الكنيسة
هذا الشهر



نياحة القدِّيسَيْن أبوللو وأبيب
(25 بابة / 4 نوفمبر)

تُمثِّل حيـاة القدِّيسَيْن أبوللـو وأبيب نموذجاً للصداقة الروحية الحقَّة، حيث يلتقى القدِّيسان معاً في حبِّهما للرب يسوع، وميلهما للتأمُّل، وعشقهما لملكوت السموات. وكانـا يُمارسان الصداقة في أعمق صُورها لبنيان النفس.

نشأة القديس أبوللو:

عاش والد القديس ”أبوللـو“ والذي يُـدعَى ”أماني“ وزوجته ”إيسي“ في مدينة ”بانوبـوليس“ الكبرى (حالياً مدينة ”أخميم“)، وكانا يسيران في خوف الله، مُحبَّيْن لزيارة الأديرة، ولم يكن لهما ولدٌ. وقـد رأت ”إيسي“، كما في حُلمٍ، إنساناً بهيّاً يحمل نبتاً صغيراً في يـده، وقـام بغرسـه في منزلهما، وقـد أَزهَر ثم أَثمر فاكهة. وقد قطفت ”إيسي“ مـن الثمـر وأكلـت، فوجدتـه حلـواً للغاية. عندئذ قالت في الحُلم: ”ربما أُرزق بطفلٍ تكون له سيرة مُشابهة لمذاق هذه الفاكهة“.

وعندما استيقظت ”إيسي“ مـن نـومها، رَوَت الرؤيـا لرجلها، فمجَّـد الاثنان الله. وازدادا في تقواهما ومحبتهما لله، خـاصةً في الصلاة. وكثيراً ما كانت تقوم ”إيسي“ في منتصف الليل تُسبِّح الله، كما كانت تقضي أوقاتاً طويلة في النهار في الصلاة.

وأخيراً، وهبها الله الطفـل ”أبـوللو“، الـذي تـربَّى بفكرٍ إنجيلي في حياةٍ تَقَويَّـة. وقـد نشأ الصبي مُحبّاً لحياة البتولية، مُشتاقاً للرهبنة. وكان له صديق حميم يُدعَى ”أبيب“، ارتبطا معاً في محبتهما للبتولية واشتياقاتهما لحياة الرهبنة.

نشأة القديس أبيب:

كـان ”أبيب“ مثل ”أبوللو“، تقيّاً منذ حداثته، مُمَارسـاً الحياة النسكية، مُحبّاً لافتراش الأرض، ميَّالاً لحياة الوحدة. وكان يقضي معظم وقته في دراسة الكتاب المقدَّس، والتأمُّل مع الصلاة.

كـان والد ”أبيب“ يُوبِّخه كثيراً، طالباً منه ألاَّ يُكرِّس كل وقته للعبادة حتى يمكنه أن يتبوَّأ مركزاً مرموقاً في المجتمع كبقية إخوته. وكان ”أبيب“ يتقبَّل كـل هـذا التوبيخ في هدوءٍ داخلي وصمت. وكان صبره واحتماله مدعاةً لتعجُّب والده وإخوته فيما بينهم، ممتدحين رِقَّـة أحاسيسه ورحابـة صَدْره، بالرغم مِمَّا يُظهرونه من شدَّةٍ وتوبيخ له.

اشتدَّ المرض جداً بوالد ”أبيب“، وكان غاضباً جداً على ابنه بسبب ميله للوحدة والعبادة. وقد أصرَّ أبناؤه أن يلتقي الوالد بأخيهم ”أبيب“، بالرغم من خشيتهم من ثورة أبيهم عليه وسط مرضه الشديد.

وبالفعل تقابَل ”أبيب“ مـع أبيه، وكله حياء وهدوء. وقد فوجئ ”أبيب“ بأن أباه يُناديه ويقول له: ”صـلِّ، يـا بُنيَّ، إلى الرب لكي لا يُحاسبني على ما سبَّبته لك من أحزانٍ وضيقات. لقد كنتَ أنت تطلب الله وحـده؛ أمَّـا أنـا فكنتُ أَسـلك بأحاسيس بشرية“. وكان الأب أثناء حديثه مع ابنه مُمسِكاً بيده، مُجهشاً بالبكاء والنحيب.

وبعد ذلك، جمـع الأب، وهـو على فـراش المرض، أولاده وهو يُشير إلى أخيهم ”أبيب“، قائلاً لهم: ”مِن الآن هـذا هـو أبوكم ومُعلِّمكم. اسلكوا بضميرٍ حيٍّ حسبما يقول لكم. وهـا أنتم ترثـون أملاكي كما أوصيتُ لكلِّ واحد منكم“. تأثَّر الأبناء جدّاً، وتجلَّت الأبدية أمام أعينهم. وفي أثناء ذلك، تنيَّح والدهم وأَسْلَم الروح في يدَي الرب. وعندئذ استلم ”أبيب“ الميراث ووزَّعـه على إخوتـه؛ أمَّا نصيبه من الميراث، فوزَّعه على الفقراء.

وإذ صـار ”أبيب“ حُـرّاً، انطلق مـع صديقه ”أبوللو“ إلى أحـد الأديرة، حيث سكن كلٌّ منهما في قلاية منفردة، وهما يعيشان حياة الاتِّحاد مـع الله والنُّسك، بفكرٍ روحي إنجيلي.

حياتهما الديرية:

عاش كلٌّ منهما في قلاية، وكانا يلتقيان من وقتٍ إلى آخر ليُعزِّي كلٌّ منهما الآخر في الرب. وعندما مَرَض ”أبيب“ واشتدَّ عليه المرض، أسـرع إليه ”أبـوللو“ ليُساعده في مرضـه. وفي وسط الآلام المُبرِّحـة، وفي بشاشـةٍ وهـدوء، اعتذر ”أبيب“ لأبوللو قائـلاً له: ”اتركني، يا أخي، بمفردي مـع الرب، وعندما تحين ساعتي أُناديك“.

عندئـذ امتلأت عينا ”أبوللو“ بالدموع وهـو ينسحب من قلاية أخيه، مُدركاً أنه يفقد سنداً قويّاً له في جهاده، وأخـاً مُعزِّيـاً له؛ لكـن إدراكه للملكوت السماوي، وثقته في صلوات أخيه مـن أجله وهو في الفردوس، ملأَته تعزية روحانية.

نياحة القديس أبيب:

وعندما حانت لحظة فُراق ”أبيب“ لهذا العالم، أرسل يستدعي ”أبوللو“. وعندمـا دخـل ”أبـوللو“ عليه في قلايته، سمعه يقول بصوتٍ خافت: ”آه، أسرع، تعالَ سريعاً، إلى اللقاء في الفردوس“! ولم يجـد ”أبوللو“ فرصة إلاَّ بأن يُقبِّله، في الوقت التي انطلقت فيه نفس ”أبيب“ إلى السماء، وكان ذلك في 25 أبيب.

وهنا يليق بنا أن نقف قليلاً أمام هذا الحدث الأخير. فكلُّنا يُـدرك مـدى حاجـة الإنسان إلى مُحبيه في وقت المرض، خاصةً إذا اشتدَّ وشعر الإنسان أنه مرض الموت. لكن القديس ”أبيب“، وهـو في شركة حقيقية مـع الرب، مُلتهباً قلبه بـالشوق نحـو عريسـه السماوي؛ لم يَعُد يشعر بحاجـةٍ إلى شيء وسط آلام مرضه الشديدة. لقد أحب أبيب أخاه أبوللو جداً، واشتاق أن يراه قبل أن يعبُر هذه الحياة؛ لكنه، في نفس الوقت، كان لا يريد أن يشغل أخاه في لحظاته الأخيرة عن تأمُّلاته في الرب وهو في وسط مرضه.

في تل الشمس المُشرقة:

صار ”أبـوللو“ وحيداً، فترك قلايته وانطلق إلى تل إبلوتز Eblutz (الشمس المُشرقة)، حيث اشتمَّ الناس فيه رائحـة المسيح الذكية، فكانـوا يُقبِلون إليه يطلبون بركته وإرشاده.

لقد عاش ”أبوللو“ في عصر القديس مقاريوس المصري. وقـد كتب القديس مقاريوس رسالة له وللرهبان فيها منفعـة روحية عظيمة. وقـد تنيَّح القديس ”أبوللو“ بشيخوخةٍ صالحة يوم 25 بابة.

بركـة صلوات القدِّيسَيْن أبوللو وأبيب تكون معنا، آمين.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis