|
|
|
علم اللاهوت وهويَّة الروح القدس إنـه يُنسَب إلى الروح القـدس نفس الصفات التي تُنسَب إلى الله وحده: «مَنْ قَاسَ رُوحَ الرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟» (إش 40: 13)، «فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ. لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضاً أُمُـورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَـدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَـلِ الرُّوحَ الَّذِي مِـنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِـنَ اللهِ» (1كو 2: 10-12). وكـذلك الخَلْق يُنسَب للروح القدس: «رُوحُ اللهِ صَنَعَنِي» (أيـوب 33: 4)، «تُرْسِـلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ» (مـز 104: 30)، «بِقُـوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِـبَ، بِقُـوَّةِ رُوحِ اللهِ» (رو 15: 19). وكذلك أيضاً الأزلية: «بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ» (عب 9: 14).
+ روح الله هو الله: "الروح القدس" يُدْعَى عن حقٍّ: "الله" (أع 5: 4،3). وعموماً، أسماء الروح القدس تُوضِّـح "ألوهيـة الروح القدس" (مت 12: 28؛ لو 11: 20؛ 1كو 2: 11-14؛ 2كـو 3: 18،17): «أَنَـا بِـرُوحِ اللهِ أُخْـرِجُ الشَّيَاطِينَ» (مت 12: 28)، «أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ» (1كو 2: 11)، «مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كو 3: 18).
+ الكتاب المقدَّس يشهـد بلاهـوت الـروح القدس الأزلي الأبدي (عب 9: 14).
+ وهو "واهب الحياة": «لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَـاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُـوعَ...» (رو 8: 2)، «وَرُوحٌ وَاحِدٌ» (أف 4: 4).
+ وهـو لا يمكـن أن تُقاس وحدانيته (إش 40: 13؛ أف 4: 4).
+ وهـو من نفس جوهر الله: «رُوحُ الْحَقِّ، الَّـذِي مِـنْ عِنْـدِ الآبِ يَنْبَثِقُ» (يـو 15: 26)، «مِـنْ مَجْـدٍ إِلَى مَجْـدٍ كَمَـا مِـنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كو 3: 18).
+ وهكـذا يتكلَّم عنه القديس باسيليوس في كتابه عن: "الروح القدس"(1).
+ لقد طَرَد المسيح الشياطين بالروح القدس: «إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ» (مت 12: 28). وكذلك قـال المسيح عن المعمودية: «إِنْ كَانَ أَحَـدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (يـو 3: 5). وكذلك يقول بولس الرسول: «وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَـالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْـوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ» (رو 8: 11).
+ فالروح القدس الذي يُقيم الأموات، والذي له الحياة في نفسه، هو الله.
+ الله يُـدعَى "الروح": ذلك لأن "الـروح القدس" لا يُضاهيه أحدٌ: «وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنْ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا» (رو 1: 4).
+ "روح الله" كائنٌ منذ الأزل (قبل خلقة العالم): «وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ» (تك 1: 2). وبعد أن اعتمد المسيح في نهر الأردن، «وَإِذَا السَّمَوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآَتِياً عَلَيْهِ» (مـت 3: 16). والروح القدس هو "الله الحق"، كما يُدعَى أيضاً "روح المسيح" (رو 8: 9؛ 1بـط 1: 11). والروح القدس هو مُرسَلٌ أيضاً من الآب لتكميل إرسالية الابن في العالم.
+ هذه المراجع السابقة تؤكِّد لاهوت الروح القدس، الذي هو ليس سوى "روح الرب" (لو 4: 15؛ أع 5: 9)، و"روحـه" (رو 8: 11)، و"روح الله الحي" (2كو 3: 3)، و"روح إلهنا" (1كو 6: 11).
+ الروح القدس يُنسَب إليه أنه هو "مؤلِّف الوحي" و"واهب الحق" (يو 14: 17). والمسيح يقول: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ (الروح القدس) لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ» (يو 14: 16)، بعد صعود المسيح إلى السماء.
+ إنه «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُـوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَـةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (إش 11: 2)؛ وهو الذي يُعطي الحكمة: «... رُوحَ الْحِكْمَـةِ وَالإِعْـلاَنِ فِي مَعْرِفَتِـهِ» (أف 1: 17)؛ ويهـب النعمـة: «رُوحَ النِّعْمَـةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ» (زك 12: 10)، «رُوحِ النِّعْمَـةِ» (عب 10: 29).
+ ويُلخِّص القديس غريغوريـوس النزينزي ببراعة بأنَّ الله هو الروح الوحيد الموجود في كلِّ مكان، وفي كلِّ حين، ودائماً سوف يظلُّ موجوداً، فيقول:
[الذي هو لا بداية (له)، ولن يكون له نهاية؛
هـو دائماً، الآخـرون يشتركون معه، ولكنه غير مشترك مع أحد.
هو كامل، ولكن ليس يتكمَّل من أحدٍ.
هو قدوس، ولكن لا يتقدَّس من أحد.
هو يؤلِّه، ولكنه ليس مؤلَّهاً من أحد.
هو الحياة، وواهب الحياة.
هو النور، وواهب النور.
هـو صالحٌ مُطلقٌ، وصالحٌ مـن ذاته. وهو مُعطي الصلاح، وينبوع ونَبْع الصلاح.
الذي به يكون الآب معروفاً، والابن مُمجَّداً.
كل ما للآب، فهو للابن أيضاً؛ وكل ما للابن فهو للروح القدس أيضاً](2).
عبادة الله الروح القدس: الروح القدس يُدعَى "الرب": «أَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ... كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كو 3: 18،17)، «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُـولَ: "يَسُوعُ رَبٌّ" إِلاَّ بِـالرُّوحِ الْقُدُسِ» (1كو 12: 3)، «فَأَنْواعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ» (1كو 12: 4). فـالروح القدس، كما يقـول القديس باسيليوس: "هـو الله، وهو يحمل نفس لقب العبادة المُقدَّم للآب والابن"(3).
+ إنَّ اسـم الروح القدس يُوضَع على قَـدَم المساواة مـع الآب والابـن في صلوات البركة الرسولية (2كو 13: 14). وكذلك في (مت 28: 19): «فَـاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُـمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ». هذه المساواة لا يمكـن أن يمحوهـا تمييز، كما يقول القديس أثناسيوس الرسـولي، والقديـس غريغوريوس النيصي(4).
+ "الروح القدس يُعبَد في الله؛ بينما الله يُعبَد في الروح القدس" - القديس أمبروسيوس(5).
+ إنه بالانتقاص مـن تمجيد الروح القدس، فلن يتمجَّد الآب ولا الابـن: "إذا كان هناك وقت لم يكـن فيه "الابـن"، فسيكون هناك أيضاً وقت لم يكـن فيه "الروح القدس". إذا كان واحدٌ (أي أقنوم) موجوداً، فـالثلاثة (أقانيم) سيكونون هكذا أيضاً موجودين. فـإن تغيَّب واحـدٌ منهم، فأنـا أتجرَّأ بالتأكيد بالقول، إنك لـن تعترف بالاثنين الآخرين" - القديس غريغوريوس النزينزي(6).
+ صـلاة الساعة الثالثة مـن النهار: "أيها الملك السمائي المُعزِّي، روح الحق، الحاضر في كلِّ مكان، والمالئ الكل، كنز الصالحات ومُعطي الحياة؛ هَلُمَّ تفضَّل وحـلَّ فينا، وطهِّرنا مـن كلِّ دنسٍ، أيها الصالح، وخَلِّص نفوسنا".
الأسماء المُتعدِّدة للروح القدس:
بالرغم من تعدُّد الأسماء، إلاَّ أنَّ الروح القدس هو واحدٌ:
+ وحده هو "روح الحياة"، ويمكن أن يُسمَّى أيضاً "روح القداسـة". والـروح القـدس فقط يُسمَّى "الروح الواحد للكنيسة".
+ الروح القدس فقط هـو "روح المحبـة"، ويمكن أن يُعتَبَر أنه "روح الأسرار" الكنسية.
+ الله الروح القـدس يظـلُّ غير منقسـم. "ونحـن نُبشِّـر بـالإيمان بـالروح القدس غير المُنقسـم"، كمـا يقـول القـديـس كيرلـس الأورشليمي(7).
يُشـار إلى الروح القدس بأسماء مُتعـدِّدة، منسوبة أو مذكورة في الكتاب المقدس:
+ مثل "الرب الرحـوم"، "الروح المُعزِّي" (يـو 14: 16)؛ "روح التبنِّي" (رو 8: 15)؛ المُجـدِّد "روح الحيـاة" (رو 8: 2)، "مُعْطي الحياة"، "روح اليقظـة" "يقظة الإيمان" (2كو4: 13). وهـو "روح النعمـة" (عـب 10: 29)، و"روح الحق" (يـو 14: 17). وهـو "كناصح للنفس"، "روح الحكمـة" (أف 1: 17). وهـو "روح القداسة" (رو 1: 4). كما يقـول القديس كيرلس الأورشليمي(8).
+ الـرب يسـوع اختار تعـبير "النعمـة المقدَّسة": «وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: "اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ"» (يـو 20: 22). [المسيح نَفَخ "الروح القدس" بطريقة جسدية. وهكذا ظهر أنه مـن فم المسيح خرجت "النفخة المقدَّسة" التي هي "الدعوة المقدَّسة" الخارجة منه] - (القديس كيرلس الكبير - شرح إنجيل يوحنا، 14: 16).
+ امتياز الإيمان ليس مجـرَّد تصديـق أنَّ الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث؛ بل لكي نأخذه كمُمثِّل للمسيح، أو لكي يُدافع عـن نفوسنا، ولكي يكون مُرشدنا، ويكون هـو الذي يُقدِّس أرواحنا ويُعزِّينا.
+ الروح القدس هو كما نُسمِّيه نحن "الأقنوم الثالث" مـن الثالوث. وهـو الذي يُعلِن في نفس الوقت "وحدانية الله"؛ وفي نفس الوقت، هـو الذي يشرح تدبير الله. وهو المُرشد لكلِّ الحق.
وحدانية الله الروح القدس:
الروح القدس ليس سوى "الله الواحد" الذي تقابَل مع شعب إسرائيل قديماً، باعتباره "يَهْوَه" إله إسرائيل.
إنـه الله، هـو روح "يَهْوَه" (عد 11: 29): «فَقَالَ لَهُ مُوسَى (ليشوع بن نون): "هَلْ تَغَارُ أَنْتَ لِي؟ يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِياءَ إِذَا جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ"»، «فَكَانَ عَلَيْهِ (على عُثْنِيئِيلُ بْـنَ قَنَازَ) رُوحُ الرَّبِّ» (قض 3: 10)، «أَيْـنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟» (مز 139: 7)، «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ» (إش 61: 1).
+ [لأن الروح القدس ليس تابعاً لأيَّـة قـوَّة خارجة، أو إلى أي قانون؛ بل هو الحَكَم لحريته الشخصية. يقسم كل الأشياء بحسب قرار مشيئته لكلِّ شيء] – القديس أمبروسيوس(9).
+ [إنه ليس مسموحاً لأيِّ أحـد ان يَعتَبِر أنَّ هناك أرواحـاً قدوسين (جمـع: "الروح القدس الواحد")] - القديس أمبروسيوس(10).
(يتبع)