من تاريخ كنيستنا
- 160 -


الكنيسة القبطية في القرن التاسع عشر
البابا كيرلس الرابع
البطريرك العاشر بعد المائـة
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري
(1854 - 1861م)
- 9 -

«وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 18)

(تكملة) نياحة مؤسِّسي المكتبة وتشغيل المطبعة:

+ أمَّا المطبعة، فمِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ الكُتب التي صَدَرت منها، والجريـدة التي انتشرت بواسطتها؛ هـذه وتلك، كـانت سبباً في نَشْر الثقافة القبطية، واستنهاض الهِمم، وتحريك الأنظار نحو فجرٍ جديد.

المـدارس التي افتتحهـا أبـو الإصـلاح: 1. المدرسة الكبرى للبنات، في ساحـة الكنيسة المرقسية بالأزبكية؛ 2. مدرسة البنات بجوارها (أُغلِقَت بعـد انتقاله)؛ 3. مدرسة البنين بحارة السقَّايين؛ 4. مدرسة المنصورة للبنين (بمدينة المنصورة)، وأُغلِقَت في حياتـه؛ بالإضافة إلى المدرسة التي كان قـد أنشأها بعزبة دير الأنبا أنطونيـوس ببوش؛ وكـذلك المدارس العامة (الكتاتيب) في كـلِّ ديـر لتعليم الأهالي بجانب الرهبان.

بعض كبار الشخصيات الذين تخرَّجوا

من مدارس أبي الإصلاح:

ولضيق المقام عن ذكرهم كلهم، نذكر البعض منهم:

أولاً: خريجو المدارس الكبرى:

1. محمد توفيق الساوي باشا من كبار موظَّفي الدولة؛ 2. عبد الحميد مصطفى باشا وكيل المالية؛ 3. محمود عبد الـرازق باشـا وكيـل الداخلية؛ 4. الدكتور سيد كامـل سكرتير عـام بنك مصر؛ 5. عبد الكريم رؤوف بك المحامي؛ 6. المستشار أحمد شرف الديـن بـك؛ 7. إسماعيل زهـدي المحامي؛ 8. حسن كامل الشيشيني باشا مدير عام بنك التسليف الزراعي [وهم مِمَّن ثاروا على تشدُّد المستشار الإنجليزي ”دنلوب“، فأَمَر بإخراجهم مـن المدارس الأميرية (الحكومية)، فرحَّبت بهم مدارس الأقباط، وبالتالي تعلَّموا فيها].

9. المستشار سليمان بك يسري؛ 10. وهبة بك تادرس الشاعر ومدير المدارس القبطية (وقد تعلَّم في الأزهر أيضاً)؛ 11. ميخائيل عبد السيد الأديب ورئيس تحرير جريدة ”الوطن“؛ 12. باسيلي بك روفائيل الطوخي، وهو من أعلام اللغة القبطية؛ 13. يعقوب بك نخلة روفيلة (المؤرِّخ)؛ 14. ابن عمِّه برسوم بـك جريس روفيلة، وكـان قاضياً بالمحاكم الأهلية؛ 15. حبشي بك مفتاح من كبار موظفي السكة الحديد؛ 16. المستشار حنا باشا نصر الله الذي اشتغل بالمالية أولاً، ثم مستشاراً في محاكم الاستئناف الأهليـة؛ 17. تـادرس أفنـدي حنـا الجيزاوي، الذي كـان باشكاتباً لعنابر السكة الحديد، ثم عُيِّن ضمن التليغرافية لخدمة ملكة فرنسا أثناء أيام افتتاح قناة السويس؛ 18. برسوم بك يعقوب رئيس قلم تفتيش الصيارف؛ 19. فرج بك جودة، وكـان مـن كبـار مـوظفي مصلحـة الفنارات بالإسكندرية، وله خدمات جليلة لمدرسة الأقباط بهذا الثغر؛ 20. ميخائيل أفندي فهمي، وكان مُترجماً في نظارة الحقَّانية (وزارة العدل الآن)، ومن المُقرَّبين إلى شريف باشا الفرنساوي؛ 21. حبيب فرج مليكة والد الصحفي النابـه ”تـوفيق حبيب“ (الذي كـان معروفاً بالصحافي العجوز).

22. القمص حنا يوسف مرقس، والد مرقس باشـا حنـا الوزيـر وعضـو الوفـد المصري؛ 23. ميخائيل بك تادرس، من كبار موظفي الدائرة السَّنيَّة؛ 24. خليل باشا إبراهيم المحامي، وهو باني كنيسة السيدة العذراء بالزيتون التي تجلَّت فيها والدة الإله منذ الثاني مـن أبريـل سنة 1968، وظلَّت تتجلَّى أكثر من سنتين، وقد رآها الآلاف من الناس: أقباطاً ومُسلمين وأجانب؛ 25. سعيد زقلمة عمدة النخيلة؛ 26. تادرس بطرس شلبي من كبار موظفي السكة الحديـد؛ 27. حبيب شلبي مـن الأعيان، وباسمه سُمِّي اسم شارع في حيِّ الفجَّالة؛ 28. رزق الله بك فرح، وقد تبرَّعت والدته وزوجته بعد وفاته، بثلاثـة وأربعـين فدانـاً للجمعية الخيريـة القبطية الكبرى، وكانت هذه التقدمة هي كـل مـا يمتلكان؛ 29. عوض بـك أباديـر ناظر محطة الإسكندرية؛ 30. بطرس بك أباديـر مـن كبار موظفي السكة الحديد؛ 31. إسماعيل حمزة المحامي بالإسكندرية؛ 32. جرجس بك يوسف مَلَطي الدهشوري باشكاتب محكمة الاستئناف الأهلية، وهو ابن المعلِّم مَلَطي قاضي الديوان الكبير في عهد المماليك وعهد الحملة الفرنسية؛ 33. جرجس عصفور، من كبار موظفي السكة الحديد، ووالد جفري عصفور رئيس جمعية ”ثمرة التوفيق“.

34. رزق الله بك غبريال، وكيل إدارة السكة الحديـد؛ 35. المستشـار يـاسين باشـا أحمـد؛ 36. دكتور إبراهيم بـك حلمي، وكـان مُدرِّسـاً بالمدرسة الكبرى، وكان مُتزوِّجاً ومع ذلك التحق بمدرسة الطب، وبعد تخرُّجه تعيَّن مديـراً لصحة السويس؛ 37. المعلِّم عريـان جرجس مفتاح الذي قيل عنه: ”إنَّ أول رجل تولَّى تدريس اللغة القبطية بالمدرسة الكبرى كان هو "عريان جرجس"، وقد ألَّف أجرومية (قواعد لُغة) للُّغة القبطية بالمدرسة الكبرى على نَسَق اللغة العربية، ضمَّنها قواعد الإعراب، مع سلسلة من الجُمل والمحاورات“.

+ وقد نبغ على يدَي ”المعلِّم عريان جرجس“ عددٌ من التلاميذ الغيورين ذوي العقول المُنفتحة، ومنهم: ”برسـوم إبراهيم الراهـب“، الذي ترجم الكثير من الجُمَل والمحاورات باللغة العربية إلى القبطية؛ وكذلك ”حنا يوسف حنا“ الذي اهتمَّ بجمع مصادر الأفعال، وكَتَبَ قاموساً قبطياً(1).

ثانياً: خريجو مدرسة حارة السقَّايين:

1. بطرس باشا غالي أول مَن وَصَل إلى رئاسة الوزارة المصرية؛ 2. يوسف باشا وهبة، وقد وصل أيضاً إلى رئاسة الوزارة المصرية؛ 3. عبد الخالق ثروت باشا، وهو من أقطاب السياسة المصرية الذين اشتركوا في عملية المفاوضات مع الإنجليز من أجل الجلاء عن مصر، وكان رئيساً للوزراء ؛ 4. دكتور (طبيب) طلعت منصور؛ 5. إبراهيم بك منصور رئيس الجمعية الخيرية القبطية الكبرى؛ 6. القمص بولس الكبير، وكيل بطريركية الأقباط، وكان مُدرِّساً للرياضة بمدرسة حارة السقَّايين؛ 7. قليني فهمي باشا، من أعيان المنيا؛ 8. كامل عوض سعد الله، رئيس جمعية ”التوفيق القبطية“؛ 9. المستشار إبراهيم يحيى باشا، رئيس مجلس الشيوخ؛ 10. ابن الدكتور على يحيى بـك؛ 11. حسين رشـدي باشا، رئيس مجلس الوزراء، ثم رئيس مجلس الشيوخ، ثم أخيراً رئيس وفد مصر في المؤتمر البرلماني الدولي المُنعقد في باريس في أغسطس سنة 1927؛ 12. سعد بك عبده، من كبار الأراخنة الذين آزروا البابا كيرلس الربع أبا الإصلاح بكلِّ إخلاص(2).

+ ومما يجب ذِكْره أنَّ الأحداث المتغايرة التي استبدَّت ببلادنا كـانت قـد أدَّت إلى إبطال استعمال التقويم القبطي إلاَّ في الزراعة؛ فـأعاد البابا كيرلس الرابع استعمالة ابتداءً من أول أبيب سنة 1571ش(3).

رسامة مطران للكرسي الأورشليمي:

+ وقـد اختار البابا كيرلس الرابـع راهباً ورسمه مطرانـاً للكـرسي الأورشليمي، وأسماه ”باسيليوس“. وقـد وُلد في قريـة ”الدابة“ التابعة لمركـز فرشـوط بمديريـة قنا (محافظة قنا)، سنة 1534ش/ 1818م. ولمَّا كـان أبواه مـن المُتمسِّكين بالدِّين، الساعين نحو الكمال المسيحي، فقد غذياه بالتعاليم الروحانية منذ طفولته. ثم سلَّمه أبـوه إلى معلِّم وَرع ممتلئ صلاحاً، لكي يُعلِّمه ويُهذِّبه، على ضوء الكتاب المقدَّس، وسِيَر الآباء القدِّيسين وتعاليمهم. وكـان كلَّما نما، نَمَت معه الرغبة في الاقتداء بالقدِّيسين. فلما بلغ الخامسة والعشرين من عمره، ترك أهله وقريته، وتوغَّل في الصحراء الشرقيـة إلى أن بَلَغ ديـر القديس أنطونيـوس أبي الرهبان، حيث شاء أن يقضى حياته فيه. وهناك كرَّس وقته وطاقته للدراسة والتأمُّل في سِيَر الآباء الأوَّلين القدِّيسين، ولخدمة المرضى والشيوخ من آبائه الرهبان، كل هذا في إطار الطاعة والمحبة، عـن رضا وقبول، كما علَّمه رئيس الديـر والآبـاء المتقدِّمين في السنِّ (الشيوخ).

+ وهكذا زكَّاه إخوته لنيل سرِّ الكهنوت المقدَّس بعد 6 سنوات مـن رهبنته. وقـد ضاعَفَ محبته لإخوته لشعوره بالواجب وتقديره لكرامة الكهنوت.

+ وقد ازداد تقديرهم له، فاختاروه رئيساً لهم فرسموه ”إيغومانساً“ (أو باللغة الدارجة ”قُمصاً“). [(وهنا نؤكِّـد ونُزيـد في التأكيـد) أنَّ نعمـة ”الإيغومانس“ هي لتدبير شئون الديـر والرهبان، وليست - كما شاعت في أيامنا الأخيرة - أنها ”ترقية“ للقس بعد عدَّة سنوات؛ بل هي تُطلَق فقط على تدبير الرهبان في الدير. فلا يجب أن يزداد أصحاب هـذه الدرجة ”إيغومانس“ عـن شخصٍ واحد هو ”مُدبِّر“ الدير]. وكانت رسامته ”إيغومـانس“ بعد ثلاث سنوات مـن رسـامته ”ابريزفيتيروس“ (أي باللغة السريانية ”قس“).

+ وهكذا تضاعفت وداعته، وفاضت عليه النعمة الإلهية، فـازداد تفانياً في الخدمة وتعليم الرهبان الجُدُد عن محبةٍ ورضا. كما وجَّه عنايته بأوقاف الديـر، فـاستطاع شراء أطيان جديدة وضمَّها إلى أملاك الدير.

+ وهذا يعني أنَّ الآباء الروحانيين يستطيعون أن يُمارسوا الانشغال بالأمور المادية دون أن يؤثِّر هذا على الانشغال بروحانياتهم، بشرط أن يكون هذا قاصراً على المسئول عن رئاسة الدير ووكيله فقط، أو إذا كان أسقفاً على إيبارشيته في المدن.

+ ثم حـدث أن شَغَر الكرسي الأورشليمي (القدس) بنياحة مطرانه، سنة 1571/ 1855م، فرأى البابا كيرلس الرابع أنَّ خير مَن يشغله هو رئيس ديـر القديس أنبا أنطونيوس؛ فـاستدعاه، ورسمه باسم ”باسيليوس“ (وكـان هـذا الكرسي آنذاك يتبع مطرانية محافظة الدقهلية، وجزءاً من الغربية، ثم القليوبية، ثم الشرقية).

+ وبعد رسـامة الأنبا بـاسيليوس، تزايدت خدمته أكثر فأكثر، فكـان يتفقَّد الجائع والعريان والمريض والمسجون والغريب، بغير تفريق بين مسيحي أو مسلم أو يهودي، كما كان أباً لليتيم، وقـاضياً للأرملة. ومـع هـؤلاء وأولئك، كان صاحب الشفقة للجميع والوداعة مع الكلِّ.

+ وحدث أنه، لمَّا كان لا يوجد للروس شِبْرٌ داخـل كنيسة القيامة المقدَّسة، تأمَّل قنصل الروس فوجـد أنَّ المكان الأول للكنيسة اليونـانية (وهي الكنيسة الأُم بالنسبة لكنيسة الروم الأرثوذكس)، وأنَّ المكـان التالي مباشـرة هـو للكنيسـة القبطيـة الأرثوذكسية. وقد ظنَّ في مُخيِّلته أنه لأن الأقباط مغلوبٌ على أَمرهم، فمِن الممكن التقدُّم إليهم بعَرْضٍ مالي ضخم يحمل في طيَّاته الإغراء الكافي ليشتري بالمال المكان المُخصَّص للكنيسة القبطية.

وبعـد التحادُث مـع الأنبا باسيليوس، بحديثٍ عادي، قـال له القنصل: ”إنني مستعدٌّ أن أَرُصَّ لك هيكل الكنيسة القبطية المُلاصِق للقبر المقدَّس بالجنيهات الذهبية مـن أرضه إلى سَقْفه، إنْ أنت بِعْتَ لي هذا الهيكل“!! فسأله المطران الوقور: ”وكم مـن الجنيهات يمكن أن يكون هـذا الثمن بالذهب المُرصَّص“؟ أجابه القنصل الروسي في شيء مـن الزهو: ”مليونان مـن الأصفر الرنَّان (أي الذهب)“.

فابتسم المطران القديس في هدوءٍ وقـال له: ”أتريدنا أن نتشبَّه بيهوذا الاسخريـوطي، ونبيع سيِّدنا بدراهم“؟! وأُصيب القنصل الروسي بذهولٍ أَفقده المقدرة على النُّطق، وانصرف لتوِّه.

(يتبع)

(1) عن خطاب ”عبد الحليم إلياس نُصير“ في حفل الذكرى المئوية الأولى لأبي الإصلاح، ص 71-77.
(2) عن: ”أبو الإصلاح“، جرجس فيلوثاوس عوض، ص 265-277. وتقول الأستاذة إيريس حبيب المصري (مؤلِّفة كتاب: ”قصة الكنيسة القبطية“، الكتاب الرابع): ”ويـؤسفني أنني لم أعثر على أسماء الخريجات مـن هـذه المدارس. وأغلب الظن أنَّ غالبيتهنَّ كُنَّ زوجات وأُمهات“؛ عن: ”قصة الكنيسة القبطية“، الكتاب الرابع، ص 346.
(3) كامل صالح نخلة، ”سلسلة البابوات...“، الحلقة الخامسة، ص 215.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis