|
|
|
لي صديق هادئ الطبع، ودود، وهـو رسَّام يعيش في إحدى ضواحي المدينة الساحرة ”فيينَّا“؛ زرته يوماً في منزله، فدار بيينا هذا الحديث:
- قلتُ له: ”كيف تقضي يومك“؟
+ أجابني: ”أنت تـرى أن مساكننا قريبة مـن بعضها، لذلك ففي المساء يأتي أولادي لنتسامر معاً، ونتبادَل الأخبار. أمَّا في الصباح الباكر، فأذهب إلى حديقتي في خلفية المنزل حيث الورود والأعشاب الجميلة. أقـول لها: "صباح الخير"، مع إروائها بالماء اللازم لها للنمو. ثم بعد ذلك، أعـود إلى البيت لأتناول إفطاري وأتفقَّد لوحاتي“!
وهنا اتَّسع جفناه وابتسم ابتسامـة مُبهجـة. وعندئـذٍ صببتُ له قليلاً مـن الشاي في فنجانٍ، وقدَّمته له، وقلتُ له: ”وكيف حال لوحاتك“؟
+ ابتسم، ثم أجـابني قائـلاً: ”في أبهـى صورة! إنَّ الرسَّام يستخدم الخطوط والألوان والفرشاة، ليكتب كتابـه المرئي في صـورة لوحة: نصفه نقرأه من خلال رؤيتنا لِمَا تُمثِّله الصورة مـن مناظر؛ والنصف الآخر لا نراه بالعين المُجرَّدة“.
+ وهنا نظـر إليَّ بتمعُّنٍ وقال لي: ”ولكن عندي لوحة تُعبِّر عـن آيـةٍ في سِفْر الرؤيا تُخبر عن الرب يسوع وهو واقفٌ على الباب ويقرع قائلاً: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤ 3: 20)“.
- وفيما أنا أنصت لكلماته، عُدتُ وصببتُ له قليلاً من الشاي، قائلاً: ”وما معنى هذا“؟
+ أجابني قائلاً: ”يقول المُفسِّرون إنَّ الرب يسوع مُنتظرٌ أن نستقبله في قلوبنا وحياتنا“.
- ابتسمتُ وقلتُ له: ”بالتأكيد، ما أجمل هذا“.
+ استطرد في كلامه قائلاً: [ولكنني أَخذتُ هـذه الصورة بمعنًى آخر أكثر عُمقاً من تلك النظرة. فالصورة مَقْروءٌ منها نصفها، وهـو ما نراه؛ أمَّا النصف الآخر، فهو موجودٌ خلف هـذه الصورة داخل حجرتي!! فقد أَخذتُ هذه الصورة ووضعتُها على باب الحجرة التي أنام فيها. وفي كلِّ يومٍ قبل أن أدخل غرفتي لأنام، أقف وأقول: ”أيها الرب يسوع، إنَّ هذا الباب المرسـوم في الصورة ليس له مقبض مـن الخارج، لذلك ينبغي على مَـن بالداخـل أن يفتحه لك. وبعد، ماذا أفعل حين أستقبلك؟ هل أنـا مُستعدٌّ لهذا الاستقبال السعيد؟ سوف تأتي وتأكل معي وتتعشَّى معي، وبعد ذلك لابد من السَّفَر السعيد إلى الأبدية“!
”فهل أنا مُستعدٌّ لهذا السَّفَر؟ حقّاً، إنَّ قلبي ليبتهج حين أذكُر اسم الحبيب، فكم وكم تكون فرحـة اللُّقيا؟ ومـا معنى: «أَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» إلاَّ دليلٌ على حـلاوة الصُّحْبَى وجمال هذا اللقاء! فكم ينبغي أن تكون النفس مُزدانة بالفضائل الحلوة لتستحق أن تجـد راحتها في لقاء الحبيب؛ وقـد جاهـد الإنسان العمر كله لكي يفوز بهذا اللقاء السعيد“.
”كم تفرح النفس حين ترى مُشتهى الأجيال كلها، ونور وضياء هـذا الكون، في مَعِيَّتها؛ تسعد به وهو آتٍ لها خصيصاً، لكي يُطعمها مـن محبته وحنانـه، ويُذيقها مِمَّا أعـدَّه الله لمُحبِّيه. إنَّ هذا الأمر لعظيمٌ جدّاً“]!
+ ”وهكذا أظلُّ أُكلِّم نفسي، بـل وأُخاطب الرب بهـذا الكلام، حتى تنال نفسي تعزيـة مـن الروح القدس. وأتذكَّر آية المزمور التي تقول: «ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ» (مـز 34: 8)، وكـذلك الآيـة التي تقـول: «مَـا أَجْمَـلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَـيِ الْمُبَشِّـرِ، الْمُخْبِـرِ بِالسَّـلاَمِ، الْمُبَشِّـرِ بِـالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ» (إش 52: 7)“.
عندئـذٍ رأيتُ دموعـاً تترقـرق مـن عينيه ممزوجة بحلاوة التعزية، وتُعبِّر عـن افتقاد النعمة الغنيَّة له! فآثرتُ أن أتركه ليستمتع بهـذه الزيـارة الروحية السماوية، ليغتني منها على قدر ما يشاء.
- وفي الحال، نهضتُ وقبَّلتُ يديـه ورأسه، وقلتُ له: ”الربُّ يُبارِك حياتك أنت وكل أهل بيتك“.
ثم ودَّعته ورجعتُ إلى بيتي وأنا مُبتهجٌ بمثل هذه النفوس التي تصل إلى أعماق الحياة الروحية بدون عائق. وبدأ هذا الصديق العزيز يُسلِّم أولاده هذه الروح النشطة في التعمُّق في الروحيات.
فطوبى لمَـن زارتـه النعمة لتُعزِّيه وتُقوِّيه وتُذيقه مـن أسرار الحياة الأبديـة؛ فتمتلئ نفسه بالخيرات السماوية!
(+(+(
+ «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي يَـا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُـلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِـنَ الْحُفْـرَةِ حَيَاتَـكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَـةِ وَالرَّأْفَـةِ. الَّـذِي يُشْبِعُ بِالْخَيْرِ عُمْـرَكِ، فَيَتَجَـدَّدُ مِثْـلَ النَّسْـرِ شَبَابُكِ» (مز 103: 1-5).
+ «تَعَالَـوْا إِلَيَّ يَـا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِـدُوا رَاحَـةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ» (مت 11: 28-30).