دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 41 -

ثالثاً: الأسفار الشعرية

1 - سِفْر أيـوب (3)

(تكملة) أقوال آبائية عن السِّفْر:

12. الله «يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ» (أي 5: 18): [إذا سمح الله بالشدائد فإلى حين، ويُحوِّلها إلى ضدِّها، جاعلاً ال‍مُعرَّضين للموت أن يَنْعَموا بسلامٍ عميق. إنه نفس التفكير، وليس شيئاً آخر مختلفاً، الذي يتبعه الله في موقفه الحالي](12) - القديس يوحنا ذهبي الفم.

13. الزمن يمضي سريعاً (أي 7: 6): [«أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ الْوَشِيعَةِ (المكُّوك في نول النَّسَّاج)»، بشكلٍ مُشابه تماماً، يمكن مُقارنة الزمن الذي يمرُّ فيه الجسد مع نسيج العنكبوت. فكما ينمو النسيج خيطاً بعد خيطٍ؛ هكذا هذه الحياة الزائلة، تمرُّ يوماً بعد يومٍ، مثلما يزداد النسيج في النموِّ إلى أن يكمل، تماماً - كما قلنا سابقاً - بينما الزمن يمرُّ بين أيدينا، فإنَّ الزمن الذي أمامنا يقصر. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ زمن حياتنا كلها، والأيام القادمة تقلُّ نسبيّاً عن تلك الأيام التي مضت من عُمرنا](13) - البابا غريغوريوس الروماني الكبير.

14. بَلْدَد الشُّوحي يَعتَبر كلمات أيوب مُتغطرسة (أي 8: 1-3): [هكذا يُوبِّخ بلدد الشوحي أيوبَ، لأنه ظنَّ أنَّ الكلمات التي فاه ب‍ها أيوب من أجل الحقِّ والعدالة، هي في الواقع قد قيلَت بغطرسة وكبرياء](14) - القديس أفرام السرياني.

15. خطية الكبرياء: [«إنْ ظننتُ أنني حقَّقتُ النقاء والطهارة في أعمالي، فإني أُبرهن على أني أحمقٌ بكلامي» (أي 9: 21،20 حسب النص) (= «إِنْ تَبَرَّرْتُ يَحْكُمُ عَلَيَّ فَمِي، وَإِنْ كُنْتُ كَامِلاً يَسْتَذْنِبُنِي»). إذا وُجِدْتُ بلا لوم في كلماتي، فإني أُوجَد مُلاماً بسبب أعمالي على نفس المستوى، إنْ كان واحدٌ بارّاً في أعماله ويُعلِن ذلك بكلماتٍ مُتفاخرة، فإنه يُحسَب عديم التقوى، لأنه قد سقط في الكبرياء، وهو كبرياء مُماثل للخيانة، ويُعتَبَر غير وَرع. وإن كان إنسانٌ بلا لوم، ولكنه يجهل مصدر نقائه، وكنتيجةٍ لذلك يضع ثقته في نفسه فيصير مُنتفخاً ومُتعجرفاً، فإنـه يصبح أحمقاً؛ ومن الواضح، فإنَّ يدَ الله تُفارقه](15) - القديس هيزيخيوس الأورشليمي.

16. أيوب مثال لكلِّ واحد: [من أجل أن يتجنَّب أن يصبح عثرةً لكثيرين، الذين يَرَوْنَ ن‍هاية حياته في المعاناة والحزن، فإنه ليس بدون سبب أن يطلب الرجل البار النهاية لمحنته. لذلك قال (أيوب): «قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ» (أي 10: 18-22). وواضح أنه يتكلَّم عن حياته البشرية، وكأنه يقول: ”في الواقع، إن كنتُ أعود إلى أسفل هنا، وأنال في هذا الوضع مكافأة كَدَحي وشقائي، فإني لن أكون مُتراجعاً ولن أتخلَّى عن الجهاد حتى الموت في محنتي. أولئك الذين يوجدون هنا عارفين برِّي، سوف يَرَوْنَ أنني أتلقَّى مكافأتي بالعودة. ولكن إذا رأوني أموت الآن في محنتي، فإن‍هم سوف يظنُّون أنَّ أيوب شريرٌ، أو قد يعتقدون أنَّ هناك خيراً يأتي من العيش بالبرِّ“](16) - القديس هيزيخيوس الأورشليمي.

