الأحد الثالث من شهر طوبة
(يو 3: 22-36)


شهادة يوحنا المعمدان
عن المسيح

علاقة يوحنا المعمدان بالرب يسوع قديمة، وكتب عنها الأنبياء. فقبل أكثر من سبعة قرون من مجيء الرب، كتب إشعياء بالوحي الإلهي مُتنبِّئاً عمَّن سيأتي ليُهيِّئ الطريق أمام الرب: «عزُّوا عزُّوا شعبي، يقول إلهكم، طيِّبوا قلب أُورشليم ونادوها بأنَّ جهادها قد كَمُلَ، أنَّ إثمها قد عُفِيَ عنه... صوتُ صارخٍ في البريَّة، أعِدُّوا طريق الرب، قوِّموا في القفر سبيلاً لإلهنا. كلُّ وطاءٍ يرتفع، وكل جبل وأَكَمَة ينخفض، ويصير المُعْوَجُّ مُستقيماً، والعراقيب سهلاً. فيُعلَن مجدُ الرب ويراه كل بشر جميعاً، لأن فم الرب تكلَّم» (إش 40: 1-5). وبعده بثلاثة قرون يكتب النبي ملاخي: «هأنـذا أُرسِل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يـوم الرب، اليوم العظيم والمخوف. فيَرُدُّ قلب الآبـاء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبـائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلَعْنٍ» (ملا 4: 6،5)(1).
وقد اقترن ميلاد المعمدان بميلاد المخلِّص، وكان ميلاد كلٍّ منهما مُعجزيّاً. فيوحنا كانت أُمه أليصابات عاقراً، وكانت مع زوجها زكريا الكاهن مُتقدِّمَيْن في أيامهما (لو 1: 7). وبشَّر جبرائيل، رئيس الملائكة، زكريا بأنَّ طلبته القديمة ظلَّت قائمة أمام الله، وها هي قد سُمِعَت في ملء الزمان. ثم بعد ستة أشهر يأتي جبرائيل ليُبشِّر عذراء الناصرة أيضاً بميلاد مخلِّص العالم، وفي السياق يُشير إلى حَبَل أليصابات نسيبتها العاقر «بابن في شيخوختها» (لو 1: 13، 26-36).

وتذهب مريم بسرعة إلى الجبال تُبارك وتُهنِّئ وتساعد. ويُسجِّل الكتاب أن يوحنا الجنين «ارتكض في بطن أُمه»، قد تواجَه أمام ابن الله المتجسِّد. ويُطلِق الوحي على لسان أليصابات قولها: «مِن أين لي هذا، أن تأتي أُم ربي إليَّ؟» (لو 1: 43)

+ يوحنا يبدأ خدمته:

هكذا كان اللقاء الأول بين يوحنا وسيِّده الذي سيُهيِّئ الطريق قدَّامه. ثم باعَدَت بينهما الأيام. فالمسيح، بعد العودة من مصر، عاش طفلاً وصبياً وشاباً بين الناصرة وأورشليم. ويوحنا، منذ أن بلغ سن الشباب «كان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل» (لو 1: 80)، حتى أنه قال عن المسيح بعد معموديته: «وأنا لم أكن أعرفه (أي لم يلتقِ به وجهاً لوجه)، لكن الذي أرسلني لأعمِّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستَقِرّاً عليه، فهو الذي يُعمِّد بالروح القدس. وأنا قد رأيتُ وشَهِدْتُ أنَّ هذا هو ابن الله» (يو 1: 34،33).

ولكن يوحنا كان يعرف أن مجيئه إلى العالم مِن والدين شيخين كان لمهمة ورسالة: أن يتقدَّم أمام الرب «بروح إيليا وقوته... لكي يُهيِّئ للرب شعباً مُستعِدّاً» (لو 1: 17). وكان يوحنا عارفاً بقدره وأنه مجرَّد صوتِ صارخٍ في البريَّة، كما كان يعرف أيضاً قدر مَن يخدمه ويُبشِّر به قبل أن يراه. هكذا كان يكرز قائلاً: «أنا أُعمِّدكم بماء للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي (الذي صار قدَّامي لأنه كان قبلي) هو أقوى مني، الذي لستُ أهلاً أن أحمل حذاءه (أنحني وأحلّ سيور حذائه)... أنا عمَّدتكم بالماء وأما هو فسيُعمِّدكم بالروح القدس (ونار)» (مت 3: 11؛ مر 1: 8،7؛ لو 3: 16؛ يو 1: 30،27).

+ يوم المعمودية:

ولما جاء يسوع من الجليل إلى الأردن ليعتمد من يوحنا، كي يستعلِن نفسه لإسرائيل والعالم، ويبدأ مهمته الخلاصية؛ نرى كم شعر يوحنا بصغر نفسه أمام يسوع، الذي - وإن كان قريبه بالجسد ويصغره بستة شهور - إلاَّ أنه كان يُدرك الفارق الهائل بينهما. فهو العبد أمام السيِّد. ومن هنا قال له متمنِّعاً خجولاً: «أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ»، فيُجيبه المسيح مُلاطفاً ومُبيِّناً أنَّ ما سيفعله هو ضمن التدبير الإلهي: «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نُكَمِّل كلَّ برٍّ. حينئذ سَمَحَ له» (مت 3: 15،14)(2). بعدها يُتاح للمعمدان وتلاميذه والذين كانوا معه أن يشهدوا ويسمعوا ما لم يسبق لأحد قط أن رآه أو سمعه، فهذا صوت الآب يُعلِن حبه ورضاه، ويشهد أن هذا هو ابن الله الآتي إلى العالم، ويرون الروح القدس نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه (مت 3: 16؛ مر 1: 11،10).

ولا شكَّ أن ما رآه يوحنا المعمدان وسمعه في ذلك اليوم لم يُفارِق وعيه، وجعله وهو يقول شهادته عن الرب، يتصاغر جداً مُغرقاً في اتضاعه أمام ملك الملوك، الذي فاقت وداعته واتضاع قلبه كل البشر.

+ شهادة المعمدان عن المسيح:

ونقصد بها ما جاء في إنجيل قدَّاس اليوم(3). كان يوحنا في ذلك الوقت قد ترك نهر الأردن، بسبب توتُّر العلاقة بينه وبين الملك هيرودس بعد أن وبَّخه علناً لارتباطه بزوجة أخيه فيلبُّس، وذهب يُعمِّد بعيداً في عين نون(4) حيث الماء الوفير. وما دعا يوحنا للإدلاء بشهادته عن المسيح هنا، هو ذلك الجدال الذي ثار بين تلاميذ يوحنا وبعض اليهود من جهة التطهير، وقد أزعجهم أن تلاميذ المسيح شرعوا هم أيضاً في التعميد (وإنْ ظنُّوا أن يسوع يُعمِّد معهم، وهو ما نفاه الإنجيل - يو 4: 2)، ورأوا أنهم يُنافسون معلِّمهم الذي كان منفرداً بهذه المهمة. وبحُكْم ولائهم لمعلِّمهم وغيرتهم لأجله، فقد جاءوا إليه يُحفِّزونه للدفاع عن خدمته وموقفه الذي يوشك أن يضيع لحساب السيِّد الجديد وجماعته. ودون أن يذكروا اسمه، ضيقاً به وحطّاً من قدره، قالوا: «يا معلِّم، هوذا الذي كان معك في عَبْر الأردن (يوم المعمودية)، الذي أنت شَهِدْتَ له، هو يُعمِّد، والجميع يأتون إليه» (يو 3: 26). فأنت تُعظِّم من شأنه، وهو يزيحك ليأخذ مكانك ومكانتك(5).

هنا تأتي شهادة يوحنا رجل الله الذي امتلأ (من بطن أُمه، ومِن قبله أبوه وأُمه) بالروح القدس (لو 1: 80،67،41،15)، وهي تكشف عن نقاوة قلبه وإدراكه حدوده وقناعته بدوره، وأيضاً عن استنارة ذهنه بالمعرفة الإلهية. فالذي يتكلَّمون عنه، هو الذي من أجله جاء يوحنا ليُهيِّئ له شعباً مُستعِدّاً، فأنْ يتَّجه الناس للمسيح يعني نجاح مهمته، وأن يبدأ المسيح كرازته هو إيذاناً بأن يُسلِّمه مقاليد الأمور، وأن يتراجع هو إلى الظل ليكون المجد كله للرب ولمسيحه.

مِن هنا فلم تُحرِّك كلمات تلاميذه المتحمسين له كوامن الذات فيه، وإنما جعلته بالأكثر ينحاز للحق الإلهي، وأن يتأهَّب لأن يُعلِن لإسرائيل وللعالم شهادته الأخيرة قبل أن يطويه الزمان. وهو قَصَدَ أيضاً أن يضع تلاميذه على الطريق الصحيح، كي تستنير أذهانهم بالحق، ويُمهِّد لهم أن يتحوَّلوا نحو المسيح شمس البرِّ (يو 1: 35-37):

1. وبكلمات يُكلِّلها اتضاعه ووضوح رؤيته واستنارته بالروح كمختار من الله لتهيئة العالم لمجيء المخلِّص، يقول هذا القانون الذي يضع الأمور في نصابها: «لا يقدر إنسانٌ أن يأخذ شيئاً إنْ لم يكُن قد أُعطِيَ من السماء» (يو 3: 27). ففي مجال خدمة الله ليس هناك مَن يقدر أن يغتصب عمل الله بالزيف، أو أن يتم التنافُس على اجتذاب الناس بوسائل مادية أو جسدية. فالأمر أولاً وأخيراً هو بيد الله ضابط الكل: «الذي يفتح ولا أحد يُغلق، ويُغلق ولا أحد يفتح» (رؤ 3: 7)، وهو صاحب الكَرْم والخدمة والمُرسِل للخُدَّام والمُحدِّد للمهام والقدرات، وهو الذي يُحرِّك القلوب، والذي يُبارِك العمل، ويُنبت الثمار: «إذاً ليس الغارس شيئاً ولا الساقي، بل الله الذي يُنْمِي» (1كو 3: 7). فنجاح الخدمة مُرتبطٌ كلِّيّاً بالذي ”يُعطي من السماء“، والذي من الله يثبت والذي ليس من الله يزول، أو كما قال مُعلِّم الناموس ”غمالائيل“ للكهنة والصدُّوقيين الذين أزعجتهم كرازة التلاميذ، والذين حررهم ملاك الرب من سجنهم: «إنْ كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف يَنْتَقِضُ، وإنْ كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه، لئلا تُوجَدوا مُحاربين لله أيضاً» (أع 5: 39،38).

2. ثم يُذكِّر (المعمدان) تلاميذه بما أقرَّ به من قبل أمامهم، شاهداً بالحقِّ: «أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلتُ: لستُ أنا المسيح بل إني مُرسَلٌ أمامه» (يو 3: 28). فهو لم يشغله التفاف تلاميذه حوله وتمسُّكهم بقيادته، وإنما أن تصحَّ رؤيتهم ويُدركوا الحق وينحازوا إليه.

3. ومستعيداً ما جاء في أسفار الأنبياء عن العلاقة بين المسيح وشعب الله (أي كنيسة العهد الجديد)، والتي شبهوها بتلك التي بين العريس والعروس(6)، فيقول: «مَن له العروس فهو العريس؛ وأمَّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذاً فرحي هذا قد كَمَلَ» (يو 3: 29).

ها هو الخادم الأمين والنبي الملتزم بحدود مهمته لا يتجاوزها، وغايته مجد مَن أرسله؛ يتنحَّى لكي يُقدِّم مَن جاء ليُمهِّد الطريق قدَّامه، ويعدَّ له الشعب بمعمودية التوبة. ومُنكراً ذاته، ومُقرّاً بالفارق بينه وبين ملك الدهور، يُعلِن أنه قد جاء العريس الذي ظلَّت العروس في انتظاره القرون. وها هو يأتي في آخر الأيام ليُخلِّصها من الموت، ويبذل نفسه من أجلها، ويهبها الحياة الأبدية (أف 5: 25). أما هو، يوحنا، فقد انتهى دوره، وهو خارج إطار الحفل البهيج. هو مجرد صديق العريس الذي يتوسَّط بين الطرفين، ويخدم صديقه العريس، ويُعاوِن في الإعداد للحفل. وهو يستقبل العريس في يوم العُرْس، ويُقدِّمه إلى العروس، ووقتها ينتهي دوره. وهو لا يبتئس لهذه النهاية، بل يبتهج أنَّ كرازته قد بلغت غايتها السعيدة. وهو يفرح لصوت العريس وهو الآن يملأ الآفاق بكرازته وتعاليمه التي يُعلِن بها عهد الله الجديد (إر 31: 31).

4. الطبيعي الآن، والذي يتحتَّم أن يصير، هو: «أنَّ ذلك (المسيح) يزيد وأني أنا (يوحنا) أنقُص» (يو 3: 30). المسيح هو الآن النجم الساطع الذي في حضوره تأفل كل النجوم. هو يتقدَّم وهم يتراجعون. لقد جاء الذي يُعمِّد بالماء والروح القدس، وليختم على معمودية الماء للتوبة.

5. وتتواصَل الشهادة. فالمسيح هو فوق الجميع، لأنه لم يأتِ من الأرض، مثل يوحنا (”الذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلَّم“ - يو 3: 31)؛ وإنما نزل من السماء مُتجسِّداً من الروح القدس (ومن العذراء القديسة مريم). وهو الذي كشف لنا عن الآب: الذي «لم يَرَه أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر» (يو 1: 18)، «وما رآه وسمعه (الابن) به يشهد... مَن قَبِلَ شهادته قد خَتَمَ أنَّ الله صادقٌ، لأن الذي أرسله الله يتكلَّم بكلام الله (وهو الذي سيُرسل الروح القدس). لأنه ليس بكَيْلٍ يُعطي الله الروحَ» (يو 3: 32-34).

ولأن الآب يحب الابن، فهو قد دفع كل شيء في يده، ويصير الإيمان به هو المدخل إلى الحياة الأبدية: «الذي يؤمن بالابن له حياةٌ أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياةً بل يمكث عليه غضب الله» (يو 3: 36)(7).

يوحنا المعمدان نموذج لخادم الله الأمين الذي يُقدِّم المسيح للعالم، ويُعطي المجد لله وحده؛ أما هو فينسحب إلى الظل.

والمسيح، ابن الله الأزلي، نموذج الاتضاع الحقيقي عندما أخلى نفسه آخذاً صورة عبد (في 2: 7). وفي كرازته كان يُمجِّد الآب ويقول: «مجداً من الناس لستُ أقبل» (يو 5: 41)، «نزلتُ من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني» (يو 6: 38). ويقول لتلاميذه: «مَن أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً. ومَن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً. كما أنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم، وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين» (مت 20: 26-28؛ مر10: 43-45).

والرسالة لكل خادم، أن يقتفي أَثَر المعلِّم الذي ”ترك لنا مثالاً لكي تتَّبعوا خطواته“ (1بط 2: 21)، وأن يتعلَّم من المعمدان ورُسل المسيح أن يكون هدف الكرازة شخص المسيح: الذي «ليس بأحد غيره الخلاص» (أع 4: 12)، «لم أَعْزِمْ أن أعرف شيئاً بينكم إلاَّ يسوع المسيح وإيَّاه مصلوباً» (1كو 2: 2).

والرسالة لكل مؤمن، أن يكون الله هو الأول في الحياة قبل النفس وقبل الأهل والكل، محبوباً من كل القلب والنفس والفكر والقدرة. فهو الذي أحبَّنا أولاً، ونحن مدينون له بخلاصنا وانتقالنا من الموت إلى الحياة الأبدية. ولأن أُولى وصاياه هي: «لا يكُن لك آلهة أخرى أمامي» (خر 20: 3)، يصير قانون حياتنا هو: عبادته، وحفظ كلمته، وخدمته، وتكريس مواهبنا وكل ما نملك له، قائلين مع داود: «لأن منك الجميع، ومِن يدك أعطيناك» (1أي 29: 14)، وعندما نكون في محضر الله تتصاغر نفوسنا أمام مجده ونُردِّد مع المعمدان: ”ينبغي أنَّ إلهنا يزيد، وأننا نحن ننقص“، ونُردِّد مع أبينا إبراهيم بغير رياء وبكل خشوع: ”إننا تراب ورماد“ (تك 18: 27)؛ فهذه هي الحقيقة.

ولا يعني هذا أن نتضع أمام الله وننتفخ أمام إخوتنا. فهُم كلهم إخوة المسيح ويحملون صورته. ووصايا الكتاب تُخاطبنا: «مُقدِّمين بعضكم بعضاً في الكرامة» (رو 12: 10)، «بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً» (غل 5: 13)، «خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله» (أف 5: 21). هكذا نحن أيضاً نشهد للرب وإنجيله.

دكتور جميل نجيب سليمان

(1) وهي النبوَّات التي استعادها الملاك المُبشِّر لزكريا (لو 1: 17)، وزكريا في تسبحته عند ميلاد يوحنا (لو 1: 76)، والإنجيليون (مت 3: 3؛ مر 1: 3،2؛ لو 3: 4-6)، ويوحنا المعمدان نفسه ضمن ردِّه على مَن سألوه عن هويته (يو 1: 23).
(2) اتضاع المسيح هو الحقيقي المعجزي، لأن فيه تنازُل من الموقع الأول إلى الأخير. تواضُع الإنسان هو إقرار بالحقيقة، فكل قدراته موهوبة له، ويمكن أن يفقدها كلها إذا تخلَّت عنه النعمة.
(3) نُلاحِظ أنَّ إنجيل باكر (يو 3: 1-21، الذي يتضمن حديث المسيح لنيقوديموس عن الولادة الثانية من الماء والروح)، هو الجزء السابق مباشرة على إنجيل القدَّاس (يو 3: 22-36)، فالفصلان معاً يشملان الأصحاح الثالث من إنجيل يوحنا بأكمله.
(4) أو ”نبع الحمامة“ قُرْب ساليم، وتقع في براري غرب الأردن بين اليهودية والسامرة، شمال الناصرة وشرق نابلس الحالية.
(5) هكذا عبَّر الفرِّيسيون أيضاً عن ضيقهم إزاء اتساع دائرة الناس حول المسيح وهو يجول يصنع خيراً، فقالوا بعضهم لبعض: «انظروا! إنكم لا تنفعون شيئاً! هوذا العالم قد ذهب وراءه!» (يو 12: 19)
(6) «وأَخطُبُكِ لنفسي إلى الأبد، وأَخطُبُكِ لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم. أَخطُبُكِ لنفسي بالأمانة، فتعرفين الرب» (هو 2: 20،19)، «فمررتُ بكِ ورأيتُكِ وإذا زمنُكِ زمنُ الحُبِّ. فبسطتُ ذيلي عليكِ، وسترتُ عورتكِ، وحلفتُ لكِ، ودخلتُ معكِ في عهدٍ، يقول السيد الرب، فَصِرتِ لي» (حز 16: 8).
(7) تتعدَّد الآراء فيمَن قال هذا الجزء (يو 3: 31-36) عن شخص المسيح. فهو بحسب امتداده لِمَا سبق يُنسَب إلى يوحنا المعمدان (كما يقبل بذلك القدِّيسان يوحنا ذهبي الفم وأُغسطينوس). ولكن بعض المفسِّرين وعلماء الكتاب يرون صعوبة نسبته إلى المعمدان، لأن رسالته تحدَّدت في التمهيد لمجيء الرب باعتباره مسيَّا الآتي بحسب مفهوم العهد القديم، وليس في استعلان لاهوته كابن الله (فهذا تمَّ بصورة كاملة بصوت الآب ونزول الروح القدس عليه كحمامة يوم المعمودية). وبالتالي فهُم ينسبونه إلى كاتب الإنجيل القديس يوحنا آخذاً من روح الكلمات التي فاه بها الرب لنيقوديموس (يو 3: 11، 15-18). فالآيتان: «الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع... وما رآه وسمعه به يشهد، وشهادته ليس أحد يقبلها» (يو 3: 32،31)، تُقابلهما الآية: «إننا إنما نتكلَّم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا» (يو 3: 11). كما أنَّ الآية الأخيرة (يو 3: 36) تبدو غير بعيدة عمَّا فاه به المسيح لنيقوديموس: «الذي يؤمن به لا يُدان، والذي لا يؤمن قد دِينَ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد» (يو 3: 18)، ويكتبها القديس يوحنا ضمن رسالته الأولى: «وهذه هي الشهادة: أنَّ الله أعطانا حياةً أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. مَن له الابن فله الحياة، ومَن ليس له ابن الله فليست له الحياة» (1يو 5: 12،11).

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis