مكتبة دير أنبا مقار لها تاريخ سحيق في القدم.
بدايةً، عُرفت كلمة ”مكتبة“ باللغة القبطية لدى الرهبان الأقباط باسم ”الوولثاكي“([1])، حيث حرف B يُطَق ”واو“ باللهجة الصعيدية. وتُكتب ϯⲃⲓⲃⲗⲓⲟⲑⲏⲕⲏ حيث ”بيبلو“ = كتاب، و”ثيكي“ = دولاب.
بدأت مكتبة دير أنبا مقار بطبيعة الحال بدولاب صغير داخل الكنيسة يحوي كل كتب القراءة. والدولاب كان يسمَّى θυρίδες ، ولم يُعرَف الدولاب بوضعه المستقل الحالي بل كان عبارة عن طاقة في الحائط طويلة لها لها ضلفتان وبها رفوف تُرصُّ فوقها الرقوق. والمخطوط كان يسمَّى بالقبطية واليونانية: ”طومُس“ τόμος. أمَّا كتب القراءة في الكنيسة فكانت تشمل منذ البدء كافة الكتب المستخدمة الآن، إنما كلًّا منها على حدة، بترتيب مبسَّط نوعًا ما، فكان يوجد – بحسب ما تحققنا من روايات سارقي المخطوطات – مخطوطات تحوي الأناجيل قائمة بذاتها ومخطوطات تحوي الأسفار الخاصة بالعهد القديم فقط ومخطوطات خاصة بالرسائل([2]).
ومن أمثلة ذلك ما يذكره إفلين هوايت عن مخطوطة الأسفار الخمسة التي كانت تستعمل في الكنيسة وهي محفوظة الآن بمكتبة الفاتيكان في قسم المخطوطات القبطية، كذلك وبجوار هذه المخطوطة تمامًا في نفس مكتبة الفاتيكان([3]) مخطوطة أخرى لدير أنبا مقار تشمل سفر المزامير بأكمله ونشيد الأنشاد وعليها آثار الخدمة في الكنيسة (نقط شمع وزيت وخلافه)([4]) وهي من القرن العاشر.
ومن أعجب المخطوطات التي كانت في حيازة مكتبة دير أنبا مقار مخطوطة للمزامير مكتوبة بست لغات على ستة أنهر قبطي وعربي ويوناني وأرمني وحبشي وسرياني، ولعلها كانت تخرج في المناسبات عند وجود رؤساء دينيين أجانب، فتُقرأ الفصول بلغتهم جنبًا إلى جنب مع قراءة القبطي. وهذه المخطوطة الثمينة دُعيت باسم ”مزامير البربريني“ وهو الشخص الذي وقعت من نصيبه في عملية نصب ضاعت فيها معظم مخطوطات الدير، لأن المركب التي أقلعت بالصفقة المسروقة وقعت في شرك قراصنة البحر؛ وأخيرًا ظهر المخطوط في يد رئيس فرسان فرقة القديس يوحنا بمالطة الذي قدَّمه هدية إلى الكردينال بربريني([5]).
ومن عينة مخطوطات الأناجيل التي كانت تستخدم في الكنيسة المخطوطة التي سرقها هنتنجتون Huntington وهي موجودة الآن في مكتبة البوديليان([6]).
ومن عينة مخطوطات الرسائل، المخطوطة ”الجميلة“ التي رآها ”طاطام“ Tattam سنة 1839م وتعذر عليه شراؤها ولا نعلم مصيرها بعد ذلك.
وبجوار الأسفار المقدسة بعديها القديم والجديد، كانت مكتبة الكنيسة بطبيعة الحال تحوي بعض الخولاجيات التي رأى منها طاطام مؤخرًا ”مائة“ مخطوطة بالمكتبة([7]).
وإن كانت هذه المخطوطات تحمل تواريخ متأخرة مثل القرن العاشر مثلًا إلَّا أن كلًّا منها عبارة عن نسخة منسوخة من نسخة أقدم منها كانت مستخدمة في الكنيسة ولكن بالاستخدام المتواتر صارت غير صالحة للاستعمال داخل الكنيسة([8]).
كذلك من الكتب الكنسية التي كانت مخصصة للخدمة داخل الكنيسة فقط القطماراسات الضخمة التي تخدم فصول السنة والمناسبات المختلفة، ويفيدنا الرحالة روبرت هتجتون أنه رأى منها في المكتبة سنة 1682 أربعة أجزاء ضخمة تخدم قراءات السنة كلها باللغة القبطية، وهذه أيضًا لا نعلم مصيرها الآن.
وهذه القطمارسات تمثل بداية العصر الكنسية الذي فيه اختُزلت كثرة استخدام الكتب المتنوعة من العهد الجديد والقديم والرسائل والمزامير كلُّ على حدة، فجُمعت الفصول حسب ترتيبها وأودعت مجلَّدا واحدًا دعي بـ ”القطمارس“ لتسهيل القراءة.
وهكذا نعتقد أن الكتب الكنسية كانت هي المصدر الأول الذي منه بدأت ذخيرة مكتبة الدير، كما ظلَّت الكنيسة مصدر تغذية دائمة للمكتبة على مدى العصور سواء بما كان يُقرأ فيها ويتقادم عهده أو ما كان يُهدى إليها من البطاركة والأساقفة.
كما أن المعتَقَد أن موضع المكتبة كان في البداية داخل الكنيسة وفي عهد كاهن الكنيسة باعتبارها المبنى المركزي الوحيد الذي يمكن أن تُحفَظ فيه الكتب.
([1]) See Zoëga cat., No. XLIV, p. 66.
([5]) See the Original documents: Nau P.O.X. p. 217.
وهذا يمثِّل المصدر الثاني الثمين الذي كان ولا يزال يغذِّي المكتبة منذ أول يوم حتى الآن، فكل ما يقتنيه الراهب من الكتب كان يوقفه بعد موته على مكتبة الدير.
وكانت هذه الكتب تُحفَظ أيضًا في طاقات ذات ضُلف داخل الحيطان في القلالي، ونحن نذكر ما قاله القديس سرابيون الكبير لما دخل قلاية أحد الرهبان فوجد طاقة (خزانة) الكتب ملآنة فأنَّبه ربما لكونه من محبي القنية: [لقد أخذت قوت الأرامل واليتامى وملأت به دولابك … لأنه رأى الدولاب ملآنًا كتبًا]([1]).
كما نذكر أيضًا ما قيل للأخ الذي نسخ لنفسه جميع أسفار العهد القديم والجديد: [لقد ملأت الدواليب ورقًا]([2])، لأن أسفار العهد القديم والجديد إذا نُسخت في مخطوطات على الرقوق فحتمًا تملأ عدة طاقات!! وكان معظم الآباء ينسخون لأنفسهم أقوال الآباء التي يسمعونها، فنحن نقرأ في سيرة كل من إشعياء الإسقيطي ومقايوس الكبير كيف جلس الأب إشعياء يسجِّل بالكتابة حوارًا كان يدور بين إخوة رهبان جاءوا لزيارة القديس أنبا مقار وكانوا من أديرة ظاهر الإسكندرية، [وكان معظم رهبان أديرة ظاهر الإسكندرية يتقنون اليونانية ومحبين للعلم والمعرفة واقتناء الكتب].
إذن فهذه هي بداية الأبوفثجماتا باترم التي كانت أولًا عبارة عن عمل فردي يقوم به الراهب من أجل منفعة نفسه قبل أن تظهر المجموعات الكبيرة. كما نعلم أن الرهبان كانوا ينسخون لأنفسهم الخطابات الدورية التي كان يرسلها الآباء البطاركة وبالأخص خطابات البابا أثناسيوس والبابا كيرلس الفصحية([3]).
كما كان يحتفظ كثير من الآبء بكتب القديس أثناسيوس اللاهوتية. مثل شيشوي الذي كان يحاجج بها الهراطقة([4]).
وقد ابتدأ الآباء الرهبان النشطاء منذ بداية العصر الرهباني في شيهيت في كتابة سير الآباء القديسين بعد نياحتهم مباشرة، كما فعل الشماس بيشوي القسطنطيني (الذي كتب سيرة القديسين مكسيموس ودوماديوس في مخطوط على ورق بردي واستودعه خزانة الكنيسة)([5]).
علمًا بأن النُسَّاخ المشهورين كانت في حد ذاتها صناعة رهبانية يقتات منها الرهبان، أو يمارسون من ورائها أعمال المحبة بإهداء الكتب للكنيسة أو المعلِّمين الكبار.
ومن النُسَّاخ المشهورين الذين اشتهروا بالخط المليح مرقس تلميذ سلوانس (لعلَّه مرقس الناسك المشهور)، وأوغريس الذي برع في الخط المعروف باسم خط أوكسيرينكوس([6]) (أي البهنسا) وغيرهم.
([3]) Cassian Collationes X, 2.2.
([4]) Apoph. Patr., Sisoës, XXV.
كانت الغارات الكثيرة التي نزلت على شيهيت سنة 407م وسنة 434م وسنة 444م من العوامل التي أخَّرت وأضرَّت بتأسيس مكتبات مستقلة في شيهيت، كما تسببت في ضياع مخطوطات ثمينة لا حصر لها.
ونقرأ في حاشية إحدى المخطوطات التي خطَّها بيشوي الشماس القسطنطيني لسيرة مكسيموس ودوماديوس أن إيسيذوروس بعد هجوم البربر حمل معه هذه المخطوطة إلى الإسكندرية – وبالطبع مخطوطات أخرى كثيرة – واستودعها في بيت الضيافة.
إذن، فمعظم مخطوطات نتريا وشيهيت كانت تُحمَل إلى الإسكندرية وتُحفَظ في بيت الضيافة إلى أن تعبر أزمنة الاضطراب، ومن يدري إنْ كانت تعود أو لا تعود! ولكن تقول الإشارة الواردة في هذه المخطوطة أن هذا الكتاب أعيد مرة أخرى بيد الشماس أُستاثيوس إلى راهب من شيهيت وذلك في زمان البطريرك ميخائيل.
أما مَنْ هو إيسيذوروس هذا فلا نعرف، ويُستبعَد أن يكون القس إيسيذوروس قس شيهيت المشهور الذي مات قبل غارة البربر الأولى، وكذلك مَنْ هو البطريرك ميخائيل فلا نعرف. ولكن يُظَن أن هذه الإشارة تتعلَّق بالغارة الأخيرة سنة 817م وأن المخطوطة أُعيدت في زمن أنبا ميخائيل الثاني سنة 850م([1]).
وتُفيدنا مخطوطة أخرى سريانية عن بداية تكوين مكتبات مستقلة بالأديرة وهي المخطوطة التي استولى عليها ”السمعاني“ أمين مكتبة الفاتيكان من دير السريان، ومكتوب في حاشيتها الأخيرة هكذا:
[هذه المخطوطة اشتُريت في يوم 30 من شهر تموز (يوليه) في سنة اليونانيين 887 = 576م، وذلك لحساب الدير المقدَّس بشيهيت، وذلك في أيام قداسة مار ثيئوذور رئيس الدير بنعمة الله من ماله (مال ثيئوذور) الخاص، وقد اشتراه مع كتب أخرى لفائدة التأملات والقراءة والنمو الروحي لكل مَنْ يتصفحه. والرب الإله الذي من أجل اسمه قد صار هذا الكنز الثمين ملكًا للدير يكافئه … ولكن كل مَنْ يأخذ هذا الكتاب ليقرأه ولا يعيده إلى أصحابه (رهبان الدير) فليرث نصيب يهوذا إلى الأبد آمين].
ويقول إفلين هوايت أن دير السريان وقتئذ كان عبارة عن ”لافرا“ أي ”منشوبية“ صغيرة ملحقة بأحد الأديرة الأربعة، ولكن كان في حيازة هذه المنشوبية كما قرأنا
ونحن نسمع عن بعض العلماء والرحَّالة في بداية القرن السابع مثل ”حنان عيسو“ السرياني الذي حضر إلى شيهيت وبدأ يجمع من مكتبات الأديرة كتابه المشهور ”بستان الرهبان“؛ ويؤكد العلَّامة بطلر([1]) في تعليقه على بستان الرهبان أن حنان عيسو هذا اعتمد كليًّا في تأليف كتابه على مخطوطة قبطية ضائعة الآن وهي في غاية الأهمية وكانت تُدعى فردوس شيهيت piparadeicoc `nte ]ht وهذه المخطوطة ذُكرت مرتين في سيرة أنبا بسنتي([2])، وذُكرت أيضًا في سيرة يؤنس القصير بقلم زكريا أسقف صا ويقول إنه جمعها من الكتاب المعروف باسم ”كتاب الآباء الشيوخ“ nijwm `nni’elloi أو فردوس شيهيت، ويذكر أنه كان يحوي أعمال الآباء وآلامهم، وكان كتابًا هامًا ومشهورًا، وهو يقابل كتابًا آخر نسمع عنه ولا نعرف عنه شيئًا بعد ويسمَّى ”فردوس نتريا“ ([3]).
أمَّا في دير أنبا مقار فيُعتقد أن مكتبته بدأت مبكرة جدًّا، أولًا بسبب رعاية الملك زينون المفاجئة للدير، وقد نقل إلينا المؤرِّخ جورجي تلميذ البطريرك سمعان الأول (689 – 701) وكاتب سيرة البطاركة (كيرلس الأول – ألكسندر الثاني) عن وجود رسالة من الملك زينون محفوظة (477 – 489م) ([4])، ولا تزال توجد مخطوطة بالفاتيكان تحمل هذه الحقيقة([5]).
كذلك يعزى ازدهار مكتبة دير أنبا مقار في عصوره المبكرة إلى التجاء البطاركة إليه أثناء النزاع الأريوسسي والخلقيدوني وانتقال كرسي البطريركية من الإسكندرية واستقراره في هذا الدير مددًا طويلة. ومعروف أن البطريرك كانت عليه أعباء تعليمية للشعب وأعباء لاهوتية لمواجهة الهراطقة، فلا بد أن معظم المخطوطات الثمينة التي كانت بمكتبة الإسكندرية والمعتبرة كمراجع لاهوتية انتقلت إليه واستقرت في مكتبته. كما أن نسخًا من المؤلفات التي كتبت فيه ظلَّت محفوظة بمكتبته، وذلك كما قلنا منذ بدء النزاع الأريوسي وهروب أنبا أثناسيوس واختبائه بين الرهبان حيث كان يكتب رسائله ويبعثها مع رسله لجميع الأساقفة. كذلك أيام أنبا بنيامين الذي كان يتصل بالشعب بواسطة هذه الرسائل أيضًا في أيام اختبائه، وأنبا ساويرس الذي لا تزال بعض مقالاته منسوخة ومحفوظة بشيهيت، كذلك أنبا بنيامين الذي حضر إلى الدير لتكريس هيكله إذ نسمع منه وهو يخاطب أغاثون تلميذه: [أحضروا (من المكتبة) الكتب اللازمة للتكريس]([6]).
وبمجيء العرب إلى مصر وحصول الأديرة في عهد الأمان والتعمير، بدأت تسترجع المكتبة شأنها.
ونتحقق من الأخبار الواردة بكتاب تاريخ البطاركة أنه في أيام البطريرك سمعان الأول (689 – 701م) قام تلميذه المدعو جورجي بتجميع سير البطاركة من عهد كيرلس الكبير عمود الدين حتى ألكسندر الثاني سنة 730، وتقول المخطوطة أنه قام بذلك العمل في [(جبل) دير أنبا مقار بوادي هبيب]([7]). إذن فالمكتبة وقتئذ كانت قد أصبحت حاوية لكل المراجع والتواريخ اللازمة لتصنيف مثل هذا الكتاب الكنسي الهام.
ونسمع في القرن الحادي عشر بوجود هذه المخطوطة في دير نهيا بالجيزة (بيرامي)، ويظن أن الرهبان حملوها معهم أثناء غارة البربر في بداية القرن التاسع سنة 871م ولا تزال بعض ورقات منها محفوظة بالمتروبوليتان بأمريكا([8]) ومصورة بكتاب إفلين هوايت لوحة رقم 8.
ويعتقد إفلين هوايت أن حدوث الغارة الخامسة سنة 817م كان كارثة على مكتبة دير أنبا مقار، إذ أن معظم مخطوطاتها أُتلف أو تمزَّق أو حُمِل بواسطة البربر، والقليل الذي نجا حمله الرهبان إلى دير نهيا بالجيزة، لذلك أصبح بعد ذلك من الصعوبة بمكان أن يعثر الباحث في المكتبة على مخطوطة يعود تاريخها إلى ما قبل القرن التاسع.
([1]) Butler, Laus. H., I, 85.
([2]) Amélineau, Life of Pisenti, (Memoire de L’inst. Egypt, II, 339, 363).
([3]) Crum, Coptic Ostraca, No. 250, C.P.P. 63.
([4]) Ev. Whire, I, p. XXIV, note.
بدأت المكتبة تستعيد مجدها الأول بسرعة بسبب إقامة البطاركة فترات طويلة بالدير خصوصًا أيام الصوم الكبير وأسبوع الآلام للصلاة والخلوة والدراسة. ولما كان حضور البطريرك للدير يكاد يكون إجباريًّا بعد رسامته في الإسكندرية مباشرة كان من الحتمي أن يكون الدير، وبالأخص مكتبته، على درجة ملائكة لهذا الوضع.
وترتب على وقوف الدير بمثابة موقف الرقيب على العقيدة الأرثوذكسية وعلى طقس الصلوات كما عرفنا في الأبواب السابقة، وجود رهبان مقتدرين في المعرفة اللاهوتية والطقسية، ونسمع بالفعل عن تأليف الكتب وترتيب الطقوس وإعادة اختزالها لتناسب الحياة العملية للمؤمنين في العالم.
كما ترتب على اختيار ورسامة البطاركة والأساقفة من رهبان دير أنبا مقار بكثرة، إلى ازدياد غيرة الرهبان فيه على التعليم والتأليف والتضلُّع في اللغات، وهذا بدوره نشَّط صناعة النساخة التي اختصت بها بعض المنشوبيات.
وقد ظلَّ دير أنبا مقار، كما يقول إفلين هوايت، طوال العصور الوسطى الدير الأول بين كافة الأديرة وكان محسوبًا مكانًا لكرسي البطريركية جنبًا إلى جنب مع الإسكندرية!!
والدليل المادي على كل هذه الحقائق مجموعة المخطوطات القبطية التي خرجت من الدير في هذه العصور الوسطى واستقرَّت في مكتبات العالم كله وبالأخص مكتبة الفاتيكان. وعلى سبيل المثال فقط نقدِّم أسماء بعض هذه المخطوطات الموجودة حاليًا بالفاتيكان:
ملاحظة: المخطوطات كلها باللغة القبطية وباللهجة البحيرية:
- ”نقل جسد أنبا مقار“ تاريخ النساخة 830م أجزاء.
- ”استشهاد يعقوب الفارسي“ تاريخ النساخة 884م بقلم قرياقس (كيرياك) ابن الشماس استاوروس (صليب).
- سيرة أرخيلاوس الذي من نيابوليس وميمر على رئيس الملائكة جبرائيل. التاريخ والناسخ مثل سابقه
- استشهاد مكاريوس الأنطاكي. تاريخ النساخة 914م. بقلم يعقوب ابن يؤنس كاما.
- سيرة موسى الذي من بلدة القفط، مديح لبسنتي الذي من فقط. تاريخ النساخة 918م بقلم يعقوب ابن يؤنس كاما.
- استشهاد إسحق الدفراوي تاريخ النساخة 925م الناسخ ثيئوذور بأمر رئيس الدير إبراهيم القلتي.
- ميمر على الثلاثة فتية بقلم كيرلس عمود الدين. تاريخ النساخة سنة 933م.
- استشهاد القديس مار جرجس. تاريخ النساخة 956م.
- مديح لمقاريوس أسقف إتكاو بقلم ديسقورس. تاريخ النساخة 957م. الناسخ ثيئوذوسيوس بن منياس قس المشوبية الكبرى.
- على الثلاثة بطاركة (إبراهيم وإسحق ويعقوب) بقلم البابا أثناسيوس. تاريخ النساخة 962م. الناسخ (راهب من دير القديس أنبا مقار لا يذكر اسمه في زمن بطريركية أنبا خائيل).
- نياحة الثلاثة بطاركة. تاريخ النساخة 962م.
- مقالة عن الحياة الرهبانية للقديس باسيليوس أسقف قيصرية. تاريخ النساخة 962م.
- سيرة أنبا نوفير بقلم بافنوتيوس. تاريخ النساخة 979م. الناسخ جبرائيل الشماس.
- استشهاد ثيئوذور المشرقي، نصف، تاريخ النساخة القرن العاشر.
- ميمر على ذبح إسحق للقديس غريغوريوس النزينزي، وتحوي إشارة مؤرَّخة 995م. تاريخ المخطوطة القرن العاشر.
- ميمر على الفقر للقديس غريغوريوس النزينزي، تحوي إشارة مؤرَّخة سنة 1025م. تاريخ المخطوط القرن العاشر.
- استشهاد يوسابيوس، تحوي إشارة مؤرَّخة سنة 1025م. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- استشهاد القديس لوقا. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- حياة القديس أنبا مقار الكبير. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- مديح للأنبا ماكروبيوس بقلم منياس. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- سيرة سمعان الذين من بين النهرين. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- سيرة يوسف النجار. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- مديح للأنبا بطرس (خاتم الشهداء) بقلم ألكسندر. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- استشهاد أنبا بطرس (خاتم الشهداء). تاريخ النساخة القرن العاشر.
- عظة للقديس يوحنا ذهبي الفم. تاريخ النساخة القرن العاشر.
- تاريخ حياة يوسف النجار. تاريخ النساخة 1067م.
- سيرة حياة إسحق الدفراوي. تاريخ النساخة 1135م.
- استشهاد يوحنا Phanidjoit بقلم القس جرجس. تاريخ النساخة 1211م. الناسخ بطرس بن أبو الفرج.
- استشهاد يوحنا وسمعان، به رسم يد لبعض الحيوانات موقع عليه اسم داوود المصوِّر (ويظهر أنه كان ماهرًا في رسم الحيوان ولذلك دُعي باسم Zoographos). تاريخ النساخة القرن الثاني عشر أو الثالث عشر.
- سيرة يؤنس كاما بقلم بولس قسيس كنيسة أنبا شنودة بمنشوبية أبجيج (دير أنبا مقار).
والقصد الأساسي من توضيح أسماء هذه المخطوطات ليس فقط الاستدلال على نهوض النساخة في القرن التاسع والعاشر بدير أنبا مقار بصورة نشطة وجادة في كافة الاختصاصات الروحية والتاريخية والرهبانية، بل نقصد أيضًا بالأساس رفع مظلمتنا لدى رؤساء ومديري هذه المكتبات بالفاتيكان وغيرها التي استقرت فيها هذه المخطوطات أن يعيدوا إلينا ولو صورة ميكروفيلم لهذه المخطوطات، فقد آن الأوان لأولاد دير أنبا مقار أن يستعيدوا ميراث آبائهم، يدرسوه وهم خير مَنْ يدرسوه، وينشروه وهم خير مَنْ ينشروه، وأخيرًا يعيشوه وهم يعيشوه.
وما أن طلع القرن العاشر والحادي عشر على الحياة الرهبانية في شيهيت حتى اصطدم الرهبان بحقيقة مُرَّة وهي بدء اضمحلال اللغة القبطية وضعف التخاطب بها بل وبدء دخول الأمية حتى بين الرؤساء، وأنها لمصيبة عظمى لا يمكن تعويضها! وكلنا يذكر ذلك البطريرك الذي لم يجرؤ أن يذهب إلى دير أنبا مقار حسب عادة البطاركة في الرسامة، وذلك بسبب عدم معرفته لقراءة الإنجيل باللغة القبطية، فاضطروا أن يحضروا له معلِّمًا ليدرِّسه اللغة.
إن الكوارث والمصائب التي مُنيت بها الحياة الرهبانية في شيهيت على يد البربر خمس مرات وتخريب الكنائس والمشوبيات والمكاتب وحرق المخطوطات ونهبها لم يؤثر في الحياة الرهبانية، كما يظن المؤرِّخون، بقدر ما استبدَّت بهم الأُمية الفكرية واللغوية بالرهبنة القبطية!!
مصيبتان كبيرتان أحاقتا بالرهبنة القبطية: الأولى مجمع خلقيدونية الذي على أثره انعزلت الكنيسة القبطية عن العالم الخارجي وتوطَّدت بواسطته العداوة المرة بين الأقباط والروم. فأثرت تلك العزلة وأثرت تلك العداوة المرَّة على الثقافة الفكرية واللغوية في المعرفة الروحية والكتابية على وجه الخصوص لدى الأقباط بسبب انقطاع الصلة باللغة اليونانية المعتبرة لغة الكتاب المقدَّس ولغة الآباء ولغة اللاهوت ولغة الانفتاح على العالم الخارجي كما يقول المَثَل المشهور: إن كل مَنْ يتكلَّم اليونانية فهو بربري.
أمَّا المصيبة الثانية وهي أثقل من الأولى أن يفقد الأقباط وللمرة الثانية لا التكلُّم باليونانية بل التكلُّم بالقبطية ذاتها … لقد فقد الأقباط لغتهم الأصلية بدخول العرب في مدى قرون قليلة. وهكذا نستطيع أن نشبه الأقباط بعد أن تركوا لغتهم برجل بلغ حد الرجولة وتعلَّم على يد أعاظم الحكماء فصار أحكم زمانه كله، وفي ليلة من الليالي السوداء نام ثم استيقظ وإذا به نسي المعرفة بل نسي الكلام بل نسي حروف الهجاء ذاتها وأسماء المسميات فأحضروا له عريفًا من الكنيسة يعلِّمه الألفا فيتا من جديد أبًا أمَّا!!
وعلى القارئ أن يتصوَّر جيلًا ينشأ غريبًا عن كل ذخائر مخطوطاته، مقطوع الصلة بآبائه ومعلِّميه وفكر كنيسته ولاهوتها!! وإلى متى؟؟ حتى اليوم، حتى اليوم!!
ولكن إرادة الروح والحياة لدى الرهبان لم تستسلم لمصائب الزمن إذ بدأت تدب فيهم قليلًا قليلًا روح الأمل لملاحقة الماضي، فابتدأ الرهبان يترجمون المخطوطات من لغتها الأصلية إلى اللغة العربية وكأنما بدأ شعب بأكمله يتعلَّم من جديد كما يتعلَّم الطفل كيف ينطق الحروف ويكتبها!!
ونستطيع هنا أن نقدِّم صورة مادية محزنة ومُبكية لهذه المرحلة الحرجة التي مرَّ فيها الرهبان الأقباط عبر هذه الأمية الطفولية. فإليك أيها القارئ بعض فقرات من كتاب بستان الرهبان حاول الأب الروحي في هذه الفترة الزمنية لأولاده الذين وقفوا بين الجهل باللغة القبطية إلَّا حروفها والجهل باللغة العربية إلَّا معانيها!! أي أنهم كانوا يعرفون الحروف القبطية ولا يفهمون معنى الكلمات، ويفهمون اللغة العربية ولا يعرفون حروفها!! فكتب لهم هذا الأب المسكين نسخة من بستان الرهبان باللغة العربية إنما بحروف قبطية!!
النص: ([1]) (على القارئ أن ينطق الحروف القبطية بالعربية):
مقار أنبا سأل أخ
ⲁϧ > ⲥⲉⲗ > ⲙⲡⲁ > ⲙⲁⲕⲁⲣⲓ
التوبة أصل لي قل
ⲕⲟⲩⲗ > ⲗⲓ > ⲉⲥⲗ > ⲉⲑⲉⲁⲩⲡⲉ
مقار أنبا قال له
ⲕⲁⲗⲗⲟϩ > ⲙⲡⲁⲙⲁⲕⲁⲣⲓ
بالمطانوة تبلغ ليس التوبة إن
ⲉⲛ ⲉⲑⲑⲁⲩⲡⲉϩ ⲗⲏⲓⲥ ⲑⲉⲡⲗⲟⲅ ⲡⲉ ⲙⲉⲧⲁⲛⲟⲩⲃⲉ
الخشبة كمثل
ⲕⲉⲙⲉⲑⲗ ⲉⲗϧⲁϣⲉⲡⲉ
وقراءتها هكذا: أخ سأل أنبا مقاري: قل لي أصل التوبة. قال له أنبا مقاري إن التوبة ليس تبلغ بالمطانوة كمثل الخشبة … إلخ.
ولكن إن كانت هذه صورة محزنة للجيل الثالث عشر (زمن المخطوطة) فالصورة الآن محزنة أكثر، لأن جيل القرن العشرين لا يعرف حتى أن يقرأ الحروف القبطية
([1]) مخطوطة عَثَرَ عليها الدكتور جورجي صبحي عالم القبطيات المشهور وحققها، وقدَّمها للعلَّامة إفلين هوايت الذي نشرها في كتابه المجلَّد الأول ص 231 – 269، وهو بحث ثمين جدًّا بالنسبة للذين يبحثون في أصل نطق الكلمات والحروف القبطية كما ينطق بها الأقباط تمامًا. ومنها يظهر أيضًا أن نطق اسم أنبا مقاره الأصيل هو مقاره أو مقارِ بكسر الراء.
بعد انعقاد لسان الرهبان عن النطق باللغة القبطية، لم تعد المكتبة بالنسبة لهم مصدر نور وعرفان، فقد فقدت المكتبة طابعها الشعبي بالنسبة للرهبان وأصبحت وقفًا على العلماء والباحثين والمنقبين.
ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين (مركز ملوي) والمؤرِّخ الكنسي المعروف، أول مَنْ كتب وألَّف باللغة العربية؛ يذكر في المقدِّمة الأولى من كتابه: ”تاريخ البطاركة“ أنه لما أراد معرفة سير الآباء البطاركة خلفاء مرقس البشير على الكرسي الإسكندري قال عن نفسه:
[وأنا ممن لا يجب له أن يكتب بخط يده البائسة الفانية شيئًا من أخبارهم، فاستعنت بمَنْ أعلم استحقاقهم من الإخوة المسيحيين وسألتهم مساعدتي على نقل ما وجدنا منها بالقلم القبطي واليوناني إلى القلم العربي الذي هو اليوم معروف (نحن اليوم في نهاية القرن العاشر الميلادي) عند أهل هذا الزمان بإقليم ديار مصر لانعدام اللسان القبطي واليوناني من أكثرهم]([1]).
ثم يخبرنا هذا المؤرِّخ، وهو أول مَنْ فكر في جمع سير البطاركة في كتاب واحد، أنه وجد في مكتبة دير أنبا مقار المصدر الرئيسي الذي استقى منه كل ما يلزمه في كتابة تاريخ البطاركة، وذلك من البيانات والوثائق القبطية واليونانية الغارقة في القِدَم. وما تعذَّر التعرُّف عليه في دير أنبا مقار، فقد وجده في الوثائق والمخطوطات المحفوظة بدير نهيا بالجيزة. وقد سبق أن عرفنا أن دير نهيا هذا كان الملجأ الأمين الذي كان يهرع إليه رهبان شيهيت إبَّان الغارات والأخطار التي كانت تحدق بالدير ومعهم تراثهم من مخطوطاتهم الثمينة؛ فيقول العلَّامة إيفتس Evetts في تنقيحه لكتاب تاريخ البطاركة:
[هذه التواريخ جُمِعت بمعرفة وهِمَّة أنبا ساويرس بن المقفع … الذي يخبرنا أنه جمعها من دير أنبا مقار ودير نهيا وأديرة أخرى]([2]).
ومن المؤكد أن ساويرس بن المقفع وجد في دير أنبا مقار مخطوطة جورجي تلميذ البطريرك سمعان الأول (القرن الثامن) الذي كان قد سبقه في جمع سير البطاركة الأوائل من كيرلس الكبير حتى ألكسندروس الثاني. وفي أحد التعليقات التي نصادفها في أبحاث هذا المؤرِّخ نعلم أن الدير كان به أيضًا بعض الوثائق القديمة جدًّا فهو يقول:
[وفي تاريخ البطريرك ديونيسيوس (247 – 264م) وجدت أن المخطوطة التي تختص بسيرته (؟) تقول أنه جلس على الكرسي 17 سنة، ولكن نسخة موجودة بدير أنبا مقار تقول أنه استمر على كرسيه سبع سنوات فقط] ([3]).
ويعود نفس المؤرِّخ مرة أخرى ويشير إلى وثائق دير أنبا مقار:
[إن ميخائيل الأول استمر على كرسيه الإنجيلي مدة 23 سنة وذلك بحسب النص الوارد في إحدى المخطوطات بدير أنبا مقار]([4]).
وكذلك نعلم تمامًا أن ساويرس اعتمد في تحديده لتاريخ كرازة واستشهاد مار مرقس الرسول في مصر على مخطوطة عتيقة بدير أنبا مقار، وهي بعنوان: ”أعمال الرسل“. وهي من ضمن كتب الأبوكريفا التي كانت محفوظة بالمكتبة والتي عثر إفلين هوايت على 39 ورقة مفردة منها (منقولة عن نسخة أقدم منها) داخل غرفة المكتبة التي كانت وقتئذ بالحصن بالدير، وقد اطلعنا على هذه الأجزاء الواردة من هذه المخطوطة في كتاب إفلين هوايت المجلَّد الأول الخاصة بدخول مار مرقس الديار المصرية وكيفية استشهاده، ووجدناها فعلًا مطابقة تمامًا لما أورده تاريخ البطاركة عن مرقس الرسول؛ وهذه الأبوكريفا جديرة بالدراسة([5]).
كذلك من المؤكد أن ساويرس بن المقفع اعتمد كلية على المخطوطات المحفوظة بدير أنبا مقار في تسجيل كل الحوادث التي حدثت في زمن بطريركية أنبا بنيامين الأول([6]). كذلك أيضًا اعتمد ساويرس بن المقفع في تسجيل حوادث بطريركية أنبا إسحق (686 – 689م) على السيرة التي صنَّفها عنه أنبا مينا أسقف بشادي (نيقيوس) باللغة القبطية وكانت محفوظة بمكتبة دير أنبا مقار([7]).
ويقول ساويرس بن المقفع:
[وفي دير أبو مقار اكتشفنا سيرة عشرة بطاركة من خائيل الثالث حتى شنوده الثاني (880 – 1046م) وكان قد صنَّفها سابقًا أسقف تينيس (مدينة على بحيرة المنزلة) وذلك سنة 1055م].
ويعود أيضًا نفس المؤرِّخ ويذكر بالفضل مكتبة دير أنبا مقار في تصنيف سيرة تسعة بطاركة آخرين هكذا:
[وبعد أن صنَّفنا سيرة عشرة من البطاركة التي ترجمناها (من اللغة القبطية إلى اللغة العربية) من الوثائق التي وجدناها بدير أنبا مقار، عدنا فترجمنا أيضًا من الوثائق الموجودة بالدير سيرة تسعة بطاركة آخرين وذلك في سنة 796 للشهداء (1080م). وقد قام بكتابتها أبا كيروس الشماس وميخائيل بن أبادير الدمنهوري، وذلك بنعمة الله مكَّننا من العثور على هذه السير في دير أنبا مقار بمساعدة الأخ تاوضروس بن يؤنس أمين الدير (الربيتة) وذلك في يوم الأحد السادس من شهر بؤونة سنة 797 للشهداء الأطهار (يونيه 1081م). وقد قابلنا هذه النسخ بعضها على بعض فوجدناها مطابقة تمامًا لما نسخناه فتأكدنا من صحتها]([8]).
([1]) Hist. of Patr., Evetts, p. 4.
([5]) Ev. White, I, pp. 27-50.
1 – في أيام البطريرك غبريال الثاني (1131 – 1146م) اجتمع بالدير مجمع من بعض العلماء ورهبان دير أنبا مقار([1]) وقاموا مستعينين بالمخطوطات والمراجع الموجودة بالمكتبة بتعديل طقوس الصلوات والقراءات في أسبوع الآلام لتناسب الحياة اليومية للمؤمنين، فقاموا باختزال بعضها ورتبوا الآخر ليشمل خلاصة العهدين، إنما بحكمة ونعمة عظيمة يدركها كل مَنْ يتعمَّق في قراءات هذا الأسبوع المقدَّس.
2 – قام رهبان دير القديس أنبا مقار بعمل من الأعمال الكنسية الهامة التي تعتبر من اختصاص المجمع المقدَّس الآن، وهو تسجيل عظماء الآباء قديسي شيهيت في القداس القبطي في الصلاة المعروفة بالمجمع مع تعديلات وإضافات هامة على الليتورجيا عمومًا([2]). وإن نوع وكيفية ترتيب أسماء القديسين في المجمع الذي يتلوه الكاهن في القداس يكشف بصورة واضحة عن قصة هذه الترتيبات واتجاهاتها التاريخية، فمثلًا نجد القديس ساويرس الأنطاكي يُذكر في القداس قبل القديس أثناسيوس، وهذا طبعًا يرجع إلى الصلة الوثيقة التي قامت بين ساويرس ودير أنبا مقار بل والكنيسة كلها أيضًا (ارجع إلى كتاب: ”قصة الكنيسة القبطية“ تأليف إيريس حبيب المصري، جزء 2، صفحة 132 و138).
ثم نعود فنجد يوحنا ذهبي الفم مذكورًا قبل ثاؤفيلس البطريرك الـ 23، وهذا يكشف عن استياء الرهبان مما عمله ثافيلس معهم ومع يوحنا ذهبي الفم (انظر: صفحة 242)، ولكن في نفس الوقت لا يُسقِطون اسمه من القداس، وهذا يكشف عن إخلاصهم لبطاركة الكنيسة مهما كان ظلمهم وجورهم وجنونهم أحيانًا. ثم نجد تكريمًا زائدًا لأنبا ثيئوذوسيوس البطيريرك المحسوب كمعترف، الذي ناصر رهبان أنبا مقار ضد الغيانيين. فبالرغم من كونه البطريرك الـ 33 فهو يأتي قبل ثاؤفليس رقم 23!!
وبعد ذلك نجد ذكر الثلاثة مقارات معًا وهو إحدى العلامات المميزة لدير أنبا مقار وحده. وبعدهم مباشرة يُذكر أنبا يؤنس القصير الموجود جسده مع الثلاثة مقارات!! ثم يُذكر التسعة والأربعون شهيدًا شيوخ شيهيت بدير أنبا مقار قبل موسى الأسود وهو شهيد قبلهم بحوالي أربعين سنة، وبعد يؤنس كاما مباشرة يُذكر أنبا دانيال قمص شيهيت رئيس دير أنبا مقار الذي كان في القرن السادس قبل أن يُذكر أنبا باخوم وأنبا شنودة آباء رهبنة الصعيد في القرن الرابع.
وهكذا نلمح بوضوح كيف صاغت يد رهبان دير أنبا مقار أسماء قديسي المجمع في القداس ليتناسب مع تاريخ الدير نفسه وعلاقاته بهؤلاء القديسين.
3 – في مطلع القرن الرابع عشر سنة 1332م قام أحد الرهبان العلماء بدير أنبا يؤنس القصير المدعو القس مقاريوس بتصنيف مؤلفه الكنسي المشهور المعروف باسم Nomocanon أي كتاب ”التشريعات والقوانين الكنسية“ وعلى أساس هذا الكتاب قامت بعد ذلك كل التشريعات الكنسية في الكنيسة القبطية. ويقول المؤلف أنه أكمل عمله المضني في سنوات كثيرة، واعتمد على نسخ ووثائق من دير القديس أنبا مقار([3]).
ويقول العلَّامة كرام أن نسخة فريدة من قوانين القديس أثناسيوس الرسولي باللهجة البحيرية والمترجمة إلى اللغة العربية محفوظة بمكتبة دير أنبا مقار([4]).
4 – والمعروف أن مكتبة دير أنبا مقار كانت تحوي خلاصة الوثائق والقوانين الكنسية والرهبانية، باعتبارها مكتبة أديرة برية شيهيت بأجمعها، كما يقول إفلين هوايت.
وتوجد إحدى المخطوطات العربية محفوظة بالفاتيكان الآن وبها ”قوانين الرهبنة الأنطونية“ جمعها البطريرك يوحنا الثالث (1521 – 1526م)، ويقول فيها أنه جمعها [من ثلاث نسخ قديمة العهد جدًّا للمجامع التي كانت قائمة في برية القديس أنبا مقار]([5]).
5 – يؤكِّد رينودوت أنه كانت هناك علاقة وثيقة بين دير أنبا مقار والكنيسة الأثيوبية من جهة رسامة المطارنة([6]) أمثال دانيال وجورجي في القرن الحادي عشر، وكانوا من الرهبان المستنيرين العلماء الذين قاموا بترجمة كثير من المخطوطات وخصوصًا العربية منها إلى اللغة الأثيوبية، وبالأخص مجموعات كبيرة من سير القديسين والأبوكريفا وتاريخ يوحنا النقيوسي الذي تُرجِم إلى الحبشية سنة 1602م، والذي ضاعت جميع نسخه من اللغات القبطية والعربية ولم يتبقَّ إلَّا النسخة الحبشية الآن.
6 – ظلت مكتبة دير أنبا مقار المصدر الدائم الذي يقصده كل المترجمين الذين تأخذهم الغيرة لترجمة الكتب من كافة الفروع إلى اللغة العربية:
- توجد مخطوطة عربية بباريس([7]) تحوي خلاصة متعددة الوجوه لعلم اللاهوت: ففيها أبحاث عن الثالوث الأقدس، والتجسُّد، ووصايا الله، وسر الاعتراف، وسر الشركة أي التناول، وواجبات الحياة الرهبانية، وذُكر فيها أنها مترجمة ومنسوخة بدير القديس أنبا مقار سنة 1214م.
- كما توجد مخطوطة عربية بمكتبة الفاتيكان([8]) عبارة عن شرح الرسالة إلى رومية ليوحنا كاليوبئيوس، مترجمة ومنسوخة بدير أنبا مقار سنة 1379م.
- كما توجد بالفاتيكان أيضًا([9]) مخطوطة عربية هي ”خلاصة التشريعات والقوانين“ للقس مقاره الذي من دير أنبا يؤنس القصير، منسوخة بدير أنبا مقار سنة 1372م.
- وتوجد بالفاتيكان أيضًا([10]) مخطوطة عربية أصلًا من دير أنبا مقار تحوي عدة طقوس منها تكريس الهياكل ”حسب طقس دير القديس أنبا مقار“.
([1]) See Dillmann Catalgus cod. Aetheopicorum in Museo Britan. No. XXVII (p. 30).
([2]) Renaudot, Lit. O.r. Coll. I, p. 17.
Ev. White, I, p. XXVIII.
([3]) See (a) De Slane, Cat. MSS arabes B.N. No. 231.
See (b) Mai, Seript, Veterum Novo Collectio IV, II pp. 275 (Cod. Vat. Arab. No CXLIX & CL).
([4]) See Riedel & Crum: Canons of Athan. P. 81.
([5]) Cod. Vat. Arabe. DCLXII (Mai. S.V.N.C. IV, ii, p. 584).
([6]) Renaudot, Histor. Patr. Alex. Pp. 326, 381, 475.
([7]) B. Nat. Fondes Arabe No. 184.
([8]) Cod. Vat. Arabe. XLIV (Mai. S.V.N.C. IV, II 80).
المكتبة بحسب ما لدينا من معلومات الآن واعتمادًا على المخطوطات التي خرجت منها على مدى العصور والتي لا تزال باقية الآن، كانت ذات طابع ديني رهباني كنسي أكثر منه لاهوتي صرف، لأن نواتها الأولى كانت عبارة عن تجميع للمقتنيات الفكرية التي كانت تشغل الرهبان المتوحدين. فهي ذات طابع رهباني عام، وبعد ذلك كانت تجميعها لمقتنيات الكنيسة ذاتها من جهة الكتب الخاصة بخدماتها، لذلك كان الطابع الثاني الغالب عليها هو الطابع الكنسي التقليدي، وأخيرًا وبسبب الهرطقات التي أفضت مضاجع الرهبان في شيهيت لزم أن تكون مستوفاة من جهة الأبحاث اللاهوتية والجدلية، لذلك فإن الطابع اللاهوتي الجدلي فيها إضافي وثانوي خصوصًا أنه كان محرمًا على المتوحد أن يقرأ الكتب الجدلية التي تبحث في العقائد الأخرى والهرطقات. لذلك فالجزء اللاهوتي فيها كان بالقدر الذي يلزم الراهب في إيمانه الإيجابي فقط.
: يعتبر الآن أضعف قسم في المكتبة، وهذا أمر طبيعي لأن سارقي المخطوطات كان يستهويهم بشدَّة الأسفار المقدسة وخصوصًا القديم منها. فكان يلتقطها الأجانب أو كبار الزوار أولًا بأول. وحتى المخطوطات الخاصة بالكتاب المقدَّس التي سُرقت لا نجد فيها نسخًا ذات تواريخ قديمة، لأن معظم هذه المخطوطات كان يُستهلك من كثرة الاستخدام سواء داخل الكنيسة أو في قلالي الرهبان أن يستخدموا هذه الأوراق المتناثرة في إصلاح كعوب المخطوطات الأخرى أو توزيعها على الزوار السذج على سبيل البركة. والذي تحققناه على قدر جهدنا وإمكانياتنا من مخطوطات الدير الموجودة في بعض المكتبات من هذه الأسفار مبيَّن في الهامش([1]).
([1]) مكتبة المتحف البريطاني: (الأرقام هي أرقام الفهرس لسهولة البحث).
مخطوطات قبطية بحيرية وقبطية عربية للمزامير تحت أرقام (فهرس) 715، 716، 721، 723.
مخطوطات قبطية بحيرية لسفر إشعياء النبي تحت رقم 727.
أناجيل قبطية صعيدية من القرن السادس والسابع تشمل أسفار التكوين واللاويين تحت رقم 2، وأسفار يشوع وقضاة وراعوث ويهوديت وأستير تحت رقم 12، ومزامير تحت رقم 38. وعهد جديد سفر الأعمال تحت أرقام 116، 119.
شرح الآباء للأناجيل كان من أهل ما تعتني المكتبة أن يكون بين مخطوطاتها، لأنه كان يعتبر مصدر الثقافة الروحية الإنجيلية الأساسي للرهبان، ودليلنا على ذلك ما سجَّله الرهبان على هوامش هذه المخطوطات بكثرة.
( أ ) وقد استحوذ السائح كيرزون Curzon على نسخة من شرح الأناجيل الأربعة منسوخة بمكتبة دير أنبا مقار ومِلْكٌ للدير، وجدها بدير السريان فاشتراها منهم([1]).
(ب) واستحوذ تشندورف Tisehendorf على نسخة أخرى (مفردة) كانت أصلًا من مجلَّدين([2]).
( ج ) واستحوذت مكتبة الفاتيكان على مجموعة مقتطفات من الشروحات ليوحنا ذهبي الفم على الأناجيل الربعة وهي عبارة عن 37 مجموعة كبيرة، وتعتبر أكبر مجموعة قبطية لشرح الأناجيل كان يقتنيها الدير في مكتبته([3]).
( د ) مجموعة أوراق كبيرة استحوذ عليها لاجارد Lagard ، وتشمل المخطوطة شرح الأناجيل، ناقصة استكمل أوراقها تقريبًا إفلين هوايت في تنقيبه بين الأوراق المفردة، وهي من منسوخات القرن العاشر وخطها دقيق وأنيق ومنتظم([4]).
( هـ) نسخة أخرى ناقصة لشرح الأناجيل موجودة الآن في المتحف البريطاني، وهذه النسخة تسمى ”الأنترية“، وهو اصطلاح لمنسوخات دير أنبا مقار خاصة([5]).
هذه بخلاف مقالات منفصلة عديدة على شرح مواضيع خاصة جاءت في الإنجيل أو على بعض الأمثال أو المعجزات أو الحوادث وكانت تشمل في الغالب آراء وتأملات عدة آباء كبار معًا.
([1]) Now at Leipzig (cod. Tisch. XXVIII).
([2]) Now at Leipzig (cod. Tisch. XXVII).
([3]) Cod. Vatican. Copt. I. VII.
كانت مكتبة دير أنبا مقار تعتبر في نظر العلماء (انظر: إفلين هوايت الجزء الأول ص 31) من أقل المكتبات اهتمامًا بالأبوكريفا، ويسجل العلماء أنه لم تُنسخ في مكتبة الدير ولا نسخة واحدة لكتب الأبوكريفا عدا مخطوطة واحدة عن صعود العذراء مريم منسوبة للقديس بطرس والقديس يونا، وهي محفوظة الآن بمكتبة ليبزج([1]).
غير أنه بدأ يتسرَّب إلى المكتبة في العصور الأخيرة كثير من هذه الكتب التي لم يكن مصرَّحًا إطلاقًا بحيازتها أو قراءتها بين رهبان الدير حسب قوانين الآباء العلماء الأوائل مثل قانون أثناسيوس([2])، ووصايا الآباء الشيوخ الذين كانوا يحذِّرون الرهبان من قراءة هذه الكتب بصفة دائمة.
وقد عثر إفلين هوايت أثناء تنقيبه بالمكتبة على مجموعة من الأوراق هي بقايا لمخطوطات كانت معروفة بالأسماء الآتية: أبوكريفا عن آدم، أبوكريفا الإنجيل، النزول إلى الجحيم، إنجيل الرؤيا، أسرار يوحنا الرسول، أبوكريفا الأعمال للرسل، أخبار الصعود الثاني.
وقد استقت الكنيسة الأثيوبية مؤخرًا الكثير من هذه الكتب وترجمتها ودخلت ضمن تراثها الفكري، وهذا مما يؤسَف له.
وهنا تبرز شهرة مكتبة دير القديس أنبا مقار إلى القمة، فقد كانت ولا تزال تحوي أضخم مجموعة من سير القديسين والشهداء الذين تحبهم الكنيسة وتذكرهم في التسبحة والقداسات والسنكسار والدفنار.
ومن هذه المجموعة النادرة قام بعض آباء الدير قديمًا بترتيب سيرهم على الأيام بقصد قراءتها في كنيسة الدير يوميًّا، وعن دير أنبا مقار أخذت الكنيسة بعد ذلك بهذا الترتيب وترجمته إلى اللغة العربية، وجعلته في السنكسار الرسمي الذي يُقرأ في كل الكنائس الآن([1]).
وعلى سبيل المثال الملموس الذي يثبت هذه الحقيقة نجد أن مديح الثلاثة فتية المنسوب للقديس كيرلس الكبير والعظة المنسوبة للبطريرك ثاؤفيلس عن الثلاثة فتية أيضًا مجموعتان معًا في مخطوطة واحدة بواسطة رهبان الدير (موجودة الآن بالفاتيكان) ([2]) وفي مقدِّمتها القانونية مكتوب الآتي:
[هاتان العظتان تُقرآن معًا في كل سنة بالتناوب في اليوم العاشر من بشنس في الهيكل القبلي (هيكل الثلاثة فتية القديسين) وذلك أثناء التسبحة].
ومرَّة أخرى نجد في مخطوطة سير القديس أنبا مقار (وهي محفوظة الآن أيضًا في الفاتيكان)([3]):
[تُقرأ في 14 أبيب في هيكل أنبا مقار الجنوبي].
كما نجد في مقدِّمة سيرة أنبا أباتيل Apatil:
[تُقرأ هذه السيرة في يوم 16 أبيب مع سيرة يوحنا صاحب الإنجيل الذهب الموجودة في صفحة 143(؟) في المخطوطة رقم 91 وذلك في نفس اليوم]([4]).
وهذه المخطوطة محفوظة الآن في مكتبة الفاتيكان أيضًا.
كما نجد هذا التوجيه نفسه موجودًا بصورة واضحة أيضًا كقانون قراءة في المخطوطة التي كانت حاوية لكل الرسائل الهامة جدًّا المتبادلة بين أنبا بطرس الثالث بطريرك الإسكندرية وأكاكيوس بطريرك القسطنطينية هكذا:
[تُقرأ في اليوم الرابع من هاتور، أو إذا أردت يمكنك قراءتها في يوم الأحد الأخير من شهر بابه أو شهر هاتور] ([5]).
وهذه المخطوطة محفوظة أيضًا بمكتبة الفاتيكان.
ومن هنا نستدل أن الآباء الرهبان العلماء قاموا فعلًا بترتيب الكتب الخاصة بسير القديسين والشهداء بالمكتبة ورتبوها كقراءات كنسية، والمعروف عن دير أنبا مقار أنه كان يقتني أربعة مجلَّدات ضخمة تحوي سير القديسين مرتبة للقراءة على أيام السنة كلها.
ولكن الذي ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن سير الشهداء كانت في الأصل مكتوبة بلغة تعليمية دقيقة وبيد أشخاص مسئولين (انظر: تاريخ الكنيسة ليوسابيوس مثلًا)، ولكن للأسف قد صارت فيما بعد تحت هوى النُسَّاخ وتأملاتهم الوهمية وتهويلاتهم الطفولية حتى صارت عسيرة على النفس كل العسر.
والمعروف أيضًا أن قراءة ميامر سير وآلام القديسين الشهداء كانت هي الوحيدة التي صرَّح بها مجمع قرطاجنة سنة 398م لتُقرأ أثناء القداس جنبًا إلى جنب مع الأسفار المقدَّسة، وهذا القانون المشار إليه كان ساريًا حتى قبل مجمع قرطاجنة. فنحن نعلم كيف قام المؤرِّخ الكنسي المشهور يوسابيوس القيصري سنة 313م بجمع كل ما عثر عليه من سير الشهداء وكيفية تعذيبهم واستشهادهم لتصير مادة قراءة قانونية داخل الكنيسة. وعلى هذا الخط سار كثير من أساقفة مصر الأقباط باجتهاد وغيرة حسنة باعتبار أن عملهم هذا يعتبر كنسيًّا بالدرجة الأولى.
ومن مؤرِّخي سير الشهداء الأساقفة، عدا يوسابيوس القيصري الأسقف، قسطنطين أسقف أسيوط وهو من مؤرِّخي القرن السادس العظام، وقد رسمه البطريرك داميانوس (578 – 605م). وهو الذي كتب سيرة الشهيد العظيم يوحنا من هيراكلية المذكور في مجمع التسبحة الي استشهد على يد دقلديانوس في زمن تملُّك نوماريوس بمدينته حميور بجوار القوصية بأسيوط (انظر: فهرس المتحف البريطاني صفحة 363).
وكذلك نذكر الأسقف يوحنا النقيوسي – وستأتي سيرته في آخر الكتاب – وهو من مؤرِّخي القرن السابع. كما نذكر ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين وهو من مؤرِّخي القرن العاشر. ونذكر أيضًا أنبا ميخائيل أسقف تنيس وهو من مؤرِّخي القرن الحادي عشر. كما نذكر أيضًا الأنبا يوساب أسقف فوه وهو من مؤرِّخي القرن الثالث عشر.
وإن في المقدِّمة الرائعة التي قدَّم بها يوسابيوس القيصري الكتاب الخامس من مؤلّفه الشهير: ”تاريخ الكنيسة“ وهو الخاص بالشهداء، توضيح كافٍ؛ يقول يوسابيوس:
[في كتابنا ”مجموعة الاستشهادات“ يرى القارئ وصفًا كاملًا متضمِّنًا صدق الأنباء، ويعتبر هذا الكتاب لا تاريخيًّا فقط بل تعليميًّا أيضًا .. وروايتنا عن ملكوت الله تدوَّن بحروف لا تُمحَى عن أنباء ”حروب السلام“ التي أُثيرت من أجل سلام النفس، وتتحدَّث عن أشخاص ناضلوا بشجاعة من أجل الحق والفضيلة … وتضع أمامنا ذكريات لا تُمحَى عن أبطال الديانة وانتصارهم على الأعداء غير المنظورين والأكاليل التي وُضِعَت على رؤوسهم].
([2]) Cod. Vat. Copt. No. LXII = Zoega Cat. No. LVII.
([3]) Cod. Vat. Copt. No. LXII = Zoega Cat. No. LVIII.
([4]) Cod. Vat. Copt. No. LXII = Zoega Cat. No. XXI.
([5]) Cod. Vat. Copt. No. LXII = Zoega Cat. No. LIII.
قام بترجمتها إلى العربية أنبا إسيذوروس أسقف البراموس (في كتاب الخريدة النفيسة) ويمكن للقارئ الاطلاع عليها للأهمية.
1 – وقد فقدت مكتبة دير أنبا مقار أكبر مجموعة من كتب سير الآباء القديسين والشهداء سرقها العالِم الفاضل المدعو J.S. Assemani ، وذلك في سنة 1715م واستقرَّت الآن في مكتبة الفاتيكان، وهي عبارة عن إحدى عشرة مجموعة كبيرة من المخطوطات بالإضافة إلى أجزاء أخرى كثيرة([1]).
2 – كما جاء بعده العالِم الفاضل Tischendorf سنة 1844 وحَمَل ما تبقَّى من مخطوطات ثمينة وأوراق من الرق معظمها من سير القديسين والشهداء وهي مستقرة الآن بمكتبة ليبزج([2]). وفي إحدى هذه المخطوطات نجد في الخاتمة اسم الناسخ وهو: [رئيس التسبحة بكنيسة دير أنبا مقار بشيهيت]([3]) وكلها يبدأ بقانون القراءة الذي وضعه آباء دير أنبا مقار. فمثلًا نقرأ في إحدى هذه المخطوطات: [تُقرأ هذه السيرة في التاسع عشر من شهر مسرى بعد التسبحة بالليل]([4]).
3 – ثم جاء السائح الفاضل طاطام Tattam، وحَمَل مجموعة أوراق مفردة أو ملازم يزيد عددها عن المائة، وهي تكشف عن أجزاء من مخطوطات تختص أيضًا بسير القديسين وتواريخهم وسير الآباء البطاركة، وقد قام بدراستها التعالِم كرام Crum وقد استقرت هذه المجموعة في مكتبة رايلاند بمانشستر([5]).
([1]) Cod. Vat. Copt. No. LVIII – LXIX.
([2]) Leipzig. Nos. 1086 – 1090 (Cod. Tisch. XXIV – XXX).
([3]) Leiprig. Nos. (No. XXIV, 31, Cod. Tisch.).
وكان من جراء هذا النهب والسلب أن تمزَّقت المخطوطة الواحدة فصار نصفها في الفاتيكان والآخر في باريس وملزمة في مانشستر وملزمة في برلين!! وق قام العالِم زويجا Zoëga بفحص المجموعة بالفاتيكان وقد وجدها مبعثرة بلا أي نظام أو ترتيب، فاكتشف أن هذه المجموعة من الأوراق والملازم والأجزاء المحفوظة هناك تعود كلها إلى موسوعة قديمة كانت منسَّقة ومرتَّبة بمكتبة دير القديس أنبا مقار على الأيام والشهور حسب التقويم القبطي([1]).
ومما هو جدير بالملاحظة أن السنكسار في دير أنبا مقار لم يكن مجرَّد سر أخبار القديسين، ولكن كان يشمل تعاليمهم وبعضًا من مواعظهم أيضًا. وكانت التعاليم البارزة للقديسين يُفرَز لها مواسم خاصة تتمشى مع الدورة الكنسية، أي مواعظ التوبة في أيام الأصوام واللاهوتية في أيام الخمسين مثلًا. وليست المواعظ والتعاليم الآبائية فقط هي التي كان يُفرز لها أوقات معينة في الخدمة، بل ويُعتقد أيضًا أن نفس القوانين الخاصة بالكنيسة والحياة الرهبانية كانت تُقرأ في بعض المناسبات من الكتب الخاصة بها والموضوعة خصيصًا لهذا الغرض، مثل كتاب ”المجامع“ الذي نسمع عنه في القرن السابع عشر وهو موجود الآن في باريس([1]). وإذا رجعنا إلى زمان البطريرك أنبا خرستوذولو وما جرى بينه وبين رهبان دير أنبا مقار من حوار عنيف بلغ إلى حد المقاومة والتحدِّي من جهة حفظ مواد الإفخارستيا (الجسد والدم) للتناول منها خصوصًا في أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من أيام أسبوع الآلام التي يمتنع فيها قيام ذبيحة، كيف أن البطريرك خرستوذولو استعان بالمكتبة وأخرج منها ميمرًا خاصًا بالموضوع الذي يُثبت به رأيه([2]).
إذن، فكانت المكتبة مجهَّزة بعظات ذات صبغة تعليمية من جهة قانون الكنيسة وترتيب أسرارها، الأمر الذي نفتقر إليه الآن بشدَّة خصوصًا في الأديرة حيث يقتصر على تلاوة السنكسار المختصر.
([1]) Ms: “Counsils” Paris Bib. Nat. Fonds arabe No. 251.
([2]) For this ritual signifieance problem see: Renaudot Hist. Patr. Alex. P. 429.
ومن أهم كتب الميامر التي كانت تحتفظ بها مكتبة دير أنبا مقار، مخطوطان عربيان محفوظان الآن بالمكتبة الأهلية بباريس تحت رقمي 132 و145 (رقم الفهرس)، وتشمل عدة ميامر هامة تهم الباحثين والمؤرِّخين نذكر منها على سبيل لفت النظر:
- ميمر على إبراهيم وإسحق ويعقوب بقلم القديس أثناسيوس الرسولي.
- ميمر لمار أفرآم على تجلِّي ربنا يسوع المسيح فوق جبل تابور.
- ميمر على نياحة أنبا متى الكبير بطريرك الإسكندرية (1378 – 1409م)، وعن استشهاد كثير من أولاده.
- ميمر يصف الرسائل المتبادلة بين أنبا متى الكبير وبين الفرنساويين.
- ميمر يصف الحصار الذي أقامه الصليبيون على مدينة دمياط سنة 1072م.
- ميمر يذكر تاريخ إنشاء الكنيستين المشهورتين: كنيسة القديسة بربارة وكنيسة القديسين سرجيوس وواخس بمصر القديمة.
- ميمر يحوي سيرة مار مينا العجايبي.
- ميمر بقلم القديس كيرلس الكبير عن عيد الصليب المقدَّس.
- ميمر عن القديس أرجانيوس Argenius وماري ابنته.
- ميمر عن العذراء بقلن قرياقص أسقف البهنسا.
- حوار بين عيسى بن إسحق أبو زرعة ويوسف بن أبو الحكيم البحيري سنة 988م عن الإسلام والمسيحية.
- استشهاد القديستين بربارة ويوليانة المستشهدتين في مدينة هليوبوليس في زمان مكسيميانوس.
- ثلاثة ميامر للقديس يوحنا ذهبي الفم عن البشارة.
- ميمر الأربعة والعشرين قسيسًا بقلم القديس كيرلس الأورشليمي، وذكصولوجية كبير بالقبطي والعربي مؤلَّفة لتذكار عيدهم 24 هاتور، وأخرى للأربعة مخلوقات الحاملة للعرش السمائي.
- ميمر لثيئوذوسيوس بطريرك الإسكندرية على رئيس الملائكة ميخائيل.
- ميمر لأرشيلاؤس الأسقف على رئيس الملائكة جبرائيل.
توجد مخطوطات عربية بالمكتبة الأهلية بباريس مأخوذة من مكتبة دير أنبا مقار تحت رقم (فهرس) 184 و185، عبارة عن أبحاث لاهوتية يُظن أنها ذات قيمة عالية، نذكر أبوابها على سبيل لفت النظر:
في مقدِّمتها تذكر المخطوطة أنها مقسَّمة إلى 33 فصلًا. وتبحث في الثالوث الأقدس، التجسُّد، وصايا الله عامة، عن الاعتراف، وعن التناول، وعن الحياة الرهبانية، وعن أسئلة روحية يجيب عليها أنبا كيرلس الكبير وأنبا باسيليوس وأنبا سمعان بطريرك الإسكندرية وأنبا ميخائيل بطريرك أنطاكية وكثيرون غيرهم من علماء البيعة.
وهذه المخطوطة منسوخة بمكتبة دير أنبا مقار سنة 1214م. وواضح أنها منسوخة عن مخطوطة أقدم منها كُتبت بالخط اليوناني.
ويهمنا في هذا المجال أن نقدِّم تقريرًا وافيًا عن المخطوطة الكبيرة والهامة جدًّا التي قام الراهب مقاره من دير يؤنس كاما في القرن الرابع عشر بتأليفها وجمعها من عدة مخطوطات وسجلات محفوظة بمكتبة دير أنبا مقار، والتي تُعتبر أنها المخطوطة الأولى والعظمى التي جمعت كافة قوانين الكنيسة الأرثوذكسية، والتي على أساسها تقوم كل قوانين وفتاوي الكنيسة حتى اليوم، وهي المسماة Nomocanon، وهذه المخطوطة محفوظة الآن بالمكتبة بباريس([1]) تحت رقم 251.
وفصولها كالآتي:
الأول: (الورقة 3): الأعمال القانونية التي قام بها الرسل بعد صعود الرب يسوع، وعن أصالة هذه القوانين.
الثاني: (الورقة 11): القوانين المعروفة بقوانين الآباء الرسول التلاميذ.
الثالث: (ورقة 11): قوانين الرسل المعروفة باسم (ابسطلوسات).
الرابع: (ورقة18): القوانين المختصة بالإكليروس.
الخامس: (ورقة 37): قوانين الرسل القديسين بخصوص تدبير الكنائس مجموعة ومشروحة بقلم القديس اكليمندس، وعدتهم 71 قانونًا، غير أنه مكتوب في نهايتها أنها مأخوذة من الأصل اليوناني الذي عدتهم 81 قانونًا.
السادس: (ورقة 38): قوانين الكنيسة المقدسة من أنفاس الرسل القديسين ومشروحة بقلم القديس اكليمندس – وعدتهم 56.
السابع: (ورقة 42) الدسقولية (ديداسكاليا) وعدتها 38 فصلًا.
الثامن: (ورقت 90): قوانين القديس كليمندس معنونة هكذا: ”رسالة القديس بطرس“.
التاسع: (ورقة 93): ”أحكام العتيقة“ أو ما تَسمَّى بـ ”قوانين الملوك“ وهي موجَّهة لأحد الملوك بواسطة الرسل بإرشاد الروح القدس. وبها في الورقة (103) تصور لكيفية القانون الذي ينبغي أن يسود على المجتمع المسيحي.
العاشر: (ورقة 104) مجمع أنقرة.
حادي عشر: (ورقة 108) مجمع قيصرية الجديدة وأقوال على قرطاجنة.
ثاني عشر: (ورقة 109) مجمع غانغرة.
ثالث عشر: (ورقة 112) مجمع أنطاكية وعدته 25 قانونًا.
رابع عشر: (ورقة 121): ملاحظات على قسطنطين الكبير وعلى الدوافع التي حملته على دعوة مجمع نيقية.
خامس عشر: (ورقة 121): ملاحظات على مجمع نيقية بعد الخمسة والعشرين قانونًا.
سادس عشر: (ورقة 127): الأربعة والثمانون قانونًا لمجمع نيقية.
سابع عشر: (ورقة 138): مجمع نيقية والقوانين الخاصة بتنظيم الأديرة بالمعايير الرثوذكسية.
ثامن عشر: (ورقة 148): ثمانية قوانين في التقليد القبطي وهي مطابقة للقوانين المعمول بها في تقليد الكنيسة اليونانية المأخوذة من مجمع نيقية. وفي نهايتها ملاحظات تاريخية.
تاسع عشر: (ورقة 152): المجمع المسكوني الثاني العام بالقسطنطينية وعدته 27 قانونًا.
العشرون: (ورقة 154): مجمع أفسس وهو ملخَّص بسيط للمراسيم.
الواحد والعشرون: (ورقة 154) مجمع لاوديكية.
الثاني والعشرون: (ورقة 159): مجمع سارديكة.
الثالث والعشرون: (ورقة 162) الثمانية والثلاثون قانونًا لهيبوليتس (أبوليدس) رئيس أساقفة روما (شهيد بورتو)، ويقول عنها أن هذه القوانين أعلنها الرسل أنفسهم بالروح القدس.
الرابع والعشرون: (ورقة 171): قوانين القديس باسيليوس وهم مجموعتان: الأولى 13 قانونًا والثانية 106 قانونًا.
الخامس والعشرون: (ورقة 188) الأربعة كتب المسماة بقوانين الملوك (؟؟) وهي من قوانين الأباطرة المتعاقبين ومكتوبة بمعرفة الأساقفة الذين كانوا حاضرين في مجمع نيقية.
الكتاب الأول ويسمى التطلسات (النطق العربي للكلمة اليونانية ti,tloj = العناوين) وبه أربعون فصلًا.
السادس والعشرون: (ورقة 222) الكتاب الثاني من الأربعة كتب المسماة بقوانين الملوك وهي مائة وثلاثون قانونًا.
السابع والعشرون: (ورقة 233) الكتاب الثالث من الأربعة كتب المسمَّاة بقوانين الملوك.
الثامن والعشرون: (ورقة 247): قوانين بعض الملوك الأتقياء منتخبة من بعض مراسيم آباء نيقية، ويظن أنها للإمبراطورين يوستين وليون. مجموعة ومترجمة من القبطية إلى العربية. وهي المسماة ”الرابع للملوك“ أي الكتاب الرابع من قوانين الملوك.
التاسع والعشرون: (ورقة 260) عهد مخلِّصنا وإلهنا يسوع المسيح صنعه بعد قيامته على هيئة خطبة وجهها إلى الرسل. وهي تتكون من أول أعمال كليمندس، وهي أبوكريفا وتسمَّى ”العهد السيدي“.
الثلاثون: (ورقة 278): قوانين الرسل القديسين، وهو العمل الثاني من أعمال كليمندس، ويعقبها المقطوعات نمرة 3 و4 و5 و6 للقديس كليمندس أيضًا.
الواحد والثلاثون: (ورقة 296): قوانين مجمع قرطاجنة وعدتها 123.
ويقول الكاتب أن هذا المجمع كان في سنة 5925 للعالم، وهو يوافق سنة 150 للشهداء (434م) حينما كان ثيئوذور الصغير ابن ثيئوذور الكبير يحكم القسطنطينية وأنوريوس يحكم روما وخرستوذولو بابا المدينة العظمى (الإسكندرية).
الثاني والثلاثون: (ورقة 306): ”قوانين المجمع الكبير المنعقد في أنطاكية ولاوديكية“. وهذه عبارة عن نسخة لهذين المجمعين مع تغييرات في بعض القوانين، وفيها يجمع المؤلف بين قوانين المجمعين في مجموعة واحدة.
الثالث والثلاثون: (ورقة 313): قوانين إبيفانيوس.
الرابع والثلاثون: (ورقة 312): قوانين يوحنا ذهبي الفم وعدتها اثنا عشر.
الخامس والثلاثون: (ورقة 313): ”القوانين الزمانية“ وهي من أعمال الآباء التي سبق وذكرناها، وقد أُعيد صياغتها بسبب مضي زمانها وبناء على رغبة الذين يقبلون على التوبة بانسحاق قلب.
السادس والثلاثون: (ورقة 316): ملاحظات قانونية للقديس غريغوريوس النيسي.
السابع والثلاثون: ورقة 316): بيان عن السبعة كراسي التي لرؤساء الأساقفة.
الثامن والثلاثون: (ورقة 317): ”أوامر الآباء الأئمة الرؤساء“.
التاسع والثلاثون: (ورقة 319): قوانين معلِّمي البيعة مترجمة عن القبطية وعدتها اثنان وثمانون قانونًا.
الأربعون: (ورقة 323): قوانين البيعة وُضِعَت بأمر القديس أثناسيوس بطريرك الإسكندرية وعدتها 107 قوانين. وفي نهاية الكتاب اسم الكاتب ”ميخائيل أسقف تنيس“، ونحن نعلم أن هذا المؤلف جمعها بطريقة جعلت استخدام هذه القوانين سهلة في متناول كل واحد؛ وفي نهايتها جعل فصلًا بعنوان: ”صفحة عن الموجود عند الآباء الفرنجة“. ويعتبر هذا الكتاب شرحًا مطوَّلًا للإيمان الأرثوذكسي بقلم اثنين من الأقباط (اليعقوبيين).
الواحد والأربعون: (ورقة 339): مختصر تعاليم القديس أنبا ميخائيل مطران دمياط فيما يختص بأحكام الشريعة وجزاءاتها.
الثاني والأربعون: (ورقة 341): نسخة من الأحكام التي كتبها أنبا خرستوذولو بطريرك الإسكندرية.
الثالث والأربعون: (ورقة 343): قوانين كيرلس بن لقلق البطريرك السابع والستين.
الرابع والأربعون: (ورقة 347): قوانين غبريال المسمى ابن تاريك بطريرك الإسكندرية.
الخامس والأربعون: (ورقة 351): قوانين تخص الكهنة وكنائس الإسكندرية المكتوبة بقلم غبريال بن تاريك في شهر بؤونة سنة 870 للشهداء الموافق (1154م).
السادس والأربعون: (ورقة 352): مختصر الأحكام والفرائض والمواريث من العتيقة إلى الحديثة بقلم غبريال بن تاريك.
السابع والأربعون: (ورقة 353): نسخة من الأعمال والنزاعات الخاصة بالشروط القانونية التي قامت بين البطريرك كيرلس (بن لقلق) وأساقفته.
الثامن والأربعون: (ورقة 353): الترتيبات التي حددها البطريرك كيرلس بن لقلق مع مجمع الأساقفة وأراخنة الشعب وأقرها وصادق عليها أنبا يوحنا البطريرك الجديد، وهي تخص المعمودية والزواج والمواريث وتاريخها 20 توت سنة 955ش، وهي سنة 1239م.
التاسع والأربعون: (ورقة 361): عقد الميثاق الذي قطعه على نفسه أنبا كيرلس مع الأساقفة في القلعة بحضرة الوزير معين الدين وجميع الأراخنة سنة 1241م.
الخمسون: (ورقة 363): تنظيم الأوقاف والهبات الدينية والعشور كما شرَّعها أنبا كيرلس في برمودة سنة 956ش، سنة 1240م.
الواحد والخمسون: (ورقة 364): تنظيمات أخرى قام بها أنبا كيرلس في 24 برموده سنة 956ش، سنة 1240م. فيما يختص بالأعياد.
الثاني والخمسون: (ورقة 364): عشرة أبحاث حول التدبير الكنسية نظَّمها أنبا خرستوذولو مطران دمياط وأقرَّها أنبا كيرلس البطريرك في بؤنة 956ش، 1240م.
والمخطوطة كبيرة الحجم تقع في 366 ورقة 34×25 سم، والصفحة 24 سطرًا وتاريخ نساختها 1353ميلادية.
([1]) وسيقوم بمشيئة الله دير القديس أنبا مقار بالاطلاع على هذه المخطوطة وتحقيقها ونشرها.
وهذا القسم يشمل كافة كتب الصلوات من خولاجيات وكتب تسبحة وكتب مزامير، وأجابي، ودفنار باللغات اليونانية والقبطية والعربية، وكانت المكتبة تزدحم بأعداد هائلة من هذه الكتب لأنها كتب خدمة يومية ولا غِنَى لأي راهب عن مجموعة كاملة منها.
وإن المجموعة الهالة من هذه الكتب والتي تسرَّبت من مكتبة دير أنبا مقار استطاعت أن تملأ مكانًا كبيرًا في كافة مكتبات العالم، وخصوصًا المنسوخ منها في العصور المتأخرة من القرن الثاني عشر فما فوق.
ملاحظات على أهم النسخ:
- خولاجيات لقداس القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس باللغة اليونانية:
وقد عَثَر إفلين هوايت في المكتبة بحصن الدير على مجموعة أوراق من هذا الخولاجي بنهرين يوناني وعربي، وقد استدلَّ على تاريخ نساخة هذا الخولاجي بوجود اسم البطريرك أنبا بنيامين الثاني (1327 – 1339م) في أوشية البطريرك.
وبعد فحص هذه الأوراق وجد أنها تنتمي إلى خولاجين: الأول للقديس باسيليوس 25 ورقة، والثاني للقديس غريغوريوس 15 ورقة. والخط بديع والناسخ حاذق والكتابة صحيحة ومتينة، ويستدل عليها من ضبط توقيع الحركات على الحروف وتوقيع حركات التنفس على الحروف الخاصة بها أيضًا، وقد قام إفلين هوايت بفحصها وترجمتها ونشرها([1]). وهذا ربما تكون أول وآخر مرة يُسمَع أن في شيهيت يُقام القداس باللغة اليونانية. ولكن أدلة كثيرة تُشير أن اللغة اليونانية كانت لغة متداولة بين رهبان شيهيت، بل وكانت هي اللغة الرسمية لرهبان كل أديرة ظاهر الإسكندرية. والمعروف أن أنبا مقار كان يجيد هذه اللغة ويتخاطب بها مع المتعلِّمين والأجانب.
ويُظَن أنه كان على البطريرك عند تجليسه في كنيسة أنبا مقار بعد رسامته بالإسكندرية أن يصلِّي القداس باللغة اليونانية أيضًا. وقد تعرَّفنا على بعض الخولاجيات ذات الثلاثة قداديس باللغة القبطية التي كانت بمكتبة دير أنبا مقار ونُقلت إلى مكتبة المتحف البريطاني تحت الأرقام (فهرس) 789، 792، 795، 796، 797، (801 بتاريخ 830م).
كما تعرفنا على مجموعة أخرى ذات القداس الواحد أو المخصَّصة لمردات الشماس تحت الأرقام (فهرس):
798، 799، 801، 802، 805، 807، 809، 811، 812، 813، 814، 816، 823 وهو مختلف في ترتيبه وقراءته عن الخولاجيات الأخرى، ويُظَن أنه مترجم من الخولاجي اليوناني الذي كان يُستخدم في العصور الأولى تحت رقم 823 (فهرس).
- أجابي باللغة القبطية باللهجة الصعيدية:
إن وجود كميات كبيرة من الأجابي (كتاب السواعي) باللغة القبطية وباللهجة الصعيدية يوضِّح لنا تمسُّك بعض الرهبان الآتين من الصعيد باستخدام لهجتهم في الصلاة، علمًا بأنه كان معروفًا أن لغة التخاطب في شيهيت هي البحيرية كما أن لغة الكنيسة والوعظ كلها كانت باللهجة البحيرية.
إن فصول الأناجيل المنسوخة في هذه الأجابي والمزامير كانت كلها مكتوبة باللهجة الصعيدية والخط الصعيدي، ولكن مقدِّمات الصلوات والصلوات (القطع) كانت مكتوبة باللهجة والخط البحيري مع نهر مقابل للترجمة العربية. مما يوضِّح لنا أن زمن هذه الأجابي كان الزمن الذي فيه وقف الرهبان متحيرين بين ضعف اللغة القبطية في الفهم وضعف اللغة العربية في اللسان!! وهو زمن القرن العاشر فما فوق حتى القرن الرابع عشر.
وقد تعرَّفنا على بعض النسخ القبطية للأجابي (صلوات السواعي) منقولة من مكتبة الدير وهي الآن بمكتبة المتحف البريطاني، وهي تختلف كثيرًا عن الأجابي المطبوعة والمستعملة الآن من حيث أنواع مزاميرها وحلاوة صلواتها، وهي تحت الأرقام 825، 827، 829 (وهي أرقام الفهرس).
- البصخة (كتاب سواعي أسبوع الآلام):
وبفحص بعض صلواتها بحسب الوريقات القليلة التي عثر عليها إفلين هوايت كبقايا لمخطوطات سابقة نجد أن ترتيب سواعي البصخة وصلواتها مختصر كثيرًا عما هو حادث الآن. وقد علمنا سابقًا أن رهبان دير القديس أنبا مقار قاموا بتعديل صلوات البصخة واختزالها لتناسب ظروف المؤمنين وذلك في أيام بطريركية أنبا غبريال الثاني (1131 – 1146م). ولكن للأسف فقد قام أحد الأساقفة وهو بطرس أسقف البهنسا – وكان من المغرمين بحشو الكتب بالصلوات دون وزن أو تكيُّف مع الواقع والإمكانيات – عاد فأضاف الكثير من هذه الصلوات([2]) وكرر بعضها حتى أصبحت في أشد الحاجة إلى تعديل جديد لتخليصها من التطويل الممل مع إضافة ما يلزم إضافته ليناسب حال الشعب الآن.
وبمكتبة المتحف البريطاني الآن عدة نسخ لكتاب البصخة تحتاج إلى مَنْ يقوم بفحصها لأنها تحوي الكثير من الأبحاث الهامة التي تفيد الطقس وتوضّحه، فمثلًا توجد نسخة قبطية تحت رقم 1247/ 5997 في غاية الأهمية وهي منسوخة سنة 1274م، وتحوي هذه المخطوطة على طقس غسل الأرجل يوم الثلاثاء وليس الخميس، كما أن القداس المعروف باسم قداس خميس العهد نجده أيضًا يُقام بعد طقس غسل الأرجل يوم الثلاثاء. وهذا الطقس له قيمة لدى الباحثين وعلماء اللاهوت الذين يبحثون عن الثلاثة أيام والثلاثة ليالي التي قضاها المسيح في القبر!
كما يوجد قطمارس خاص بصوم يونان وكان يسمَّى بصخة الثلاثة أيام تحت رقم 772 (فهرس).
- كتاب الدفنار Antiphonarium:
وهو عبارة عن سنكسار ملحَّن أو مرتَّل. والاسم معناه ”اللحن المتبادل“ وفيه يقدِّم خورس الكنيسة مديحًا تردده مجموعتان متبادلتان لتذكار أحد القديسين وكل مرد عبارة عن أربعة سطور.
وقد فقدت مكتبة دير أنبا مقار أربع مجموعات كاملة من كتاب الدفنار، وكل مجموعة تعطي أيام السنة كلها ربما في ثلاثة مجلدات. وهذه المجموعات مستقرة الآن في مكتبات: جوتنجن بألمانيا، والفاتيكان بروما ورايلاند بمانشستر بإنجلترا، والرابعة محفوظة بمكتبة البطريركية بالقاهرة. وعلى العموم فإن نسخ الدفنار الموجودة الآن نادرة، وتاريخ تجميع أول دفنار غير معروف بالرغم من الأبحاث الكثيرة التي قام بها العلَّامة كرام في هذا الموضوع([3]).
ولكن العلَّامة إفلين هوايت عثر على مجموعة من الملازم مفردة في أرضية المكتبة بالحصن، وبفحصها وجدها لمجموعتين تعودان إلى القرن الثالث عشر([4]).
وفي الدفنار يختص كل قديس أو قديسة أو شهيد أو تذكار أي عيد بلحنين: واحد ”واطس“ والآخر ”آدام“، والواطس دائمًا يسبق الآدام، ما عدا في دفنار واحد وهو المحفوظ بمكتبة رايلاند بمنشستر وُجد في الآدام يسبق الواطس. والواطس يتميز بالطلبة ”اسأل من أجلنا أيها القديس … ليغفر لنا خطايانا“. أمَّا الآدام فيتميز بالطلبة: ”بصلوات القديس … يا رب أنعم لنا بغفران خطايانا“، أي أن الواطس لحن الصلاة فيه موجَّه للقديس، أما الآدام فلحن الصلاة فيه موجَّه إلى الله.
- كتاب التسبحة للقديسين والأعياد:
وهو عبارة عن تجميع لكافة ”الذكصولوجيات“ وترتيبها على أساس الشهور ويبدأ من شهر توت. وكل مناسبة لها لحن واحد إمَّا ”واطس“ أو ”آدام“ بدون النظر إلى اليوم من الأسبوع، حيث نجد أن اللحن الواطس يختص بالأعياد التي تأتي في أوائل الشهر والآدام يختص بالأعياد التي تأتي أواخر الشهر. وهذا يماثل بداية قراءة السنكسار. فإذا كان العيد واقعًا في النصف الأول يُقال ”أحسن الرب استقباله“ وهنا يكون اللحن الواطس، ولعل ذلك من نوع التنبيه الذهني حتى يستطيع الرهبان متابعة الزمن ولسهولة حفظ الأعياد. أمَّا النصف الثاني من الشهر ابتداء من اليوم الخامس عشر فيقول القارئ: ”أحسن الرب انقضاءه“ وهنا يختار غالبًا اللحن الآدام.
ويلاحظ أن في حالة مجيء تذكار عيد للعذراء مريم يقول الكتاب: ”ارجع إلى كتاب الثيئوتوكيات وخذ ثيئوتوكية هذا اليوم“ وهو كتاب يبدو أنه كان خاصًا بألحان السيدة العذراء فقط.
وعدا ألحان الواطس والآدام يذكر هذا الكتاب أنواع ألحان أخرى غير معروفة الآن وهي لحن picqeini ، ولحن piaka\wn. واللحن الخماسيني ويُرمز إليه هكذا pi n/ ولحن ”أيها الصليب القوي“.
ويُلاحَظ أن أمام طريقة التسبيح لبعض القديسين يُذكر الموضع الذي ينبغي أن يتم فيه التسبيح. فمثلًا في يوم 20 أبيب وهو تذكار ثيئوذور المشرقي يقول: ”وتُقام خدمة التسبيح له في هيكل مار مرقس الصغير“([5]).
وفي نهاية الكتاب يوجد فهرس دقيق يشير إلى ما يجب التماسه من الكتب الأخرى وتوضيح صفحاته وأماكن وجودها في المكتبة في صناديقها ذات الأرقام!! فعلى سبيل المثال يذكر مثلًا في أعياد الشهر الصغير هكذا: القديس أندريانوس 153/22/6. وهذه أرقام المخطوطات والدواليب.
وفي عيد يونان هكذا: يوحنا فم الذهب 23 = 185/82/119.
عيد الميلاد | = 49 – 5 |
= يوحنا فم الذهب 91 – 1 – 93. |
- كتاب القراءة للقديس والأعياد (قطاميروس مبسَّط):
هذا الكتاب يشمل كل الترتيب الطقسي اللازم لتذكار أي قديس أو أي عيد أو أي مناسبة إنجيلية. فهو يشمل كل القديسين والشهداء والبطاركة المهمين والأعياد الرسمية وتذكارات معينة من الإنجيل مثل تذكار الابن الضال والسامري الصالح ولعازر والغني.
وترتيبه كالآتي:
العنوان: 1 – ذكر اليوم من الشهر.
2 – ذكر العيد التابع لهذا اليوم.
3 – رقم المزمور الخاص بهذا اليوم.
القــــــــــراءة: 1 – بيت واحد أو بيتان أو ثلاثة أبيات من المزمور (سطران أو أربعة أو ستة)([6]).
2 – فصل من الإنجيل (يُقرأ من كتاب آخر).
والكتاب بهذا الشكل يدلنا على كيفية تذكار القديس أو العيد بدون قداس، لأن المعروف في طقس دير أنبا مقار أن القداس كان لا يُقام في وسط الأسبوع على الإطلاق بل كان مخصَّصًا له يوم الأحد فقط.
لذلك فإن هذا الكتاب، أي التسبحة الخاصة بالقديسين والأعياد، كان يُكتفى بالقراءة منه لتذكار القديس أو العيد أو المناسبة الإنجيلية بعد التسبحة.
وتوجد من هذا الكتاب نسخة ناقصة في مجموعة تشندورف، وقد عثر إفلين هوايت على عدة أوراق وملازم من الرق من هذا الكتاب تعود إلى القرن الحادي عشر وقام ببحثها وتسجيلها.
قطاميروس الآحاد:
ومن أعجب المخطوطات التي كانت موجودة بمكتبة دير أنبا مقار – وهي الآن بمكتبة المتحف البريطاني تحت رقم 764 – قطاميروس خاص بآحاد السنة كلها فقط. وهذا يشير إلى ما سبق وقلناه عن النظام الذي كان متبعًا قديمًا في القداديس بدير أنبا مقار الذي اختص به دون جميع الأديرة والكنائس الأخرى، وهو اقتصاره على إقامة القداس يوم الأحد فقط (يوم الرب).
قطاميروس آخر للسبوت والآحاد:
كما تعرَّفنا أيضًا على مخطوطة أخرى بمكتبة المتحف البريطاني تحت رقم 766. وفيها قراءات السبوت والآحاد فقط للسنة كلها، وهذا المخطوط نعتقد أنه أقدم في استخدامه من قطاميروس الآحاد فقط السابق ذكره أعلاه؛ وذلك حسب النظام القديم جدًّا الذي كان معمولًا به أيام القديس أنبا مقار حينما كان الآباء يحضرون يوم السبت من كل أسبوع في الغروب، ويقيمون قداسًا في مساء السبت، ويمضون الليل كله في الصلاة والتسبيح، ويقيمون قداس الأحد في الفجر.
قطاميروس لآحاد الخمسين فقط:
وهذه المخطوطة الموجودة الآن بالمتحف البريطاني تحت رقم 777 تشرح لنا اقتصار إقامة القداديس في أيام الخماسين على الآحاد فقط.
- القواميس وقواعد اللغة القبطية:
وكما هو معروف إذا بدأت لغة في الاندثار بدأ في الحال ترتيب القواميس لها. وهكذا منذ بدء القرن العاشر بدأ نوع من المحاولة لتسجيل اللغة القبطية ومعانيها في قواميس باللغة العربية، وبمضي الزمن كثرت الكتب وكثر معها المؤلفون والمعلِّمون، وكثر معها ومعهم اضمحلال الأصول الأولى بسبب تعدد الآراء والنطق حتى أصبحت اللغة القبطية شيئًا آخر تمامًا غير اللغة القبطية!
المكتبات ممتلئة بالمخطوطات التي تعلِّم وتشرح اللغة والمحاولات لا تكف عن تعليم اللغة، ولكن اللغة الحقيقية في اضمحلال تام.
وإن كان رهبان دير أنبا مقار ظلوا حتى القرن الرابع عشر يتكلَّمون ويصلُّون بالقبطية، ولكن فجأة انهار هذا التشبُّث إزاء طغيان اللغة العربية في الحياة اليومية. وشيئًا فشيئًا وقفت حركة النساخة للمعجمات القبطية وتداولها وبدأ تبديدها وبيعها للزوار الأجانب.
وقد حازت مكتبة البطريركية عشر نسخ من هذه المعاجم القبطية العربية كانت مِلكْا لمكتبة دير أنبا مقار (وهي مقيَّدة تحت رقم 100 من 0 – 10). هذا عدا غيرها الموجود الآن في إنجلترا بمكتبة رايلاند بمنشستر([7]) والموجود في فرنسا بالمكتبة الأهلية بباريس([8])، وما عَثَر عليه إفلين هوايت من أوراق وملازم مفردة قام بفحصها ونشرها في كتابه([9]).
- المخطوطات التي باللغة اليونانية:
كل الدلائل تشير إلى أنه كان هناك مخطوطات كثيرة باللغة اليونانية في العصور الأولى لتغلغل هذه اللغة في كل الميادين الروحية والطقسية داخل الكنيسة وخارجها، وكانت هي لغة التخاطب بين المثقفين من الرهبان، فنعلم أنها كانت لغة الرهبان في أديرة ظاهر الإسكندرية، وأنبا مقار كان يتكلَّم اليونانية مع زائريه، وقصة الحوار الذي سجَّله لنا أنبا إشعياء وهو يتحدَّث إلى رهبان أديرة الإسكندرية معروفة.
ولكن الذي جعل هذه المخطوطات تختفي من المكتبة غارات البربر المتكررة، خصوصًا الغارة الأخيرة التي أنهت على كل التراث القديم تقريبًا سنة 817م.
ولكن نعلم أن في رسامة أنبا مكاريوس الثاني (1103 – 1131م) قُرئ تقليده باللغات اليونانية والقبطية والعربية([10]).
ولكن المعروف أن اللغة اليونانية بدأت تضعف على ألسنة الرهبان الأقباط منذ القرن السادس وحتى القرن التاسع، فلم يأتِ القرن العاشر حتى كان الذي يتكلَّم بها قِلَّة. ولكن ظلَّ كثير من النُسَّاخ المهرة يجيدون هذه اللغة قراءة وكتابة، فقد وُجدت مخطوطة تحمل سيرة القديس أنبا باخوم مكتوبة باللغة اليونانية سنة 1259م وقام بترجمتها إلى العربية أحد الرهبان([11]).
وقد سبق أن تكلَّمنا عن الخولاجي (أنافورا) المكتوب باللغة اليونانية لقداسي القديسين باسيلوس وغريغوريوس، وكان تاريخ نساخته حوالي 1330م وهو منسوخ بدير أنبا مقار.
والمعروف أن قراءات أسبوع الآلام كانت تشمل قراءات كثيرة باللغة اليونانية، ولا تزال حتى اليوم قطع تقال وتلحَّم بالرومي أثناء البصخة المقدسة.
وقد فقدت الأديرة كل هذه المخطوطات التي تحوي صلوات وتسابيح أسبوع الآلام باليونانية لأهميتها وندرتها، وهي الآن موجودة بمكتبات البوديليان، وليدن([12]).
([1]) Ev. White, I, pp. 200 – 212.
([3]) Crum, Cat. Of Copt. Mss. In: The Ryland I. ib., p. 213.
([5]) Epip. 20, The Holy Theod the General.
([6]) يُلاحَظ أن بين شطرات المزمور توجد كلمة le[ic وتعني ”قراءة“ أو ”اقرأ“ (وربما تقابل كلمة ”سلاه“ العبرية).
وقد قام العلامة يونكر الألماني ببحث هذه الكلمة. انظر:
Jonker, Koptische Poesie des Zehnten Jarhunderts, I. Teil, pp. 57 f.
([10]) Synax., Tût 4, Basset pp. 6 f..
([11]) Crum, Theological Texts From Copt Papyri, p. 175.
([12]) Lectionary of the Holy Week in Greek.
- B.M. Cat. No. 775 & Bodelian Ms. Copt. 3.
- Leyden C. cod. Scalierg. 243.
ونستطيع أن نلخِّص هذه الظروف في الأسباب الآتية:
أولًا: انعدام اللغة اليونانية واللغة القبطية من على ألسنة الرهبان جعلت هذه المخطوطات الثمينة بلا منفعة وبالتالي بلا أهمية. وفي اعتبارنا كان هذا أول العوال وأقساها.
ثانيًا: غارات البربر المتكررة التي جعلت الرهبان إمَّا يحملون المخطوطات الثمينة خارج الدير فلا تعود إليه مرة أخرى، وإمَّا إخفاء المخطوطات في غرف مسحورة مظلمة رطبة أساءت إلى أنواع المخطوطات سواء التي على الرقوق الجلد أو الورق، فأتلفت الحبر والدوبار فتبعثرت وتناثرت.
ثالثًا: وباء الطاعون الذي حلَّ بالدير وأنهى على الأعداد الكبيرة لرهبان الدير فصاروا أربعة رهبان أو أقل … وبذلك تُركت المكتبة بلا أي عناية تحت رحمة الرطوبة وديدان الكتب.
رابعًا: لصوص المخطوطات، وهم اللصوص الأفاضل الذين استغلوا أموالهم ومراكزهم الأدبية والسياسية في تبديد المخطوطات. ومع احترامنا لأسمائهم ومراكزهم فمنهم الكهنة ومنهم أمين مكتبة الفاتيكان ومنهم الضباط والعلماء والسيدات، ومعظمهم كان يقدِّم أثمانًا لهذه المخطوطات، ولكن الحقيقة التي لا مفر منها أنهم كانوا لصوصًا بمعنى الكلمة، وقد تاجروا فيها وربحوا جميعًا حتى على المستوى المادي. ونورد هنا أسماءهم حسب ترتيب زمان تواجدهم بالمكتبة علمًا بأنه قد ابتدأ عصر العبث بالمخطوطات وسرقتها منذ القرن السابع عشر. وأبطال اللصوص كالآتي:
الأول: أجاثاآنج دي فندوم Agathange de Vendome الكبوشي، وكتب بخط يده إلى الذي كان يموله بالمال المدعو بيرسيك خطابًا في 18 مارس سنة 1634 يبشره بقرب الحصول على الصفقة([1])، ويخبره أنه وجد بالمكتبة 8000 ثمانية آلاف مخطوطة، وأنه حصل على كتاب المزامير مكتوبًا بست لغات على ستة أنهر. وأن رئيس الدير نازل ومعه مخطوطة ”المجمع“ ليبيعها ويشتري بثمنها أواني للمذبح!
الثاني: فانسليب J.B. Wansleben ويُقال أنه لم يستطع الوصول إلى الدير، ولكن بأي طريقة احتال حتى حصل على مجموعته الكبيرة؟ لانعلم.
الثالث: هنتنجتون Robert Huntington وهو قسيس ”شركة رهبنة لوفان“، وقد وصف كنوز المكتبة، والذي استرعى انتباهه شرح الأسفار المقدسة وكتب القراءة التي تُوفي كل أيام السنة. وقد خرج من المكتبة بمخطوطة تحوي الأناجيل!! وغيرها([2]).
الرابع: إلياس السمعاني سنة 1706م([3])، وقد أُوفِد من قِبَل مكتبة الفاتيكان، وقد استولى على مجموعة ضخمة من المخطوطات السريانية من مكتبة دير أنبا مقار، ولا يُعرَف هل وصل دير أنبا مقار أم لا. ولكن كان الوسيط بعد ذلك في مجيء ابن عمه يوسف سيمون السمعاني.
الخامس: يوسف سيمون السمعاني: سنة 1715م، وكان أكبر الذين سطوا على مكتبة دير أنبا مقار في العصور الحديثة كلها، وأخطر العوامل التي قوَّضت صرح المكتبة. وقد أُوفد من قِبَل مكتبة الفاتيكان خصيصًا لهذا الموضوع، ويسجل هذا الأب الفاضل عن نفسه هكذا: [وقد حصلنا من رهبان دير أنبا مقار على مخطوطات هي على أعلى درجة من الأهمية والقيمة (Optimae notae) مكتوبة باللغة القبطية … ولم نبقِ عندهم على أي شيء آخر يمكن أن يحصل عليه أي أحد (سارق) آخر مهما كان طمَّاعًا]. ولكن من اللطيف أن يرد على هذا الكلام الباحث إفلين هوايت بقوله: [ولكن جاء مَنْ يلتقط من وراء هذا السمعاني واستطاع أيضًا أن يخرج بغنيمة] متكلِّمًا بذلك عن نفسه وعن آخرين([4]).
السادس: أندريوس Andreossy سنة 1799م: [ووجدت معظم كتبهم نسكية مكتوبة على الرق وعلى الورق السميك، وقد أخذت بعضًا منها وهي منسوخة منذ 600 سنة]([5]).
السابع: ب. دروفتي B. Drovetti سنة 1818م، وقد استولى على عدة مخطوطات للمزامير باللهجة البحيرية، وهي الآن مستقرة في مكتبة تورين([6]) بإيطاليا، ولا نعلم ما حصل عليه من المخطوطات الأخرى.
الثامن: روبرت كيرزون Robert Kurzon سنة 1837م، ولو أننا لا نعلم بالضبط هل وصل إلى دير أنبا مقار أم لا، غير أننا نعلم أنه حصل على مجموعة من الكتب معروفة باسمه.
التاسع: طاطام وبنت زوجته بلاط Henry Tattam & his step daughter Platt: [وقد وجدنا بدير أنبا مقار نحو مائة مخطوطة خولاجيات (ليتورجيات)، ونسخة جميلة للرسائل باللغة القبطية التي رفض الرهبان أن يبيعوها، وكان هناك أكوام من الأوراق المفردة والملازم وقد اخترنا منها نحو مائة مجموعة]([7]). وقد استقرت هذه المجموعة في مكتبة رايلاند بمنشستر. وقد قام العلَّامة كرم بفحص بعضها فوجدها خولاجيات ومعاجم للغة القبطية.
العاشر: تشيندورف Constantine Tischendorf أبريل سنة 1844م، وقد استولى على مجموعة كبيرة من الأوراق. ويقول عن نفسه: [ولحسن حظي فقد عثرت على مجموعة أوراق وملازم على الرق من القرنين السادس والسابع]([8]). وقد استقرت هذه المجموعات في مكتبات ليبزج وكمبردج.
الحادي عشر: فورتيون آم Fortune Ame سنة 1873م: كل اللصوص السابقين دخلوا المكتبة من أبوابها، إلَّا هذا الفاضل فإنه قام بالليل وتسلَّل حتى وصل إلى غرفة المكتبة وقام بسرقته الثمينة التي ربما قذفها من فوق السور ولا نعلم بعد ذلك مصيره. ولما جاء بعده الرحَّالة ”جريفيل شستر“ منعه الرهبان من دخول الحصن جملة، وقالوا له عن هذا اللص وكيف استولى على [كل المخطوطات الثمينة]([9])، ويظن إفلين هوايت أنها مخطوطات عربية هامة استقرت الآن في المكتبة الأهلية بباريس.
الثاني عشر: إن كان هناك إنسان من الأجانب قد أسدى معروفًا لدير أنبا مقار فهو بلا شك هذا اللص الثاني عشر، وهو العالِم الأثري الرقيق المشاعر والأحاسيس، الدقيق في أبحاثه واستقراءاته، المخلِص في عمله غاية الإخلاص: ”مستر هيوج. إفلين هوايت“ الذي كان آخر مَنْ دخل المكتبة سنة 1921م، وأخذ من أوراقها التي ظنها من سبقه أنها من المهملات، ولكن بصبره ودقته وعلمه بحثها وترجمها وألَّف عليها كتابًا ضخمًا جملته 300 صفحة من القطع الكبير جدًّا 25×35. وقد قام أيضًا هذا العالِم الأثري بمسح هندسي وتصويري شامل لدير أنبا مقار مع بقية الأديرة الأخرى بوادي النطرون، واستودع بحثه هذا مجلَّدين آخرين هما المجلد الثاني والثالث من كتابه المعروف: ”أديرة وادي النطرون“ على نفقة متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك بأمريكا. وقد جاء عمله هذا من أدق وأصدق الأعمال التي شاهدناها طرًّا، وقد اعتمدنا عليه في معظم أبحاثنا التي قدَّمناها للقارئ في هذا الكتاب. لذلك كم نحن مدينون لهذا العالِم المبارك، وكم نحن مطالبون أن نصلِّي من أجل نفسه ليكافئها الرب عنده. وإنه من المؤسف حقًّا أن ينعي العالم موت هذا العالِم وكتابه مقدَّم للمطبعة في صيف 1924م، فقام زميله ألبرت م. ليتجو Albert M. Lythgoe وأكمل مراجعته وطبعه.
أمَّا الأوراق (المهملة) التي التقطها إفلين هوايت من الغرفة المسحورة للمكتبة التي كانت بالحصن فبعد البحث كشفت لنا عن مواضيع كانت قد عدمت مصادرها باللغة القبطية مثل:
- إنجيل الرؤيا (V).
- رؤيا أنبا بنيامين (XXII C).
- المناظرة مع يوحنا الرابع (XXXIII).
- استشهاد القديس توما الذين من شنتاليت (XVII).
- استشهاد استراثول (XIX).
- استشهاد أبا كراجون وآمون (XX).
- استشهاد بائيسي وتكلا (XXI).
- سيرة أنبا بيجيمي (XXIX).
- سيرة تيموثاوس أليروس (XXXI).
- سيرة أبا هور (XXXII).
- أبوكريفا آدم (I).
ومعظم هذه الأجزاء غير الكاملة وجد أنها تكمل مخطوطات ناقصة في المواضيع الأخرى من المكتبات التي استقرت فيها هذه المخطوطات. وهذه الأجزاء مسجَّلة ومشروحة ومترجمة من صفحة 3 – 273 أي في حوالي 270 صفحة من كتابه الأول.
وتعليقنا على ذلك هو أنه إذا كانت هذه الوريقات المهملة التي تركها أحد عشر مغامرًا من المغامرين الأثرياء الذين نهبوا المكتبة كلها حتى لم يبقَ فيها شيء، قد كشفت لنا عن سير هؤلاء القديسين الذين لم نسمع عن بعضهم قبل ذلك، فكم كانت المكتبة في وضعها الأول الكامل؟؟ وكم كانت أعداد وسير القديسين والشهداء؟؟ إنه أمر عجيب … هل يأتي اليوم الذي يُسمَح لنا فيه باسترجاع مجرَّد صور من مخطوطاتنا الأولى مرة أخرى؟؟
([1]) Correspondance de Peiresc p. 24.
([2]) Hyntingtoni Epistolae No. XXX (ed. Smith p. 69).
([3]) See J.S. Assemani B.O.I..
([5]) Mem. Sur La Vallee dés Lec de Natroun, Description. De I’Egypte: Etat Moderne. I, 279 f.
([6]) Bib. Nazion., di Torino Ser. II, t. XLIII (1893).
([7]) Quarterly Review LXXVII, p. 58.
الذي يقرأ ملاحظات الأجانب على المكتبات القبطية كما وردت في أبحاث إفلين هوايت على لسان الزائرين يظن أن رهبان الأديرة أهملوا في الاحتفاظ بمخطوطاتهم وكانوا جاهلين بفن ترتيبها والبحث فيها. ولكن هذا كله افتراء وتبرير لعمليات السرقة ليظهر هؤلاء وكأنهم أسدوا معروفًا للدير أو الكنيسة أو المسيحية بسرقاتهم ونهبهم لهذا التراث المجيد. ويقينًا أنهم لو كانوا أبقوا على المكتبة كما هي ولم ينهبوا محتوياتها لكانت الآن أقدر وأنسب مئات المرات لبحث ما فيها وتجميع مخطوطاتها المفككة وجمع شمل أوراقها المبعثرة الموجودة الآن موزَّعة على عدة مكتبات في عدة بلاد بل في عدة أقطار.
وما ينبغي أن يعرفه العالم الآن عن المكتبة الديرية أنها كانت منذ البدء في أيدي رهبان مهرة في النساخة والتجليد والترتيب، فالمكتبة كانت تحوي عدة صناديق مخصَّصة للمخطوطات وكل صندوق عليه رقم يشير إلى نوع المخطوطات، وأرقامها وعنوان محتوياتها وبالصندوق من الداخل بيان مكتوب بعدد المخطوطات. والصندوق كان يسمَّى ثيكي Qhkh، ومن هنا جاء اسم المكتبة ”ببليو – ثيكي“ أي صناديق الكتب. وكانت الكلمة تُنطق باللهجة الصعيدية ”وولثيكي“ أو ”الوولثاكي“. ونعلم أن الراهب شنوده (850 – 890م) الذي أقام الإصلاحات الكبير في الدير اهتم بتزويد الكنيسة والمكتبة بصناديق مطعَّمة بالعاج والصدف لحفظ الكتب والأواني([1]).
أمَّا المخطوطة فكان عليها رقمها الخاص داخل الصندوق الذي هو رقم الفرع الذي تتبعه المخطوطة. وهذا نجده بوضوح في المخطوطة الموصوفة في أطلس زويجا بالفاتيكان، وهو عن سيرة استشهاد القديس أباتيل في 16 أبيب، حيث يذكر الناسخ في ختام الميمر ضورة تكميل القراءة بموضوع آخر بذكر رقم مخطوطته ثم رقم الصفحة في المخطوطة هكذا: (بالقبطي) [ثم اقرأ ما في صفحة 143 من المخطوطة 91]([2]).
وكل مخطوطة يوجد بأولها فهرس يحمل عدد الورقات وموقع المواضيع الواردة فيها وبعض تعليمات عن القراءة، وفي آخر كل مخطوطة بيان باسم الناسخ وصاحب المخطوطة وزمن نساختها وربما نوع ورقم النسخة المأخوذة عنها، وهذا البيان الذي في آخر المخطوطة يسمَّى الخاتمة، واسمه العلمي Colophon.
أمَّا بداية الموضوع أو الميمر فيُكتب بالخط الأحمر غالبًا، وفيه ينص الناسخ حسب التعليمات الواردة إليه أو الناقل عنها كيفية قراءة الموضوع وزمن قراءته المناسب ومكان قراءته، ويسمَّى هذا بقانون المخطوطة أو قانون قراءة السيرة، واسمه العلمي Roobric = Rubric . وكانت دائمًا مخطوطات دير أبو مقار لها قانون خاص بها. والمخطوطات الثمينة كان لها جراب إمَّا من الجلد أو الخشب أو الفضة أو الذهب، وبعض من هذه العينات موجودة مع المخطوطات الخاصة بها في مكتبة الفاتيكان ومكتبة المتحف البريطاني، وهي موصوفة بدقة في بحث بقلم العلَّامة بدج([3]). وغالبًا يوجد في المخطوطة إشارة إلى كيفية حفظها ومكانها، فنجد مثلًا في المخطوطة رقم 9 في قسم المخطوطات القبطية بمكتبة الفاتيكان المأخوذة من دير أنبا مقار هذه الإشارة: [لا تُحفظ في الحصن مع بقية الكتب، وينبغي حفظها داخل الكنيسة مع كتب الخدمة] وهذه المخطوطة زمنها سنة 1270م.
نخرج من هذا الوصف بحقيقة واضحة: أن المكتبة كانت موضع اهتمام بالغ يفوق الوصف بالنسبة للرهبان. فكان ولا يزال يشعر كافة الرهبان في كل دير بأن المكتبة هي أثمن مكان في الدير بعد أجساد القديسين الموجودين فيه. وكان الرؤساء وأمناء الأديرة يعطون المكتبة وحفظها الاعتبار الأول في مسئولية الرهبان.
([1]) Hist. of Patr, pp. 330 f.