17. كلمات صُوْفَر النَّعْمَاتي الجسورة: [بما أنَّ صوفر (النعماتي) لا يعترف بفضيلة أيوب والهدف من كلماته المتَّسقة، فإنه يقول له: «أَكَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ يُجَاوَبُ، (أَمْ رَجُلٌ مِهْذَارٌ يَتَبَرَّرُ؟)» (أي 11: 2). الكتاب المقدَّس يُعلِّمنا أن نُراعي كلماتنا بقـوله: «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِـنْ مَعْصِيَةٍ» (أم 10: 19). هنا الكتاب يدعـو الكلام غير اللائـق ”كثرة الكلام“. ولكن، ليس عدم النُّطق بالكلام (المفيد) هي التي تجعل الإنسان غير ثرثار. فقد أَظهر الرسول (بولس) ذلك عندما «أَطَالَ الْكَلاَمَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» (أع 20: 7). قـد يندهش المرء مـن جرأة صوفر تجاه أيوب. ورغم أنه أجاب أيوب هكذا، إلاَّ أن صوفر اعترف بأنه ليس هناك مَـن استطاع أن يُجاوبه. وبالتالي فقد أَظهر صوفر أنه لا ينبغي أن يتكلَّم أحدٌ هكذا بكـلِّ جسارة، إلاَّ أن يفعل ذلك بنفسه مُصِرّاً على أن أيوب يُعاني ما يُعانيه بسبب شرِّه الشخصي](17) - العلاَّمة ديديموس الضرير.

18. سوف يُعاقَب التحيُّز والمحاباة: [يقول أيوب: «أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ (الله)، (أَمْ تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ الإِنْسَانُ؟)» (أي 13: 9). لذلك أنتم الذين تتحدَّثون الآن لم تكونوا تقدرون أن تتحدَّثوا، هكذا إذا كنتم مُتورِّطين بشكلٍ مُباشر في القضية التي يتمُّ الحُكْم فيها. أي أنه إن كنتم في مكاني، وكان الله يحكُم في الأمور الخاصة بكم بقسوة؛ إذن، لكنتم لا تحكمون على كلامي كما تفعلون الآن، أو كنتم تقولون كلاماً بأسلوبٍ مختلف، أنتم الذين تتكلَّمون هكذا، ما كنتم تصيرون قضاة لِمَا أقوله. والواقع، أنَّ أيوب قال لهم: ”حتى ولو تكلَّمتم أكثر، وعملتم كل شيء يحلو لكم لكي تُحابوا الله، فإنه لن يختلط عليه الأمر في أقل شيء وسيطلب منكم توضيحاً لِمَا تدَّعون“](18) - القديس يوحنا ذهبي الفم.

19. نبوَّة عن الميلاد الجديد بالمعمودية: [(«لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ رَجَاءً. إِنْ قُطِعَتْ تُخْلِفْ أَيْضاً وَلاَ تُعْـدَمُ خَرَاعِيبُهَا» - أي 14: 7). هنا أيـوب المبارَك يتَّخـذ دور المعلِّم والنبي، ومـن خلال رمز الشجرة المتجدِّدة للحياة مرَّةً أخرى يتنبَّأ عـن عودتـه إلى حالته السابقة. وفي نفس الوقت، يتنبَّأ أيوب عن طبيعة الإنسان بأن‍ها في مُجملها سوف تتجدَّد، مُعطياً شُكراً حارّاً إلى عِطْر مياه المعمودية التي منها سوف ينبُت الجنس البشري ثانيةً، واهباً لها أن تستعيد طبيعتها الجديدة المتنامية وكرامة جمالها السابق، بعد أن تُزرَع مرَّةً أخرى من خلال موت الرب (وقيامته)](19) - القديس أفرام السرياني.

20. القيامة في يوم الدينونة: [بتسميته الموت رُقاداً أو اضطجاعاً (أي 14: 12)، فإنَّ أيوب يُعطينا بوضوح الرجـاء في القيامة. وعلى أيِّ حالٍ، فإنـه يقول: «الإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ» (أي 14: 12). وهذا واضحٌ من قول إشعياء (النبي): «وَتَلْتَفُّ السَّمَوَاتُ كَدَرْجٍ» (إش 34: 4). إنه من الضروري أنَّ كل قوات‍ها ت‍هتزُّ، وأنَّ الشمس والقمر تُظْلِمان، والنجوم تتساقط مثل ورق الشجر. وبعد ذلك، عند صوت البوق (انظر مت 24: 31) تُقيم الملائكة الأمواتَ من رُقادهم، بناءً على أَمْر الله وإشارته](20) - القديس هيزيخيوس الأورشليمي.

21. نبوَّة عن الفادي: [«لأني أَعلم أنَّ فاديَّ حيٌّ، وأخيراً سيظهَر على الأرض» (أي 19: 25 حسب النص). هنا يتنبَّأ أيوب المبارَك عن الظهور الذي سيُستَعلَن فيه عمانوئيل في الجسد في ن‍هاية الأيام](21) - القديس أفرام السرياني.

22. كلمات صوفر الوقحة: [في هذه الفقرة يتكلَّم صوفر بوقاحة ويهين أيوب بكلِّ جسارة. فقد قام باستن‍زافه كما فعل صديقاه الآخران من قبل؛ فإنَّ صوفر أَخَذ في الإساءة إليه للأسباب التالية: في البداية، عندما خُلِقَ الإنسان، فقد فَرِحَ وسَعِدَ بالسقوط والضياع وانغمس في الآثام. وأراد صوفر أن يَحسِب أيوب ضمن أولئك الأَثَمَة، كما قال فيما بعد، مُتجاهلاً بذلك العدد المهول مـن البشر، ومُوجِّهاً الحديث إلى هـذا الشخص وحـده (أيوب)](22) - القديس هيزيخيوس الأورشليمي.

23. إشارة إلى المسيح: [«فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي الْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟ إِذْ أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ، وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ السَّمَاءِ» (أي 28: 21,20). هذه الكلمات تفترض أنه حتى لو أنَّ المسيح قد أُشير إليه من خلال التشبيه، إلاَّ أنه أسمى من كل تشبيه أو رمز أو مثال. فهو بأيِّ حالٍ من الأحوال يمكن مقارنته مع القدِّيسين؛ بل إنه يُقال عنه إنه أشبه بالقوات العُليا الخفية. ولكنـه معروفٌ جيِّداً أن‍ها لا تستطيع أن تُحـدِّق فيه ببصرهـا تحديقاً مُباشراً](23) - القديس أفرام السرياني.

24. صبر أليهو (أي 32: 17-19): [كان يُريد أن يُبْدي كيف أنه صبر طويلاً، مُنتظراً أن يتكلَّم، وأنه ملآنٌ أقوالاً، ويكاد ينفجر. لذلك فقد احتاج أن يضبط نفسه صابراً. وهكذا فإنَّ مَن يقدر أن يتحكَّم في كلماته، فهذا برهانٌ على حكمته. فلقد مكَّنته حماسته لله أن يحتمل بصبرٍ هذه النار الداخلية التي اشتعلت فيه](24) - القديس يوحنا ذهبي الفم.

25. حاجة أليهو لأن يتكلَّم: [«أَتَكَلَّمُ فَأُفْرَجُ» (أي 32: 20)، مثل امرأة في مخاض ولادت‍ها، وقد استراحت من آلامها بعد أن ولدت جنينها. لذلك يقول: «رُوحُ بَاطِنِي تُضَايِقُنِي» (أي 32: 18). أي إني كنتُ في أَلم ولم أستطع أن أفصح بما في داخلي، لأني كنتُ أرغب بشدَّة في الإفصاح عـن رأيي، ولكني امتنعتُ تقديـراً لكم. والآن سوف أَكسر صمتي ويُسمَع صوتي وأَنطق بوحي قلبي](25) - القديس أفرام السرياني.

26. المسيح هو المدافع والمحامي عنَّا: [إذا نظرتَ إلى السماء وتأمَّلتَ في الغيوم، فستفهم أنك قد أخطأتَ، وما الذي تحتاج أن تفعله؟ إنه من الضروري أن تدنو من رئيس الكهنة الأعظم وتسأله أن يُقدِّم عنك ذبيحة (1يو 2: 2،1). إن فعلتَ ذلك فسوف تُحَلُّ من خطاياك الكثيرة. أمَّا الخطايا التي لا يمكن علاجها والتي يعسر الشفاء منها، فقد جاء يسوع المسيح من السماء لعلاج ما كان مـن غير الممكن علاجه؛ وهكذا فكم هم مُبارَكون أولئك الذين غُفِرَتْ لهم آثامهم وسُتِرَت خطاياهم (مز 32: 1)](26) - العلاَّمة أوريجانوس. (يتبع)

(12) St Chrysostom: Commentary on Job 5.18, PTS 35: 73.
(13) Gregory the Great: Morals on the Book of Job 8.26, LF 18: 433-34.
(14) St.Ephrem the Syrian: Commentary on Job 8.2, ESOO 2: 4.
(15) St. Hesychius of Jerusalem: Homilies on Job 12,9.20, PO 42.2: 318.
(16) St. Hesychius of Jerusalem: Ibid, 13.10.20B-22, PO 42.2: 348.
(17) Didymus the Blind: Commentary on Job 11.3, PTA 3: 184-86.
(18) St. John Chrysostom: Ibid, 13.8-10A, PTS 35: 110.
(19) St.Ephrem the Syrian: Ibid, 11.47, ESOO 2: 6.
(20) St. Hesychius of Jerusalem: Ibid, 17.14.12, PO 42.2: 434.
(21) St.Ephrem the Syrian: Ibid, 19.25, ESOO 2: 8.
(22) St. Hesychius of Jerusalem: Ibid, 24.20.5, PO 42.2: 574.
(23) St.Ephrem the Syrian: Ibid, 28.21, ESOO 2: 12.
(24) St. John Chrysostom: Ibid, 32.18-19, PTS 35: 169.
(25) St.Ephrem the Syrian: Ibid, 32.20, ESOO 2: 14.
(26) Origen: Fragments on Job 24.15-16, PTS 53: 201.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis