قصة رمزية



”وأنا أيضاً لم يسمحوا لي بالدخول“


+ قصة روحية غير معروف مؤلِّفها.

كان صباحاً جميلاً ليوم الأحد، وكان الناس يملأون الكنيسة بكامل طاقتها!

وحينما دخل الناس الكنيسة، أُعطِيَتْ لكلٍّ منهم نَشـرة المناسبات والقراءات الكنسية، وكـذلك الألحان المزمع الصلاة بها.

وفي نهاية الصفوف في الكنيسة، وقف رجُلٌ كبير السِّـنِّ، كـانت ملابسه مُتَّسخة. ويمكننا أن نقول إنه لم يستَحِم منذ عدَّة أيام. وكان وجهه مُغَطًّى بشُعيرات صغيرة غير مصفوفة، إذ أنه لم يحلق شعر رأسه ولا ذقنه منذ وقتٍ طويل.

عندما وصل هذا العجوز إلى الشمَّاس الذي يُنظِّم جلوس المُصلِّين، أحنى رأسـه بـاحترامٍ، فظهر شعره الطويل المُتشابك غير المُصفَّف. كما كـان يرتدي جوارب سوداء مُهترئة بدون حذاء يلبسه في قدميه. وكانت هـذه الجوارب تُغطِّي القروح التي تنتشر على قدميه.

تفرَّس الشمَّاس في وجه الرجل المُسِنِّ، كاتماً أنفاسه حتى لا يشُمَّ الرائحة الكريهة المنبعثة منه، وقال له:

- ”آه، أنا آسف، يا سيدي، لكنني أخشى أننا لا نستطيع السماح لك بالدخـول، لأنك سوف تُشتِّت انتباه المُصلِّين، وهذا ما لا نسمح به لأحدٍ، أن يُعطِّـل انتباههم عـن الصلاة. أخشى أنـك ستضطر إلى المغادرة“.

نظر الرجل العجوز إلى الأرض وإلى نفسه، وبحركة مُرتبكة ظهرت على وجهه، وضع الشال البني العتيق المُنسدل على كتفيه مرةً أخرى على رأسه، واستدار للرحيل!

كان حزيناً، لأنه كان يحب سماع الشمامسة وهم يصلُّون ويُرتِّلون الألحان للرب؛ بينما كان الشعب الحاضر في الكنيسة يرتدي أبهى الثياب، وفي أجمل هيئة مُمكنة.

كان الرجل العجوز، إذا سُمِحَ له بالدخول إلى الكنيسة، سيسعد بمشاهدة الأطفال الصغار وهـم يقفون أمام هيكل الكنيسة، وهم يُرتِّلون الألحان بصوتهم الملائكي الشجي.

وكـان يحمـل في جيبـه كتاب ”الإنجيل“ الصغير، الذي كان مُتهالكاً من كثرة القراءة فيه. وأَراد أن يعرف ما إذا كان الأب الكاهن سيُلقي عظة على مقطعٍ من الإنجيل الذي كان قد وضع خطوطاً تحت بعض آياته التي أثَّرت فيه!

ولكنه لم يكن يُريد أن يُسبِّب أيَّ سَجَسٍ أو قلقٍ في الكنيسة، لذلك قرَّ قراره أن يرجع إلى الوراء وينزل على درجات سُلَّم هـذه الكنيسة المصنوع من الرخام الفاخر.

+

جلس هذا الشيخ المسكين خارج الكنيسة على جدار من الطوب بالقُرب من حافة فناء الكنيسة، وأَخَذَ يُجهِد أُذُنيه ليستَرِق السَّمْع من خلال أبواب ونوافـذ الكنيسة المُغلقة إلى الألحان والصلوات المرفوعة داخلها. وكم كـان يتمنَّى أن يكـون بداخلها مع كل هؤلاء المُصلِّين!

انقضت بضع دقائق وهـو على هـذا الوضع، حتى جاء - فجأةً - رجـلٌ وجلس بـالقرب منه. وسأل الرجل هذا العجوز: ”ماذا كان يفعل“؟

فأجابه العجوز:

- ”كنتُ أُريـد أن أدخل الكنيسة اليوم، لكنهم منعوني عندمـا رأونني قـذراً وملابسي بـالية، إذ كانـوا يخشون أن أُعطِّل خدمتهم“.

ثم استدرك:

- ”عـذراً أنـا لم أُقـدِّم نفسي. أنـا اسمي "جرجس"“.

وعندئـذ تبادَل الرجـلان السلام. ولكـن لم يستطع ”جرجس“ أن يُلاحِظ أنَّ هـذا الرجل له شعرٌ طويل مثله، إذ كان يرتدي قطعة من القماش ملفوفة فوق جسده، ومربوطة بوشاحٍ أُرجواني ملوكي. وكـان يلبس في قـدميه صندلاً، وقـد تغطَّى بالغبار والأوساخ.

لَمَسَ الرجل الغريب كَتِفَ ”جرجس“، وقـال له:

- ”جرجس، لا تشعر بالحزن والأَسى لأنهم لم يسمحوا لك بالدخول. أنا اسمي "يسوع"، وأنا أُحاول الدخول إلى هذه الكنيسة نفسها منذ عدَّة سنوات، ولكنهم لم يسمحوا لي بالدخول“!

++

+ «اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَوَاتِ كُـلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْـهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ» (مت 18: 10).

+ «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هـؤُلاَءِ الأَصَاغِـرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ... الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هـؤُلاَءِ الأَصَاغِـرِ فِبِي لَمْ تَفْعَلُوا» (مت 25: 45،40).

+ «اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ: أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ» (يع 2: 6،5).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis