبيحة المقدَّسة باسمه في القدَّاس الإلهي بحضور جثمانه الطاهر. ثم أُجريت مراسم الجناز الذي حضره قداسة البابا تواضروس الثاني ولفيف من المطارنة والأساقفة والكهنة والرهبان. ثم تمَّ دفنه في مقبرة الرهبان بدير القديس أنبا مقار.

( نسأل إلهنا الصالح أن يُنيِّح روحه الطاهرة في أحضان آبائنا القدِّيسين، وأن يُعزِّي قداسة البابا تواضروس الثاني، ومجمع الآباء المطارنة والأساقفة، وكل الكهنة، وأولاده رهبان الدير، ومصر كلها في هذا المصاب الأليم؛ بل يُعزِّي كل أحبَّائه وعارفي فضله في كلِّ أنحاء العالم، وأن يهبنا مَن يصلح لاستكمال مسيرته، ويكشف الجاني من أجل خلاص نفسه ونجاته من دينونة الله الرهيبة.

الراهب يوحنا المقاري

تحريراً في 1 أغسطس 2018م

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis
20 - مجلة مرقس سبتمبر 2018 مجلة مرقس سبتمبر 2018 - 21