أثرٌ خالد، نواته الأُولى سنة 360م في عصر القديس أنبا مقار الكبير وبعد أن آل إلى السقوط أُعيد بناؤه في أيام البابا بنيامين الأول الـ 38 في زمن دخول العرب مصر ودشَّنها عام 655م. (دخول العرب مصر كان سنة 641م) والبناء كان على شكل كنائس الأديرة أي يتكون صحنها من قبوين هائلين عرضيين وخورسها الأول كان مكوناً من خمس قباب.
في عهد البابا أنبا بنيامين الأول (623 – 662 م.) ذهب رهبان دير أنبا مقار إلى الإسكندرية وهناك تقابلوا مع الأب البطريرك وعرضوا عليه طلبهم ففرح وجاء إلى الدير فاستقبله الرهبان بالتهليل والألحان وبسعف النخيل ففرح جداً بمقابلتهم وقال: [أشكرك يا ملكي المسيح لأنك جعلتني أنظر أولادي مرة أخرى وهم محيطون بي في كرامتك يا سيدي يسوع المسيح].
وكان الكهنة كلهم والرهبان يمشون أمام الأب البطريرك حتى دخلوا إلى الكنيسة الجديدة التي بنوها.
فقلت أنا في ذلك الوقت: [إني قد حُملت إلى فردوس الله، مجمع الملائكة، فرح القديسين، راحة الصديقين]. ثم استراحوا في ذلك اليوم.
وفي اليوم التالي عند الصلاة لتدشين الكنيسة قال أنبا بنيامين الآتي: [وفيما أنا أشاهد جموع الرهبان والكهنة، إذ بي أرى واحداً منهم ووجهُه يُضيء جداً، يسطع منه بريق، في وسط الكهنة. وكنت أتأمله وقتاً طويلاً، ولم أكن أعلم أنه هو العظيم أنبا مقار أب هذا الجبل الذي جاء في وقت تكريس الكنيسة. بل كنت أفكر قائلاً: ”هوذا مستحقٌ أن يكون أباً لشعبٍ وراعياً لخراف. إذا أراد الرب وخلا كرسي (إحدى الإيبارشيات) فإني أجعله أباً عليه، لأن هذا الرجل قديس ويليق به هذا الأمر وهذه الأبوة تصلح للكاملين بهذا المقدار“.
وفيما كنت أتفكَّر بهذه الأمور وفي ذلك القديس، إذا بشاروبيم ذي ستة أجنحة وقد ظهر مقابلي وقال لي: ”يا أسقف، لماذا تخطر هذه الأفكار في قلبك؟ هذا هو أبو مقار أب البطاركة والأساقفة، هذا هو لابس الروح أب الرهبان كلِّهم الذي لهذا الجبل“، أما أنا فقد صرت داهشاً وأنا أنظره في وسط بنيه يفرح معهم. وكان صوت ذلك الشاروبيم يطنُّ في مسامعي، وقد خفت منه. ثم قال لي ذلك الشاروبيم: ”إذا سلك أولاده الطريق المستقيم وسعوا السعي الملوكي الذي مشى فيه أنبا مقار والذي علَّمه لهم، فإنهم يدخلون معه في طريق الملك ويفرحون معه في دهر الأنوار. وإذا لم يسمعوا منه ولم يتبعوا وصاياه فليس لهم معه نصيب لكنه يطردهم من قطيعه ولا يكون لهم نصيب في ميراثه“. فأجاب البار أنبا مقار بتحنن ومحبة لبنيه: ”يا سيدي، لا تقطع على أولادي بهذا. لكن إذا بقي في العنقود حبَّة واحدة، قيل إنه لا يهلك، لأن بركة الرب تكون فيه. وأنا أومن بالمسيح حبيب نفسي أنه إذا وجد في أولادي وصية واحدة لله التي هي محبة الإخوة بعضهم لبعض والرأفة لكل أحد أو وصية أخرى من الوصايا، أو يرفعوا عيونهم إلى السماء إلى المسيح ملكنا يسوع دفعة في كل يوم، فأنا أومن بصلاحه أنه لا ينسى تعبهم بل يخلِّصهم من العذاب الأبدي. لأن محبة الرب تسهِّل التوبة للخاطئ ولا تريد أن الخاطئ يموت في خطيته بل يرجع ويحيا بالتوبة“.
وحينئذ لما سمعتُ هذا الكلام من رجل الله أنبا مقار علمت أنه محب لأولاده بالحقيقة. هذا هو مقار الحقيقي المكرَّم عند الله والناس. فأجبت حينذاك وقلت: ”طوباك يا أنبا مقار، طوبى لطغمتك، طوبى لبنيك لأنهم استحقوا أن تكون أنت طالباً عنهم أمام منبر الله الآب ووحيده الابن ربنا يسوع المسيح والروح القدس إذا جاء ملكنا وإلهنا يسوع المسيح في مجيئه الثاني ليعطي كل واحد كنحو عمله. بالحقيقة إنك أنت أنبا مقار الذي خلَّصت أنفس كثيرين … اذكرني يا قديس الله“.
فقال باسيليوس وأغاثون القس: ”يا أبانا مَنْ تخاطب؟“ فقلت لهم: ”يا إخوتي، أنا أتكلَّم مع أنبا مقار النبي، أب هذا الجبل، لكن يوجد زمان للكلام ويوجد زمان للسكوت“. وصعدت إلى المذبح وقلت صلاة الميرون المقدس. ولما أخذتُ الميرون المقدَّس لأنقِّط منه على المذبح المقدس، سمعت صوتاً يقول: ”تأمل يا أسقف“، وفيما أنا أقطر على المائدة نظرت يد المخلِّص تمسح المذبح. وللوقت اعتراني خوف ورعدة حتى قلت مع يعقوب أب الآباء: ”إن هذا الموضع مخوف وهوذا بيت الله وهذا محله وموضع راحة العلي“ وحينئذ لمَّا تطلَّعنا إلى أنبا بنيامين رأيناه وقد صار كله ناراً ووجهه يضيء جداً بالنور، ولم يجسر أحد منا أن يتكلَّم معه، لكن كنَّا قائمين بهدوء. فأجاب هو وقال: ”هذه مظلة (خيمة) الآب والابن والروح القدس“ وكان يدور حولها قائلاً ثلاث مرات: ”الليلويا“. ثم رتَّل قائلاً: ”مساكنك محبوبة يا رب إله القوات ملكي وإلهي. تشتاق نفسي وجسدي إلى دخول ديارك. مذابحك مقدَّسة أيها الرب إله القوات ملكي وإلهي إلى أبد الآباد“.
ولما كرَّز القبة خرج إلى الشعب وكرَّز الأعمدة والجدران ثم عاد وجلس في القبة وأجابنا قائلاً: قد حُملتُ اليوم إلى فردوس الرب إله الصباؤوت وسمعت أصواتاً لا يُنطق بها ولا تخطر على قلب بشر كقول الحكيم بولس. صدِّقوني يا إخوتي إنني نظرتُ مجد المسيح اليوم وقد ملأ القبة. ونظرتُ بعينيَّ الخاطئة الذراع غير المرئي واليد العالية، نظرت يسوع المسيح يمسح مائدة هذا الموضع المقدس. ورأيت أيضاً الشاروبيم والسارافيم والملائكة ورؤساء الملائكة ورؤساء الكهنة وقوات العلاء كلَّهم يسبِّحون الآب والابن والروح القدس في هذه القبة اليوم. ورأى أب البطاركة والأساقفة أب كلِّ معلِّمي البيعة الأرثوذكسية قائماً في وسطنا اليوم يفرح وسط أولاده، أعني العظيم أنبا مقار بالحقيقة إن كرسي الله الضابط الكلِّ أبي ربنا يسوع المسيح والروح القدس فوق هذا الموضع المقدس. بالحقيقة هذا هو المذبح الذي تكلَّم النبي من أجله قائلاً: ”يكون مذبح للرب في أرض مصر وعمود الرب في قُراه المقدَّسة“. قوموا الآن يا أولادي لنكمِّل الخدمة المقدسة ونأخذ بركة آبائنا ونمجد الله العلي.
ولما أكملتُ الخدمة وفيما أنا أقرِّب الكهنة، إذ رأيت أيضاً نعمة عظيمة لا يجب أن نخفيها: لما أتيت لأُقرِّب (أناول) الشيوخ رأيت صفوف الشيوخ كلهم تلقي دخاناً إلى فوق القبة. وهكذا انفتح سقف الكنيسة وصعد دخان البخور إلى السماء. وكنت أفكر أن واحداً من الآباء يرفع البخور حتى يتناول من الأسرار المقدسة التي لابن الله العلي بشكر. فلما تأملت وإذا أولئك الشيوخ يصلون وبخور خارج من أفواههم صاعداً إلى السماء. فعلمتُ بالحقيقة أنهم يقولون صلوات وطلبات قبل أن يأخذوا الأسرار المقدَّسة أي الجسد والدم الكريم اللذين للمسيح. ونظرتُ صلوات القديسين والملائكة تستقبلها وتُصعدها أمام كرسي الله. وأنا عندما نظرت هذه الأعمال هكذا، مجَّدتُ ملكنا المسيح، الذي جعلني مستحقاً للرؤيا العظيمة هكذا. وكنتُ داهشاً من أجل الذين رأيتهم كلهم].
وقد دُشِّنت كنيسة أنبا مقار بعد تجديدها في عهد قداسة البابا شنوده الثالث في يوم الأحد الموافق 1 كيهك 10 ديسمبر عام 1978م.
– حجاب الهيكل:
الصورة التي بأعلى حجاب هيكل أنبا بنيامين هي صورة حديثة تُصوِّر المسيح جالساً وسط تلاميذه في العشاء الأخير.
حشواته وأبوابه منقوشة بالحفر البارز على الخشب على الطراز العربي. يرجع تاريخها إلى القرن الحادي عشر من العصر الفاطمي أي من بعد عام 1096 تقريباً.
أعلى حجاب الهيكل عقد خشبي عالٍ متسع كُشف عنه أخيراً وهو مُزيَّن بتسع أيقونات بعضها مطموس والآخر يصوِّر مراحل تكفين المسيح بواسطة القديس نيقوديموس (الأيسر) ويوسف الرامي (ناحية اليمين) المكتوبة أسماؤهم بالقبطية، ويرجع تاريخها إلى منتصف القرن الحادي عشر.
الأيقونة المقابلة لها من الناحية الأخرى تصوِّر نفس الشخصين يحملان الجسد المكفَّن. في هذه النقوش السابقة يُخلِّد الفنان القبطي التقليد المذكور في كتاب الميرون أن التلاميذ بعد القيامة أخذوا 400 رطلٍ من المر والصبر اللذين استعملهما نيقوديموس ويوسف وصنعوا منها أول ميرون مُسِحَ به المؤمنون الجدد يوم البنتيقستي وكذلك إشارة إلى أن الميرون قديماً كان يكرَّس في هذا المكان
منظر آخر من قبلي وهو الذي انطمس جزؤه العلوي، يظهر فيه رؤوس ثلاثة أشخاص يبدو أنهم جالسون. الأوسط والأيمن حسب الكتابة الموجودة عليهما هما يسوع وبطرس وعلى اليسار امرأة أو فتى حديث السن ربما يكون يوحنا الإنجيلي حسب رواية إنجيل يوحنا 21: 20.
صورة غالبيتها ممحُوَّة وربما تُظهِر الصورة أن الرب واقفٌ بجوار مريم المجدلية وقت قيامته المقدَّسة.
صورة أخرى توضِّح الملاك ميخائيل الذي كان جالساً عند القبر يظهر لمريم المجدلية وقت القيامة المقدسة.
– داخل هيكل أنبا بنيامين:
قبة هيكل أنبا بنيامين:
قبة هيكل أنبا بنيامين قطرها ثمانية أمتار على طوبة واحدة، تُعتبر أقدم قبة في كنائس مصر كلها، كانت متداعية لولا تدعيمها بالخرسانة المسلحة للحفاظ على هذا الأثر الرائع.
شرقية الهيكل: وهي تجويف نصف دائري ينتهي من أعلى بعقد مدبب حافته مكسوة بالخشب. هنا كان يجلس الأب البطريرك، وهنا كان مجلس خادم الأسرار. وفي هذه الشرقية كانت توجد منصَّة التجليس وهي من ثلاث درجات تمتد بطول الحائط. وقد ذُكر مرتين أنه في الاحتفالات التي تبعت تكريس الميرون كان يوضع الميرون المقدَّس على منصَّة التجليس؛ ولابد أنه كان يوجد وقتئذ مكان لإخفائه في المنصَّة كما هو موجود الآن بكنيسة أنبا بيشوي. وكالعادة كانت المنصَّة مزوَّدة بكراسي الأساقفة والكهنة الحاضرين في الهيكل.
صورة الشاروبيم الأثرية ترجع للقرن التاسع:
يوجد أسفل قبة هيكل أنبا بنيامين رسم رائع على الزاوية البحرية الشرقية للهيكل في هذا المكان المثلث الشكل اكتُشف رسم رائع للشاروبيم رأسه رأس إنسان تحيط به هالة نورانية، وشعر الرأس الغزير يحدِّده قوس صغير، اليدان بشريَّتان ممدودتان ربما في وضع عبادة رغم أن المرفقين ملتصقان بالجنبين. الجسم بيضاوي يماثل شكل طائر، خاصة مع الرجلين، وينتهي بطرف غريب على شكل بيضاوي. ومن الكتفين يخرج زوج من الأجنحة المنبسطة تشغلان الزاويتين الخارجيتين للبطنية المثلثة الشكل. سطح الجناح يبدو خفيف الريش قرب الجسم ولكن عند الأطراف يبدو مرصَّعاً بعيون دائرية، وهو تصوير مدهش لما يُعرَف عند الأقباط بالشاروبيم أو الساروفيم، ويبرز من خلف الكتف الأيسر رأس ثور والكتف الأيمن رأس أسد، ويطل من فوق الهالة رأس نسر، وبين الهالة والجناح الأيسر تُرى رأس إنسان باهتة. والشكل مصوَّر على مثال ”الأربعة المخلوقات الحيَّة“ التي رآها حزقيال النبي (1: 5؛ 5: 10). لكن الأهم من ذلك هي أنها تصور فكرة الأقباط عن الشاروبيم الذي كان ملازماً للقديس أنبا مقار طيلة حياته، والذي ظهر حقيقة للبطريرك أنبا بنيامين الأول أثناء تكريس هذا الهيكل، وربما كان هذا الرسم تخليداً لهذا الظهور. أكثر من هذا، فالشاروبيم ذو الأربعة الوجوه الذي كان مرافقاً لأنبا مقار كان يُعتبر رمزاً للأربعة الأديرة بوادي النطرون. كما أن القديس أنبا مقار قد ركَّز في إحدى عظاته على الشاروبيم بدرجة ملحوظة. من أجل هذا لم يفت على الرسَّام الذي رسم هذه الصورة أن يصوِّر الشاروبيم في أركان الهيكل الأربعة وكأنه يحمل قبة هيكل أنبا مقار.
رسم فرسكو:
هذا الرسم الفرسكو اكتُشِفَ أثناء إزالة بياض الحائط الغربي للهيكل في حركة الترميم الأخيرة سنة 1976م. وهو يمثِّل السيد المسيح جالساً على كرسي مجده في الدينونة الأخيرة يحيط به ملاكان ثم الرسل فالإنجيليون فالشهيد استفانوس وأسفلهم الشهداء إقلاديوس ومار مينا العجائبي.
وفي أقصى الطرف القبلي يمثِّل القديس يوحنا المعمدان وهو يشير إلى الحمل.
والحمل كرمز للمسيح واحد من الرموز المحبوبة والمتداولة في كل عصور الفن المسيحي. وكثير من الفقرات الكتابية تشهد لهذا الرمز. أمَّا الشاهد الأساسي فهو إنجيل يوحنا: «وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 29:1). والحمل المقدَّس يُرسم بهالة حول الرأس وأحياناً يُرسم واقفاً على جبل صغير ينبع منه أربعة ينابيع ماء: «ثم نظرت وإذا خروف واقف على جبل صهيون ومعه مئة وأربعة وأربعون ألفاً لهم اسم أبيه مكتوباً على جباههم» (رؤ 1:14).
وتعتبر هذه الفرسكات السابقة من أقدم الصور في الفن القبطي التي تمثل السيد المسيح في هذا الوضع. وهي ترجع إلى أوائل القرن التاسع وترجع أيضاً إلى زمن تجديد أنبا ياكوبوس البابا الخامس والخمسون لهيكل أنبا بنيامين عام 830م. تذكاراً وتخليداً للرؤية العجيبة التي شاهدها أنبا بنيامين ونقلتها لنا مخطوطة تكريس الكنيسة، إذ يقول هذا البابا القديس: ”صدِّقوني يا إخوة، إنني نظرت مجد المسيح اليوم وقد ملأ القبة ونظرتُ بعيني الذراع غير المرئية واليد الغالية. نظرت السيد المسيح يمسح مائدة (أي مذبح) هذا الموضع المقدس“.
وفي سنة 1976 أيضاً عند إزالة بياض الحائط الغربي للهيكل عُثر في الجهة البحرية على رسم يمثل الشهيدين أنبا مينا وأنبا إقلاديوس وبجوارهما صلاة توسُّلية باللغة القبطية هذا نصها مع الترجمة:
[(يا) إله الأرواح ورب كل جسد
يسوع المسيح ربنا، لتعطِ نياحاً لنفس
عبدك أيوب المسكين ابن أنبا مقار
احسبه في مصاف قديسيك في ملكوتك.
ومَنْ يقول آمين فلينل بحسب البركة.
آمين، آمين].
نوافذ مربعة:
من المصيص لكل نافذة ستة صلبان مفرغة مطعمة بالزجاج الأخضر.
ونوافذ أخرى لها شكل نصف بيضاوي من المصيص المفرغ والمطعم بالزجاج الملون لها أشكال جميلة عبارة عن ثلاث دوائر في كل شباك وكان بين هذه الشبابيك توجد صور لأربعة وعشرين شيخاً جالسين على عرش عالٍ ويمسك كل واحد في يدِهِ جامة بشبه كأس وكان يوجد اسم كل واحد مكتوباً تحت صورته، ومعظم هذه الصور صارت باهتة جداً، وكان لكل واحد هالة، وكان وجه كل واحد عبارة عن قطعة خشب دائرية الشكل مثبَّتة في مكان الرأس ومن الملاحظ أن وجوههم بغير لِحيً وبدون أية سمة تدل على أعمارهم.
هيكل يوحنا المعمدان بحري هيكل أنبا بنيامين.
الصورة التي بأعلى الحجاب (تعبِّر عن معمودية المسيح) والفنان لم ينس أن يعبِّر بريشته عن طقس الكنيسة القبطية الأصيل وهو المعمودية بالتغطيس، كما لم ينسَ أن يُظهر في الصورة الطيور وهي تقف على الأشجار والسمك في الماء والملائكة وهي تحمل المنشفة وكأنها تقف متعجِّبة تسبِّح وتهلل وتغرِّد بطريقتها للخالق الذي تنازل وأخذ شكل العبد.
والصورة مرسومة بريشة أحد رهبان الدير الحاليين عام 1977م ومنقولة عن مخطوط قبطي لمطران دمياط في القرن الثاني عشر (مخطوط باريس قبطي 13).
أبواب هيكل يوحنا المعمدان وحشواته من خشب الأثري المطعم بالعاج الأبيض. ومنقوشة بالحفر البارز ترجع إلى القرن الحادي عشر وبعض منها إلى القرن الثالث عشر.
***
وقد حَمَلَت كنيسة أنبا مقار كرامة رسولية عظيمة عندما حُمِلَت إليها رأس القديس مرقس الرسول ودُفنت في هذا الهيكل (هيكل يوحنا المعمدان) في القرن الحادي عشر في زمن البابا زخارياس الـ 64 (1004-1032م). ومنذ ذلك التاريخ أصبح اسم مار مرقس يتبادل مع اسم يوحنا المعمدان لهذا الهيكل.
داخل هيكل القديس يوحنا المعمدان ومار مرقس الرسول:
– بأعلى ناحية الشرقية توجد أيقونة الشفاعة: حيث يُرى السيد المسيح في وضع البركة والسيدة العذراء (يمين المسيح) والقديس يوحنا المعمدان (يسار الناظر للأيقونة) في وضع التضرُّع والشفاعة.
– كما تعلو الأيقونة السابقة أيقونة نرى فيها هارون ممسكاً بالمجمرة وبدرج البخور.
– وأيضاً من أعلى المقبب يُرى موسى النبي متقبلاً لوحي العهد.
– عند الطرف البحري للحائط الشرقي بالكاد تُشاهَد الأجزاء العُليا لأربعة أشخاص أقل قليلاً من الحجم الطبيعي، وبسبب ما أصابهم من تشويه لا نقدر أن نصفهم بأكثر من اثنين، وربما الأربعة يرتديان عباءة ثمينة مطرزة مفتوحة من أمام ومعلقة مستقيمة على الكتفين. أما شخصيتهما فتحددها الكتابة القبطية الباهتة باللون الأبيض على إطار أحمر! الأول هو حنانيا والرابع ميصائيل. وبالتالي تكون الشخصيتان الثانية والثالثة هما عزاريا والشخص الرابع الذي ظهر مع الثلاثة فتية شبيهًا بابن الله.
– هذا وقد سقطت قبة هذا الهيكل منذ القرن الرابع عشر وظلَّت هكذا حتى مطلع القرن العشرين حينما بُنيت عام 1912م وقد تعرَّضت هذه الأيقونات لعوامل المطر والرياح ما أثَّر على جمالها ورونقها.
الجهة القبلية لهيكل يوحنا المعمدان يُرى إشعياء النبي وهو يتقبَّل من السيرافيم جمرة النار التي يمسكها بملقط ليُطهِّر بها شفتَيْ إشعياء: « فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ». فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ. وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ» (إش 6: 5-7).
– وعلى يمين المقبب يُرى رسْم ملكيصادق ملك ساليم يُعَضِّدُ إبراهيم بخبز وكأس خمر بعد عودته من كسرة كدرلعومر.
– ومن أسفل هذه المقبببات يوجد أيقونة لآباء الرهبنة:
هنا القديس أنبا باخوميوس وأنبا شنوده بينهما لوح وترجمة المكتوب فيه تقول: ”هذه هي قوانين ومبادئ الرهبنة“.
– أيقونة لأنبا بولا أول السواح، والأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان وشفعاء الطريق الرهباني.
– صورة القديس أنبا مقار مع الشاروبيم: عن هذه الصورة أُخذت صورة أنبا مقار الآن ويُلاحَظ حركة يديه الشهيرة.
– أحد الشخصيات التي لم يُعرف عن مَنْ هو الذي اختاره الرسَّام لهذه الشخصية.
– رسم فرسكو في دائرة تُعبِّر عن أحد الإنجيليين
– صورة أخرى في دائرة تقابلها على نفس الحائط تُعبِّر عن أحد الإنجيليين، كما ربما يكون على الحائط المقابل ما يماثلهما من الإنجيليين الآخرين.
– فرسكو يعبِّر عن حوادث الميلاد: فنحن نرى في هذا الرسم الملاك الذي يرشد المجوس لكي لا يعودوا إلى هيرودس. وإلى اليمين من الصورة نرى راعيين في شكل صغير يتحادثان كما توجد الملائكة التي تطير مبتعدة باتجاه السماء الزرقاء ذات النجوم البيضاء، كما يوجد في نصف الصورة نجم كبير هو نجم بيت لحم.
– فرسكو يمثل نياحة العذراء ورفع جسدها إلى السماء: فنحن نرى امرأة جالسة أو متكئة بوجهها نحو الوسط وأمامها إلى اليمين تقف شخصية لم يتم التعرُّف عليها، وخلفها شخصيتان في وضع أفقي يبدو أنهما يحملان شخصاً كبيراً لم يبقَ منه سوى جزئه السفلي المغطى بثوب أحمر قاتم. والمرجَّح أن هذا الرسم يمثل نياحة العذراء وصعود جسدها. فالجسد الراقد هو للعذراء، والذي عن اليمين هو الجسد الصاعد والملائكة تحمله إلى الأعالي.
– في الجانب البحري الشرقي نرى منظر للبشارة فإلى اليسار جبرائيل رئيس الملائكة وكأنه شاب حَدَثٌ بدون لحية على رأسه هالة نورانية يرتدي لباساً أبيض وإلى اليمين العذراء مكتوب فوقها بالقبطية (القديسة مريم)، جالسة على كرسي مرتفع وهي ترتدي لباساً أحمر وعلى رأسها هالة من النور.
– يعلو عقد الجانب القبلي الشرقي منظر بالفرسكو لبشارة الملاك لزكريا الكاهن. فزكريا الكاهن معه مجمرة يبخر بها على يمين الناظر للصورة ووجهه متجه ناحية الملاك، ومن ناحية اليسار نجد جبرائيل الملاك بنفس صورته الأولى التي رُسم بها في بشارة العذراء مريم.
– رسم لحلم يعقوب يصور يعقوب شاباً حدث السن يرتدي قميصاً أبيض وفوقه ملابس حمراء في وضع نصف راقد، يبدو السلم أمامه كما لو كان يستند على العقد نفسه صاعداً إلى فتحة في السماء هلالية الشكل، وهي مشتركة بين هذا المنظر والمنظر الذي على الجانب الآخر السابق شرحه. وعلى السلم هيئة ملاكين، وقرب نهايته شخص صغير بهالة نورانية يُفترض أنه يمثل الرب، تحيط به هالة بيضاء.
– فرسكو يمثل إبراهيم وهو يذبح ابنه إسحق ويظهر ملاك الله في هيئة نصفية داخل إطار بيضاوي يمنعه من أن يباشر العمل. وبعيداً إلى اليسار يمكن تمييز الغابة والكبش الموثق بقرنيه. وفي الناحية اليسرى من الصورة اثنان من غلمان إبراهيم وأمامهما حمار عليه بردعة حمراء.
هذه الفرسكات ترجع تاريخها إلى القرن الحادي عشر وهي فريدة من نوعها في جميع كنائس مصر على وجه الإطلاق بشهادة علماء الآثار والأيقونات القبطية.
في أعمال التجديد عام 1976م رُفِعَت كميات الأتربة والرديم للوصول إلى أرضية الكنيسة الأصلية وكانت على عمق متر تقريباً فظهر هذا القبو القديم واكتُشِفَ فيه رفات القديس يوحنا المعمدان وأليشع النبي مع عظام قديسين آخرين، فرُفِعَت بإكرام ووُضِعَت في هذه المقصورة الرائعة تأكيداً قوياً لما نقلته لنا المخطوطات القديمة، وشهادة حيَّة لصدق التقليد الممتد بأن رفات يوحنا المعمدان وأليشع النبي حُملت من فلسطين أيام البابا أثناسيوس الرسولي في القرن الرابع وبُنيَت لهم كنيسة عظيمة بالإسكندرية في أيام البابا ثاؤفيلس الـ 23. ثم نُقلت إلى دير أنبا مقار في زمن الاضطهاد الذي تمَّ في القرن العاشر.
لقد استمر التقليد الشفاهي المتواتر بين شيوخ الدير حتى عام 1969م حينما قَدِمَ الأب القمص متى المسكين مع رهبان وادي الريان (12 راهباً) إلى دير القديس أنبا مقار – بأن هناك بجوار الحائط البحري للكنيسة (يسار الناظر إلى هيكل يوحنا المعمدان) عموداً صغيراً بارزاً، توجد تحته مقبرة القديسَيْن يوحنا المعمدان وأليشع النبي مع أجساد قديسين آخرين. وبسبب هذا التقليد عينه كان شيوخ الدير القدامى يرفعون البخور أمام هذا العمود، تكريماً للقديسين المدفونين إلى جواره، بالرغم من اختفاء معالم المقبرة، وهنا نشير إلى صلابة التقليد وتفوُّقه على كل عوامل الزمن.
وفي الصوم الكبير من عام 1976م بدأت عمليات ترميم وتوسيع كنيسة أنبا مقار كما قاموا برفع كميات الرديم الهائلة للوصول إلى الأرضية الأصلية. وإذا ببروز يظهر في جانب الحائط البحري على شكل قبو مغطى ببياض أزرق، فعندما رُفِعت طبقة البياض وُجِد صندوق طويل يزيد طوله عن مترين، اتضح فيما بعد بحسب ما ذكره العالِم القبطي إقلاديوس لبيب عام 1909م ونقلاً عن رواية الرهبان آنذاك، أن الجثمان الموجود في هذا الصندوق هو للقمص يوسف رئيس الدير وشقيق البابا ديمتريوس البطريرك المائة والحادي عشر (1862 – 1870م). فرفعناه وبدأنا نجد أسفله على مسافة أكثر من متر ونصف عظاماً، البعض منها هياكل كاملة مرتبة حسب الطقس القبطي (وهو أن تكون الرأس جهة الغرب والأقدام جهة الشرق) بحسب شهادة القمص مينا المقاري وبقية الآباء الذين كانوا مرافقين له أثناء نقل العظام – وبعضها كان مرصوصاً بجانب البعض. فكنا نحفظها بكل هيبة ووقار عالمين أننا أمام كشف هام وخطير. ولوحِظَ وجود تراب في المنطقة لونه أحمر، يُرجَّح أنه خشب متحلل مما يفيد أن هذه الرفات نُقلت في صناديق خشبية، وأغلب الظن كانت أسماء أصحابها مكتوبة عليها، ولكن ذابت من قِدَم العهد. علماً بأن الصندوق الطويل السابق التنويه عنه كان على السطح وفوق مستوى الأرض الأصلية. أما العظام فكانت على عمق. وقد جمعناها باحترام وتوقير شديد. وكان ذلك أثناء الصوم الكبير والآباء كلهم صائمون – وقد وُضِعَت مؤقتاً في صندوق عادي إلى أن يُعمل لها مقصورة لائقة.
وحينما قام غبطة البابا شنوده الثالث بزيارة الدير يوم ثلاثاء البصخة المقدسة من نفس العام (أبريل سنة 1976م) أبلغه قداسة الأب متى المسكين بنبأ العثور على هذه المقبرة التي يشير التقليد أنها للقديسين أليشع النبي ويوحنا المعمدان، وطلب من قداسة البابا البقاء بالدير يوماً واحداً حتى يرفع بيديه العظام المقدسة خصوصاً وأن المناسبة كانت لائقة جداً ولكن البابا اعتذر. وقد طلب غبطة البابا من الأب متى أن يُعلن هذا النبأ متسائلاً: لماذا لم يُعلَن الاكتشاف بعد؟ فأجاب الأب متى المسكين أن الأدلة غير كافية حتى ذلك الوقت فردَّ عليه غبطته: إنه لا يوجد ما ينفي ذلك.
ومنذ ذلك الحين بدأ الدير في إعداد كنيسة أنبا مقار ومقصورة خاصة لوضع رفات هذين القديسين مع باقي قديسي الدير، إلى أن أُعلن في صحيفة الأهرام يوم الاثنين الموافق 13 نوفمبر سنة 1978 عن هذا الاكتشاف دون أن يطلب الدير ذلك أو يسعى إليه.
ويقول سنكسار الكنيسة القبطية في يوم 2 بؤونة الآتي عن تذكار ظهور جسدي القديسين العظيمين أليشع النبي ويوحنا المعمدان:
في هذا اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار ظهور جسدي القديسين العظيمين يوحنا المعمدان سابق السيد المسيح والبار أليشع النبي تلميذ الصدِّيق إيليا النبي بمدينة الإسكندرية. وذلك أنه لما قصد يوليانوس الكافر أن يبني هيكل أورشليم بعدما هدمه فسباسيانوس وابنه تيطس قاصداً بسوء رأيه أن يُبطل قول الرب الذي ورد في الكتاب المقدَّس: «أنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا يُنقَض» (مت 34: 3). لذلك أمدَّ اليهود بالمال لكي يعيدوا بناءه وأوكَلَ ذلك إلى شخص استطاع أن يدعو اليهود سراً إلى معاونته، فاجتمع كثير من الرجال والنساء والشيوخ والشبان. فلما شرعوا في البناء بدأوا يحفرون الأساس بهمة وينقلون الأتربة والأحجار بعضهم بالمقاطف والبعض الأخر بأطراف أرديتهم وكان القديس كيرلس أسقف أورشليم يهزأ بعملهم هذا.
ولما انتهوا من رفع حجارة الأساس القديم وهمُّوا بوضع الأساس الجديد حدثت زلزلة عظيمة ملأت الحفر ترابا وبدَّدت أدوات البناء وقتلت بعض الفعلة فلم يرتدع اليهود بهذا وعادوا إلى العمل مرة ثانية. حينئذ خرجت من جوف الأرض كرات نارية ورشقت الفعلة بالحجارة التي عزموا على وضعها في الأساس فكفوا عن البناء. فآمن كثيرون بسبب ذلك خصوصاً وقد تمَّت نبوة السيد المسيح بأيديهم عن نقض بناء الهيكل من أساسه. وقد أورد هذه القصة غريغوريوس الثيؤلوغوس و يوحنا ذهبي الفم. كما ذكرها عرضاً أحد المؤرِّخين اليهود في القرن الخامس.
ولكن اليهود قالوا للملك: ”إن السبب في ذلك هو وجود أجساد أئمَّة النصارى في هذا المكان ويجب رفعها منه، وإلا فلن يُبنَي الهيكل“. فأمر يوليانوس بإخراج أجساد القديسين من المكان وإحراقها. ولما أخرجوا جسدي القديسين يوحنا المعمدان وأليشع النبي لحرقهما تقدم بعض المؤمنين إلى الجند وأعطوهم مبلغاً من الفضة وأخذوا الجسدين وأتوا بهما إلى القديس أثناسيوس بابا الإسكندرية فسُرَّ بذلك ووضعهما في مكان خاص إلى أن يبني لهما كنيسة.
وفي أحد الأيام كان البابا أثناسيوس الرسولي جالساً في البستان ومعه كاتبه ”القس ثاوفيلس“ الذي أصبح البابا ثاؤفيلس، الذي خلفه على الكرسي فقال له: ”إن أطال الرب أجلي سأبني في هذا الموضع كنيسة على اسم هذين القديسين يوحنا المعمدان وأليشع النبي وأضع جسديهما فيها“. ولما جلس البابا ثاؤفيلس على كرسي الكرازة المرقسية تذكَّرَ الكلام الذي قاله البابا أثناسيوس (296-373م) وبنى كنيسة باسم القديس يوحنا المعمدان في مكان المعبد الوثني القديم المشهور باسم السرابيوم بالإسكندرية، وموقعه حالياً بحي كرموز عند عامود السواري، (ومصادر أخرى عربية تقول إن كنيسة القديس يوحنا المعمدان كانت في الموقع الذي يوجد فيه حالياً مسجد النبي دانيال، ولكن الرأي الأول هو الأرجح) ونُقِل إليها الجسدان الطاهران وقد حدث وهم سائرون بالجسدين أن عبروا أمام بيت امرأة وثنية لها أربعة أيام متعسِّرة في الولادة فسمعت ضجة الاحتفال، ولما علمت السبب نَذَرَت قائلة: يا قديس الله يوحنا إذا نجوتُ من هذه الشدة صرتُ نصرانية ولم تتم كلمتها حتى وضعت ولداً فأسمته يوحنا ثم تعمَّدت هي وأهل بيتها، أما الجسدان فقد وضعوهما في الكنيسة. وقد ظهرت منهما عجائب كثيرة، أما يوليانوس الكافر فكانت نهايته كما يأتي:
عزم على القيام بحرب ضد سابور ملك الفرس فقابله القديس باسيليوس الكبير واضع القداس، وبعض الأساقفة فقال لهم لماذا حضرتم؟ أجابه باسيليوس: ”أتينا نطلب راعياً“ فقال له بتهكم: ”وأين تركتَ ابن النجار؟“ فأجابه بشهامة وإباء: ”تركناه يصنع لك تابوتاً لأنك فقدتَ كل عِلْم ومعرفة“ قال له يوليانوس: ”قد قرأتها وحفظتها“ فرد عليه باسيليوس: ”ولكنك لم تفهمها“. فاغتاظ يوليانوس وأمر بالقبض عليهم ليقدمهم للموت بعد رجوعه فقال له: ”لن تعود، وإلا فلن ينطق الله على فمي“. وفي الحرب أصاب يوليانوس سهم في كبده.
وقال ثيؤدوريتس في تاريخه الكنسي: لما طُعِنَ ذلك الملك الكافر تلقَّى في كفيه الدم المتدفِّق من جنبه ونثره نحو السماء قائلاً: ”لقد قهرتني يا ابن مريم“ فتمَّت فيه نبوة القديس باسيليوس، ونجت الكنيسة من شرِّه.
هذا الهيكل اكتُشفَ حديثاً في وقت الترميم لكنيسة أنبا مقار:
هذا الهيكل قد أُضيف إلى الكنيسة مؤخراً عام 1976، أثر اكتشاف أرضيته الأصلية الممتدة قبلي هيكل بنيامين واكتشاف حائطه الأصلي الذي يرجع إلى القرن السابع الميلادي. زمن تكريس الكنيسة الكبرى عام 655م.
قام بتدشين هذا الهيكل قداسة البابا شنوده الثالث عام 1978م على اسم أنبا مقار والثلاثة فتية القديسين وذلك عندما دشَّن الكنيسة بعد التجديدات التي تمَّت.
صورة الثلاثة فتية القديسين:
رسم حديث عن صورة أثرية بدير باويط بصعيد مصر القرن الرابع إلى السادس الميلادي، مكتوب على الصورة: [سبحوه وزيدوه علواً إلى الأبد] بالقبطية والعربية، وهي التسبحة التي كان يسبِّح بها الفتية الثلاثة إلههم وهم في وسط الأتون.
أبواب هذا الهيكل بها حشوات قديمة ترجع إلى العصر الفاطمي أي القرن الحادي عشر (تقريباً سنة 1000م).
– اكتشاف ثلاث درجات مزخرفة بالهيكل:
ظهرت هذه النقوش الرائعة والتكوينات الزخرفية على درجات ثلاث في شرقية الهيكل أرجَعَ العلماء تاريخها بين القرنين الرابع والسادس الميلادي.
سلم خشبي حديث أُخذت زخرفته من النقوش القبطية الأثرية القديمة وهو يؤدِّي إلى القلاية التي يوجد فيها جرن ربما كان معمودية في السابق ولكنه حالياً غير مستخدم.
في الجهة البحرية من الخورس الثاني من الكنيسة توجد أجساد الثلاثة مقارات القديسين: أنبا مقار الكبير ثم أنبا مقار الإسكندري، ثم أنبا مقار الأسقف والشهيد.
أما المقصورة الموضوعة أسفل الثلاثة أجساد فهي تحوي أجساد عشرة من الآباء البطاركة ثمانية منهم من رهبان الدير وأسماء الـ 10 بطاركة هي:
1 – أنبا خائيل الثالث البطريرك 56 ومدة بطريركيته من سنة 880-907م في العصر العباسي وهو راهب من دير أنبا مقار.
2 – أنبا غبريال الأول البطريرك 57 ومدة بطريركيته من سنة 909-920م في عهد الدولة الطولونية وهو راهب من دير أنبا مقار.
3 – أنبا مكاريوس الأول البطريرك 59 من سنة 932-952م في عصر الدولة الإخشيدية وهو أحد رهبان دير أنبا مقار.
4 – أنبا كيرلس الثاني البطريرك 67 من سنة 1078-1092م في عهد الدولة الفاطمية وهو أحد رهبان دير أنبا مقار.
5 – أنبا ميخائيل الأول البطريرك 68 من سنة 1092-1102م في عهد الدولة الفاطمية وهو أحد رهبان دير أنبا مقار.
6 – أنبا مكاريوس الثاني البطريرك 69 من سنة 1102-1128م في عهد الدولة الفاطمية وهو أحد رهبان دير أنبا مقار.
7 – أنبا ميخائيل الثاني البطريرك 71 من سنة 1145-1146م في عهد الدولة الفاطمية وهو أحد رهبان دير أنبا مقار.
8 – أنبا مرقس الخامس البطريرك 98 من سنة 1603-1619م في عهد الدولة العثمانية وهو أحد رهبان دير أنبا مقار.
9 و10 – أنبا غبريال (بن تريك) البطريرك 70 من سنة 1131-1146م، وأنبا يوحنا البطريرك 72، ليسا من رهبان الدير، ولكن تم نقل جسديهما إلى دير أنبا مقار بواسطة البطريرك أنبا مرقس الثالث الـ 73 المدعو ابن زرعة (1166-1189) وذلك أثناء الصوم الكبير سنة 1170 ميلادية.
والمقصورة مُزينة بنقوش تُمثِّل الطاووس يأكل من الكرمة وهو رمز بديع للخلود، فالطاووس يرمز للخلود لأنه يجدِّد ريشه كل ربيع والكرمة ترمز للسيد المسيح الكرمة الحقيقية.
– السمكة: (إخثوس): ترمز للمسيح، ذلك لأن الحروف الخمسة اليونانية التي تكوِّن كلمة سمكة هي الحروف الأُولى للخمس كلمات اليونانيــة: ‘Ιησοῦς Χριστὸς Θεoῦ Yἱὸς Σωτήρ = إخثوس (ΙΧΘΥΣ) = (يسوع المسيح ابن الله مخلِّص). وبالنسبة لهذا الموضوع فإن رمز السمكة كان يُستخدم كثيراً في الفن والأدب المسيحي الأول. كذلك فإن السمكة كانت تُستخدم كرمز للمعمودية لأنه كما أن السمكة لا يمكن أن تعيش إلاَّ في الماء كذلك فإن المسيحي الحقيقي لا يمكن أن يخلص إلاَّ عن طريق ماء المعمودية.
– الصَدَفة أو المحار: الكوكل أو صَدفَة المحار المروحية هو حيوان بحري ليس له موطن محدد، يرمز في الفن المسيحي إلى الغُربة أي مَنْ كان «ليس له أين يسند رأسه» (مت 8: 20).
– الطاووس: ويُستخدم الطاووس في الفن المسيحي كرمز للخلود، لأنه يغيِّر ريشه مرَّة كل سنة في الربيع، وبهذا يظهر في صور القيامة وأحياناً تُستخدم العيون المائة في ذيل الطاووس لترمز إلى الكنيسة الكلية الرؤيا (التي ترى كل شيء).
– الكأس الخارج منه الكرمة ذات العناقيد: ترمز للإفخارستيا.