دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار - 31 -

ثانياً: الأسفار التاريخية

8 - سِفْر أخبار الأيام الأول

مُقدِّمـة:

يُغطِّي سِفْرا أخبار الأيام الأول والثاني نفس الحقبة التاريخية التي جاءت في سِفْرَي صموئيل وسِفْرَي الملوك، وكانا سِفْراً واحداً في النُّسخة العبرية حتى تمَّ تقسيمه إلى سِفْرَين في الترجمة السبعينية بالاسم Chronicles 1,2 أي ”أخبار الأيام الأول والثاني“. وفي أيام القديس جيروم ترجمهما إلى اللاتينية في الكتاب المقدَّس المدعو ”الفولجاتا“، ودعاهما Chronicorum Libei. كما دُعِيَ هذان السِّفْران معاً في الترجمة اليونانية واللاتينية باسم: Paraleipomena، التي تعني: ”ما تُرِكَ من أخبار في أسفار صموئيل والملوك“؛ وقد وُضِعَ هذان السِّفْران في الأصل العبري في خاتمة القسم الثالث من الكتاب المقدَّس ”في العهد القديم“ المدعو ”كِتوبيم“ أي ”الكتابات“.

المؤلِّف:

رغم أنَّ المؤلِّف وتاريخ الكتابة لم يُذكَرا في السِّفْرَين، إلاَّ أنَّ التقليد اليهودي يذكُر أن‍هما كُتِبَا بواسطة عزرا الكاتب. وقد أَخَذَ ب‍هذا الرأي كثيرون من الباحثين المحافظين، واعتبروا أنَّ تاريخ كتابة سِفْر أخبار الأيام الأول ما بين 450-425 ق.م. ويعتقد البعض أنَّ نحميا كان شريكاً معه، الذي قيل عنه إنه كانت عنده مكتبة ضخمة (2مكابيين 2: 13-15)، ولا شكَّ أنَّ عزرا قد استعان ب‍ها. ويُلاحَظ أنَّ الآيات الأخيرة من سِفْر أخبار الأيام الثاني (2أي 36: 23،22) هي نفس الآيات الثلاث الأولى التي تكرَّرت في مُقدِّمة سِفْر عزرا (عزرا 1: 1-3).

تاريخ كتابة السِّفْر:

الأدلة التي من داخل السِّفْر تدلُّ على أنه تألَّف في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد تأكَّد تاريخ التسجيل بذِكْر ستة أجيال أعقبت زَرُبَّابل (1مل 3: 17-21)، وبوجود نقود معدنية فارسية وهي المعروفة باسم ”درهم“ أو ”دارك“ (1أي 29: 7). ويُغطِّي سِفْرا الأيام قَدْراً من الزمن أكبر من أيِّ سِفْرٍ من أسفار الكتاب المقدَّس. وسلاسل الأنساب وقصص أحداث السِّفْر تمتدُّ للفترة من آدم حتى حياة داود النبي. أما سِفْر أخبار الأيام الثاني فيروي سقوط سُلالة داود من سليمان حتى السَّبْي.

التكوين الأدبي للسِّفْر:

كُتِبَ السِّفْر مُخاطِباً البقية التي كانت تُعيد بناء أورشليم بعد السبعين سنة من السبي البابلي. وبما إنَّ العائدين من السبي كانوا أصلاً من اليهودية، فإنَّ التراث الديني وتاريخ المملكة اليهودية الجنوبية كان هو ال‍مُقدَّم بإظهار الاتِّصال غير المنقطع للبداية المنتسبة للآباء البطاركة: إبراهيم وإسحق ويعقوب. فأخبار الأيـام كُتِبَ مـن منظورٍ كهنوتي، إذ يتركَّـز التاريخ الأوَّلي فيه حـول العبادة الكهنوتية لليهودية، منذ زمـن شاول حتى عودة الأمَّة اليهودية إلى وطنها بناءً على مرسوم كورش (سنة 538 ق.م). ويُصوِّر هـذا التاريخ الديني أمانة الله وصِدْق مواعيده لشعبه، وقوَّة كلمة الله، والدور المحوري للعبادة في حياة شعب الله.

وكان معبد أورشليم هو موضوع التوحيد الرئيسي في سِفْرَي الأيام الأول والثاني. والكثير من المادة الموجودة في أسفار صموئيل والملوك قـد حُذِفَت من أخبار الأيام، لأن‍ها لا تتطوَّر مع هذا الاتِّجاه الفكري. فمثلاً: فإنَّ ملوك المملكة الشمالية قـد حُذِفوا بسبب رفضهم لهيكل العبادة في أورشليم، بينما برزت أسماء ملوك يهوذا الذين رمَّموا الهيكل، أمثال: آسا ويهوشافاط ويوآش وحزقيَّا ويوشيَّا. فالهيكل يُمثِّل حضور الله في وسط شعبه، ويُذكِّرهم بدعوت‍هم العُليا. وهو يُوفِّر لهم الصلة الروحية بين ماضيهم ومستقبلهم.

وإنَّ خط سُلالة داود ال‍مُتقبِّل للعهد الداوودي (1أي 17: 3-15)، هو أساس سِفْرَي أخبار الأيام. وسُلالات الأنساب المذكورة في (1أي 1-9) وُضِعَتْ تـأكيداً متناسباً للتركيز على سِبْطَي يهوذا وبنيامين، لأن أخبار الأيام غير مُختصٍّ بالمملكة الشمالية وإنما بالمملكة الجنوبية؛ فإن‍هما يُظهران حِفْظ الله لعهده ووعـوده في حفظ سُلالة داود على مـدى القرون، وفي المحافظة على الاهتمام بالكهنوت.

وكـان هناك اهتمامٌ خاص أيضاً بسِبْط لاوي. وسِفْر أخبار الأيـام الأول بأكمله، مثل سِفْر صموئيل الثاني، مُخصَّصٌ لحياة داود الملك. وهـو يبـدأ بسلسلة أنساب السُّلالة الملكية لداود (أصحاحات 1-9) قبل ال‍مَسْح العام للأحداث الرئيسية لحُكْم داود الملك (أصحاحات 10-29).

ومن الواضح أنَّ الإسرائيليين الذين عادوا من بابل كانوا غير مُدركين لميراثهم القومي. فإنَّ جيلاً جديداً قد نشأ لم يكُن على دراية بأرض الميعاد. وكانت أورشليم في ركام، وكان الهيكل مُحطَّماً، والممارسات الدينية المتمركزة حوله كانت مُتوقِّفة لمدَّة تزيد على نصف قرن من الزمان. وكان هناك احتياجٌ شديد لتوحيد الشعب بتعليمه شيئاً عن سالف مجده وعن عمل الله العظيم في وسطه. فكان القصد هو إعطاء البقية العائدة من اليهود إدراكاً وفهماً لسابق علاقتهم وعهدهم مع الله، وعن معنى الثيئوقراطية (حُكْم الله) والمملكة المتَّحدة، وعن بداية حُكْم داود ونسله.

محتويات السِّفْر ومُميزاته:

تتبَّع كاتب السِّفْر قيام الشعوب العبرية ابتداءً من آدم، وتابَع ذلك حتى السبي البابلي بواسطة نبوخذ ناصَّر إلى العودة إلى أرضهم بصدور مرسوم كورش. ولا شكَّ أنه فعل ذلك لتشجيع العائدين على تقدير تراثهم ولتنمية الروح القومية فيهم. فهـذا التاريخ لا شكَّ أنه سيُنمِّي فيهم الإحساس بالولاء، ويُبيِّن لهم أن الله صاحب المعجزات الفائقة كان مع أسلافهم، بالرغم من التجارب والمحن التي كانت تأتي عليهم بسبب عدم طاعتهم.

والأصحاحات التسعة الأولى عبارة عن جداول أنساب تُبيِّن أن الإسرائيليين كانوا أحفاداً مُباشرين للأبوين الأوَّلين (آدم وحواء) اللذين خلقهما الله. ويُلاحَظ أنَّ الكاتب لم يصف مُلْك شاول، إلاَّ أنه سجَّل فقط حقيقة أن مُلْكه قد انتهى بطريقة غير مُشرِّفة بسبب عدم أمانته لله، وكَسْره لوصاياه، وأَخْذه مشورة وسيط (عرافة) بدلاً من الله. وابتداءً من الأصحاح 11، سَرَد سِفْر أخبار الأيام الأول حياة الملك داود، تاركاً الأخبار السيِّئة من سيرته (مثل زناه مع بثشبع، والتمرُّد الذي حدث في وسط أسرته، كل هذه الأمـور التي ذُكِرَت بـالتفصيل في 2صم 11-20). أمَّـا الأحداث التي وصفها وأبرزها، فهي كـل ما يختصُّ داود كملك لأُمَّته، وأعماله الدينية مثل إعادة تابوت العهد إلى أورشليم، وتنظيم خدمة الكهنة واللاويين، وعلاقة العهد الذي عقده الله معه الذي وعـده بالعرش الأبدي، وجَمْعه لكـلِّ مواد البناء لإقامة الهيكل، الذي كان هو مسئولية سليمان فيما بعد.

أما عن الموضوع الرئيسي الذي ينتشر على مدى سِفْرَي أخبار الأيام الأول والثاني، هو أنَّ مسألة أولئك الذين يخافون الله ويحفظون وصاياه يمكنهم أن يتوقَّعوا بركة الله ورعايته في كلِّ أعمالهم. أمَّا عدم الطاعة فنتيجتها البليَّة، والطاعة تجلب البركة. وهـذا الأمر كائنٌ أيضاً في العهد الجديد لشعب الله: الكنيسة.

وفيما يلي جدول تصويري لمحتويات السِّفْر:

(يتبع)

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis