دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

ندوة

”الأب الروحاني متى المسكين“

 

+ في مساء يوم الثلاثاء 31/10/2006 عُقِدَت ندوة تحت رعاية الوزير الفنان فاروق حسني وزير الثقافة، وبدعوة من الدكتور جابر عصفور والأستاذ محمود أمين العالم، وذلك عن ”الأب الروحاني متى المسكين“.

+ وقد حضر الندوة حوالي الألف شخص، كان معظمهم وقوفاً لعدم اتساع قاعة المؤتمرات إلاَّ لحوالي 200 شخص.

+ وقد قدَّم وأدار الندوة الدكتور عاطف العراقي (أستاذ الفلسفة)، ثم تناوَب المتكلِّمون لإلقاء كلماتهم: الأستاذ فايز فرح (الإذاعي المعروف)، فالأستاذ كمال زاخر موسى (الكاتب الصحفي)، فالدكتورة زينب الخضيري (رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب - جامعة القاهرة)، ثم الأستاذة عايدة نصيف (باحثة بقسم الفلسفة بجامعة القاهرة)، ثم الأب باسيليوس المقاري، وأخيراً الأب يوحنا المقاري الذي وجَّه كلمة شكر وتقدير لجميع القائمين بإعداد وإدارة الندوة.

+ وبعد إلقاء المتكلِّمين كلماتهم، دُعِيَ الحضور لإلقاء أي كلمة يريد أن يُقدِّمها أحدهم، فقام الكثيرون بإلقاء كلمات قصيرة أو تعليقات، ثم وُجِّهت أسئلة أجاب عنها المتكلِّمون.

+ وننشر هنا بعض الكلمات التي ألقاها بعض الأساتذة والباحثين في قسم الفلسفة بكلية الآداب، وبعض الحاضرين.

+ وبعد الندوة، دُعِيَ الحاضرون إلى حفل شاي أعدَّه لهم المجلس الأعلى للثقافة.

+ وقد استغرقت الندوة ثلاث ساعات إلاَّ ربعاً.

تقديم

الأب متى المسكين

وما تركه لنا من أعمال وكتابات

الأستاذ الدكتور/ عاطف العراقي

أستاذ الفلسفة - كلية الآداب - جامعة القاهرة

 

الأب متى المسكين يُعدُّ شخصية من النادر، وأقول بكل أمانة، من النادر أن تتكرر. هذا بصرف النظر عن الاختلاف معه تارة، والاتفاق معه تارة أخرى. وقد قابلت الأب متى المسكين بدير أنبا مقار، ثم كان من حظي أني جلستُ معه قبل وفاته بعدة شهور في استراحته في طريق مرسى مطروح، التي تبعد عن القاهرة حوالي 300 كيلومتر تقريباً. لقد ذهبنا إليه لنستفيد منه استفادة علمية روحية وكان معنا الأستاذ فايز فرح، والأستاذة منى الملاخ زوجة الأستاذ فايز فرح، والأستاذ الصحفي ناجي ابن الأستاذ فايز فرح والأستاذة منى، وكان معنا أيضاً تلميذي الدكتور زكي سالم. ذهبنا لمقابلة الأب متى، وكان يوماً تاريخياً، وما زلنا نتذكر الكلمات الحكيمة التي قالها الأب متى المسكين.

أما وقد غادَرَنا الأب متى المسكين منذ شهور قليلة إلى دار الخلود، فلم يكن بالإمكان أن نخصص له مثلاً مؤتمراً يستغرق عدة أيام أو أسابيع. ولكن اضطررنا أن نبدأ بندوة. وأقول بأن كل المسئولين بالمجلس الأعلى للثقافة رحَّبوا بالاقتراح الذي قدمتُه للاحتفال بالأب متى المسكين. وخاصة أنني كنتُ قريباً منه قبل الأستاذ فايز فرح وكل الزملاء الأعزَّاء الذين ذهبوا معنا. وأذكُر بأنني كتبتُ عنه أكثر من مقالة بالأهرام في حياته، ثم كتبتُ عنه فصلاً مُطوَّلاً في آخر كتبي، وهو كتاب: ”البحث عن المعقول“ في الثقافة العربية، وأيضاً كتبتُ عنه مقالة مُطوَّلة وبها صور عنه نُشِرَت في جريدة ”وطني“. وقد كانت جريدة ”وطني“ من أكثر الجرائد المصرية اهتماماً بكل تفصيلات حياة الأب متى المسكين، والتغطية الشاملة لوفاته، التغطية الشاملة لِمَا حدث حتى مدفن الأب متى المسكين. لقد قامت بهذا بكل صدق وأمانة، فتحيتي لجريدة ”وطني“ على وجه الخصوص.

وأقول إن الجميع في المجلس الأعلى للثقافة رحَّب بهذا الاقتراح. فشكري بلا حدود للمفكِّر الكبير الأستاذ الدكتور جابر عصفور، وأيضاً الشكر الجزيل وبلا حدود للمفكِّر الكبير الأستاذ محمود أمين العالم مقرر لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، والشكر لجميع الزملاء بالمجلس الأعلى للثقافة لتفضُّلهم بالموافقة على الاقتراح الذي أَبْدَيتُه.

وقد حضر اليوم عدد من الزملاء، وأقول ويعدُّ واجباً عليَّ، أن أتوجَّه بالشكر لأمينة لجنة الفلسفة الأستاذة نوسة التي بذلت مجهودات استمرت أكثر من ثلاثة شهور في الإعداد لهذه الندوة.

وأقول إن هذه الندوة مجرد فكرة، سيعقبها إن شاء الله، سواء في المجلس الأعلى للثقافة، أو في مكان آخر، مؤتمر كبير أو ندوة مُكبَّرة، للحديث عن الأب متى المسكين. فقد ترك لنا آلاف الصفحات، ربما أكثر من 120 كتاباً، وقد تُرجمت بعض كتبه - كما تعلمون - إلى لغاتٍ أخرى ومنها اللغة الإنجليزية. وأقول إنني على استعداد، وبقية الزملاء وعلى رأسنا الأستاذ محمود أمين العالم، للتعاون مع دير أنبا مقار إذا فكَّروا في عمل ندوة موسَّعة، أو أي عمل من الأعمال، لكي يظل الأب متى المسكين بيننا باستمرار.

لقد مات الرجل جسداً، ولكننا على يقين أن روحه ستكون سعيدة جداً الآن حينما تشعر بأن الكثيرين قد سارعوا للحضور لمعرفة أكثر جوانب الأب متى المسكين، ولا يبقى من الإنسان إلاَّ الأعمال التي يتركها لنا، كما يقول الشاعر:

هذه آثارنا تدل علينا ? فانظروا بعدنا إلى الآثار

أقول - كما قلتُ في البداية - من الصعب بل ومن المستحيل تماماً أن نتحدث لمدة أيام متصلة عن مجهودات وأعمال الأب متى المسكين. وأقول باستمرار، بحُكْم ما قرأتُ له، إنه يُعدُّ زاداً روحياً لا يمكن أن يستغني عنه الإنسان في كل زمان وفي كل مكان.

 

الأب متى المسكين

مجدِّد الأرثوذكسية القبطية

من أجل الإنسان

 

الأستاذة الدكتورة / زينب محمود الخضيري

رئيس قسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة القاهرة

الأب متى المسكين مصري أصيل، أحب المسيح بإخلاص، فنجح في السموِّ بنفسه ليجعلها صافية جديرة باستقبال الروح القدس أو باستعلانه. لم يرتضِ لنفسه - باسم العصرية - الخضوع لاستبداد العقل والعقلانية، ولذا يصعب علينا تأطيره في الأُطُر التقليدية السائدة، بل يصعب الحديث عن نظرياته - وهي كثيرة ودقيقة وبنَّاءة - لأنه نسيجٌ فريد من نوعه في زمننا هذا؛ إلاَّ بعد معايشته طويلاً لسبر غَوْر روحه قبل عقله، وإيمانه قبل فكره.

ومَن لا يُعايش ”أبونا“ متى، يصعب عليه الإجابة عن هذه الأسئلة: هل بدأ من المعرفة ثم تأمَّل فآمن؟ أم آمن أولاً ثم استرشد بإيمانه ليعرف؟ أم أن الله هو الذي مَنَّ عليه بنعمته فكشف له عن حقيقته، أي كشف له عن كل أسرار الوجود؟ ومن جانبي أنا المتخصِّصة في الفلسفة المسيحية، والتي وجَّهتُ إحدى تلميذاتي لدراسة مشروع القديس متى المسكين في رسالتها للدكتوراه، فإن القديس متى المسكين كرَّس حياته لمحبة الإنسان وخدمته وإرشاده وتحقيق خلاصه، أي أنه عاش مسيحياً مسئولاً فأدَّى رسالته على خير وجه.

يُحدِّثنا الأب متى المسكين في أكثر من موضع عن الوعي الروحي الأسمى الذي لا يستطيع الاتصال به إلاَّ المصطفون الذين مَنَّ الله عليهم بوعي روحي جزئي، أو نفخ فيهم بعضاً من هذا الوعي الأسمى، فاستطاعوا الاتصال به. وهو في هذا ليس فيلسوفاً أفلوطينياً سكندرياً أو أوغسطينياً، إنما هو راهبٌ مصري تمثَّل المسيحية كما عبَّر عنها القديس يوحنا في إنجيله، أي وقف عليها في أصولها الصافية النقية، ووقف على حقيقة الأوضاع العالمية وسَبَرَ غور الواقع المصري، ليُقدِّم لنا مشروعاً إصلاحياً قبطياً أرثوذكسياً روحياً مناسباً لنا نحن أهل مصر، سواء أكنَّا مسيحيين أم مسلمين. لم يكن الأمر سهلاً، ويكفي أن نرجع لسيرته الذاتية للتأكُّد من ذلك. فقد كان الخلط واللَّبس والجهل أموراً تجعل المناخ مناوئاً لأي إصلاح فما بالك لإصلاح الدين في مصر التي يتقاسم دينان إيمان أبنائها.

وأعود لأفسِّر ما زعَمتُه من أن مشروعه كان مناسباً لكل المصريين، فأقول إن الأب متى المسكين كان يؤمن بالفعل بأن كل البشر إخوة في الله، وبأن المسيح جاء من أجل كل الإنسانية، وبأن المسيحي الحق هو مَن يشعر بمسئوليته عن خلاص سائر البشر، وبأن الاجتهاد وحده هو الذي يُثبت صحة هذه الإيمانات.

يقول في حواره مع أ. د. جابر عصفور، وأ. د. هدى وصفي، وأ. د. نصر أبو زيد: ”الاجتهاد مرتبطٌ بالله وليس بالقرآن فقط، الاجتهاد هبة“. ويقول: ”فأنا أرى المسلم المتمكِّن من الروح الإسلامية الذي يُتقن العبادة والتقوى عنده القدرة على دخول باب الاجتهاد... فحين يرتفع المسلم في باب الاجتهاد ويتلامس مع الروح، سوف يتلامس معي بلا شك، ولكن حين تنزل على الأصول فقط، سيكون لك بيت ولي بيت، لا تزورني ولا أزورك“. هذا الاجتهاد الذي تحدث عنه بوضوح ومارسه بقوة، كان هو أداة رائد الفكر المصري المُصلِح الديني محمد عبده من قبله، وهو يُشير إليه عدة مرات في حواره هذا. هكذا كان يُحقِّق أبونا متى قناعاته، فالمسألة ليست كلاماً. لقد استفاد من محمد عبده المُصلِح المسلم وخطى خطوات للأمام. والحل بالنسبة لنا أن نتأمل طويلاً هذا الموقف الرائع ونحتذي به.

ولم يكن الأب متى المسكين مثل غيره من الرئاسات الدينية التي تُكلَّف من قِبَل السلطة بتهدئة الأجواء إذا ما حدث الصدام أو تجمَّعت سُحُب الأزمات، إنما كان هو الراهب الذي كرَّس حياته لهداية شعبه، ولذا بذل جهداً كبيراً للوقوف على لُب أزمة اللحظة التاريخية التي يعيشها الإنسان المُعاصر، أي ليكون مثل ملح الأرض بتعبيره. لم يكن رجل دين مُكلَّفاً من قِبَل السلطة - أية سلطة - بالقيام بدور بعينه، إنما كان مسيحياً مهموماً بقطيعه ومسئولاً عنه. ”الدين هو الحل“!! هكذا تصوَّر الأب متى المسكين بعد أن أدرك ببصيرته النفَّاذة، وبثقافته الموسوعية المتعمِّقة، وشفافية روحه؛ مأساة الإنسان المعاصر الذي بات عاجزاً عن التكيُّف مع العالم الذي انهارت فجأة كل أيديولوجياته، وكل أُسسه الثقافية، وكل قِيَمه، بل وكل ثوابته السياسية. ”الدين هو الحل“، لأن الحقيقة الإلهية مطلقة أبدية إذ تُعلَن مرة وتبقى ولا تزول وتظل صالحة دائماً مُلهِمة. والتجديد الديني عنده - الذي هو الحل - ما هو إلاَّ تعمُّق للتجربة الروحية الأولى هي بعينها، أي حقيقة التجسُّد والصلب والقيامة. وهكذا ذهب في كتابه ”المسيحي في المجتمع“.

واختار طريق المواجهة الشجاعة، وتحمَّل ما أصابه منه راضياً سعيداً مُكمِّلاً رسالته، ولذا طرح عدة إشكاليات أو قضايا أو مشكلات، أكتفي بعرض بعضها لأن المقام لا يسمح بأكثر من ذلك.

كانت علاقة العقيدة بالسلطة هي أولى هذه المشكلات، لأنها تلك المشكلة التي فرضت نفسها منذ أن وُجِدَت الأديان ووُجِدَت السلطة، ولأنها أصبحت قضية العصر الأولى، إن لم تكن الوحيدة. واستعان الأب متى المسكين بالتاريخ الذي عرفه بدقة ليتتبَّع تطوُّر تصوُّر الكنيسة لدورها في الحياة الدنيا، أي في المجتمع وفي الدولة.

في البداية تصوَّرت الكنيسة نفسها غريبة عن العالم، وأن عليها أن تعزف عنه. وينقد الأب متى المسكين هذا الموقف فيذهب إلى أنه من الصحيح أنها غريبة عن هذا العالم بمعنى أن أهدافها ليست هي ذات أهدافه، ولكن من الصحيح أيضاً أنها لم توجد إلاَّ من أجله بمعنى أنها لم توجد إلاَّ لتغييره وإصلاحه لأنها مسئولة عنه، وبدونه لا عملَ لها ولا دورَ. والمسيحي - بناءً على ذلك - ليس عابر سبيل في هذا العالم غير حافلٍ بشيء، إنما وجوده في حقيقة الأمر ضروري لهذا العالم بقدر مقاومته للفساد الموجود فيه. والمسيح نفسه لم يأتِ ليكون له المُلْك على العالم، ولتكون كنيسته صاحبة الكلمة الأولى فيه، إنما هو قد جاء ليؤسِّس مملكة السماء، وما الكنيسة إلاَّ أداته لذلك. وإذا تتبعنا مسيرة الكنيسة التاريخية وجدناها تنقلب على ذاتها لتتحوَّل من الزهد في هذا العالم إلى الرغبة في مشاركة السلطة السياسية سلطانها.

ويطرح الأب متى المسكين هذا السؤال المخيف الذي على كل المؤمنين بالله، طرحُه، كُلاًّ بحسب عقيدته إذا أرادوا النجاة: هل ترى الكنيسة (أو المؤسسة الدينية بشكل عام) - باعتبارها ذات سلطان روحي استمدته من الرب ومن الروح القدس - أن عليها الخضوع لهذين أم لسلطان الرئاسات الكهنوتية؟ وبكل جرأة ورغبة صادقة في المواجهة من أجل الإصلاح، يعترف بأن الكنيسة اتخذت بالموقف الثاني في العصور المظلمة. وهنا أيضاً يعوِّل على التاريخ ليكشف الحقيقة: ”في كل مرة اتخذت الكنيسة هذا الموقف كان الفشل حليفها. في كل مرة سعت للجمع بين السلطان الديني والسلطان الزمني، نخر فيها النزاع والوَهَن. وكثيراً ما تذلَّلت تحت أقدام الملوك وتملَّقت الولاة ليعزلوا مُناوئيها، وفي كل مرة كان يتحقق لها ذلك كان سرعان ما يتسلط سيف السلطة عليها في المقابل. التاريخ يكشف لنا، إذن، عن تشوُّه علاقة الكنيسة بالسلطة مما أضرَّ بها ولم يُفِدْها“. أما الحل عنده، ففي مبادئ تحكم تلك العلاقة:

أولها أن الكنيسة ليست مسئوليتها في حقيقة الأمر خدمة المجتمع، إنما خدمة ”الإيمان والمسيح في أشخاص هؤلاء العرايا والأذلاَّء والمشردين“ (الكنيسة والدولة، ص 18).

وثانيها أن الكنيسة يجب ألاَّ تعتمد على قوة السلطان الزمني، أما المواطن المسيحي فله الحرية فيما يختص بوطنه دون الرجوع إلى الكنيسة، ودون أن تكون الكنيسة مسئولة عن تصرُّفه (الكنيسة والدولة، ص 32).

وثالثها أن رجل الدين، من حيث هو مواطن وليس من حيث هو رجل دين، مسئولٌ أمام الدولة (الكنيسة والدولة، ص 33).

ورابعها أن رجل الدين لا يتسلَّط على شعبه كحاكم ولكن كخادم (الكنيسة والدولة، ص 34). وأية محاولة من قِبَل الكنيسة للجمع بين ملكوت الله والسلطة الدنيوية من قبيل المطالبة بحقوق خاصة للاشتراك في الحُكم، وللحصول على نفوذ وسيادة، هو خروج عن هدف المسيحية. ولذا فمثل هذه المحاولة مرفوضة تماماً، لأنها بمثابة تنصيب المسيح ملكاً على الأرض، بينما المسيح يقول: «مملكتي ليست من هذا العالم» (يوحنا 18: 36).

ويمكن تلخيص هذه المبادئ فيما ذهب إليه من أن السياسة والدين قوتان متعارضتان إذا اجتمعتا فلابد أن تلغي إحداهما الأخرى (الكنيسة والدولة، ص 36،12).

ميَّز، إذن، الأب متى المسكين بين العقيدة والسياسة، لا لصالح السياسة كما حدث في الغرب، إنما لصالح الدين حتى يُجنِّب البشر ما حدث لأمثالهم في الغرب وما يُعانون منه حتى الآن نتيجة لإعلاء شأن المادة على الروح.

يقول شارحاً: هناك فوارق جوهرية بين طبيعة العالم وأنظمته ووسائله، وبين طبيعة الكنيسة وأنظمتها ووسائلها. فأنظمة العالم تقوم على أساس العلوم والأرقام والقوة والمال والسياسة والموارد الطبيعية، أما أنظمة الكنيسة فتقوم على حقائقها الروحية الإيمانية. ولذلك فالعالم مستقل عن الكنيسة، وهذه مستقلة عن العالم. بمعنى أن التنظيم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في العالم لا يستمد كيانه من الحقائق الروحية، بل يستمدها من طبيعة العلوم والثقافات. وكذلك فالتنظيم الكنسي لا يستمد كيانه من الاقتصاديات والسياسة العالمية بالطبع، بل يستمدها من أصول الإيمان، مما يحتِّم على الكنيسة أن تلتزم بحدودها فلا تفرض سلطانها على العالم، كأن تكون مسئولة عن تدابيره الاقتصادية والسياسية. وأنظمة العالم عنده نافعة للعالم دون الكنيسة لأنها ليست من طبيعتها. وفي المقابل، فإن الدولة إذا اعتمدت لبناء مستقبلها الاقتصادي على المنهج الروحي الذي تعوِّل عليه الكنيسة، وتركت (أي الدولة) علومها وإحصائياتها؛ فلابد لها أن تفشل وتصير أضحوكة وسط الدول الأخرى (المسيحي والمجتمع، ص 51،50).

أما القضية الثانية التي طرحها، والتي لا تقل خطورة عن القضية الأولى، فهي قضية التعصُّب. فالتعصُّب للعقيدة - في رأيه - كارثة إيمانية بل كارثة وطنية وشعبية (ص 9 من كتاب ”أبونا القمص متى المسكين“). لقد عانى العالم بسبب صراع العقائد الإيمانية تماماً كما عانى من صراع الأحزاب السياسية أو التكتلات، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله: ”إن منشأ الصراع العقائدي الديني هو منشأ سياسي دولي“، وإن مصر عانت من كلا الصراعين (ص 8 من المرجع السابق).

ويرجع التعصُّب للجمود والخضوع للتلقين الإجباري دون الحث على إعمال العقل وممارسة الحوار. ويتهم صراحةً القادة والمعلِّمين بأنهم المسئولون عن ذلك (الكنيسة والدولة، ص 49). ”أما الحل فهو تكوين النشء بحيث يصبح قادراً على تحقيق استعلان الحق الإلهي. والحرية هي التي تجعل الإنسان يحكم على الأمور بلا تحيُّز ولا خطأ“. أما الذي لم يبلغ الحرية بمعناها الحقيقي فقد أخفق في معرفة الحق، وكل ما يتبقى له هو ”منطوق الإيمان وأوامره ونواهيه، يؤمن بها بلا وعي، تتحكَّم فيه... والإنسان غير الحر يتعصَّب لِمَا يؤمن به. ولا علاج للتعصُّب إلاَّ أن نزيد له المعرفة الصحيحة لعلَّه يبلغ إلى الحق الذي هو الله“ (الكنيسة والدولة، ص 49).

أما أخطر أنواع التعصب فهو ”تدريس“ التعصب، وذلك بتلقين مبدأ ”لا تضع يدك إلاَّ في يد من يؤمن بمبادئك“!! مما يفرض على المتلقِّي روح العزلة والانفصال والانكماش، وهو أمر خطير على المواطن المسيحي، إذ سيعيش غير متجاوب مع مجتمعه وشعبه وبلده (الكنيسة والدولة، ص 50-52). ولابد لي من الاعتراف بأن هذا خير تعليل للتعصب وأسبابه وآلياته ونتائجه، اطلعتُ عليه بالرغم من طوفان الكتابات التي ربح أصحابها الكثير منها، والتي لم تُقدِّم في الحقيقة شيئاً. وفي ظنِّي أن الأب متى المسكين لم يحقق هذا الإنجاز العظيم إلاَّ لأنه التزم بدوره وبمسئوليته واختار الابتعاد عن كل ما يعوق تأديته لرسالته، وعلى رأسها الابتعاد عن السلطة. فالمُلْك لله وحده من قبل ومن بعد.

وعنده أن لكل مجتمع مشروعه الإصلاحي المناسب له. والمشروع الإصلاحي الديني المسيحي، هو المحافظة على الروحانية الشعبية التقليدية. ولذلك يُحذِّر من ”تطوير وتجديد الكنيسة أو الدين أو العقيدة أو السلوك تطويراً اجتماعياً عصرياً، أو فكرياً تربوياً حديثاً، أو فلسفياً تجريدياً“، ”فالتطوير والتجديد في الكنيسة يجب أن لا يحتمل إلاَّ معنىً واحداً لاهوتياً إنجيلياً، وهو أن ينتقل الإنسان من حياة حسب الجسد إلى حياة حسب الروح، وهذا هو التطوُّر الإلهي“ (المسيحي في المجتمع، ص 47).

الإصلاح، إذن، هو بالرجوع للأصول عنده، تماماً كما تصوَّر محمد عبده من قبل وتمثَّلها تمثُّلاً مناسباً للخطة التاريخية. والأصول عنده - كما سبق أن قلت - هو التقليد الروحي الشرقي، إلاَّ أن هذا التقليد ليس جامداً، إنما هو متحرِّك يمكن الإضافة إليه، وإن كان لا يمكن الخروج عنه أو البناء على أساس آخر، لذلك فهو ليس جامداً أو ميتاً (الروح القدس، الجزء الأول، ص 13).

على المسيحي عندنا أن يعيش عيشة المسيحي، وأن يتجاوز مجرد معرفة المسيحية.

* * *

أما أجمل ما في مشروعه الإصلاحي فهو تصوُّره للمُغاير أو لِمَا نطلق عليه في أيامنا هذه الآخَر. فالمسيحية ”الغربية“ بالنسبة له، أو المسيحية غير الأرثوذكسية، ليست آخراً بل هي مسيحية فحسب، لأن المسيحية رحبة تقبل وتحتضن كل الإنسانية. والمسلمون عنده ليسوا أغياراً إنما هم إخوة.

يقول: ”علينا أن ننظر إلى كافة الناس البعيدين عن المسيح من منظور مسيحي، ولا نكف عن خدمتهم والصلاة عنهم بتوسل ومحبة، عالمين ومتيقِّنين أن مشيئة المسيح هي خلاصهم“!!!! (المسيحي في المجتمع، ص 29).

كم كان عظيماً الأب متى المسكين الذي عرف المسيح وأحبه شأن القديسين العظام الذين يعرفون أن أهم ما في الحياة هو الحب. وكم تدهشنا نصوصه التي يتفهَّم فيها موقف بعض إخوانه المسلمين من إخوانهم المسيحيين (في سيرته الذاتية)، إذ يعتبر أن مسئولية هذا الموقف مسئولية مشتركة بين الطرفين.

السلام عليك يا ”أبونا متى“، ولينعم الله علينا بأمثالك حتى يتحقَّق لنا جميعاً الخلاص.

 

 

الأب متى المسكين

وتأصيل الفكر اللاهوتي الأرثوذكسي

 

الأستاذة / عايدة نصيف أيوب

باحثة بقسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة القاهرة

الأب متى المسكين، الأب الروحاني والمُفكِّر الأرثوذكسي، صاحب الاتجاه التجديدي في العالم كله، وصاحب مؤلَّفات بلغ عددها 180 مؤلَّفاً في مختلف مناحي المعرفة الدينية: من لاهوت، وعقيدة، وتقليد كنسي، وشروحات وتفسير للكتاب المقدس وخاصة: الأناجيل الأربعة، ورسائل بولس الرسول.

فليس من السهل شرح وتفسير الكتاب المقدس بطريقة صحيحة طبقاً لكلمة الله، لأن ذلك يستلزم معرفة اللغات الأصلية التي كُتِبَ بها الكتاب المقدس، بالإضافة إلى معرفة كليَّة بكاتب كل إنجيل للوصول إلى المعنى العميق والحقيقي. وهذان الأمران قد بَرَعَ فيهما الأب متى المسكين، وقدَّم لنا وللكنيسة في العالم شرحاً أكاديمياً للكتاب المقدس ذا عمق وانعكاس لروح الله، موظِّفاً إيمانه وعقله في إعادة عرض تأويل الإنجيل من منظور آبائي يوافق كلمة الله في الكتاب المقدس، ويُوافق أيضاً روح العصر بما فيه من متغيِّرات، منطلقاً من أن كلمة الله (أي الإنجيل) صالحٌ لكل زمان ومكان على مر العصور.

كما لا يمكن أن نغفل كتابة الأب متى المسكين في الموضوعات الروحية العامة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: ”الوحدة المسيحية“، و”غاية الحياة المسيحية“، وغيرهما. بالإضافة إلى كتاباته ومقالاته في موضوعات اجتماعية (من منظور روحي إنجيلي) مثل: ”الكنيسة والدولة“، حيث أطلق دعوته للفصل بين السياسة والدين، مُنطلقاً من آية الإنجيل: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله» (مر 12: 17).

وكذلك طرحه لكثير من القضايا والمفاهيم التي تخص الفرد والمجتمع، وخاصة حينما عالج قضية الاشتراكية في الستينيات من القرن الماضي من خلال بعض المفاهيم، كالأخلاق الديموقراطية والسلام والتوجيه الخُلُقي، فهو يرى أن الديموقراطية هي الهيكل الأساسي الذي يُشكِّل القاعدة الأخلاقية التي تقوم عليها الاشتراكية.

وهنا تظهر شخصية الأب متى المسكين المهموم بوطنه والمشغول بقضايا مجتمعه، فهو كراهب لا ينعزل في برج عاجي، بل إنه اتخذ من الخبرات العامة للأفراد في المجتمع بداية لمعالجة تلك المفاهيم السابق ذكرها. فقد كان هدف الأب متى المسكين تجديد وتغيير فكر المجتمع، وذلك من خلال انشغاله بالفرد، ومن خلال اهتمامه بالوعي الروحي له بل والأخلاقي، بما يتناسب مع نصوص الكتاب المقدس، مُستخدماً آليات الشرح والتفسير والتأويل في عرضه لمفاهيم العقيدة المسيحية، بالإضافة إلى تأكيده على السمة التاريخية للعقيدة المسيحية من خلال رؤيته للتجسُّد الذي أعطى للإنسان القدرة على تحويل التاريخ الزائل إلى تاريخ للخلاص، مُقدِّماً لاهوتاً وفكراً مسيحياً يجمع بين التقليد والتجديد من خلال حركة إعادة الإحياء اللاهوتي وتعويله بصورة كبيرة في كتاباته على آيات الكتاب المقدس. وهذا أمر شائع في علم اللاهوت الغربي، حيث إن قضية الاعتماد والاستشهاد من الكتاب المقدس هو أسلوب من نتاج التقليد الرهباني في ممارسة القراءة والتأمل المتواترين في الكتاب المقدس.

وفي ذلك يهتم الأب متى المسكين اهتماماً خاصاً بالعهد القديم، الأمر الذي هو غريب أيضاً عن معظم المسيحيين الأوروبيين المعاصرين، حيث قدَّم لنا شرحاً ودراسة وتفاسيرَ للمزامير، شرحاً أكاديمياً يلتزم بالفكر الرسمي للمزمور، وهي من مدوِّنات العهد القديم وبها ضياء وخبرات أنبيائه وقديسيه الأوائل. كما أن قضية الوحدة بين العهدين القديم والجديد قضية أساسية عند الأب متى المسكين في دراسة الكتاب المقدس، فالعهد القديم يؤيِّد التعليم عن طبيعة المسيح وعن الكنيسة.

لقد رفض الأب متى المسكين التفسير الحرفي للكتاب المقدس مُستخدماً أسلوباً آخر هو التقليد الآبائي، وخاصة منهج التفسير الرمزي والمبادئ التفسيرية لمعلِّمي مدرسة الإسكندرية اللاهوتية القديمة في القرن الثاني الميلادي. وهم على سبيل المثال: العلاَّمة كليمندس الإسكندري (في المعرفة والإيمان)، وأوريجانوس (واستخدامه المنطق الوصفي كوسيلة لشرح الإيمان)، وديديموس (عن لاهوت الروح القدس)، والبابا أثناسوس الرسولي، وغيرهم.

فمضمون التعليم اللاهوتي لهؤلاء الآباء: إن اللاهوت المسيحي الصحيح ليس هو المعرفة عن الله كمطلق، ولكن اللاهوت المسيحي - كما يجب أن يُفهم - هو معرفة الله في علاقته بنا، وهذه الحقيقة هي التي قالها القديس بولس الرسول. بالإضافة إلى النظر للاَّهوت المسيحي على أنه إعلان ”محبة الله“ للعالم أجمع، ليس كصفة من بين صفاته، بل بالتأكيد على طبيعة جوهره الحقيقي. فالله محبة، وقد أفاض بمحبته على العالم، وأدخَلَ النور والحب إلى الحياة. فمضمون هذا التعليم كان بمثابة دعوة من الأب متى المسكين في حركة إعادة الإحياء اللاهوتي، مؤكِّداً على المعنى الباطني لآيات الكتاب المقدس، حيث إن القضية المحورية عنده هي الرسالة الروحية للمسيحي في المجتمع، موضِّحاً أن اللاهوت ليس نظرية تُدرَّس بل حياة تُعاش، وأن العقيدة ليست مجرد بنود ومقولات أو قوانين، بل هي عبادة روحية وإيمان حي ذو سمات معينة واضحة ومميَّزة. هذه السمات هي التي تُعطي كل عقيدة طابعها الذي بقدر ما تتمسك به تحيا وتدوم.

كذلك تكمن حركة إحياء اللاهوت أيضاً عند الأب متى المسكين، في اعتماده على مصادر الكنيسة الرسولية التي تأسَّست منذ عصر الرسل، وعلى المصادر الآبائية للكنيسة. وعلى سبيل المثال لا الحصر: مار إسحق السرياني من القرن السابع الميلادي، والذي أحدثت كتاباته تأثيراً عميقاً على الروحانية الأرثوذكسية. فمن خلال كتابات مار إسحق وعظات القديس مقاريوس ورسائل القديس أنطونيوس، نجد تأثـُّر الأب متى المسكين بهم، وذلك بتأكيده على أهمية القلب كمحور في الحياة الروحية.

وكتابات الأب متى المسكين لم تنخرط في الجدل الدفاعي ضد المقاومين لعقيدة الكنيسة عن طبيعة المسيح (النساطرة والخلقيدونيين). كما لم تتأثر أيضاً بالفلسفة العربية الإسلامية؛ لكنها تنتمي إلى تقليد رهباني مختلف عن اللاهوت المدرسي الذي شاع منذ القرن التاسع إلى الرابع عشر، والقائم على الكتابات المسيحية باللغة العربية في القرون الوسطى، إلى لاهوت يحيى بن عدي الدفاعي، ولاهوت أبي قُرَّة وساويرس ابن المقفَّع، وغيرهم.

لم يتأثـَّر الأب متى المسكين باللاهوت المدرسي (الشائع الآن، والمعتمد على التلقين)، بل أكَّد على ما هو مشترك في التقليدين القبطي والسرياني من جهة التأكيد على القدرات الروحية للإنسان، وعلى أصل خلقة الإنسان على صورة الله ومثاله؛ حيث نجد في كتابات الأب متى المسكين رجوعاً مستمراً لآباء الكنيسة، وذلك نتيجة لفهمه للتقليد باعتباره جزءاً من تراث الكنيسة الجامعة التي تضمُّ الكنيسة القبطية. فبدلاً من الدخول في مناقشات وجدل قوامه الروح المدرسية، غربية كانت أم شرقية، للدفاع عن العقائد القبطية الأرثوذكسية، أو محاولة الدفاع عن المسيحية بمفاهيم مقبولة عند الآخر؛ يستند الأب متى المسكين إلى آباء الكنيسة في فكره التجديدي ودعوته المستمرة للوحدة المسيحية، والانفتاح لمواصلة الحوار والتكامُل مع الآخر، لفهم الدور الحقيقي للرسالة المسيحية التي تتأسَّس على النضج الإيماني، والذي بدوره يتغلَّب على المفارقة بين الفكر والوجدان، ذلك من ناحية.

ومن ناحية أخرى، يدعو الأب متى المسكين الكنائس أن تجحد استعلاءها الذاتي العقائدي، لتدخل إلى أعمق مستويات الروحانية، أَلاَ وهي المحبة والرحمة. فقد رأى أن هذه الوحدة لا تنطلق من الوحدة العقائدية، بل أولاً من وحدة في الحياة الروحية.

فالأب متى المسكين، ابن مصر، استطاع أن يفحص وينقد الأبحاث النقدية اللاهوتية، سواء كانت غربية أم شرقية، دون اللجوء إلى موقف الدفاع، مُقدِّماً لاهوتاً قوامه روح المسيح وروح الوحدة المسيحية التي هي مطلب الإيمان العظيم، والتي هي جوهر الحب الإلهي.

وأخيراً، فالأب متى المسكين قد أفنى حياته في التأمل والقراءة والزهد والكتابة والصلاة، ليُقدِّم لنا الكثير والكثير، كي يحمل لواء الفكر الديني المعتدل. فإن كان قد فارق عالمنا المادي، إلاَّ أنه لم يُفارقنا، لأنه باقٍ في قلوبنا وفي قلب الكنيسة المسيحية وقلب الوطن، باقٍ عالِماً ومُفكِّراً وفيلسوفاً في تاريخ الكنيسة وفي تاريخ الرهبنة. فلروحه كل التقدير والحب.

من كلمات بعض الحاضرين:

اعترافات صادقة

وتساؤلات بريئة

 

الطبيبة / عفاف حامد عبد المجيد

إخصائية الباطنة العامة بمستشفى أُم المصريين العام

 

الحمد والمجد لربنا، ثم الشكر والامتنان لأستاذي وقدوتي العالِم الفيلسوف المستنير المتواضع الدكتور عاطف العراقي، لشمولي ودعوتي منذ أسبوعين لحضور هذا اللقاء المثمر.

1 - أول اعترافاتي، أنني مواطنة مصرية تؤمن برسالات السماء التي تحضُّ على كل القيم السامية والسلوكيات البارة الصالحة.

2 - ثانيها، أن عملي كطبيبة جعلني أسلك في حياتي بتدبير وأمانة ومحبة.

3 - ثالثها، دراستي للاَّهوت - الكتاب المقدس - إضافة إلى رسالة الإسلام، أوصلتني لليقين بأنه لا خلاف ولا صدام، بل تطابق تام.

4 - الرابع، هو تقصيري في القراءة الأوسع عن أبي القديس متى المسكين، رغم أنني قرأت الكثير عن أبي القديس متى باسيلي (فاخوري باسيلي المولود عام 1880، والذي تنيَّح في أبريل عام 1968)، الذي اشتهر بتقواه وقوة صلاته وموهبته في إخراج الشياطين، والمدفون في دير القديس تاوضروس المحارب غرب مدينة الأقصر. وكذلك قرأت الكثير عن أبي القديس (البابا) كيرلس صاحب الكرامات التي تحقَّقتُ منها أنا شخصياً في مواقف عديدة من حياتي.

5 - الاعتراف الخامس، هو أنني بدأت فقط أقرأ عن أبي متى المسكين يوم الخميس التالي لعيد الفطر - في الملحق الاستثنائي الخاص لمجلة مرقس - والذي أهداه إليَّ أخ عزيز هو الأستاذ نظيم منير موجِّه الرياضيات بالمعاش جزاه الله عني خير الجزاء.

وأستأذن في استعارة بعض مما تفضل به أستاذي الدكتور عاطف العراقي، الوارد في هذا الملحق والمأخوذ من كتاب ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“ لأبي متى المسكين قدَّس الله روحه، صفحة 10:

[الذين يعيشون مع المسيح ويتكلَّمون مع المسيح قليلون جداً...].

[الإيمان بالمسيح ليس نظرية، بل قوة قادرة على تغيير الحياة. وكل إنسان في المسيح يسوع لابد أن يكون له هذه القوة، أي أن يكون قادراً على تغيير حياته وتجديدها بقوة المسيح].

6 - وأعترف بأن أبي متى المسكين قال وصَدَقَ، فقد ضرب لنا المثل والقدوة بسلوكه الإيماني الرائع، فقد كان صيدلانياً ناجحاً - في دمنهور - باع كل ما يملك واشترى مرضاة الله. اقترب منه، فقرَّبه، حتى صار إيماناً يمشي على قدمين. فالإيمان الذي ملأ قلبه، والذي تمثَّل في طول الصلاة والتأمُّل، دفعه بقوة قدسية لعمل كل ما هو بار وصالح مع قدرة نادرة على الصبر على تجارب الشيطان، ثم التسامح مع مَن أساءوا إليه؛ كذلك تعمير الأديرة: دير الأنبا صموئيل، ودير أنبا مقار بطريق القاهرة/الإسكندرية، ثم تأليف المجلَّدات والكتب التي زاد عددها عن 170، وهذا نافع لكل مَن قرأها وتدبَّرها على مر السنين حتى نَلْقَى الله، آمن فعمل:

+ «... ومَن أراد أن يُخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً. ومَن سخَّرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين» (مت 5: 38-40)

+ «لا تخرج كلمة رديَّة من أفواهكم، بل كل ما كان صالحاً للبنيان، حسب الحاجة، كي يُعطي نعمةً للسامعين» (أف 4: 29).

- لم يصنع كل ما صنع إلاَّ بقوة الإيمان. لم يعرف الخوف، بل اطمأن لأن الله لن يتركه، وسوف يكون معه ومُعيناً له:

+ «... حتى أننا نقول واثقين: الرب معينٌ لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي إنسان» (عب 13: 6).

- كان وديعاً متواضعاً صابراً على المكائد حتى انتقل في 8/6/2006، ولذا نصره الله على أهل الحقد، أجلسه المجلس الذي يستحق:

+ «ولكن إن تألمتم من أجل البر فطوباكم، وأما خوفهم فلا تخافوه ولا تضطربوا» (1بط 3: 14).

+ «أنزل الأعزَّاء عن الكراسي، ورفع المتضعين» (لو 1: 52،51).

- عاش يحب الآخرين وينكر ذاته، متواضعاً، يهتم بداخل الإنسان، ويُقدِّس العمل حتى أنه رغم كبر سنه كان يعمل في اليوم ما يزيد على أربع عشرة ساعة، بين الصلاة والتأمُّل والتعليم والتأليف والعمل بيديه في مزرعة الدير. كان نوراً هادياً للحائرين.

وأستأذن في استعارة عبارة الأستاذ سامي سوس المحامي بالنقض - الإسكندرية - وهو يرثي الأب متى المسكين: ”... فهو زَرَعَ بالدموع، ونحن نحصُد بالابتهاج، وندخُل على تعبه وجهده...“.

نصل إلى التساؤلات:

1. أولها عن نشأة وطفولة الأب متى المسكين. فمن الصواب أنه رأى الرؤيا والبُشْرَى وهو لا يزال في الرابعة من عمره، لكنني كنتُ أحب أن أعرف شيئاً عن والدته ووالده، ومَن الذي شكَّل وجدانه الأول. فالقدوة حسب علمي لها تأثير لا ينمحي!

2. ملحق مجلة مرقس - السابق الإشارة إليه - يتحدث عن السيد المسيح عليه السلام دون أن يقول ”السيد“ ولا ”عليه السلام“، ويكتب كلمة ”المسيح“ مجرَّدة، وهذا عندنا في الإسلام غير لائق. فحُبُّنا وتقديسنا لسيدنا يسوع المسيح عليه السلام، تُلزمنا بذكر ”السيد المسيح“، و”عليه السلام“. فما هو سر كتابة ”المسيح“ هكذا في المجلة؟

3. لماذا لا يكون في برامج التليفزيون والإذاعة مادة متميِّزة من سيرة هؤلاء القديسين حتى يُتاح للجميع التعرُّف عليهم والاقتداء بهم لِمَن أراد؟ ولو كان ذلك في مواسم مثل أيام الصيام من 25 نوفمبر إلى 6 يناير!

4. لماذا لا تُفكِّر وزارة التعليم (قبل الجامعي وحتى الجامعي) في تدريس مادة تُسمَّى ”الفضائل الإنسانية بحسب الرسالات السماوية“، لتشمل مثلاً الحديث عن الصدق والأمانة والتواضع والشهامة والعدل والتسامح، مؤيِّدة ذلك بنصوص رسالات السماء!

5. السؤال الذي حيَّرني ولم أجد له إجابة، هو كيف أن صفوة المتديِّنين القديسين قد لاحقوا قديساً مثلهم بمثل هذه المكائد وتلك الأحقاد؛ أَلاَ يجرح ذلك إيمانهم ويُشكِّك فيه، فيصبح ادِّعاءً وليس إيماناً، إن لم يتطابق مع أعمال البر وأولها وأبسطها المحبة وليس الحقد؟

6. السؤال السادس، هو عنوان الندوة: ”الأب الروحاني متى المسكين“.

فكلمة ”الروحاني“ يُفهم منها للوهلة الأولى، الانقطاع للصلاة والتأمُّل وترك ما عدا ذلك. لكن الواقع أن الأب متى المسكين كان العمل عنده مقدَّساً، فقد عمَّر الأديرة - كما سبق وقلتُ - وبذل الجهد المُخلِص المتصل، وعلَّم الرهبان الجُدُد، وألَّف الكتب، وعمل في مزرعة الدير بيده. وهكذا جمع بين الروحانية والعمل، لذا فإني أرى وصفه بـ ”الروحاني“ أقل مما يستحق. فهل أنا على صواب؟

7. سؤالي الأخير: عندما بدأتُ قراءة ملحق مجلة مرقس مباشرة بعد صلاة عصر الخميس 26/10/2006، قبَّلتُ صورة الأب متى المسكين الموجودة على الغلاف، ولم أملك نفسي من البكاء الذي لازمني حتى الخامسة (ساعتان)، وارتفع صوتي في بكائي، وسألتُ الله أن يشفي ذراعي وكتفي - حيث إنني أُعاني من انزلاق غضروفي - فما أن أتممتُ قراءة الملحق، حتى زال الألم من ذراعي وانشرح صدري، وتناولتُ طعام الإفطار، فقد كنتُ صائمة ثم أسلمتُ نفسي للنوم. وعندما استيقظتُ وجدتُني أَنذر نذراً لله، بزيارة مدفن أبي متى المسكين، والتبرُّع بما يَسَّره الله لصندوق الفقراء. والسؤال هنا: هل أنا في هذه الحالة أتشفَّع بمخلوق صالح؟ أم أنني أتنسَّم في الرجل الصالح صلاحه، وأحاول الاقتداء به والقُرْب من الله مثله؟

من كلمات بعض الحاضرين:

 

الفيلسوف الخالد

 

الأستاذة / آمال يعقوب أنيس

مدرسة الفلسفة

بمدرسة ناصر الثانوية بنات ووكيلة المدرسة

 

لا يُطاوعني قلمي أن أكتب عنه كماضٍ مضى وراح، بل أُحس أنه سوف يُصاحبني إلى نهايــة مشوار الحياة، خيالاً ناطقاً، يحرص على أن يصل الدور الذي ابتدأه، بروح فيه أبي وأخي وصديقي وأستاذي الذي فَقَدتُه، لكن مع الارتباط الروحي والذي لا ينفصم بحتمية الموت الذي هو حقٌّ على سائر العباد.

+ رأيناك فيلسوفاً بطبعك، وسليقة الفلسفة في تكوينك الشخصي، تُلهمُك تحليلاتك اللاهوتية العميقة.

+ أيها الخالد، وإن مات لكنه لن يموت، أيها العملاق في العقل والإيمان. خبِّرني هل كنتَ من صخر وليس من لحم ودم؟ هل كنتَ روحاً بلا شهوة، أم عقلاً بلا غفلة؟ يا حامي الإيمان، ذهبيُّ الفم والعقل والروح.

+ أبي، يا أثناسيوس القرن العشرين، وأوريجانوس العصر الحديث، وكيرلس عامود الدين، وديسقورس بطل الأرثوذكسية. كل فضائلهم اجتمعت في شخصك، فكنتَ تكويناً ونسيجاً فريداً.

+ لقد فُطِرْتَ على تكوين ونسيج فريدين قلَّ أن يجود بهما الزمان. وهبكم الرب تجمُّعاً مكتملاً من المواهب النادرة، وبهذه المواهب المتفرِّدة استطعتم بمثابرتكم أن تستثمروها، فأعلاكم علمكم الغزير إلى القمم السامقة للروابي العلمية الشامخة.

+ فأنتم علاَّمة هذا الجيل بلا منازع، وعَلَمُه الذي نتطلَّع إليه فنرى جوانب عديدة. فمن بين العلماء نجدكم عالِماً تستخدم العلم منهجاً للتفكير والتعليم، فجاء تعليمكم سليماً كل السلامة. ولو بحثنا عنكم وسط زمرة الفلاسفة فأنتم حُجَّة تدعم الإيمان بأدلة عقلية وبراهين منطقية. ومع رهبان البرية تجمع بين أشد قادة الفكر الروحي إنتاجاً، وأكثرهم نفعاً ونقاوةَ قلبٍ وصفاءَ وجدان، خريج برية شيهيت جامعة العظماء، فنراك نجماً مضيئاً.

+ فأنتم، يا أبي، واحدٌ من عمالقة الفكر الديني المستنير، الذين أخذوا على عاتقهم تنوير وتثقيف العقل الإنساني، ليس هنا فقط، بل في أرجاء المسكونة كلها بأفكارك الإصلاحية التي كانت مشاعلَ أضاءت ظلمة واقعنا.

+ وحِرْصُك على التواصُل مع الثقافة الآبائية اليونانية وفكر الآباء الأوَّلين، وانفتاحُك على فكر كنائس العالم ما كان ذلك إلاَّ نتيجة حتمية لرسوخ قدمك في اللغات الأجنبية، ضالعاً في اللغة العربية، مُلِمّاً بعلومها وأسرارها، فدانت لك المعاني على نحوٍ فريد لن يتكرر. وبمَلَكَة عقلك وإيمانك الموهوب من الله وروحه القدوس، استطعتَ أن تُعمِّق الفكر اللاهوتي الآبائي وتطرح الحقائق الإيمانية الثابتة بأسلوب مبتكر.

+ وإن جاز لي القول، فإن الأب متى المسكين قدَّم تعميقاً منهجياً وفكرياً وأيديولوجياً لنفس الحقائق اللاهوتية الآبائية في نَسَقٍ إيجابي لم نجده من قبل، فجاء خارج نطاق المألوف.

+ وبهذا تخطَّى الأب متى المسكين حدود الإيمان النظري والعملي، وارتقى إلى الإيمان الحَدْسي، وهو الاستبطان المباشر للحقائق الإلهية بعين العقل أو الإدراك المباشر للحقيقة بعين العقل.

+ حقاً، يا أبي، فأنت موعَبٌ(1) من روح الكتاب المقدس، من الله ذاته، منذ كنت جنيناً في بطن أمك، مُعَدّاً من الله لتواصل رسالة توطيد الإيمان الأرثوذكسي بعقلانية في نفس وعقل الإنسان، بالرجوع إلى الأصالة للموروثات الإيمانية وإحيائها.

+ فأنتم صاحب الدور البارز في تأكيد حضور الكنيسة والرهبنة القبطية خارج النطاق الوطني والإقليمي، وهكذا أعطيتَ للرهبنة القبطية بُعْداً عالمياً.

+ لذلك كرَّمته الكنيسة، ودرست منهجه اللاهوتي كبريات الجامعات اللاهوتية في العالم. لذا أصبح علامة مضيئة في تاريخنا المعاصر، وَضَعَت دير القديس أنبا مقار على خريطة كبرى مراكز البحوث العلمية.

+ ولا ننسى أنكم رائد وباعث الثورة الخضراء، جاعلاً الصحراء الصفراء الهامدة واحة خضراء تسري فيها الحياة.

+ وصاحب قلم جريء في كل أمر وموضوع، لم تتردَّد أمام دعاوى خصومِ فكرٍ في التعبير عمَّا تؤمن به فيما يخص كل قضايا الإنسان والكنيسة، في شجاعة نادرة تتجاوز التبعات وترتقي إلى مستوى المسئولية.

+ فالأشجار تموت واقفة، وكذلك العظماء، حيث رحل الجسد ولكن يبقى الفكر الذي سيُرافقنا ما حيينا، لترتوي به صحراء حياتنا الروحية بقوة العزم التي أوصيتنا بها.

+ ولأن اسمك صار خالداً، فما أحوجنا الآن إلى الكشف والتنقيب في تراثك الزاخر والتحلِّي بعلمك النافع الذي استلهمتَه من الله. لذا نحيِّيك تحية الفضيلة في شخصك، ونطامن رأسنا أمام عظمة أُبوَّتك، تقديراً لتاريخك الحي، واقتداءً بتعاليمك المُصاحبة لكمال سيرتك.

من كلمات بعض الحاضرين:

 

الأب متى المسكين واهتمامه بالإنسان

 

مايسـة تادرس

مدير عام بالجهاز المركزي للمحاسبات

 

في الحقيقة، أنا أريد أن أُضيف نقطة صغيرة جداً، بالإضافة إلى كل ما قيل، فإن الأب متى المسكين كان يكتب للإنسان، الإنسان، الإنسان. فإنك لو حصرتَ كلمة ”الإنسان“ في كل صفحة من كتاباته لكانت تتعدَّى العشر كلمات أو 12 كلمة.

فالإنسان أيّاً مَنْ كان، سواء كان مسيحياً، وقرأ لأبينا متى واستلهم من روحه، فإنه يستطيع بسهولة أن يفهم الإنجيل، ويأخذ نصيبه من التجسُّد والخلاص والفداء والمصالحة والتبنِّي؛ أو كان مسلماً واستلهم روح الأب متى المسكين، يستطيع بسهولة أن يفهم القصد من آيات القرآن الكريم ويتخذها منهجاً لحياته بسهولة شديدة؛ أو كان وثنياً لاجتذبه إلى الإيمان؛ أو كان من آكلي لحوم البشر، لارتقى به وجعله إنساناً. هذا هو أبونا متى المسكين، الذي كان اهتمامه الوحيد بالإنسان ثم الإنسان ثم الإنسان.

أما الطاعنون في كلامه، فلا يُعدَّون أن يكونوا مجرد طنين وذبذبات هواء. أما إذا كانت انتقاداتهم مكتوبة، فستظل حبراً على ورق، وسيظل أبونا متى أباً لكل إنسان ولكل البشرية، من الآن وقبل ذلك وبعد ذلك. وشكراً.

من كلمات بعض الحاضرين:

 

الأب متى المسكين

الحديث عنه ومعه

 

الدكتور / عدلي أنيس

مدرس بقسم الجغرافيا - كلية الآداب - جامعة القاهرة

 

كلمة قصيرة أقولها عن الأب متى المسكين، إن أيّاً منا في إيمانه بربنا، في صلاته، تأخذه أحياناً فكرة أننا خائفون من العقاب، وأننا نعمل الخير لكي ندخل الجنة... إلى آخره. أما فكرة أن أُحب ربنا كشخص أنا أراه، تماماً كما أُحب والديَّ، مع الفارق في التشبيه - والجلالة لله طبعاً - فهذا معناه أنني أحب شخصاً أراه، وهو يعطيني الكثير، وأنا أحس به جداً.

وهكذا تكون محبتي لله، بمعنى حبي لذات الله، وليس خوفاً من عقابه. هذه كانت الرؤية التي أخذتها من خلال قراءاتي لكتابات الأب متى المسكين.

وأنا قد كتبتُ أسطر (شعراً) للأب متى المسكين، فأنا هنا لا أتكلَّم عنه ولكني أتكلَّم معه، وأقول له: عشتَ بين الناس بعتَ مُلْك الأرض واشتهيتَ العيش راهباً حتى بات البدن منهكاً كنتَ للرهبان أباً كنتَ للأفكار نهراً كنتَ للرهبان رمزاً وغرستَ العلم غرساً كنتَ للصحراء واحةً كنتَ بالصحراء عيناً وملأتَ الدير خيراً وملأتَ القلبَ هوذا الآن تجلس وغدوتَ اليوم تُدعَى

باراً وأمينا طالباً مُلكَ يسوعا قاصداً ديراً فقيرا هالكاً بل هزيلا حانياً بل وحكيما جارياً بل ويفيضا بادئاً جيلاً جديدا في عقولٍ كي تستنيرا جاذباً شعباً كبيرا راوياً بل ومُعينا أياماً جليلة حباً ليسوعا بين كل القديسينا الغنيَّ وليس المسكينا وشكراً.

يمكن طلب شرائط الفيديو واسطوانات الـ DVD والـ CD لندوة

”الأب الروحاني متى المسكين“

من:

دار مجلة مرقس

القاهرة: 28 شارع شبرا - تليفون 5770614

الإسكندرية: 8 شارع جرين - محرم بك - تليفون 4952740

أو عن طريق موقع الدير على الإنترنت:

www.stmacariusmonastery.org

(1) أي ”مُرْتوٍ“ من فِعْل ”عبَّ“ أي ”شبع“ و”ارتوى“.