تأملات روحية


«يا ربُّ، لا تُقِمْ لهم
هذه الخطية»
(أع 7: 60)

المسيحية وروح الغفران للمُسيئين:

لقد تجلَّى الغفران للمُسيئين والمُضطهِدين أولاً في شخص الرب يسوع، الذي طلب من أبيه الصالح الغفران لكلِّ مُسلِّميه وصالبيه، إذ قال: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو 23: 34).

ووصية الغفـران للمُسيئين إلينا، وَضَعَها الرب يسوع كشرطٍ أساسي لغفـران الله لخطايانا وسيئاتنا، سواء في الصلاة الربَّانية التي علَّمنا إيَّاها: «وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْـنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا» (مت 6: 12)، أو عندمـا أوصانـا قائـلاً: «وَمَتَى وَقَفْتُـمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ زَلاَّتِكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ» (مر 11: 26،25).

وتعاليم الرب يسوع الخاصة بالغفران للمُذنبين إلينا أو المُضطهِدين لنا، والتي طبَّقها الرب فعليّاً على الصليب، هي التي تغلغلت في أعمـاق نفس القديس استفانوس رئيس الشماسة وأول شهداء المسيحية. فلم يَعْتَوْرَه كُره أو بُغضة لراجميه، ولم يطلب من الله أن ينتقم مـن أولئـك الكارهـين، أو يُنزِل غضبه على مُضطهِديه؛ بل كان بينما يرجمونه بقسوة وشراسة، وهو يدعو ويقول: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَـلْ رُوحِي»، إذا بـه يجثـو على رُكبتيه ويصرخ بصوتٍ عظيم: «يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وبعد أن قال هذا الكلام الممسوح بنعمة الغفران لراجميه، رقد في الرب (أع 7: 60،59).

ولكن، دماء هذا الشهيد الأول للمسيحية لم تُسفَك هَدَراً، فبينما كـان «شَـاوُلُ (الطرسوسي) رَاضِياً بِقَتْلِهِ» (أع 8: 1)، و«كَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ» (8: 3)، و«لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ»، بل لم يهدأ باله بكلِّ ما فعله بالمؤمنين بالرب يسوع في أورشليم من تنكيلٍ واضطهاد، وإذا به يتقدَّم إلى رئيس الكهنة ويطلب منه «رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَـدَ أُنَاساً مِـنَ الطَّرِيـقِ، رِجَـالاَ أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُـوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ» (أع 9: 2،1)؛ إذا بنعمـة الرب تتلامس مـع قلبه وتنخس ضميره، ويظهر له الرب يسوع بمجدٍ وبهاءٍ عظيمَيْن ليُخـبره: «شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟». وعندما تعجَّب شاول من هذا الكلام، سأل الرب: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟»، أجابه الرب: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ» (أع 9: 5،4).

هنـا نستطيع أن نقـول إنَّ دمـاء القديـس استفانوس كانت كبذارٍ عَمِلَت في تُربة قلب شاول المُضطهِد، مسنودة بنعمة المسيح الغنيَّة، وقد شهد فيما بعد بولس الرسول قائلاً: «أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدًّا مَعَ الإِيْمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (1تي 1: 13-15).

وليست دمـاء القديس استفانوس الزكيَّة التي سُفِكَت من أجل المسيح، كانت سبباً فقط في جذب شـاول الطرسوسي إلى الإيمان، بل نستطيع أن نستشف أيضاً أنها عَمِلَت عملها الفعَّال في جَذب كثير مـن الراجمين إلى الإيمـان، لأن ”دمـاء الشهداء هي بذار الكنيسة“.

وهـذا ما فعله المؤمنون بالرب يسوع على مدى الأحقاب والسنين، فبالرغم مِمَّا عانوه مـن ضيقات واضطهادات وعذابات حتى سَفْك الدم، إلاَّ أنَّ قلوبهم - قبـل شفاههم - كـانت تطلب الغفران لمُضطهديهم؛ مِمَّا كان له أكبر الأثر في نخس قلوب أولئك القساة واجتذابهم إلى المسيح.

لقد أوصى الرب يسوع تلاميذه، ومِـن بعدهم الكارزيـن والمُبشِّريـن باسمه القدوس، قـائلاً: «اِذْهَبُوا. هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ» (لو 10: 3). وهنا نتساءل: ما الغرض مِمَّا قاله الرب؟ هل لكي تفتك الذئاب المتوحِّشة بالحملان الوديعة؟ أم ليكون لاحتمال هـذه الحملان لهذه العذابات - دون مُقاومة - حُبّاً في الرب، التأثير القوي على هـذه الذئـاب المفترسة؟ فليس عسيراً عنـد الـرب، أن تتحوَّل هذه الذئـاب، مـن كـثرة امتصاصها لدماء الحملان، إلى حملان أيضاً؛ أي أن تكون دماء هذه الحملان بذاراً تجتـذب هـذه الذئـاب المُفترسـة إلى الإيمـان المسيحي، وحينئذ يكـون انتقام الرب هـو بـأن يقتلع الشـر والبُغضـة مـن قلـوب الذئـاب ويجتذبهـم إلى الإيمـان الحقيقي بـه! أَلم يحـدث هـذا - كمـا ذكـرنـا آنفـاً - لشـاول الطرسوسي؟ كما حدث أيضاً مـع أريـانوس والي أنصنا، وغيره مـن المُضطهِدين الذين تحوَّلوا إلى الإيمان بفعل تأثير دماء الشهداء والمعترفين!

المسيحية وعدم الانتقام:

لقد أوصانـا الرب يسوع قائلاً: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّـوا لأَجْـلِ الَّذِيـنَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (مت 5: 44،43).

وردَّد بولس الرسول صدى هذه التعاليم الإلهية قائـلاً: «بَارِكُوا عَلَى الَّذِيـنَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا... لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَـا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: ”لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ“» (رو 12: 19،14).

+ ويُعلّـِق القديس يوحنا ذهبي الفـم على الآية: «بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا»، قائلاً:

[لم يَقُل (بولس الرسول): ”لا تنسوا الإساءة“، ولا قال: ”يجب أن تُحاربوهم“؛ بل طلب ما هو أفضل بكثير مـن ذلك كله. لأن هـذه بالتأكيد هي سِمَة الإنسان الحكيم، بـل هي بالأكثر صفة الإنسان الملائكي. فبعدما قـال: ”بـاركوا“، أضاف ”ولا تلعنوا“، حتى لا نفعل هذه ونترك تلك، بل نفعل شيئاً واحداً، نُبارِك ولا نلعن. خاصةً أنه بسبب هؤلاء الذين يضطهدوننا، ننال المكافأة. أمَّا إن كنتَ يَقِظاً، فستُعِدُّ لنفسك مكافأة أخرى، من خلال الذي يضطهدك. لأن ذاك سيُعطيك مكافـأة مـن خـلال اضطهاده لك، بينما أنت ستُعطي لذاتـك المكافأة مـن خـلال مُباركتك له، مُظْهِراً قَدْراً عظيماً مـن محبتك للمسيح. فإنَّ مَـن يلعـن المُضطهِد، لا يشعر بالفرح، لأنه بهذا يكون قـد رَفَضَ الألم لأجل المسيح، لكن الذي يُبارِك هـو الذي يُظهِر محبته الكبيرة نحو المسيح](1).

+ ويستطـرد القديس يوحنا ذهبي الفم في شرحه لهذه الآية، قائلاً:

[إذن، لا تُسيء إلى مَـن يلعنك، لكي تربـح نفسك مكافأة عظيمة، هذا الأمر لا يضع عليك التزاماً (فقط) بأن تُباركه، بل هـو بمثابة احتفاء واحتفال؛ وليس نكبة ولا ضيقة. ولهـذا فـإنَّ المسيح له المجد قـال أيضاً: «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَـالُوا عَلَيْكُمْ كُـلَّ كَلِمَـةٍ شِرِّيـرَةٍ، مِـنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ» (مت 5: 11). ولهذا فـإنَّ الرسل رجعوا فرحين، ليس لأنهم أُهينوا فحسب، بل لأنهم جُلِدوا. لأنـه بالإضافة إلى مـا سبق، ستربح مكافأة أخرى كبيرة، أن تجعل أعداءك هكـذا يتحيَّرون ويندهشون، وأن تُعلِّمهم بالأعمال، أنك تسير نحـو حياةٍ أخرى. لأنـه إن رآك (عدوُّك) تفرح، بل وتقفـز مـن الفرح، فلماذا يُسيء إليك؟ (بل) سيعرف جيِّداً أنَّ لديـك رجاءً آخـر أعظم مـن مجرَّد الرجاء في الأمـور الحاضرة... لأنـه إن لاحَظ أنـك لا تتضايـق بسبب الإهانـات، بـل وتُبـارِك، فسيتوقَّـف عـن اضطهادك. إذن، لاحِظ مقدار المزايا التي تأتي مـن وراء ذلك، فإنَّ المكافأة ستصير أكبر بالنسبة لك، والتجربة ستصير أقل، والذي يضطهـدك سيُوقِـف اضطهـاده، والله سيتمجَّـد، وإيمانـك سيتحـوَّل إلى تعليمٍ عـن التقوى لمَن يعيش في الضلال](2).

ولكن مـا المقصود مـن هـذه الآية: «”لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: ”لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ“»؟ هل هو عقابٌ صارمٌ من قِبَل الرب على المُضطهِدين لنا والمُسيئين إلينا، كما يتوقَّع ويفهم البعض؟

نتذكَّر عندما أرسل الرب أمام وجهه «رُسُلاً، فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: ”يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟“». ماذا كان ردُّ الرب يسوع عليهما؟ هـل وافقهما الـرب على شهوة الانتقام هذه؟ فلنستمعْ إلى مـا ذَكـره الإنجيل في هـذه الحادثة: «فَالْتَفَتَ وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ» (لو 9: 52-56).

+ ويُعلِّـق القديس كيرلس الكبير على هـذه الحادثة، قائلاً:

[(الربُّ) كـان يعرف أنَّ أولئك الذين ذهبوا أمامه لكي يُعلنوا عن إقامته بينهم، لـن يقبلهم السامريون؛ ولكنـه سمح لهم أن يذهبوا لكي يكون هذا أيضاً وسيلة لفائدة الرسل القدِّيسين. فما هـو، إذن، الغرض من هذا الحادث؟ لقد كان (الرب) صاعداً إلى أورشليم، إذ أنَّ وقت آلامه كان يقترب، كان على وشك أن يحتمل احتقار اليهود، وكـان على وشك أن يتعرَّض للإعـدام على يـد الكَتَبَة والفرِّيسيين، وأن يحتمـل تلك الأشياء التي أصابـوه بها حينما تقدَّموا لكي يُكمِلوا كـلَّ عنفٍ وكـلَّ تهوُّرٍ شرير. لـذلك، فلكي لا ينزعجوا (التلاميـذ) حينما يَرَونـه متألِّماً، إذ يفهمون أنـه يُريدهم هم أيضاً أن يكونـوا صابرين، وألاَّ يتذمَّروا كثيراً، حتى لـو عاملهـم الناس بـازدراء؛ (لذلك) فهو كما لـو كان قد جعل الاحتقار الذي تعرَّضـوا له مـن السامريين، تدريباً تمهيديّاً في هذا المجال.

فالسامريـون لم يقبلوا الرسـل، وكان من واجب التلاميذ، باقتفائهم آثار خطوات سيِّدهم، أن يحتملوا ذلك بصبرٍ كما يليق بقدِّيسين، وألاَّ يقولـوا عنهم أي شيء بغضبٍ، ولكنهـم لم يكونوا بعد مُستعدِّيـن لهذا؛ ولكـن إذ تملَّكهم سخطٌ شديد، فإنهم كانوا يُريـدون أن يطلبوا نزول نار مـن السماء عليهم، ولكن المسيح انتهرهم لأنهم تكلَّموا هكذا...

لذلك، فقـد انتهر الرب التلاميذ لأجـل منفعتهم، كابحاً جمـاح غضبهـم بلُطف، ولم يسمح لهم أن يتذمَّروا بشدَّة ضد أولئك الذين أخطأوا؛ بل حثهم بالحري أن يكونـوا طويلي الأنـاة، وأن يحتفظوا بقلبٍ غـير مُتحـرِّك بواسطة أي شيء من هذا القبيل...](3).

نعود إلى الآيـة: «”لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ“». فمِن خلال تعاليم الرب يسوع ومن مثال حياته المقدَّسة، نفهم أنَّ هـذه النقمة ليست انتقاماً إلهيّاً مُريعاً يُبيد ويُهلك أولئـك الظالمين؛ لكـن بالحـري هـو نخسٌ لقلـوب وضمائـر المُسيئين والمُضطهِدين، تماماً مثلما قـال الـربُّ لشـاول الطرسـوسي: «صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». هذه هي النقمة الإلهية: «لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً («أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً») كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ» (1تي 1: 16،13).

ويُردِّد القديس بطرس الرسول هـذه التعاليم الإلهية التي تسلَّمها من الرب يسوع، قائلاً: «غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِالْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً. لأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّاماً صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بَالْمَكْرِ، لِيُعْرِضْ عَنِ الشَّرِّ وَيَصْنَعِ الْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ السَّلاَمَ وَيَجِدَّ فِي أَثَرِهِ... وَلكِنْ وَإِن تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ» (1بط 3: 9-15).

وهكذا فإنَّ «كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلْسَّلاَمِ» (عب 12: 11).

(1) ”تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية“، رو 12: 14، عظة 23.
(2) شرحه.
(3) ”تفسير إنجيل لوقا“، لو 9: 51-56.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis