نقرأ فصلًا من إنجيل معلِّمنا متى البشير
+ «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (مت 19: 21).
+ «وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتَا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ» (مت 19: 29، 30).
هذه الآيات هي جذور الحياة الرهبانية في الكتاب المقدَّس، حيث صارت الرهبنة بالحقيقة هي جوهرة الكنيسة الثمينة، لأنها تُمثِّل الحياة المسيحية النقيَّة.
وقد ظهرت على أرض مصر المُباركة في القرن الثالث الميلادي، وصار افتخارنا بأنَّ أول راهب كان مصريًّا هو القديس أنطونيوس الكبير أب جميع الرهبان في العالم.
ومن مصر انتشرت الرهبنة إلى معظم ربوع العالم وصارت بالآلاف، وفي بلادنا مصر هناك أكثر من خمسين ديرًا عامرًا غير عشرة أديرة قبطية خارج مصر.
وبالطبع هناك مئات من الأديرة المُندثرة والتي ما زالت أطلالًا أو آثارًا تنتظر التعمير والتجديد.
ولأن الرهبنة، حسب الطقس القبطي، تبدأ بصلاة الراقدين (الأموات)، نُسمِّيها ”رهبنة الكفن“. حيث يتغطَّى الراهب أو الراهبة أثناء إقامته بسِتر وكأنه كفنٌ، ولهذا ثلاثة معانٍ روحية ورمزية:
الرهبنة هي صومٌ عن الناس بالمعنى المادي للكلمة، فالإنسان بعد أن يُقام راهبًا يبتعد عن العالم ولا يشتهي أيَّ شيءٍ فيه ولا يميل لأيِّ إنسانٍ.
الرهبنة هي صومٌ عن الذات، لأن الذات هي الأنا أو Ego التي تتحكَّم في الإنسان، فيتكبَّر وينتفخ ويسقط بعيدًا عن الاتضاع والمسكنة الروحية.
الرهبنة هي صومٌ عن الأرض لتكون السماء حاضرة أمامه كل حين، كاختبار بولس الرسول: «لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا» (في 1: 23)، هذا ما نُسمِّيه ”الحنين إلى السماء والاشتياق الدائم نحو الملكوت“.